mercredi 29 mars 2023

حرف // نصيف علي وهيب // العراق


بنى مدينة عشقي، ليتنزه على السطرين، يتأمل مدادي، نهرٌ من العواطف، يشتاقُ للحظة، هي زمنٌ من أزمان حياتي، تكبرُ خيالاً، صمتي يسمحُ لها باطلالةٍ على ظلٍ، أتفيأ بهِ من حرِّ أشواقٍ، تأتي على أحيانِ الذكرى، بحرفٍ لا يفارقني.







ودائما أنت رائعتي ..// الحبيب القاضي // تونس

 

ليس مهما، أنا أعرف تحديدا ساعة موتي.. بل أعرف موعدها بالدقائق.. انظري إلى ذلك الخيط في عنقي، يسمى وريداً..في الموعد المحدد، سترين كيف تصيبه رمية حادة و تحدث فيه ثقبا.. يخرج الدم قويّا تحت ضغط الحياة.. في تلك اللحظة لا تجلسي عن يساري.. بل عن يميني و شديني إليك.. القلب يسقط باتجاه النزيف.. شديني برفق..
صوت نشاز.. :"ماذا ستفعلان حتى حلول الموعد؟".. أجيبه؟.. تجيبينه؟.. أم نحتقره؟؟..
اقتربي أكثر.. لقد نشأتُ حرّا و متوحّشا.. كنت سعيدا بكل الآلام التي عشتها.. كنت كطائر الكروان ذا ملامح صخرية.. أذكر صورتي و أنا طفل.. لم أتعلم بعد ذلك شيئا رغم غربتي المتواصلة.. كنت سعيدا باللغة التي لقنتني اياها أمي.. لم تزل تلك السعادة و الشغف على حالها.. أنا أحب اللغة و أحب كل امرأة رائعة.. لغة تكتبني و تمحوني.. تحلق بي و تلقيني في مهملات الأيام.. لغة تستقر بي على صدور الصبايا و زفرات المقهورين.. تزيد من ملوحتي على خد سيدة عاشقة تتعطر لحبيب لن يأتيها.. لغة تشتهيني و أشتهيها.. لغة برائحة غريب في شوراع الازدحام.. لازلت سعيدا بامرأة رائعة.. هل أنت فعلا رائعة؟.. هزي الطرف كي أفهم إجابتك.. الشفاه كاذبة.. كاذبة في الكلام و في التقبيل.. كاذبة حتى في تلاوات الصلاة.. تمام تلك الساعة.. لا تتركي دمي يتخثر على الأسفلت.. لا تتركيه يرسم لوحة على الجدار القديم.. مرري عليه يديك.. فإن تبخر و تضوع عطره أو غار في الأرض و انفجر ينبوعا.. سأشهد لك حينها و في شهقة الموت أنك رائعتي...
بعد ثلاث سنين.. ودائماً أنت رائعتي.






lundi 27 mars 2023

نداء قديم // أحمد نفاع // المغرب

 

نداء قديم ( د / صهيل بلحن المداد )

هو
نداء قديم
كلما تردد صداه
رست مراكب اليقين بمرافئي
فأبدأ أنبش مهدي
بإزميل ضوء
هارب
أعود لفطرتي
لأصنع انتصارات شبه غابرة
بلا دخان بلا حرائق
فقط بمظلات
أحرف
أملأ بتفل الذكريات
شقوق القيامة
و
لا
أبالي
كلما تعالى
النداء القديم
أَندَلِقُ بين وَحمات* / أيام
تذكرني بسر ولادتي
يا لهذا الحلم الماطر / الناعم
كيف هو يُبلل سنابلي
وأنا عاري الرأس
أهذي ..
أكلم ظلي ..
أمسح دماء حروبي في صيام
كلما أوجعني الفقد كثيراً
أفتش عن وصايا
عن نداء حب
يأسر
******

*وحمات/ علامات تظهر على الجلد.





mercredi 22 mars 2023

أيتها الساقية ...// بشرى العربي // المغرب

.

صوت رحاك المهترئ،
من حيف الزمان يستجير.
والرقاب منك مدارج المنايا،
تتداول مشاهد لا تمور.
جانب منك كبرياء يتحاكى،
وآخر من هوان صدع يغور.
النثرات صخب يتراشق،
والهمةعزم لا يخور.
يتردد لحنك ريّا لا يتوانى،
والشموخ من إيقاعك أمور.
انسابت بسمتك يمنة رذاذا،
ويسارا انتفض دمعك يفور.
حارقا حين يتكلم خريرا،
وعميق المدى لا يبور.
فيا ساقية الحياة مدِّي درسا ،
لزمن باهت جحده السرور.
كيف من عطائك امسى الخير ملة،
وبتِّ الآن رسما وشمه لا يجور.
آمنت طوعا بقطرات عشق،
فتفسخ من ثغرك المحجوزِ العبورُ.





وميض القلق // يحيى موطوال // المغرب

 

ها أنا ذا
أنجو بي
من زحمةِ المستحيل ،
أشعلُ سرِّي
عرجونًا
في عتمة الرحيل ،
أحبّكَ نثرًا فينقيًّا
من شهقة الكتابة
وأمضي
إلى حتفي الأخير .
ها أنا ذا
أصغي لأناي
وهيَ تنمو
في الفراغ
فوضى حروفٍ
لا تستطيعُ الكلام ،
أعيدُ لي
صرخةَ ولادتي الأولى،
عاداتي المسروقة،
دمعتي الحرّى
وابتسامتي العذراء .
ها أنا ذا
أعودُ إليّ
خوفًا داكنًا
يأسرُهُ الغياب ،
ضوضاءً
تطفئُ وميضَ القلق .
ها أنا ذا
أعدُّ بحسرة
ما تبقَّى
أطلُّ من نافذة العمر
لأظفرَ بشغف البقاء ،
أسألُني
كم يلزمُ
لأهديَ الموتَ
قصيدةً
ووردة ؟! .
لي ولكَ
يا أنا
هذا الوفاءُ
المطرّزُ بدمع المنافي ،
لي ولك
هذا الهذيانُ المكتوبُ
جنونًا
على جبين الذُّبول .




mardi 21 mars 2023

التحليل النقدي لقصة "اشتباه" القصيرة جدا للقاص والروائي والناقد اياد خضير الشمري // علي البدر // العراق


1 ) القصة
في احتفال تأبيني ، امتلأت القاعة بالحضور ، وعندما كان الخطيب يلقي كلمته الحزينة بحق الفقيد ، انشغل أحدهم بإخراج سيكارته المثبتة في الطقم ، كل المحاولات باءت بالفشل ، ضرب بقوه على باطن كفه لإخراجها ، ظهر صوت يشبه التصفيق ، أثار الحضور فقاموا بالتصفيق أمام استغراب عائلة الفقيد.
2) التحلبل النقدي:
يبدو في هذا النص الخالي من اي نوع من أنواع الحوار، مدى التركيز في المعنى لكي يبقى المتلقي مشدوداً رغماً عنه إلى النهاية. ومع تتابع السرد بكل انسيابية وبساطة، نرى ان القاص أياد خضير الشمري قد توغل إلى عمق النفس الإنسانية وضمن التفكير الجمعي لينتج حدثاً مفاجئاً للحاضرين في المناسبة التأبينية وللقارئ أيضاً. نحن نصفق للتعبير عن الرضى والقناعة المصاحبة للفرح، ولا نصفق في المناسبات الحزينة أبداً، وعليه لابد أن نجد مبرراً منطقياً للقفلة التي اعتبرُها نادرة ومميزة وغير مطروقة، على حد علمي على الأقل. وسنرى من عتبة القصة أن "الاشتباه" يعادل تصرفأً غير محسوب، لا إرادي، والحقيقة إن دلائل وجذور هذا الاشتباه ونتيجته مكبوته في اللاوعي تنتظر الفرصة المناسبة للتصريف.
ونلاحظ في مجتمعنا، أننا نحاول الحفاظ على الروابط الاجتماعية وأن نكون حريصين على أدائها والتعاطف مع الآخرين خاصة في مناسبات الحزن وهذا شيء في منتهى الروعة . وعليه فإن هذه العادة قد توغلت في اللاشعور وأصبحت مؤثرة جدا تدفعنا للمشاركة فيها بغض النظر عن مدى وعمق تأثرنا بالحادث المأساوي. ولتعزيز هذه الفرضية، لابد أن نراقب سلوك الحاضرين في الفواتح مثلا، حيث طابع الحزن والألم يبدو علينا ولكن سرعان ما ننسجم مع الآخرين بأحاديث مختلفة ويبدأ التساؤل عن الأشخاص وعن أمور أخرى.
ولتطبيق هذا الاستدراج، نرى أن الخطيب منهمكاً بإلقاء " كلمته الحزينة بحق الفقيد ،" وبعض الحاضرين سارح وغارق في ما يشغل فكرة، وكأنه غير موجود. خاصة عندما تطول الخطبة أو يتكرر الخطباء ليصبح البعض بعيداً تماماً عن واقع المأساة، وعليه فإن عقلهم الباطن قد يكون مهيأً لأية ردة فعل غير مقصودة. وقد كانت السيكارة المثبتة في "الطقم" ومحاولة إخراجها دليلاً سيميائياً symbol يوصلنا إلى الذروة وهي التصفيق الجمعي واندفاع الحاضرين نحو استجابة غير مقصودة. فلولا "الطقم" لكان من المستحيل الوصول إلى هكذا قفلة. ولم يشر الوصف الموضوعي objective description لأحد الحاضرين، وجود صفقة وإنما ما يشبه الصفقة، حيث فسرها العقل الباطن بأنها صفقة مقصودة. لقد اعتدنا قبل التصفيق أن يبدأ أحد الأشخاص به، في الاحتفالات وغيرها من المناسبات حيث نصفق بصورة انسيابية ضمن التصرف الجمعي. وفي عهد مضى، كان التصفيق واجباً على الجميع، والذي لم يمارسه يعتبر من المناوئين وعليه فقد نصفق لعبارة قالها الخطيب ونحن لم نسمعها بحكم بعدنا عن منصة الخطابة أو عدم انتباهنا، وإنما معتمدين على تصفيق من هم قريبين من المنصة.
والفرد ضمن الجماعة، يكتسب ردة فعلها ويمارسه وهو لا يعلم السبب الحقيقي، منساقا بتأثير ما يسمى "غريزة القطيع herd instinct"، وانما للحصول على مشاعر الاطمئنان ضمن الوسط الاجتماعي. من هنا نفهم أن العقل الجمعي متحفز بصورة لاإرادية لهكذا ردة فعل. وإن اعتبرنا الصفقة الأولى حافزاً و منبهاً motive فإن التصفيق اللاحق للحاضرين هو استجابةresponse. وحسب تفسير المدرسة السلوكية فإن التكرار السابق للمنبه والاستجابة يؤدي إلى العادة، والعادة هي تكرار لاشعوري unconscious repetition لسلوك معين حيث تترسخ أكثر عند اتحادهما معاً. وعليه فقد كانت استجابة الحاضرين لا إرادية مستندة لخبرات لاشعورية قديمة.
ويتعزز هذا الافتراض في الأنظمة الدكتاتورية ووجود "القائد الضرورة"، عندما أصبحنا نصفق خوفا على حياتنا أو من أي سوء قد نتعرض له، وعليه فقد أصبح التصفيق مرادفاً للخلاص والسلامة والأمان بقدر ارتباطه بالقلق الذي لابد من التخلص منه. إن كل ما جرى ويجري لا يمكن نسيانه وإنما يتعرض لتراكمات أفكار وحوادث لاحقة تدفعنا للتصرف بشتى الطرق بصورة لا إرادية، والتصفيق أحد هذه التراكمات.
وقد جعل القاص أياد خضير الشمري ردة فعل الحاضرين بحفل التأبين أن يكون صرخة احتجاج بمدلولات غاية في العمق لرفض الاساليب الملتوية التي تخدم مصلحة طبقة ما ، وعليه لابد من زرع عوامل الاطمئنان النفسي والثقة بالنفس لخلق الشخصية المتوازنة التي تمتلك ردة فعل عقلانية و فسحة من التفكير قبل الشروع بأي تصرف لاحق قد نندم عليه أو يثير الاستغراب.
لقد تميزت هذه القصة بعمق دلالي لافت، وهذا ما وجدته في كتابات اياد خضير الشمري عموماً، وقصتنا القصيرة هذه أحد تلك المدلولات التي لابد أن تقول شيئًا مبتعدة عن النهايات السائبة التي قد تكون أحيانًا عبثية وبدون جدوى..






dimanche 19 mars 2023

لعبة الأصيل الذابل // محمد محجوبي // الجزائر


أدنو إلي بشهقة ربيع ممزقه الضياع
أفتش عن لوحتي السحرية
بين خبايا كثبان راعفة
عن زهرة العطش
ركامها المديد
الظل ظلي لو تحالفت نجوم الغوص وأشعلت شموع شعري العربيد
كل هذا والأصيل مهيج لقبيلة الغرباء
يهندس ضبابه المتغول لوحة طائشة
في جسم الغائبين والمغيبين
كل هذا والأصيل محتدم المرايا
يباغت نومي الثقيل
يحفر في كبد الذكرى موالا خجولا
والتماثيل على هرج ومرج المتآكلين
تمانع لعبة ذاك الأصيل
تلدغ جلد الخيال
شيء من فصول هرمت في التعداد
من غربان تشفي غليل الداء
لمساءات معلبة الرماد
ريثما تعود عصافيرنا الشمسية
من بطن حوتها الغريب
ريثما ينهمر البوح الدفين
وتغتبط المواعيد فراشات .






samedi 18 mars 2023

يا وطني ..// حسين المغربي // المغرب

 

يا وطني..
أنا التائه..
عالق بين الاستعارة،
و الحقيقة..
مهزوم،
و قدرتي قاصرة..
يا وطني المنهوب..
يا جرحي المفتوح على السماء..
و كل ريح ملح و ماء..
يقتلني صقيع ذاتي..
و جفاف أيامنا المقبلة،
و الماضية..
و كل الأراء المحايدة..
و تلك اللامبالية،
و المجانية..
و يقلتني أكثر الصمت..
هذا الصمت المخصي المخزي..
فلا أدري كيف أفعل..
وطني أنا محمية طبيعية..
و كل وحوشها آدمية..
حتى الغاب،
حتى الغاب بقوانين و أنظمة..
بينما هو ضيعة مشاعة ،مسبية..
لن تقوم لنا قائمة..
في وطن العبيد و السادة..
يا وطني المنهوب..
يا جرحي المفتوح على السماء..
و كل ريح ملح و ماء..
يا إخوة الدم..
يا إخوة المصير..
تذكروا كلما ضاعت فيكم البوصلة..
إن الوطن بوصلة..
و الحرية بوصلة..
و كذلك الكرامة،
و العدالة..
يا إخوة الدم..
يا إخوة المصير..
تأسوا بالأشجار تحيا،
و تموت واقفة..
تذكروا..
تذكروا سكاكين الخاصرة..
و سيول التفاهة الجارفة..
و سطوة الوحوش الجائعة..
و طفولة لاهية..
فلا تفقدوا البوصلة..
ارفعوا هامتكم فكل الرؤوس منكسة..
حرروا الصرخة المحشورة في صدوركم..
دونوا سطوركم تلك المناوئة..
ملعون أبو الصمت..
ملعونة الكلمات..
كل كلمة تسجد،
أو تؤول،
أو تطبل لطاغية..
يا وطني المنهوب..
يا جرحي المفتوح على السماء..
و كل ريح ملح و ماء..
لن تقوم لنا قائمة..
في وطن العبيد و السادة..
يا وطني..





رويدا ، رويدا // محمد الكروي // المغرب

 

رويدا،رويدا
في ثلاث
حتى أربع
خطوات قصااار
بطيئة ،ثقيلة
كصخرة الواد
بلبلتي المهيضة
على الأنين والشكوى
اح. اح. اح
امااااشي
مثل طفل
أول السعي
جولة،جولة
أحفزها
حكاية
توارت خلف الزمن
أو نغما
تفجر وسال متراقصا
كالجدول على لسانها
وأخرى
أستحثها
أهزوجة
بها تتماهى
ومعها ينبجس الفرح
مزامر وطبول.






ترجمة لنص "علمني الصمت " للشاعر عبد الواحد مشيشو // محمد علوي امحمدي // المغرب

 

علمني الصمت
كيف أحس
حين تنطق
الحروف
ترقص
على وتر القوافي
دون خجل ...
علمني الصمت
كيف أتأمل
في جمالية الألوان
وهي تروي جدران
نفسي ....
دون ملل ...
علمني الصمت
أن أصنع ظلا
لمن حولي
بأوراق أنجبها غصني
على أمل ...
علمني الصمت
كيف أسافر
وأنا وحدي ..
أتنقل بين مقصورات
القطار المخيف ..
وهو يزأر كلما اقترب
من خطر !
وأنا وحدي ...
علمني الصمت
ضعف الكلام
حين يرتعش
اللسان ،فيعجز
عن مدح الزهور
والأقحوان !!!
وينتقص من قوة
الأبطال
وهبة الفرسان ..
علمني الصمت
كيف أتحمل
عبء الحياة
وجرح الفراق
ان ألمس بيدي
بقايا السحب
وأطلالا من رفات ....
علمني الصمت ...
المضيق في 16مارس 2023
علمني الصمت...بقلم الشاعر عبد الواحد مشيشو
Traduction
Le silence m'a appris
comment ressentir
quand les lettres parlent
et quand elles dansent
au rythme des rimes
sans honte ni gêne
Le silence m'a appris
comment je médite
l'esthétique des couleurs
quand elles décorent
les murs de mon moi
sans s'ennuyer.
Le silence m'a appris
comment je fais une ombre
à ceux qui m'entourent
avec de jolies feuilles
engendrées par ma brindille
empreinte d'espoir
Le silence m'a appris
comment je voyage
moi tout seul
je me déplace entre des compartiments
du train effrayant
pendant qu'il rugit
chaque fois qu'il s'approche d'un danger !
et je suis seul.
Le silence m'a appris
la faiblesse de la parole
quand la langue tremble
et devient incapable
d'éloge envers les fleurs
et les chrysanthèmes
puis elle réduit la force des héros
et le don des chevaliers.
Le silence m'a appris
comment puis-je supporter
le fardeau de la vie
la blessure des adieux
et toucher de ma main
les résidus des nuages blancs
et des ruines de bon temps
(Mohamed Alaoui M Hamedi )
18/ mars/ 2023





vendredi 17 mars 2023

غربة شاعر // لطيفة الأعكَل // المغرب

 

،كان الصَّباحُ مُكْتئِباً 
،و الغيومُ سوداءَ 
!..تُغطّي سَماءَ المدينة 
،الجُدرانُ مَطْليّةً بالسّوادِ 
،تتَساقطُ أرْكانها رَدْماً 
...تُذَرُّ على الأرضِ غُباراً 
الرّياحُ غاضِبةً
،تُزلْزلُ الأرضَ 
،تَجْتثُّ الأشْجارَ 
.تَنْشُرُ الرُّعبَ والخَرابَ 
!..صَمْتٌ رَهيبٌ يَعْتَصِرُ الأنْفاس
……….
!شوارِعُ المدينةِ خاليّةً مِنَ المارّة !
لا أحدَ يَسألُ مَنْ أنتَ ، أو ما ذا تُريد؟
،لا ضَجيج أبواق سيّاراتٍ يُسْمعُ 
،ولا موُسيقى صاخبةً 
،تَنْبعثُ مِنْ سمّاعةِ مارٍ 
!!على الرّصيف القريبِ مِنَ الحديقةِ 
..كانَ لا يُسمعُ 
..إلاّ نَحيب الأشجارْ 
.لا مكان للدِّفْءِ من بردِ السنين
.غابَت إبتسامة الصّباحِ عَنْ شِفاه الحَمامْ





jeudi 16 mars 2023

خيط الفجر // نصيف علي وهيب // العراق

 

المنظومة بخيط الفجر أحلام، أعدُّ بها مرات الأمل، بعد كلِّ نهار، أنثرها على جبين الدجى أمنياتٍ بطيفِ القلب، قوسُ محبة يصيبُ عشقاً، تتجلى مع الوجدِ دمعة، لشوقِ يومٍ فيهِ الجنةِ أُم.






تجليات الروح وسيميائية الشعائر.. قراءة صوفية في ديوان "قمر" للشاعرعمرو فرج لطيف // محمد عبد الله الخولي // مصر

 

إن القضية التي تشغل شاعرنا في جل أعماله- والتي طالعتها منذ أمد بعيد- هي قضية الحب الإلهي وما تشظّى عنها من تجليات تعتري قلب المريد؛ فيتبدل حاله ويسكن في عوالم الروح مرتقيا معاريج الجمال، محاولا الوصول، حيث لا وصول إلى هناك؛ ولذا تتجاذب الشاعر أحوال ورؤى، ويظل مشدوها تائها، يناظر قَمَرَه وتتراءى له صور التجلي على بحيرة الشعر المقدسة.
ولما كان القمر عند السادة الصوفية مظهرًا من مظاهر التجلي؛ تصدر عنوان الديوان "قمر" وأتت المفردة نكرةً لتتخافى في دهاليز التأويل الصوفي لتلك المفردة، التي تُوُسِّعَ في استخدامها، وأضحت رمزا صوفيا خالصًا متعاليا، يتجاوز بصوفيته معجميته وتاريخيته. ولم يكتفِ الشاعر بتنكير المفردة "قمر" والتي استلبها من مكمنها، وغرسها في فضاء عنواني غائم، تتراءى فيه المفردة العنوانية على محور الاستبدال دون محور التركيب.
وتلك المفردة "قمر" والتي احتلت مساحة العنوان كاملة- هي أول تقنية شعرية يتلقفها القارئ من أول مطالعة له للديوان، فالجنس الأدبي الأوحد الذي يسمح بهذه التقنية هو الشعر القائم في أساسه على عملية التهشيم سواء كان على محور الاستبدال أو محور التركيب، فالشعر يعطي المبدع مساحة من الحرية من خلالها، يسمح له بانتهاك اللغة، وإعادة بنائها مرة أخرى في أفق الشعرية. فالمفردة "قمر" والتي استطاعت بجدارة الشعرية أن تهيمن على العنوان وتحتله كاملا، وهي تؤدي دورها الوظيفي في التواصل بين الشاعر والمتلقي، وفي سياق آخر، وجنس أدبي مغاير لم تكن لتقدر تلك المفردة أن تؤدي دورها المنوط بها في عملية التواصل الأدبي، فانسحاب المفردة "قمر" بكينونتها الحالية هو تمام الشاعرية مع ما يعتريها من نقص تركيبي واضح، ونستطيع القول: أن هذا النقصان التركيبي هو تمام شعرية العنوان ويرى كمال أبو ديب " أن الشعرية تجسد في النص لشبكة من العلاقات تنمو بين مكونات أولية سمتها الأساسية أن كلا منها يمكن أن يقع في سياق آخر دون أن يكون شعريا، ولكنه في السياق الذي تنشأ فيه هذه العلاقات وفي حركيته المتواشجة مع مكونات أخرى لها السمة الأساسية ذاتها يتحول إلى فاعلية خلق للشعر ومؤشر على وجودها." فالعنوان الذي تجلى على صفحة الغلاف "قمر" هو أول مكون شعري تنبني تحته شبكة من العلاقات الشعرية، وهو أول اتصال شعري بين المبدع والمتلقي، وكأن العنوان بهذا الشكل يؤكد شعريته، ويحدد أفق اتصاله، ويعلن عن جنسه الأدبي متماهيا معه ومنتميا إليه.
ومثل هذه العنوانات الشعرية تتطلب متلقيًا حاذقا، يمتلك القدرة التي تمكنه من فهم النص وتفكيكه، وإعادة بنائه مرة أخرى؛ ليلتقي مع المبدع في أفق اتصالي واحد، ومن ثَمَّ تتجلى خوابي العنوان، ويستنطقه القارئ في فضاء شعري خالص، حيث يلتقي إدراك الشاعر مع وعي المتلقي في كون ثقافي مشترك يجمع بين وعيين: الأول، يعيد بناء العالم في فضاء النص وفق رؤيته للعالم. والثاني، يفكك بناء النص ليكتشف العالم من خلال الرؤية الذاتية للمبدع؛ ولذا ننبه دائما وأبدا على أن الشعر يتمايز على سائر الأجناس الأدبية بخصوصية البناء وفرادة التركيب، ولذا يتطلب متلقيا نوعيا يستطيع أن يخوض غمار النص؛ ليستكشف عوالمه، وهذا ما أشار إليه "الجرجاني" مشترطًا " أن يكون المتلقي حاذقًا حتى تكون له القدرة على كشف وتحديد الجهة التي تنبثق منها المزية وتعليلها وفقا لأسرار النظم في النص، لأن المتلقين ليسوا على درجة واحدة من المعرفة والإحساس لإدراك مواطن المحاسن والمزايا في النصوص." فديوان "قمر" للشاعر عمرو لطيف ابتدر أفق شاعرية نصه من الوهلة الأولى من خلال مطالعة العنوان الذي ينتمي بالكلية إلى أفق شعري خالص، ينجذب إليه المتلقي، ويصبح الرمز الشعري أول سمة يتمايز بها هذا الديوان، وهذا ما يكتشفه القارئ بنفسه عند مطالعة العنوان.
يبتدر " عمرو لطيف" ديوانه، ببيتين أظنهما ينطويان على ما يصبو إليه الشاعر في كل أعماله الشعرية، وإن كانا في الحقيقة ينطويان على خلاصة الشعر الصوفي و ما يرنوا إليه شعراء الحب الإلهي قديمًا وحديثًا. فيقول:
نحن العرايا، والذنوب لنا ثياب
الكاف نون، والحضور هو الغياب!
لغزٌ بماء الوصلِ بات مشفرا
ما فكَّ طلسمَ سره إلَّا الترابُ.
ينبني العرفان الصوفي على الحدس، ودائما ما يجنح الصوفية إلى المطلق المتربع على عرش الوجود، فلطائف العرفان الصوفي ورقائق التجربة الصوفية يتمايزان بالرمزية الموغلة في الإبهام والغموض، وهذا الغموض الذي ينتاب الرمز الشعري، ليس انتهاكًا للغة وحسب؛ لتتحقق مآرب الشعرية، بل عجز المريد عن التعبير عن تلك الرقائق والمشاهدات التي تعجز اللغة والوعي البشري عن التعبير عنها، أو إدراكها إدراكًا يمكن اللغة ذاتها من خوض تلك التجربة، إلا عن طريق الرمز الصوفي الخالص، الذي يتسامى عن مكنون الشعرية ذاتها، ليصبح بذلك الرمز الصوفي متعاليا بتجربة الذات ومشاهداتها عن الرمز الشعري، وهذا ما يضع الناقد أمام ثلاثة أنواع من الرموز يجب التعرف عليها قبل الخوض في عملية التأويل الصوفي لنص شعري كهذا، فاللغة بكل مستوياتها رموز يعبر بها عن العالم، ولذا أول مستوى رمزي ونعده المستوى الأول، هو الرمز اللغوي الخالص، الذي يحاول أن ينقل العالم الواقعي أو الموضوعي من خلال اللغة، واستنطاق الواقع من خلالها، والذي يسمح بهذا هو العرف الثقافي الذي يشترك فيه كل أطياف المجتمع. والثاني هو الرمز الشعري الخالص، والذي يقوم في أساسه على عملية الانتهاك اللغوي؛ لينتقل الرمز من لغويته الخالصة إلى أفق الشعرية، أما الثالث وهو محك الحديث هنا، هو الرمز الصوفي، الذي يبتعد فيه الدال/ الرمز عن مرموزه لدرجة الصفر أو ما يقرب منها، والسبب في ذلك هو رقي التجربة الصوفية عن سائر التجارب الأخرى، لأن التجربة الصوفية تتماهى تماهيا كليا مع المعاني الخالصة، والتي لا تنتمي بأي شكل من الأشكال مع المحسوسات الأرضية، وهنا تتجلى خصوصية الرمز الصوفي عن العلامة السيميائية بشكل عام، " فالعلامة إشارة حسية إلى واقعة أو موضوع مادي، بينما يبدو الرمز تعبيرا يومئ إلى معنى عام يعرف بالحدس... والرموز بمعناها الاصطلاحي الدقيق يتعذر ردها إلى علامات خالصة، إذ العلامات والرموز كما يقول " Cassirer" ينتميان لعالمين مختلفين "فالعلامة جزء من العالم الفيزيائي، والرمز بضعة من العالم الإنساني الخاص بالمعنى" وهذا ما ألمح إليه الدكتور/ عاطف جودة نصر في كتابه " الرمز الشعري عند الصوفية" وقد مهدت بما سبق عن الرمز الصوفي قبل الخوض في عملية التحليل السيميائي لهذين البيتين الرائعين اللذين استهل بهما الشاعر عمرو لطيف ديوانه" قمر" ليتعرف القارئ على نوعية الرمز الذي نحن بصدد تحليله.
" نحن العرايا" نحن تدل على العالم البشري برمته، فالضمير "نحن" استدخل الجنس البشري بكل طيوفه وأطيافه في المعنى المراد، وهو، العجز والضعف الذي نراه – نحن البشر- صفة ملازمة للإنسان؛ ليقابل هذا الضعف، القدرة الإلهية المطلقة، تلك القدرة التي تحمل الإنسان بضعفه وعجزه على أجنحة الرحمة الإلهية، فمخلوق بهذا الضعف يحتاج إلى قوة ربانية وقدرة إلهية، تحمله من غياهب ضعفه وجهله إلى مراقي الحنان الإلهي ومستودع الأمان الرباني، ولكي يرتقي الضعيف/ الإنسان هذه المراقي الحسان؛ يجب عليه أن يتعرَّى من كل حول له وقوة، ويقف أمام عتبات عز الذات الإلهية عاريا من كل شيء، ودائما ما يضع الصوفي نفسه موضع المساءلة والمحاسبة على قسطاس تجربته، فلا يجد لنفسه في هذا الكون شيئا يستتر به، سوى الذنوب، فيتخلى عن كل ما يتوهم أنه يمتلكه في هذا الكون، ويتعرَّى منه، ويقف على أبواب الحضرة وهو يرتدى عباءة الذنب، التي يستر بها نفسه، فهو في حالة تخلِّ كاملٍ إلا عن ذنوبه التي أتى بها ربه بعد رحلة خلافته في الأرض.
وبهذا التخلي والتجرد عن الذات والتماهي في تجربة الخلاص الروحي، يضع المريد نفسه في أرض التسليم للقدرة الإلهية المطلقة، يغيب عن ذاته، ينسلخ منها، يذوب في رعشة الخوف يتماهى في النور الساطع في أفق محراب التذلل، ليكون غياب الذات هو حضور فعلي للروح والسر الإلهي الساري في الكينونة الإنسانية، فكل غياب حضور، وكل حضور للذات غياب.
يعد البيت الثاني " لغز بماء الوصل بات مشفرا ..." ترجمة روحية متعالية للبيت الأول، وإن شئت فقل: هو زيادة تفصيل عما أجمل نوعا ما في البيت الأول، فاللغز المحير في التجربة الصوفية، هو طريقة الوصول، والتي تعددت في الكون بعدد أنفاس الخلائق، فلكل طريقته التي من خلالها يحاول التقرب من محاريب الجمال النوراني، وكل طريقة من هذه الطرائق تعتبر لغزا محيرا، لا تفك شفرته إلا " بماء الحب" ولا يتعرف المريد على مشربه الذي يمكنه من الوصول، إلا بفك شفرة ذاته، وهي التراب، والتراب بوصفه رمزا صوفيا يرمز إلى كثير من المعاني التي مهما تباينت، إلا أنها في النهاية تدور في فلك واحد، وهو التبصر والتعرف، الذي يشير إليه رب العزة في قوله : " وفي أنفسكم أفلا تبصرون" فالمريد العارف لنفسه عارف لربه، فحقيقته الترابية التي تحمل في طياتها معاني متعددة كالرجوع والعودة والتذلل والخشوع والخضوع، هذه المعاني تفتح أمام الذات أفاقا أخرى متعالية تحمل في مكنونها معنى العودة والرجوع إلى خالق الأكوان ومبدعها، وتحمل معاني العزة والقدرة والإرادة الإلهية المطلقة في الكون، فلا وصول لشفرة الماء إلا بفك طلسم تراب ذاتك يا مريد.
البيتان السابقان واللذان استهل بهما عمرو لطيف ديوانه" قمر" يتمركز حولهما الديوان من بدايته حتى النهاية، فقد انقسمت قصائد الديوان إلى ثلاثة أقسام كما سنعرض لهذا التقسيم لا حقا- وكل قسم من أقسام الديوان يؤدي دوره الوظيفي الذي يخدم مركزية الديوان المتمثلة في البيتين اللذين ابتدر بهما عمرو لطيف ديوانه. وتوزعت قصائد الديوان على ثلاثة محاور رئيسة وهي:
- قصائد اتخذت من المناسك والشعائر الدينية مرتكزا وموضوعا لها.
- قصائد يقف بها الشاعر على عتبات الحضرة المحمدية وآل البيت عليهم السلام.
- قصائد يفضي الشاعر من خلالها عن مكنون تجربته الصوفية.
ونعرض أولا، لشعرية المناسك وتجلياتها الروحية، محاولين أن نستدخل تلك الشعائر/ المناسك في أفق التحليل السيميائي، لنتعرف على تلك المناسك من خلال تجربة صوفية صادقة. ويمثل هذا المحور مجموعة من القصائد وهي: " شعبان أقبل- رمضان شهر صومي- ليلة القدر1- ليلة القدر 2- رمضان ولَّى- للكعبة نور يهديني- البيت الحرام- لبيك قد لبيت لك- هنيئا لمن حجَّ بيت السلام- من نفحات الحج- يوم التروية- يوم عرفة- الروضة الشريفة- المدينة المنورة- الهجرة النبوية- القدس" لكل منسكٍ وشعيرةٍ دينيةٍ مستوياتٌ متعددة في تلقي فيضها الروحي، وتلقف معانيها، واستنطاق رقائقها، وفقه مراميها، واستنزال معانيها على مرآة مبانيها.
إن التجربة الصوفية تدخل الذات في عوالم إدراكها، فيتنبه المريد إلى معان لم تكن يوما تدور بخلده، إلا من خلال تلك التجربة التي تطلع الذات على الخوافي الروحية المستبطنة في الشعائر والمناسك الدينية، وهذا ما نلمحه في قول عمرو لطيف في قصيدته " شعبان أقبل":
وتقلَّبّ الوجه المعظمُ في السما
الله أكبر ما أجلَّ وأطهرا !
متبتلًا لله يدعو راجيا
نادى فلبَّاه الكريم بـ " قد نرى"
أن ولِّ وجهك شطره أي حيثما
كنتم فولوا نحوها أم القرى.
تقلُّبُ الوجه المعظم/ حضرة الجناب العالي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم- في السما، معراجٌ روحي، فلكل وجه تقلبه حتى يهتدي بأمر ربه، كما اهتدى أعظم وجه في الوجود صلى الله عليه وسلم- فالتقلب الذي يدل دلالة قاطعة عن البحث بغية الوصول- يقابله النداءالإلهي " قد نرى" حالة من التواصل الروحي بين المنادِي والمنادَى، وقد رأينا كثيرا من الشعراء تعرضوا لهذا الشأن، ولكن تجربة عمرو لطيف الصوفية، غيرت نوعية المعالجة الشعرية، وسمت بها إلى أفاق بعيدة، تتجلى معها روحانية ليلة النصف من شعبان كشعيرة دينية، يتوجب علينا، ألا نقف عند حدها الظاهري، بل نتخطى هذا الشكل والغلاف الظاهري، إلى حقيقة التقلب في السماء، والبحث عن المحبوب، حتى يتجلى معراج قرب المريد في " قد نرى تقلب وجهك" وهذا ما نريد التنبيه عليه هنا، أن المنسك الديني يتحول في تجربة الشاعر الصوفي إلى رمز مغاير يعبر عن حقيقة مطلقة تحس ولا تمس، يتذوقها المريد ولكنه لا يعرف كنه حقيقتها، وهذا ما نلمحه أيضا في قصيدته "ليلة القدر"
بقدومها طاب الزمان وأشرقت
شمس الحقيقة في سماء سناها
يا ليلة الفيض المعظم قدرها
ببدائع الذكر الحكيم شذاها
يا ليلة نشر الإله فيوضها
وأحاط كل الكائنات رضاها.
ليلة القدر بوصفها موضوعا تمت معالجته شعريا قديما وحديثا، ويتمايز كل شاعر بطريقة تمثيله شعريا لتلك الليلة المعظمة، ولاسيما الشاعر الصوفي الذي تتجلى ليلة قدره عليه بتجليات لا يدركها شاعر سواه، فالتجربة الصوفية سلطة عليا تنطاع لها اللغة وينصاع لها الشعر. ولعلنا نلمح طريقة التمثيل الشعري لتلك الليلة في هذه القصيدة، التي تختلف أيما اختلاف عن طرائق التمثيل التي عالجت ليلة القدر باعتبارها موضوعا ومنسكا دينيا، ولكن عمرو لطيف أحدث خرقا متعمدا للغة، لتتجلى قيمة ليلة القدر الروحية، ويتمثل هذا الخرق في بزوغ الشمس ليلا وهذا مناف للحقيقة والعرف، وكأن شمس الحقيقة هنا صورة من صور التجلي على مرايا قلب الشعر، كما كان "قمر" تجليا شعريا آخرا على بحيرة قرب الذات، وجعل الليلة القدرية مصدرا ومحلا للفيض الإلهي الذي يحيط الكون بعظيم سناه.
• ويمثل المحور الثاني( عتبات الحضرة المحمدية وآل البيت عليهم السلام) مجموعة من القصائد منها " يا عترتي- يا رسول الله- أبو الحسن الشاذلي- الحسين- على باب الرسول- نفيسة العلوم- مسبحة الوداد" تمثل هذه القصائد المحور الثاني الذي يرتكز في مجمله على مناجاة الحضرة المحمدية والتعشق في العترة النبوية الشريفة المطهرة. في نص " مسبحة الوداد" والذي أراه نصا شعريا صوفيا بامتياز تجاوز فيه الشاعر حدود المحبة الظاهرية، وتماهى مع محبوبه تماهيا روحيا، سمح للشاعر أن يناظر مرائي الحضرة الأحمدية، ويغيب عنه فيها، ويدخل في حالة من السكر، شفعت له أن يستخدم الرمز الصوفي الغامض كتقنية شعرية روحية، يستطيع الشاعر من خلالها أن يعبر عن سكرته تلك، ومدرات روحه حول فلك الحضرة المحمدية، فيقول:
دخلت البيت منتعلا غيابي
وألثم حضرة الألق التثاما
أصلي ركعة التذكار وحدي
فيغدو الشعر مأموما إماما
وبي من قهوة الأفكار نزغ
يمزقني ويتركني حطاما
فأدنو للخيال على مجازي
فيلمع في رؤى علقي كلاما
وأفرك جلد مسبحتي بهمس
يؤجج في الحشى وجدا ضراما
وتلك مناقب المختار أحيت
بحور الشعر فانتشرت خزامى."
تتراءى الحضرة المحمدية ببهائها وجلالها بيتا، لتتجلى للمريد معاني السكنى والسكينة والأمان، تلك التجليات تغيب ذات المريد فتنمحي بالكلية، فيتحقق حضوره الروحي، حيث أمست نفس المريد نعالا تخلع على أعتاب حضرة الكمال المحمدي الأنور، فيلثم ألق النور، ويدخل في حان سكر القرب فلا يعرف كونه إماما أم مأموما، فغياب الذات يعني انمحاء الفكرة، وتشتت العقل، وتشرذم النفس، فيتلاشى كل ما يتعلق بالجوهر، وتبقى الروح جوهرة الله ونفسه الساري في الكون. فلا يبقى للتعبير عن الحقيقة سوى الخيال، الخيال الذي به ندرك الحقيقة، كما قال سيدي ابن عربي" لولا الخيال ما أدركنا الحقيقة" فلا يسعف الشاعر والمتلقي هنا إلا " اللا وعي المدرك" والأنا العليا الفرد التي تلامس حقيقة الكون عن طريق الحدس والشعور.
• أما المحور الثالث( التجربة الروحية وتجلياتها) هذا المحور احتل أكثر من نصف قصائد الديوان ومنها على سبيل المثال لا الحصر " عجلت إليك يا ربي- كتابة- في حضرة المحبوب- دموع العين- حقيقة- حديثك- ماء العشق- الله- أنا ظلها" إنَّ التجربةَ الصوفيةَ وتشكُّلها الإبدَاعِيُّ يضعُنَا في مأزقٍ حقيقيٍّ، فالإبداعُ بصورةٍ عامةٍ ينبوعٌ تفجِّره التجربةُ، ولكل تجربةٍ خصوصيةٌ، ولكل ذاتٍ وعيُهَا الذي ينبني عليه النصُّ الإبداعيُّ، ودخولُ القارئِ إلى عمقِ التجربةِ من خلالِ النصِّ مرتهنٌ بأيديولوجيا الواقع الذي تتقاسمه الذات المبدعةُ مع ذات المتلقي، فالقارئُ بوصفه ذاتًا فاعلةً في إنتاجِ النصِّ إبداعًا وتأويلًا؛ إذ يتمُّ استدعاء القارئِ الضمني حال إنتاج النصِّ من قِبَلِ المؤلفِ ليكونَ شريكًا له في تلك العمليةِ الإبداعيةِ، فالذات التي تخطُّ نفسَها ووعيَها، تخاطبُ ذواتًا أخرى، ولذا يستدعي المبدعُ القارئَ الضمنيَّ مُمَثِّلاً عامًا عن هذه الذواتِ؛ ولعل السببَ في ذلكَ يرجعُ إلى المبدعِ نفسِه، والذي يريد أن يضعَ القارئَ في صُلْبِ التجربةِ، ولذا يستخدمُ المبدعُ اللغةَ برمزيتِهَا والتي يستطيعُ القارئُ أنْ يفكَّ شفرتها من خلال المرجعيات الثقافيةِ والفكريةِ التي يتقاسمها مع الذوات الأخرى.
ولكنَّ التجربةَ الصوفيةَ ذاتَ خصوصيةٍ ومرجعية فكريةٍ خاصةٍ، لا يتعرَّفُ عليها إلّا مَنْ خاضَ تلكَ التجربةَ، وهنا تكمنُ الإشكاليةُ الكبرى في تأويلِ هذه النصوصِ التي تنتمي إلى الحقلِ الصوفيِّ. فالتصوفُ مبنيٌّ على الذوقِ واستشعار الحالِ التي تنتاب "المريد" ولا يعاني هذه الحالَ غيرُه، فهو وحده الذي يمتلكُ القدرةَ على التعبير عنها، وعن طريق الإشارةِ يكونُ التعبير؛ فالسادة الصوفيةُ اعتمدوا الرمزَ في جميع خطاباتِهم؛ نظراً لخصوصية التجربةِ وانبنائِها على الذوق الذي ينبثق عنه العرفان الصوفي، ومن هنا يجب النظرُ إلى "الدَّال" في النصِّ الصوفيِّ من بابِ التوسيع، إذ المفردة تحتمل دلالاتٍ ومعانيَ متعددةً، ولذا تتعدد تأويلاتُ النص أو المفردةِ الصوفيةِ.
اللغةُ الصوفيةُ لغةٌ متعاليةٌ تقتضي الحذرَ حالَ الولوجِ إليها، إذ تعدُّ اللغةُ الصوفيةُ بُعْدَاً ثالثًا للغة، يضعك هذا البُعدُ في عالمٍ خاصٍ متحررٍ من رِبْقَةِ المكان والزمان، عالم ميتافيزيقي له قانونه الخاص، يحتجبُ هذا العالمُ خلفَ برزخ تلك اللغة المتعالية التي يقول عنها "ياسبرز" في تحليله لها "أنها في نهاية الأمر تنتهي إلى تصورٍ خاص بتجلي المطلق في مظاهر متنوعة يكشف عنها الوعي الإنساني في إحالاته الخصبَةِ" فخصوصية التجربة الصوفية استدعت وبالضرورة- لغة متعاليةً لا تسلِّم نفسها للمتلقي إلا بمزيدٍ من الجهدِ والتأويل، وفي النهاية يكون تصورُ المتلقي للنص الصوفي تصوراً خاصا، وهذا ما نراه جليا في النص المدهش للشاعر عمرو لطيف " في حضرة المحبوب" والذي يقول فيه:
وأشرب كأسكم والروح راحي
وأفنى في محبتكم غراما
وأعرف أن قلبي يحتويكم
كنجم الليل يبدو مستهاما
جنى عشقي عليَّ ولست أنفي
ولا أخشى الكلام ولا الملاما
وأسجد في يقين القرب أحيا
وحظي مثل من صلى وصاما."
عنوان القصيدة/ في حضرة المحبوب، يشي بمكنونها، حال من الأنس يعتري المريد، يتجلى جوهر روحه على مرآة الحقيقة فلا يرى ذاتا ولا نفسا ولا وجودا له إلا في وجود محبوبه، فتحول حضرة القرب حاناً للمريد، وتحول روحه راحًا، ويتجلى النور على عرش القلب " وأعرف أن قلبي يحتويكم"، ينسلخ المريد من العالم الجسداني، ليحظى بقرب محبوبه، ويتجلى روحا وقلبا، كي يستطيع السجود في حضرة اللاهوت، متسام على ناسوته البشري، وهذا ما يطلق عليه السادة الصوفية " سجود العيان والقرب والمكاشفة." ويتجلى حديث المحبوب في حضرة قربه، فيسري مسرى الدم في العروق – وجل الله عن ذلك- فيقول عمرو لطيف في قصيدة " حديثك":
حديثك في دمي حسن صحيح
وقافيتي حديث ذو شجون
وروح الروح أنت وقلب قلبي
ولم يكن سواك ربى عيوني
تسكن موجة التحريك حتى
تحرك ما تبدى من سكوني
أحبك والغرام يطوف حولي
يردد باكيا صدق المتون
ولو أني جننت لما كفاني
فوجهك قبلتي، ورضاك ديني."
حالة من الترقي المستمر، مادام المريد/ الشاعر يواصل رحتله عبر معاريج تجربته الروحية، وخلوته التي تتجلى شعرا، ومتنا سرديا يحاول الشاعر من خلاله أن يومئ ولو من بعيد عن تلك الرقائق والمكاشفات الروحية، حتى يسري حديث الحضرة في دمه فيغيب بالكلية عن العالم، ولا يشعر بوجوده الناسوتي، ويبقى هناك معلقا كمصباح نوراني يتهادى بنسائم حضرة القرب الإلهي، ويرى روحه كعبة تطواف يدور الغرام حولها، مرتلا شعره، وساردا متن تجربته على عالم العشاق.
بعد رحلة التطواف في ديوان "قمر" للشاعر المبدع الصوفي عمرو لطيف، نستطيع القول أن الشعر الصوفي سيظل علامة مميزة بارزة في جبهة الأدب العالمي والعربي على حد سواء، وسيظل الشعراء ولاسيما الصوفيون منهم يتبارون في مضمار هذه الغنائية المقدسة، ولعل هذا ما يتميز به شعر المبدع عمرو لطيف، الغنائية المفرطة، والتي اعتبرها نتاج تجربته الروحية والشعرية، وهذا ما أباح لكثير من المنشدين التغني بشعر هذا الشاعر الراقي وعلى رأس هؤلاء الشيخ ياسين التهامي، وغيره من المنشدين ومبتهلي الإذاعة والتلفزيون، فليس كل شعر يصلح للإنشاد والغناء، إلا الشعر الذي يتربع على عرشية الغنائية المقدسة الروحية، وليس كل ما ينشد يلقى قبول الجمهور إلا شعرا كهذا، وأعني به الشعر الذي يجمع مبدعه ومتلقيه في عوالم حضرة الجمال، ولا يكون هذا إلا عبر تجربة صوفية صادقة، ولغة شعرية تتعالى ببهائها، بعد أن استوت على نار القرب، فأنضجت لوز المحبة، وخزامى الوصال، وياسمين الوصل، وقرنفل العشق السماوي.