vendredi 30 décembre 2022

عام يمر ...// ثامر الخفاجي // العراق


عام يمر... وآخر
يشد الرحال
تزاور عيني
ذات اليمين وذات الشمال
فغير الدموع وغير الجراح
لا تبصر
مذ كنا صغارا
وأحلامنا بغد
يلون صفحاتها القدر
سنون تمر ...وأخرى
ونحن نحلم بأيام
لا يشوبها الكدر
حملنا سنين الصبر
ظنا أنها
لأيام المشيب
سوف تنتصر
وما عدت أقوى
أرى الأحبة
تمضي وترتحل
وما عاد عودي قويا
يشدني ...
لا قفز
فأقطع ناضج الثمر
حتى رأيت الغواني
قلن لي : أعرض
قد غابت عنك شمسك
أيها القمر
وما كنت أحسب
أن العمر مسبحة
تدار
بكف زيد مرًة
ومرة
يدير حباتها عمر
لكن ... في داخلي حدسا
ينبئني
أن في غد الآمال
تنتظر
فأرى الأطفال
تلهو عابثة
بلا هم ... بلا لغو ... بلا وزر
وأرى الجياع
تطوف بأيد منعمة
وهي ترتدي
حلة الوطن
وأرى الشباب الغض
صوتا هادرا
نحو السماء
يحمل بيرق الظفر
فهزأت بالأيام
وهي تغير جلدها
وسخرت من العراف
وهو يرسم لي قدري .






رائحة السكون // جواد البصري // العراق


Entr
كان يبدأ نهاراتهُ
يتلمّسُ خدودَ الندى
،وَ رائحة الطين
،دون أن يحدِّقَ النظر

...في عيونهِ
ضوءٌ شاحبَ الوجه
،كسير
يتوغَّل في فحصهِ عن
،أشياءَ آمنة
،أو أشياء في دائرة الخطر

،جميعها انْتُهِكتِ
يَعرِضُ عنها عابساً
..رائحة السكون تطوف
،في أرجائه
..والأماني المجهضة
في دهاليز الغيب رابضة
يتأمل، سِرْبَ نهاراته، ساخطاً
.إذ تَبيدُ شيئاً فشيئا





رواية آلام الخلاص ( ج 14) : موسى نصار // أحمد البحيري // مصر


فى وحدته يتفقد نفسه ويفتشها كالمفجوع. هذا دأبه وديدنه مع كل حلقة من حلقات العمر. إنه أبريل، شهر ولادة روحه فى سماء المعارف. وفى الشهر القادم يأتى الرئيس الجديد الذى حمله جون بيير جوييه لحكم فرنسا. وحسابه لنفسه يسفر دوما عن نتيجة جد محدودة. ذلك ما استبطنه سره وما نطق به لأحد. وجوده هنا بالمدينة لا يلغى وجوده بقريته. إنه لا يحيا وحده، وإنما ضمن الوجود المادى للعالم. هو والعالم متماثلان. وفى الوقت نفسه، هو شيء من أشيائه. خصوصيته جراء ذاتيته وفرديته. هو الآن هنا فى المدينة، وفى قريته بالذكرى والرقوم. كلما تذكره فرد من أفراد عائلته شاعت سيرته. كما أنه هناك فى الأوراق الثبوتية. فى السجل المدني ووزارة الداخلية والخارجية والتعليم. لكن ذاته ليست مستقلة عن العالم تمام الاستقلال، وهذا ما يجعل له وجودين فى آن واحد. الأول فى العالم، والثانى مع الآخرين. يسأل موسى نفسه: هذا بخصوص الذات فماذا عن الأنا؟ يكد ويتعب للوصول لأدق التصورات. يكدح زناد فكره وتأتيه الأفكار تسارع. لا أنا إلا في وجود آخر. الأنا تنشط إذن فى الوجود الثاني، بين الآخرين. لديها من الطاقات ما يمكنها من بناء علاقة عضوية معهم. حتى يمكنه تقاسم وجوده مع بعضهم. هذه العلاقات التواصلية يتفنن فى آدائها الأشخاص المميزون كل يوم. وأساليب الصالح تختلف عن الطالح. أداء سوغولين وأم أرتور وراشيل يختلف عن جو وإيفا ومسيو أماس. فلا يغرنك الوجود النمطى الغارق في الحاضر لمثل هؤلاء الذين يعكرون صفوك. ينظف موسى الغبار الذى علق بشعيرات أنفه، ويشهق بقوة حتى تمتلئ رئتاه. يفرغ نفسه من كل شيء ويعود إلى صلب وجوده. تلك الشذرات التى تنير حياته. وهؤلاء الذين وكل الله إليه أمرهم. بدأ حياة المدينة مثل عود فى حزمة، حتى صارت له حزمة وامتداد. نداج صارت قديسة، ولازال اختبار يوسف. على قدر الصفو يأتى الاختبار. يا ألطاف الله، فقط يخطر بباله ويجده أمامه. متى تسلل وأتى هذا الصغير الضخم؟ لم يشعر به بعدما تلقفته دوامته الوجودية. وفجأة وجده ممدودا يضحك إلى جواره فى السرير. احتضنه موسى وراح يحدق فى لمعة عينيه باستغراب. ماذا هنالك يا يوسف، وما الذي تريد أن تقول؟ كان موسى يقيل وسرعان ما أفاق. بينه وبين نومة القيلولة غرام وعرفان. النوم بهذا الوقت يجلب له الرؤيا الصالحة. فبينما هو بين النائم واليقظان، رأى يوسف بمصعد المعهد الذى يقرأ بمكتبته. رآه وأخذ يركض بأقصى سرعة حتى يلحق به وما استطاع. ثم تم غلق الباب ويوسف فى وحدته يلهو ويضحك. غير أن نظراته الباسمة وكفه التى تلوح تركت برأس موسى أثر وداع. نزل يوسف عن حافة السرير وهو يئن بطريقته المعتادة؛ فتبعه. كان ينظر إليه ويقول في ضميره: لقد صار رجلا قويا وما بلغ السادسة. ويحدث نفسه عما يريد أن يخبر به. إنه فى حالة تسمح له بترجمة أي إشارة، مهما كانت معقدة. كيف لا وهذا الكيان البشري الفريد جزء من ذاته!! راح يسير خلفه فوق الدرج ويدخل معه الحظيرة. ولما وجده يطعم الفرس عاونه بنقل الفول والشعير إلى المزود. كان يلتصق به ويزاحمه دون أن يشير له على أي شىء. لقد قطع علاقته مع الوحدة البيولوجية بالمستشفى قبل ستة أشهر. نداج كانت تسوقه ثم خضعت لرغبته. كما خفف علاقته بدائرة أسرته السيكولوجية، هؤلاء الذين يشكلون حزمة أبيه بالمدينة. لقد تخلص كثيرا من علاقته بالعالم. وفى الأشهر الأخيرة امتنع عن الأنشطة الرياضية والفنية التي كان حريصا عليها. لقد انصب اهتمامه فى هذه الآونة بالفرس. صار يعتنى بغذائها، ويعلفها بيده، وكثيرا ما يضع ساعده على رقبتها وينظر بعينيها الواسعتين، ويقيم معها حوارا طويلا. وإذا تفقدها بليل أو نهار وأعجبته صحتها، حمل على ظهرها هدية راشيل. السرج النحاسى الوثير، والمهماز الأصفر الذى يشبه الذهب. لقد اطمئن عليها وموسى فى عقبه، دون أن يتم طقسه أو يومئ بأى شيء. خرج من الحظيرة وموسى فى عقبه كظله. كانت قوة خفية تجبره على صنع ذلك. منذ اتصل الظاهر بالباطن وهو يستقرئ الرؤيا. عين البصيرة لا تخطئ أبدا، والرؤيا الصالحة من المبشرات. كانت الشمس كبيرة وقوية بعض الشيء، وفصل الربيع بأوله. والحدائق والمروج والغابات تضج بالحياة. وقف يوسف وسط المربع الأخضر المسيج بسياج نباتى وأشار لوالده بالخروج. إنه لم يطلب الإذن، وانما يدله على مكنون رغبته. مشيا نحو اثنين كيلو مترا حتى بلغا مكانا بالمرج وجلسا. كانت الشمس صفراء بالسماء. وكانت طيور كبيرة الأجنحة كأنما تتعارك. ينظر لها يوسف ويشير عليها حتى استولت على لب موسى؛ فجلس كأن على رأسه الطير. فهم أن يوسف ما خرج به إلا لرؤية هذا الشجار. ركز موسى وأطرق مليا، وراح يراقب صيحات الطير وصراخه. عيناه شاخصتان ومعلقتان على ذؤابات الأشجار، وأذنه تلتقط نغمات الأصوات التي لا تتشابه. حسنا لقد بدت الصورة تتضح قليلا. الطيور كلها متشابهة إلا واحدا، يشبهها في لون الجناحين ويختلف عنها في ريش البطن. أما نغمات الأصوات فسهلة وبسيطة. فريقان يتشاجران على الطير ذو شعر البطن المختلف. وكلما ازداد الضجيج وتقدم الوقت ازداد معسكر الموافقة على حساب المعسكر الآخر. كان موسى يسجل كل نغمة وحركة. وكان الذى لا يعرف من اللغة غير أنتين، يراقب بشغف حتى ظهرت النتيجة. حسنا لقد انتهى الشجار، واندمج الطير الغريب فى السرب. فى هذه اللحظة نهض الأب وأمسك بيد ابنه، واقفل عائدا. لقد فقد موسى شهيته ونذر صوما عن الكلام. ثلاثة أيام لم يغمض جفنه وما تحدث مع أحد. وواعظ قلبه لا يتوقف عن ترديد الوصايا. احذر أن يتعبك الحال ويستبد بك. إياك أن يقوى عليك ويجرك من رقبتك جرا. هدئ ودع الأمور تطيب بأخذ ما يلزمها من وقت. ثم لم العجلة من حيث المبتدأ؟ هل تمكن منك الخوف وتمدد في حشاك؟ هب أن ما تفكر فيه صحيحا، هل يمكن لخوفك أن ينفى وقوعه؟ من أين يأتي الخوف، وكم دقت على رأسك الطبول؟ ليته يستطيع ترك المنزل لبعض أيام. مجرد تغيير الأشياء والوجوه يكسر فى جسده حدة الوقت. ثلاثة أيام تشبه يوما واحدا جيلاتينيا طويلا. وطالما لم تتغير الوجوه والأشياء، يستطيل اليوم ويتمدد. ربما كان هذا دواؤه الآن، لكن هيهات هيهات. إنه مرابط هنا، متقد الذهن مستنفر الحواس. مثل الهر ينتظر الانقضاض على حشرة العنكبوت. إنه الليل وكل الأشياء ساكنة. ربما فى الأسفل دبيب في البساط الأخضر أو الحظيرة. لرابع ليلة يظل ضمير البيت وكل ما به من مخلوقات. لو أدار الشريط لوقف على حركات وسكنات امراته وولده. حين تخمد الحركة، يستطيع تمييز الأصوات البسيطة والمركبة. وأكثر ما يشرح صدره صوت العصافير مع أول الضوء. تبدأ بأصوات متفرقة متفردة، وتنتهى بجوقة ترفع عقيرته وتحضه على معانقة الحياة. وتبدو نداج مثل شمس محتجبة، يفقدها دوما بالنهار. حركتها تنشط بالليل، وجل اهتمامها النبات وطيور الزينة. شعرت أنه يمر بحال عسير، وقد تعودت فى مثل هذه الأوقات أن تتركه وشأنه. أما يوسف فلازالت الفرس تربطه بالحياة. يبدو كمن زهد في كل شيء في الدنيا عدا هذا المخلوق اللطيف. لا يترك غرفته وينزل إلا لأجلها، أو لغرض يتعلق بها. لليلة الرابعة وجسد موسى طريح الفراش. يطارد الخواطر الشيطانية، ويتشبث بالخواطر الروحانية . يسير معها خطوتين وأكثر، ثم يقفز من سريره مثل قرد. حسنا، لقد عثر على دائرة الشيخ. كان قد غلفها بطبقة بلاستيك جيدة حتى صارت ذات سمة رسمية بين أوراقه. ولما عاد يتمدد، قرأ حزب الدائرة حتى يغمض جفنيه.
فى الصباح أفاق على صوت العصافير الذي يحبه. تمطى في جسده والنوم عالق بجفنيه لم يزل. وشعر كأنه بحديقة ( لوكسمبورغ) بين جمع غفير فى صباح الأحد، ورأسه يتعالى كلما تعالى صوت ال ( أوركسترا). كثيرا ما تهدأ المعضلات بعد النوم. التفاصيل المهلكة والاحتمالات البعيدة تنسحب وتغيب. وروح الكآية والتشاؤم تنحسر وتندحر. آه من قلة النوم أثناء المعضلات!. لقد عاد عقله من حيث لا يعرف. كان كمن عزم الخروج من الدائرة البشرية الجهنمية وعجز عن ذلك. وجد أن من يقف يتأخر. مجرد الوقوف يجعل من يمشىي خلفه يسبقه. أربعة أيام وهذا الخامس يبدو فيها متصادما مع الحياة. ثم تقلب فى سريره دون نهوض وهو يتدبر ما تريده منه هذه الحياة. عاد يمسك بجوهر وجوده فى هذا الكون ويتشبث به. ذاته الفعلية فى انسجامه مع هذا الجوهر. أن يكون ميتا بين أحياء، ليصير حيا بعد موته. أما وجوده مع الآخرين فما عاد يشغله البتة. صار حريصا أن لا يرتبط به أحد، ويقول لنفسه: أى حكمة تلك التي تخرج من فم الموت؟ لا شيء يبقى، ولا شيء يدوم. جوهر وجوده الفعلى أولى عنده من أي تضحية. أن يبقى عكس التيار حتى يصل إلى اللامحدود. هذا السجن الذى يهد عظامه، كادت تنتهى مدته. وما عليه سوى أن يبقى شاهدا على ما يدور. لا يتدخل فيه من قريب أو بعيد، بل يتفرج عليه. فجأة ينتاب موسى إحساس مبهج. هؤلاء الغافلون عن جوهر وجودهم أغبياء. لم يفهموا الحياة على وجهها الصحيح. ومن كثرتهم ينحرفون مع الوقت بالبشرية عن مسارها الصحيح. حتى الحب تغير مفهومه فى رأسه. بات يستبطن مقولة الشيخ الأكبر بعدما عقلها: ليس من الخير حب الغير، لأنك لا تحب الغير لذاته وإنما تحب نفسك في الغير. هكذا تتجمع الأشياء بحكم طبيعتها وتميل إلى الاختصار. ما يهمه فى آخر الدرب عالمه الحقيقي الذى لم يعرفه أحد. أما تناقضه مع واقعه، فقد صار أمرا مألوفا له. منذ ولادة نفسه فى سماء المعالي وهو يعيش عكس التيار. ديدنه درك الحقائق ولا تهمه كل العلامات والأشياء بهذا العالم. والبشر لا يمثلون له سوى ظلال لا يمكن أن تمنعه الحركة. اليوم خميس ولا حاجة له في مغادرة البيت. لا توجد أغراض ناقصة عليه أن يشتريها. كما أنه لن يستطيع أن يكون راهبا طيلة الوقت. يبقي بالدير، وإن عرض عليه عملا اشتغل رأسه، وإلا بقى خاملا لا يفكر. إنه فاعل ومفعول، راهب بالليل فارس بالنهار. وبعدما ارتفعت الشمس وملأت الأفق تحرر من صومه، ثم نهض لينظر ما الذي يستطيع أن يفعله. مر الخميس على ما يرام وبدأ الجمعة بداية عجيبة. لم يسمع موسى أصوات الطيور التى ينتظرها. لقد ظل يراقب الأمر منذ نوبات الضوء الأولى من مخدعه، وما سمع صوتا واحدا. نهض وأعد القهوة ووقف فى البلكونة يستطلع الأمر. أشعل سيجارة على عجل بعدما كاد ينسي طعم الدخان وراح يطالع الأفق. الطيور موجودة، لكنها لا تصيت. تضرب بجوانحها في الهواء وتعبر باتجاه الضوء كيفما اتفق. عصافير بأجنحة زرقاء، زقزقتها وصيحاتها كانت تشعره بالسلام. وطيور كبيرة الحجم بنية اللون، تتجمع أمامه، وترتفع عن مستوى أعلى الأشجار لتعبر إلى الغدير. كانت نبرة صوتها القريبة من نبرة صوت الصقر تمنحه اليقظة. ينظر موسى لقرص الشمس الذى ارتفع نصفه عن ذؤابات الأشجار. يرمقه فى البعيد كأنما يستعجله ليتدبر بداية اليوم العجيبة. انتظر حتى ارتفعت الشمس قليلا ونزل إلى المسطح الأخضر المسيج بالنبات. قهوته معه، وحين أعطى الشمس ظهره وجلس، سمع هسيس خطوات نداج على المسطح الأخضر. وضعت الكرسي البلاستيك الأبيض الذى حملته إلى جواره، وجلست بعدما قبلته من صدغه. بعد بضع دقائق قالت: الشمس اليوم عفية، كأننا بأغسطس. هل يمكن أن تعد لى القهوة على طريقتك؟ أشعر كأني قطعتك عن شيء تتأمله. أو ربما تفكر بكتابة شيء كعادتك بهذا الوقت. اليوم أبغي الخروج من الرتابة. أريد ورودا كثيرة، وقهوة عرب. أريد الخروج إلى هذا الفضاء الفسيح وأتفقده. عملية تمشيط بيلوجية، كالتى استهوت يوسف دهرا. انظر، وأشارت على قدميها الحافيتين. لقد صارت تقلده في المشي حافي القدمين بين وقت وآخر. فقط وقفت ووقف خلفها بمداعبته الأثيرة. شبك أصابعها وتركها خلف رقبتها. ثم أمسك مرفقيها بقوة، ورفعها حتى استقر عمودها الفقرى على ظهره وطقطق مرتين. ومثل كل مرة، تجلس تتألم، ويقبلها وهو يضحك ويقول: (الميرستيم) القمى شغال. أنت غدا أطول من اليوم. ولم يغب عنها أكثر من عشر دقائق وعاد بالقهوة.
فى العاشرة اتصلت أم أرتور بنداج وأخبرتها أنها
برفقة سوغولين، وقد أوشكتا الوصول لبيتها. كان بينهما موعد تأجل مرتين، وعزمت على إنجازه بهذا الوقت. تريد أم أرتور الاطمئنان على موسى بأى ثمن، وقد فشلت نداج فى القيام بذلك. إنها لا تعرف ما يدور بخلد زوجها حتى تنجح. وإذ تمل أم أرتور الانتظار، تصطحب سوغولين وتذهب لضاحية ( سيرجى بونطواز) دون موعد. لقد أتت كل منهما بسيارتها على غير العادة. فالمتبع استقلال القطار من محطة ( سان لازار) حتى الضاحية. ومن هناك تحملهما نداج بسيارتها إلى البيت. يهنؤون بالوقت الندى وحيثما تفرح أرواحهم ولوا. ترافقهم نداج حتى محطة القطار الذى سيقلهم إلى وسط المدينة، ولا تتركهم حتى يتحرك. ربما تكون المرة الأولى التي يأتون فيها بالسيارات إلى البيت. وما أسر موسى أن الورود الكثيرة التي طلبتها نداج وصلتها مع صديقتيها. قالت أم أرتور وهى تقبل موسى: يبدو أننا قد أتينا بوقت غير مناسب. سألها وهو يسلم على سوغولين: ولم تقولين ذلك؟ هذا بيتكم وتأتون بأى وقت. قالت وهى تمسح سطح الكرسي بحركة آلية قبل أن تجلس: الملامح متقدة كأنما خلقتما في التو. لابد أن كانت هناك ملاطفة وحميمية قبل أن نهاتفكم. والسيدة مكتنزة الصدر متهافتة، كمن لا يقوى على التقاط أنفاسه. مهترئة ومتفسخة، وتنتظر اللمسات الأخيرة حتى تتهيأ للاكتمال. هذه أمور نسائية يشمها الحس الأنثوى. أما السيد الذى صار يختفي أغلب الوقت، فيبدو سعيدا شأن من وجد فرصة للهرب. قال موسى وهم يضحكون: الآن تذكرت نتالى. لولا أنى أعرفك جيدا لجننت معها. أى حس أنثوي ذاك الذى تذكرين. هذه صديقتك؛ فاسأليها. أنت تطرقين باب الحس والعاطفة من قبيل المزاح. تعويض يعزز نظريتك في الحط من قيمة الرجل. تطالعين الأمر فى أفق المجاز لا الحقيقة. ساوت سوغولين خصلة شعر تنزل بين وقت وآخر على خدها، ونظرت لأم أرتور وهى تقول: صديقك لازال بخير. طالما ينظر ويكثر القول فى المحسوس لا الملموس، فهو بخير. قالت أم أرتور: ربما. ونظرت لنداج وهى تقول: لكن هذه ما كان لديها ما تقول. كلما سألتها عنه حاولت الهرب. وإذا أخبرتنى شيئا ما أتمته. نهض موسى وهو يقول لأم أرتور: الحق مع سوغولين. ثم اقترب من أم أرتور وحضن رأسها وراح يقول: وحتى تطمئني، اسمحوا لى بالانصراف لبعض طقوسى. اليوم جمعة، وأمامى من الوقت ما يسمح لى بالوصول إلى أقرب مسجد. ثلاث محطات بالقطار. وقال وهو يترجل باتجاه البوابة: خذوا راحتكم، لن أتأخر.
فى الثانية شعروا بارتفاع حرارة الجو، ومع ذلك تناولوا الغداء مكانهم على البساط الأخضر. وحين انتهوا وشكروا طهى نداج، ظهر يوسف يهبط الدرج. له جسد رجل ثلاثينى، ويئن بصوت مرتفع أنته المعروفة. إه إه، هذا ما يستعمله من كل اللغة. وعلى البساط الأخضر، بدت قدماه كأنما لا تلامس الأرض. ودارة وجهه الباسمة وصفاء سريرته، جعلهم ينهضون رهبة له. وقفوا مشدوهين أمام روعة طلته وتطوراته غير المألوفة. كل منهم ينظر للآخر حتى يقلد صنيعه، وكلهم عاجزون عن الفعل. تقدم موسى قليلا بحذر، حتى صار أقربهم إليه. مسافة قصيرة تبلغ نحو المتر صارت تفصله عنه. كلما حاول موسى تقليصها، تزحزح يوسف من الجهة الأخرى. يحاول موسى الوصول لعينيه اللامعتين، ويهرب منه يوسف. لقد حياهم جميعا دون أن يلمس أحدهم. تكلم مع كل منهم وهو ينظر إليه بكل ما يعرف من اللغة. ثم أشار لموسى وغاب قليلا ليعود فى زي الفرسان. فى هذه اللحظة شعر موسى بقشعريرة فى جسده. شيء يشبه تأثير الكهرباء للحظة. وحين استيقظت ملكاته، رأى يوسف يحييهم مرة أخرى بالتحية التى يفضلها. وضع كفه اليمنى على قلبه وانحنى. وحين قلدوه، أشار لهم بالجلوس وابتعد. لقد تداخلت الأمور، ولا يعرف موسى ماذا يفعل؟ راح يوسف يتصرف كأن لا أحد على الأرض غيره. يروح ويجيء في كل مرافق وأركان البيت، دون انتباه لمن حوله. أخرج الفرس وراح يدور حولها كأنما يعاينها. يجس بطنها ليطمئن على حسن طعامها. ويمسح على شعر رقبتها، ويربت على كفلها، ثم يغير لها الحافر. نزع الغطاء المعدنى الذى يحمى الأظافر، واستبدله بآخر جديد. ثم أتى بالسرج والمهماز ووضعها فوقها. لقد فهم موسى ونداج ما يخطط له. إنه على موعد مع رحلة برية لم يتحدث مع أحد عنها. اقترب منه موسى ثانية ورسم بسبابة يمناه دائرة فى الهواء؛ فقلب الولد شفته السفلى علامة عدم المعرفة. حاول ملاطفته حتى ينظر بعينيه اللامعتين الباسمتن دائما، لكنه بدا ينظر إليه ولم ببصره. فى هذه الآونة ظهرت بيده عصاة لم يرها أحد من قبل. عصا سمراء مشغولة يدويا من رأسها بعناقيد الخرز. مخروطية الشكل، تبلغ نحو المتر، قطر مقبضها يعدل ضعف طرفها الآخر. وبعد العصر، ركب يوسف الفرس وغدا يتحرك. حين عاد موسى من مصلاه ورآه يخرج من البوابة، تبعه دون تفكير. وبقوة خفية استشعرتها كل واحدة منهن على حدة، تبعته النسوة الثلاث. كانت هيئته تخلب ألبابهم، وسحر غموضه يصيب كل ما بالآفق. يشبه فارس من عالم غابر انتصر على الشر ويبحر نحو الضوء. عصاه السمراء على قمة السرج مثل كفتى ميزان، ويداه قابضتان على أطرافها. منزوي الكتفين محدودب الظهر، كأنما يحافظ على اتزان يخشى تفلته. انتهى من الشارع المرصوف أمام ال ( فيلات) التى يسكنها الجيران، وغرب مع الشمس فى مسار الضوء. لم يدخل المرج القريب الذى كان قد تعود على دخوله فى رحلاته المعتادة. الفيء والظلال التى تتسربل من أشجارها، بدت لناظره كأشباح بشعة سرعان ما تفاداها. لقد سلك طريق المحطة المأهول بالورود وظل يمشى ويمشى حتى انقطع الطريق. ومن كوة في طرف بستان على قدر الفرس، يدخل بوابات التيه. حاول موسى الدخول خلفه ومنعته النسوة. كان يوسف مستسلما لمسير الفرس كأنها مأمورة. فقط عليه المحافظة على هيئته واتزانه، أما الخروج من الضاحية إلى السلاسل والجبال فهى تتولى الأمر. وكانت الشمس تتزحزح رويدا رويدا جهة الغرب حتى اصفرت. كانت الشمس هى الغرض الثابت لمسير الفرس ودوما تبقى أمامها. لقد خرجت من زمام المدينة وسلكت منحنى جبليا يكسوه غطاء نباتى ثقيل. الثلج الذى تراكم بقمم السلاسل يدعمه بالحياة طيلة العام. والفرس تتحرى بخطوها الشمس، والفارس يسابق الضوء. حتى إذا غابت الشمس غابت الفرس والفارس.





jeudi 29 décembre 2022

أمنيات يشكلها الضباب // كامل عبد الحسين الكعبي // العراق


اللهفةُ التي قادتنا إلىٰ الغاياتِ هيّ ذاتها التي بذرتْ فينا جنايتها عليلةٌ كنَسَماتِ الربيعِ الباردةِ لكنّها لاذعةٌ تحفرُ أخاديدَها علىٰ ألسنتنا المثقلةِ بوطأةِ النهاياتِ هيّ الجفافُ والشوقُ الذي كسّرَ نصولَنا ثمَّ ذابَ واضمحلّ كتقشعِ الغيومِ في سماءٍ متلبّدةٍ ، ذاكَ الذي يحلمُ بالتحليقِ بينَ النُجيماتِ وجدَ نفسَهُ متّكئاً علىٰ وسادةٍ من ريشِ الهواءِ وغدا كعرجونٍ قديمٍ بعدَ كرّ المنازلِ ، تلكَ التي أفاقتْ من هولِ الفزعِ كانتْ تحلمُ بالسكونِ ، البرعمُ الذي زعزعتهُ تقلّباتُ التربةِ لمْ يدركِ احتراباتِ الشجرِ ، أولئكَ المكتظونَ بشواطئ الرجاءِ لم يفلحوا بتجفيفِ ثيابهم في الضفةِ الأُخرى ، الذينَ حفروا الخنادقَ في وجهِ الصدفةِ كانتْ عيونُهم ممدودةً حتىٰ نهاياتِ الأَرَبِ لم يبلغوا شَأوَ نملةٍ ، خطوطٌ علىٰ سطحِ الماءِ أغوتها النجوى تتوهُ بينَ الأمواجِ الطامِحَةِ عومٌ بلا مجذاف تعرجاتٌ علىٰ صفحاتِ الوجوهِ جداول مزروعة فيهم منذُ الطفولةِ يُجمّلونَ ملامحَهم لتلائمَ مقاساتِ المرايا تباركهم شظايا عارمة .




mercredi 28 décembre 2022

جذور العروبة // عبد الرحيم المعيتيق // المغرب

 

جذور العروبة...
ارتوت بماء النصر
تفتقت براعمها في كل الأوطان.
جذور العروبة...
من جديد أينعت
أزهرت عزا وفخرا
بعدما أماتها الذل والخذلان.
جذور العروبة...
أضحت قلوبها موحدة
نبضت حماسة
تشبعت بالحب
بعشق القومية
وبقوة الإيمان.
جذور العروبة...
أبانت عن أصلها
عن معدن تربتها
عن تشبثها بمبدإ الوحدة
نمت مخضرة الأوراق
سامقة الأغصان.
جذور العروبة...
تكاثفت
تجمعت في موعد
لم يخطر ببال أحد...
ولم يكن في الحسبان.
جذور العروبة...
لملمت شتاتها
تصالحت
أخذت بعضها بعضا بين الأحضان.
جذور العروبة...
تدغدغت مشاعرها
اهتزت
اشتعلت
تعالت أصواتها
هللت
كبرت
توحدت كلمتها عبر المنابر...
وبمدرجات الميدان.
جذور العروبة...
لم يكن بعلمها...
أن لعبة شعبية ستطلق سراح عهدعا...
بعد أن غاب لأزمان.
جذور العروبة...
أبطالها شباب أسود
غيروا نظرة العالم
جعلوه يتفاعل
يتقبل كل الأجناس...
وكل الألوان.
جذور العروبة...
أصلية أصيلة
بإسلامها
بإيمانها
بأخلاقها
أظهرت سماحتها...
وسماحة جميع الأديان.
فلتحي الجذور أينما نبتت
ولتبق يانعة
مخضرة
فارعة
مشكلة أجمل...
وأزهى...
وأبهى عنوان.





على المنحدر // محمد الكروي // المغرب

 

على المنحدر
والواد الحزين...الحزين
تئن الزهرة
جريحة مكلومة
خلف الضباب
حال أثر شد وجذب
شذرة عائمة منسربة
تروي ثقوب المنعطف
ههنا
تنط العصفورتان
مع خيط الصباح تزقزقان
كنس وبخور
وفقاعات الغسيل
لمعة جواهر مرصوصة
ثم حب وفسفور ويقظة
تتأوه
أنفاس يوم جديد.





dimanche 25 décembre 2022

جديد عام متجدد // محمد محجوبي // الجزائر


هي كذالك ..
دورة السنين وسحنات الفصول
تمازحنا لعبة الحلم الراعف
تتكاشف وجوهنا بغي السؤال اللاسع لأنفاسنا
في شبه أوكار غريبة
تتساكن أحزاننا المترفة بلحن القول
بأجيج الوأد
على وجع رمالنا المتنطعة بشمس
ما تقوله الوردة لخبث العاصفة
غصة الزيتون
وبكاء السواقي
وعنوة الخطف
لكذا عام . . يعبر الذكرى بخيوط مختزلة في سقمنا الناصع
خيل وبيداء ..
سفهت صباحاتنا بجفاف
فنشيخ على أزمنة البوار
ممزقة هي أشياؤنا الناشزة من داء غريب
كما تشهق الحقيقة
متى وكيف يستدركنا عام متنكر في زي الهواء
يعيرنا شعاعا يسقط من أسر غليظ
يلبسنا ثوب الحياة .






ومغربنا ...// علي الزاهر // المغرب

 

و مغربنا الذي بلغ الأعالي
و صار صداه في أمد المعالي
بلعبته التي سارت بدرب
به لجج التفاني في اشتعال
فكلهمو اجتازوا غيم أفق
فصار لذكرهم رجع المنال
و قد رسموا بأقدام المطايا
صروح الذكر عبر صدى الفعال
و في الآفاق اعتلوا نواص
و بجد أوقفوا زحف المحال
هم الأبطال رغم مكيدة في
دهاليز التي تنفي مقالي
و قد صار المدى بهموا هتاف
بهم صدعت تواريخ الرجال
لنا الأمجاد و التاريخ راو
و شاهد عصرنا قمم الخوالي
و ما كنا لجهل قد أوينا
لركن الصمت من فتن الحجال
و لكنا كما نار الفيافي
نعيد لنا صدى مجد اشتعال
لنمضي في دروب العز نرجو
غدا آمال شعب في اشتغال
أسود في الميادين ارتقاء
على ذكر لكم أفق الخيال
فشكرا ، قد أبنتم روح شعب
يحب النصر في لجج النضال
و أسمعتم زئير الأُسْد صوتا
به افتخرت بروعته الأعالي .






vendredi 23 décembre 2022

الحب أنشودة // علا أحمد معروف// سوريا

 

الحب أنشودة
النغم
سحر خرافي
الشجن
دستوره
طلاسم
دفاتره حروف
غزل
غيومه سوداء
يتمايل المطر
جنونه عواصف
هدوء للسهر
أمواجه عاتية
مراكبه سفر
بين شطين
تبحر
جاهلا للبر
في اللانهاية
تستقر
تزهر أو تندثر
حبه مغامرة
شغافي تهالكت
عند قلبه المستقر.