vendredi 4 avril 2025

الربيع دائما // محمد محجوبي // الجزائر

 

بلاغتها تلك الساقية النابضة بكهوف العمر ، كثافتها تلك الساقية تتملكني أهدابها من فضة وهج تفرشني زهو المدى أتلذذ بتخوم الضوء ، ساقية من أسر الشذى ، من زئبق شوق شكلني كنورسة حلم تصطاد الغفو غناء ،
ساقية تكفي لأسكر من سحر واحورار ، أزاحم لهفة الغيم وأنا من بياض واخضرار كساقية تحاورني ، تعلمني منطق الطير ، أحتفي بهبوب القصيد مني الي غناء منذ ربيعها وخيول أخرى شربت ربيعي يسكنني لحنا فأرتوي من ساقية الكفاف والعفاف نبيلة تشع من غربتي الربيعية تحرس شمعة نهري ، يمتهنني قرنفلها شاعرا كما لواقح صمتي لذاك الطرب عشبي ضياء.





ستقولين ..// محمد لغريسي // المغرب

 

ستقـوليـن
كان يناجـي شـفافية الزجـاج
إذ يــرى
يشـكل من شـقوقه السـرية
خـيمة دافئـة
وإقـليما غـجريا
ستـقـوليـن..
كان مـجنونا حقـا
يعـطي لتـواتر الأرصـفة
وحـوافر السيـارات
بعـدا خـاصا
ولغـزا
كان لا شـبيه لـه
عابـثا ،عـبثيا
راكـضا من نجـع إلى فـلاة
إلى استيعارات وفيـرة
سـتقـوليـن
كان يُمـَنِّـي الـروح
بتخلـيص الـروح من لـوثة
الفـراغ
وعتـمة اللاشـيء
كان كـعنـتـرة ..
لا تـزعجه المـسدسات
ماركسيا تأخذ الثـورة بجماحه
فجـرا
وغسـقا.






قصائد الشمس // ثامر الخفاجي // العراق

 

حَبيبَتي
الوَجعُ ليسَ بالضَّرورةِ أنْ تَستفزُهُ أحرُفُكِ لأَتَوجهَ شَطرَ السَّماءِ مُعلناً تَوبَتي منْ بَقايا هوسٍ مارستُهُ بِضراوةٍ وأنا أُحاولُ أنْ أمتَطيَ صهوةَ الزَّمنِ المارِّ وأنا أُطاردُ حُبَّكِ الذي ما انفَكَ يَتوَعدُني بنبوءةِ عَرافةٍ قالتْ لي ذاتَ يومٍ : أيُّها الغارقُ بأوهامِ قصيدةٍ لنْ تبلُغَ يوماً رَويَّها . السَّماءُ ما زالتْ أبوابُها مُشرَعةً للآتينَ منِ الطُّرقاتِ التي لفظتْ عُشّاقَها.
عُشّاقُها وهمْ يَسألونَ حُرّاسَها كُلَّ يومٍ متى تَفقدُ فيهِ بوصلتَها وعنِ الطريقِ التي تُوصلُها بأقدارِنا.
أقدارُنا أيُّها الحزنُ الآخذُ بتلابيبِ صَبري حتىٰ عنانِ السَّماءِ سَترحلُ ولنْ أسألَ عنكَ أزقةَ مدينتي وحاراتِ غُربتي ووجوهاً كنتُ يوماً أَراها حَبيبتي .
حَبيبتي كنتِ دوماً جذوةَ عِشقٍ تُعتِّقُ الأملَ في رُوحي التي تُسائِلُكِ دوماً عنْ مرابعِ صَبوَتي وأرضٍ كنتُ أتَيمَّمُ بِثَراها قبلَ أنْ يَرميَ الشَّوقُ بي إليكِ .
إليكِ وحدُكِ تَيمَّمتُ بِلَيلٍ تَقهْقَرَ أمامَ أحلامِنا لِيُقبِّلَ الصَّباحُ ثَغرَكَ بِقصيدةٍ خُطَّتْ علىٰ ثَرىٰ وَطنٍ قادَتْنا خُطواتِنا إليهِ لِنقرأَ فيهِ آخرَ قصائدِ الشَّمسِ .






mercredi 2 avril 2025

بعد الشوق // نصيف علي وهيب // العراق

 

أتحسسُ جذوة صدري وأعاكسُ اتجاه الزمن، لعَّلي أمسكُ باللحظة البادئة، حيثُ الحب لم يضرم نار الشوق العائد منهُ الآن، كان ربيعا، يمتدُ إلى الصِبا، صار شوقاً من رحيلٍ لأمي، احترقتُ بهِ على درب النور، أولدُ من ركام اللحظة عاشقاً، أُناجي معشوقَ عشقٍ يحتويني.






بقايا المساء // لطيف الخليفي // تونس

 

عندما التقيتك على أهداب الثلج
..جنحت مراكبي
غازلت خصرك النوارس
....فتهافتت القبلات لترسو على شفاهك
واحمرت وجنتاك خجلا....
حينها أذن لصلاة العشق
فتتهاوت كل مآذن الود...
السحابات....هناك
حيث البحر يعانق الشمس
...دون استحياء..
ورذاذ الموج الثائر يداعب الصخر
فتثور حبات ....الرمل
.. لتدغدغ مشاعر المساء....
...هناك أين تجلس ابتساماتها قبالتها
وهي تطوي الزمان
...................... بأحمر شفاهها
فيهتز وجدان كياني
يرتطم فكره بآخر الليل
...حين تنفذ الخمرة
..................وتتجلى السيجارة
لهندسة دخانها
ويقفز فيه الحنين
........ إلى تلك الربوع
...فيراها خصبة....ناعمة
تسر الناظرين...فيبتسم للقمر
ويرتشف شيئا من فجوره
..... ويلعن السماء
فتنادته الوسائد خلسة
....لينعم بالدفء...وينام كالأغبياء...
يلعق سباتا ...ثقيلا...هكذا هم الأغبياء
لا يحسنون أكل الطعام
وأن للقهوة طقوسا...
فتتبلل بناطيلهم
ويتجلى قبحهم
على الرصيف..
وهم يقرعون دفوف أمسهم الكالح
بضحكاتهم الغبية...الساذجة...
كغضب السماء الفاجر...
كريح تذرو قذارتهم
....هم هكذا....ككل الأغبباء.







تشكيلية رقم : 1 // محمد الكروي // المغرب

 

وسط الدرب تمرح عتمة وضوء تسلل كلص من متنفس يجدد هواء أبواب خشبية من غير لون متواربة تئن وجع البلى في تقابل ثنائي بين جهتي الشمال والجنوب ،يفصلهما ممر في عرض حوالي ستة أذرع زادت من التحام "جورة" ورثها الأبناء أبا عن جد ،تدافعا تغدوه الأرجل نعلا مرتقا وتروحه طلبا للسكينة والهدوء إثر أعمال صعبة .
نمت فيما بين الأبواب الأربعة علاقة أخوية متينة مافتئت كشجرة مورقة خضراء ترتوي صدق مشاعر التقدير والاحترام، كأن الكل عاهد نفسه قبل الآخرين بالرعاية والاحتضان الفائقين الخالين من أي تصدع أو محاسبة أو تباه أو جميل يفسدون الود والمحبة التي لا تبرعم ولا تتفتح إلا و هي تتنفس الضياء والصفاء.
فوق إحدى عتبات هذه الأبواب توقفت وأطلت ذات يوم صيفي في استطلاع أقدام صغيرة حافية تسترها عباءة تدلى صدرها حجاب وغلالة تكتشف لأول مرة الدرب صخبا مخيفا تجوبه أجساد تروم في عجل هدفا قبل فوات الأوان ،في أتون هذا السباق المحموم ،كحمامة سلام تلوح دعابة حنونة من يد بضة بيضاء هدأت من روعة الطفل و راحتها وردة حناء سوداء تجود حلوة حمراء ،خضراء وصفراء كباقة أزهار يسمينها بيضة مسلوقة ، فرحانة تعود الخطوات أدراجها و هي تصيح : أمَّ حلو أمَّ بيضة . من خلف قدح العجين ينساب إلى سماع نزهة صوت احليمة وهو يهتف تحية الصباح وعدم استجابة حماني لزيارة دارها خاتمة بعد اعتذار عن عدم تلبية دعوة الصعود:
- الله احفطو ويعمي عليه العين الشينة .
- ويحفظ ويرعا ليك عبد الواحد في جاه المصطفى.
ضمن هذا الجو الحميمي رأى النور كل من الأطفال الأربعة :الغالي ،عبد العظيم عبد الواحد ، حماني وجميع أخواتهم وإخوانهم لهم أغرودات أربع ومباركة آباء أربع ،فالأسر الأربع بمثابة أسرة واحدة يجري بينها التعاون شدو جدول عذب ،السكر والزيت والتوابل إذا كان رمقها الأخير قبل يوم السوق أو تم تأخر الطحين في الرحى
فضروري الوجبة تسده الأيادي الكريمة المرددة في همة وتضحية لا يخامرهما أدنى تماطل:
- الجار للجار رحمة.. حتى واحد ما اكفى حالو .
بعيدا تنداح الرحمة المؤازرة مولد الغالي المتصادف وجفاف عام قاس على الأهل لتفك الجارة مريم هم العقيقة وما بقي من لازم المناسبة تكلفت به الأخريات حسب المتوفر عند كل واحدة من كسوة و أكل وشرب تساندها حنجرتان تنتهزان الفراغ غناء وأمداحا تطهران النفوس وقد تفتحت أمام ناظريها نوافذ الرجاء في تجاوز نائبات الدهر الشبيهة بنمر من ورق ،يدعها المرء خلف ظهره إبان التحدي وخلق ابتسامة توثق بهجة الظرف الضيق الذي كان سيمر دون أن يشعر به أحد لولا تظافر الأحبة الذين استطاعوا إيقاد شمعة تنير ظلمة الليالي الحالكة واذن الصمت صدى رجع يعشب جفاء الأيام صائغة نياشين الإرادة المحفزة علي مزيد من الأحلام ،تعدت أيادي الخير - مختبئ ظلام بيت الخزين في تنافس بين الأمهات والآباء - إلى العمل والترحيب جماعة بقدوم الماء الحابل بردا وسهرا و ترسبات أسكرت السواقي والحقول بماتع سمفونيتها المنسابة دفقا يتراجع خريرا خافتا يدغدغ صفحة متلألئة تتجعد و شطحات نسيم واعد ،تردفها أخرى أشد سمرة اختلفت على المحراث هي ذاتها التي تقبض قبضات السنابل المنحنية وعلى زنار منجل تتمدد الأرض سيقانا صفراء كجثث حرب ضروس ،ثم التطلع إلى خبل الدراس ولَعْوَانْ كر وفر يفصل الحب عن التبن والعودة بهما في عمل دؤوب مستوحى من إصرار النملة خوفا من مجهول جيوب الأفق المتموج سراء تطرب الأفئدة وضراء تستجدي اللطف استجداء العطشان ماء .شريطا سنيمائيا تجري هذه الأعمال تحت أعين أطفال يستمتعون بالفرجة وهم تقليد إقوال وإقبال .
تتقاسم الأسر النار عودا مشتعلا أو جمرا خجلا يتقد، والدخان توابل وعطور طازجة تفوح يعقب رفيف شالها - كدوي رعد ممطر- صحن لذيذ ، أيضا تمد الصحون في طبخة غابت لفترة عن المتناول أو إذا حل بكري موسم فاكهة او خضر ، و خلال بعض العزومات الطارئة غذاء أوعشاء أملته زيارتا الضحى أو ما بعد العصر، و الضيف - غريب الدار- مرحب به ولو اقتضى الأمر تعاضد الأبواب المتجاورة مع حضور واحد / واحدة من الجيران حسب جنس الضيف المشمول حكاية وسردا وأخذا وردا تؤنس الوافد وتشعره بأنه بين أهله ومن أهل الدار وما يلي ذلك من نسج تعارف و إخاء يثمنه الأطفال بحضورهم ولعبهم المنتبهين في غفلة من الكل إلى مجرى الكلام وتشعبه.
اهتماما بالمناسبة - عقيقة / عرس- لقطتان تمسرحان مباهج الحياة وامعانا في الشياكة والمظهر المختلف والجذاب إلى متاعها انتقاء تضيف مريم هن بهي ألوان وأشكال زبيدة وحلي جاراتها اللواتي يتولين أثناء الغياب ما يمكن توليه من تغذية عجوز غير قادر على الذهاب وحمام ودجاج ورؤوس غنم معدودة ..فسحة جماعية تكسر الحلقة المفرغة أكلا وشربا وكؤوس شاي ولهو بنين وبنات يغسلن ويمطرن الصوف بضربات عصي ترفق بها مقص الرجال وهو يجز الدابة جنا فأخر فعنقا وذيلا والشاة خفيفة تثغو وتقفز مرحة وقد تخلصت من ثقل كان يضايق أنفاسها وحركاتها ، ومما يزيد من جمال العرض مشاركة جوقة الأطفال ومتابعتهم انزياح خليط صوف أبيض وأسود وما يدور من حديث أمام عقول يغتني رصيدها يوما بعد آخر .
فالعمل حلقات مترابطة تمشطن بمشطين مسننين بقدر زغب الرأس يستحيل الهروب منها، أحدهما تعقله اليد اليسرى فوق الفخد والثانية جيئة تحيل بين فكيها الصوف لفائف ناعمة ، إليها يتجرد المغزل غزلا رقيقا وغليظا يصدح حشرجة ترسم دوائر متباية ومتداخلة كخربشة يد طرية لأول مرة تمسك القلم وتتيه متسع الورقة . تضرعا الى الله والصلاة والسلام على خير الأنام يثبت المنسج في انهمار سيل حمولة أجيال وأجيال مما تراكم من أهازيج التقطت انشراح النفس وبهاء اللحظة غناء متعثرا تفتق وأزهر ترنيمة ممتعة وشوقا يفيض رقة وحنانا له تتمايل في نشوة الأجساد تبعا للحناجر البشوشة والوجوه المباركة هذا الانجاز الكبير مرآة فرح توجه الجلوس حول الصينية لؤلؤة براد شامخ يعلوه طربوش احمر، إلى ساخن شلاله المتقلب شَرْشَرَةً تهفوها كؤوس يأسر لمعانها الأبصار و يجاري نكهتها كلام من هنا وهناك يستحضر في إكبار حكاية الخالة فطو الماهرة التي قضت عمرها تدير كل مراحل النسج و معلمة لكثير من النساء والبنات مازالت رغم الوهن تجلس في عشق- مثيل الميسترو ينط ملفوف سلهامين و يده ترحيب منقطع النظير- وسبابتها وابهامها تؤخيان بين خيط أفقي وأخرى عمودية صعبة المسلك تستغل عيشة ذات الثلاثة عقود البيضاء السوداء العينين المحبة لأطراف الحديث المناسبة في اعلان تتوخى منه ألا تسبقها أية واحدة الى المنسج وهي تتطلع إلى الأخريات:
- ملي تكمل جلابت امَّ بدَّى غدي انشا الله يرحل المنسج لداري ومرحبا بكم فَلْفِشْطَى أَدْيَالْ لباس ارقية بنتي.
هو زي شتوي تزينه عرضا أشرطة حمراء ، بيضاء ، سوداء وعلامات مختلفة تصون ثراء الذاكرة ، يختم الحفل بتناول طعام الغذاء في جو يسوده الحبور والبساطة والفكاهة بلسم يغسل الأرواح من عادات خانقة ثم يرفعن أكفهن - مستعجلات الالتحاق بما ينتظرهن من أشغال - الى الله راجيات في براءة طفولية الصحة والعافية والسداد وطول العمر والرزق الوافر.
يوم غد والجسد المرهق عملا يكدح من حريرة الصباح إلى غاية العصر بينهما استراحة تمر ولبن إن أرخت متمهلة رعدة ضرعها فجرى وتغنى الماء وتوقف بركا تستحث في عجالة بذور الأرض أن تطل خضرة نائمة من شقوق طال انتظارها الى زخات مطر يجرف بؤس الزمان ويشد من عضد المنى في تحمل أعباء العيش من غير سند يخفف من قسوة الأيام حيال امَّ بدَّى وصغارها اليتامى، استعادت الأرملة بعض حيويتها وابتسامة فرح تمحو كدر وأثر السنين العجاف ،تبسمل وتتوكل على الله وكطفلة تعانق لعبتها تتقدم امَّ بدى أمام المنسج وتقضي سحابة يومها وخيط الغزل السمين ثعبان يمرق خيوط الغزل الرقيقة تتبعه - في عمليتي دكه ودفنه - مدكة على شاكلة مشط حديدي سبق أن دندن أوتار البيان وتناغى ودفء ألوان وسادتي عريسين كفانوسين يضيئان دامس الليل ، إليهما تنجذب أهداب حقيبة مسوك وكحل وأحمر خدود التفاح وأعشاب ضواعة ، وأفرشة وأغطية ومنادل خبز أسود نسمته حناء يدين فاتنتين وأعواد الغابة وسلاهم وجلابيب لا حصر لها .. كل مرة وهي تتهيأ لبناء المنسج معمارا عاليا تتكلم شفتاها الرقيقتان المتعبتان في محاولة إقناع ذاتها والحاضرات معا :
-هذا التالي إلى ابغى الله .
ترددت النسوة وابتسامة لاتصدق ما تسمع تظلل وجوههن تليها دعوات تصخب طول العمر والسلامة والعافية على إثرها تكلمت عشيرتها الزهرة :
- كل مرة كتعودي اخالتي هاذ الكلام .
-اعييت بزاف ، والاولاد اخذو حقهم، خدمي عاود انت وانت وانت، والمنسج ابغتو صدقة لوجه الله تعالى .
بعد الظهر والأطفال دائرة لعب تلهو ورؤوسها الصغيرة سجل نقش على الحجر يسطر الأحداث أولا بأول.
مثل دجاجات تنقي الجارات حبوب البيدر من طفيليات تسكن بين السنابل في خض غربالين واسع العيون مثل كؤوس البلار وضيقها كخرم الابر ثم طرة تدع الانامل ما
عصي من يابس طين معلوك أو شظايا حصى وقطع ساق تعذرت عن الحوافر وحبيبات سوداء كشامات تهوى شمس القمح الذهبي وفضيض الشعير، وطورا آخر يغنين ويزغردن ويرقصن ترويحا للذوات من التعب والشقاء وهن يبركشن الكُسْكُسْ والمْحَمْصَةَ وفرسان الخيال الجامحة تقود كل واحدة منهن نحو آفاق بعيدة يتمنين إدراكها ومسار محطات قريبة ومتوسطة وكل النجوى أن يكبر الأطفال ويعم الخير والبركة ...







فصل من رواية " الذئب والمرآة " // محمد بوعمران // المغرب

 

اقترب الطبيب من وحيد وهو يجس نبضه وسأله بصوت هادئ:
- أما زلت تخشى المرآة، يا وحيد؟
انتفض جسده، وتقلصت ملامحه كمن رأى شبحًا، صاح مستنجدًا:
- لا تحضروا المرآة! أرجوكم، لا أتحمل رؤيته... إنه يرعبني
تبادل الطبيب والممرض نظرات خاطفة قبل أن يسأله بهدوء:
- من يرعبك؟
أخفى وحيد وجهه بين كفيه، وانكمش في سريره كطفل مذعور:
- الذئب... يا دكتور... الذئب...
راقبه الطبيب للحظات، ثم قال بصوت رصين مطمئن:
- نحن في المستشفى، يا وحيد، لسنا في الغابة.
رفع وحيد رأسه ببطء، وعيناه متسعتان كأنهما تحاولان استيعاب كلام الطبيب، ثم همس بصوت متهدج:
- الذئب ليس في الغابة... إنه داخلي... يسكنني... ألا ترى وجهه في وجهي؟ فروه
يغطي جسدي... إنه أنا...
ظل الطبيب ينظر إليه بثبات، ثم أجابه برفق:
- أرى أمامي إنسانًا، كما يراك الآخرون. أنت فقط من يرى نفسه ذئبًا.
ارتجفت شفتا وحيد قبل أن يهمس:
- إذن... أنا مجنون، أليس كذلك؟
تنهد الطبيب وهو يسجل ملاحظاته:
- لا، لست مجنونًا، لكنك تحتاج إلى المساعدة لتجاوز هذه المحنة... ونحن نحتاج إليك أيضًا، لمساعدتنا على إزالة هذه الصورة من ذهنك.
وقف الطبيب، ألقى عليه نظرة أخيرة، ثم غادر الغرفة. ظل وحيد جالسًا، يمرر يديه المرتعشتين على وجهه، على ذراعيه، على صدره. تحسس جلده وكأنه يتأكد من حقيقته.
هل كل ما رأيته في المرآة كان مجرد وهم؟ هل كنت أهرب عبثًا، أختبئ خلف الجلباب كالأحمق؟ كيف وصلت إلى هذه الحالة ؟ لماذا...؟
تلاشت الأسئلة في الظلام الذي أخذ يزحف داخل عقله، لكنه لم يجرؤ على النظر إلى المرآة. ليس بعد...






mardi 1 avril 2025

ولادة قصائدي طبيعية.. // المصطفى المحبوب // المغرب


قصائدي لن تقابل أحدا حتى تنجب ،
هي الآن في أشهرها الأولى تفكر في طرق
حماية هذا الجنين ، لن تنشغل بالحجارة التي
تسقط بالقرب من الغابة التي ترعرعت وسطها ،
لن تتأثر بالإشاعات التي تبعثها نساء عانين من العقم
والإجهاض المتكرر ، لن تبكي لكونها لا تتوفر على تغطية صحية أو ضمانات مالية تساعدها على الدخول لمصحات الولادة والعناية الصحية ..
الآن لن تنفع قروض التقاعد ، ولا الوقوف في طوابير
إحصاء الفقراء والمعوزين ، حتى وقاحة الفقر لم تعد قادرة
على التفكير في طريقة لإحداث الشغب والذهاب وسط جماعات الجماهير التي لا تفكر في تغيير الطرق المؤدية
إلى الملاعب ..
الآن يبقى التفكير في معنى الحياة مجرد تسلية تليق برجل أعزب أو امرأة لم تفكر مرة واحدة في معنى الإنجاب ،
على الأقل قصائدي في أشهرها الأولى من الحمل ..
قد يغضب هذا الأمر بعض الأصدقاء ، قد تحرضهم زوجاتهم على معاقبتي ومنعي من حضور سهرات نهاية الأسبوع...
المهم الآن هو التفكير في اللحظات القادمة ، قد تكون متعبة بعض الشيء ، قد تساهم في غلاء أسعار الصداقة والحياة ، قد تجعل التفكير في ملاقاة شاعر أو فنان أمرا مستحيلا ،
قد تجعل التفكير في مضاجعة فراشة أمرا ممكنا ،
قد تجعل أسعار الكلمات تعرف ارتفاعا مهولا ،
كل هذا خطير ومحزن
لهذا لن تقابل قصائدي أحدا حتى تنجب..
اتفق مع البعض حين أتأكد أن فرصي قد تخذلني أو تضيع مني أو تظهر أسباب تمنعني من السفر للبحث عن وسائل
مساعدة على الولادة الطبيعية ،
قد أنشغل بأسباب أخرى
تمكنني من العيش إلى جانب قصائدي الحبلى ،
لا أفكر في مكانة ما
ولا في مساعدة ما، ولا في جهة ما
تتحرك كي تجعل ولادة قصائدي طبيعية ..