lundi 25 mars 2024

كل هذا الصمت // علي الزاهر // المغرب

 

كل هذا الصمت
المشرع في وجه الغياب
ينذر عواصم ذاتي بالأفول
لم أجد أمامي
غير هذا الجسد الجريح
و هذا الصمت المطبق
جهرا على الأمم
جهزت قوافل هذا المعنى
و صوبت القصيدة نحو الجرح
لكن الصمت تمادى في غيه
ممتطيا صهوة اللامبالاة
نحو مدن الريح و الكلام الجارح
متعبة هذي المفردات
لا يأتيها المعنى من خلفها و لا الأمام
قابعة في مئذنة الخوف و النسيان
و لا أحد مد يده
ليزيل نزف الزيتون
على قارعة التاريخ
و ماذا سنقول للتاريخ ؟
كنا نبطش البطشة الكبرى
صرنا نلتحف الصمت و الخنوع
كنا نبارز الأسد في الصحراء
صرنا نعاجا نقتاد للحضيرة الفيحاء
كنا أسياد الرمل و الرمح في البيداء
صرنا صامتين ،
تطوقنا صمتا نكرة الأسماء
كنا مأوى البسطاء و البلغاء
صرنا بين الخلائق ما صرنا
صرنا جياعا ، عطاشا للحب و النقاء
فأي الفريقين أحق بالمجد و البهاء ؟؟
التائهون ، العابثون ،
العابرون حدود الله ؟؟
أم الصامتون ، الخانعون ،
التاركون حدود الله ؟؟







samedi 23 mars 2024

أمي والغروب // عدنان يحيى الحلقي // سوريا

 
..ويشفعُ لي
..أنّ جرحي.. تغرّدُ فيه العصافيرُ
..سربُ النّوارسِ يشهدُ
..والموجُ يشكرُ للشّمس ماقدّمتْ
..من عقاقيرَ
هلّا رأيْتَ الهواءَ يهدهدُ أنفاسها،إذ تغيبُ..!؟
*
..غروبٌ
..وأمّي.. تمدُّ سجاجيدَ أحلامها،وتصلّي
هنالك قافلةٌ.. ستشدُّ الرحالَ إلى القدس..!؟
..قالتْ:تهيّأْ.. نويْتُ الصلاةَ هناك،وأنت معي
سنصلّي..إليّ بكفّيْكَ..ما الخطبُ..!؟
مِنْ أينَ جاءكَ هذا الشّحوبُ!؟
..تناولُني بسمةً، كالرّغيفِ المقمّرِ..تأخذُني مِنْ سنيني
..وكفّي تلملمُ مايتناثرُ مِنْ لؤلؤٍ
..حينَ تدْعو لنا بالسّلام
..هوَ العمرُ..مدٌّ..وجزْرٌ..ورأسي على راحتيْها..يذكّرها
..كيف كنتُ أشاكسها..فيسيل الحليبُ







mardi 19 mars 2024

يا رحلة العمر الشغوف // وليد حسين // العراق

 

للشعر أصداءٌ تضجُّ ببابي
حَذِراً يداري سوءةَ المرتابِ
وعلى مشارفهِ التي أحصيتَها
تَجِد الكثيرَ مغلّفاً بسرابِ
أو ليس تكميمُ الحقيقةِ مزحةً
غطّت ندوباً منذ وخزِ حرابِ
ولعلَّ جعجعةَ اللسانِ طريّةٌ
ما مثلُها شيءٌ يعيقُ إيابي
وتفردّت بالممكنات وحالُها
بين الوصايةِ ممطرٌ بخراب
ثعبانُ في كذبٍ يثيرُ فرائصاً
وكأنّهُ ماضٍ بغير صوابِ
أفلا أقمنا الوعدَ بين شفاهنا
يوم ارتميتَ بلفحة الأخشابِ
وكما مصائرنا تفرُّ .. ملاذُها
مايشبهُ التَوَهانَ في الأنسابِ
كانت معاقرةُ القيانِ شهيّةً
مشفوعةً بموائد الكتّاب
وتميدُ عن ذاك الوجودِ وحسبُها
شهدت على ظفرٍ من الأنياب
وبلا ضجيجٍ واكبت ما حولها
يومَ انتهت من سطوةِ الأعرابِ
ولأنّ أرديةَ السؤال تمايلت
قد هزّها ثملٌ من الأذنابِ
وتبعثروا ما بين أرصفةِ الخيال
كأنّهم حملوا الرؤى لخَبَابِ
وعن انتماءاتٍ تشيدُ ولاءَنا
أمضى قريحةَ شهوةِ الأقطابِ
وأهابَ صيحةَ ما يجاورُ سمعَهُ
يوم ارتوى شغفاً بكلِّ خطابِ
فإلى متى تبقى مدائحُهُ التي
عجزت بضبط الهَمزِ منذُ رهابِ
وإذا تبرّمتِ العقوقُ وصابَها
ما يقلقُ الخذلانُ حين عذابِ
فعلى محافلِ ما سعيت أعنةٌ
مجبولةٌ بالسيرِ خلفَ عُقَابِ
يارحلةَ العمرِ الشغوفِ بلحظةٍ
مسبوكةِ الإيهام والأسبابِ
تمتازُ عمّن قد يسابقُ ظلَّه
ولكم شكا من وخزةِ الأصحابِ
كانت مخاتلةُ الضمير عسيرةً
وبها يعجُّ الشكُّ منذ عُبَابِ
فتزاحمت ولها مواطنُ جمّةٌ
تنساب مثلَ الرغوِ في الأنخاب
وعن انحرافِ الركبِ بين طلولها
حجبت شعاعَ الشمسِ دونَ نِقاب
فالليل إن أرخى ستائرَ ظلمةٍ
وتكشّفَ المعنى بغيرِ حجابِ
الآن يقتنصُ الحقيقةَ من شفاهٍ
ذابلاتٍ دون مضغِ شرابِ
ويعيدُ لي بين السطور حكايةً
مرّت مجانبةً لكلِّ عُصَابِ
قد يرتوي بالذكريات لعلّهُ
باقٍ إلى أمدٍ أسيرِ شِعَابِ
فالموتُ ما أبقى لعارٍ وقفةً
إلاّ انثنت محشورةً بثيابِ
وتجسّدت خلفَ المشاعرِ غفوةٌ
بملامحٍ معكوفةِ الأهداب
وهناك لا تلقى سوى ما غادرت
تلك الجباهُ برعشةِ استغرابِ
وكأنّ أجفانَ الصحابِ تزاحمت
حبّاتِ مِسكٍ من عبير سَحَابِ
فعساك لم تهدأ .. وعيشُك لم يكن
إلا سرابا زاحفاً لسراب
ياويحِ أيّامِ الطفولةِ غادرت
ما أدهشَ الأحياءَ دون جوابِ
وعلى مساعٍ لم تعد مخفيّةً
عرج المُعنّى في نزولِ كتابِ
وجيوبُ أهلِك لم تزل مشقوقةً
وبلوغُ عُمرٍ خلفَ شرِّ نِصَاب
وخدودُ خدرٍ في عزائك تكتوي
بفمٍ يذكّرُ مزحةَ الألقابِ
ثُمَّ انزوى قلقاً يشيحُ بوجهِهِ
حيث الفناءُ ملبّدٌ بغيابي.







نار العطش // يحيى موطوال // المغرب

 

تطعمُني العزلة
فرحًا استثنائيًّا،
قصيدةً تخرج
من عنق التأمل
باستمتاع ! .
أمنحني فرصةً أخرى،
أفاوض مبتدأ الحال،
أكتملُ في الخواء
سردًا شقيَّ المجاز ،
أنفردُ بعتاب صاخب
كنارِ العطش ،
ألقي بصوتي
في زوايا العدم
وأعود إلى قلقي
سؤالًا أنيق الهذيان .
لا شيء هنا
غير ابتسامة صفراء
على وجه وقتٍ محنّط ،
وشهيق بكاء،
خرائط " طبوغرافية "لامرئية
وأغنية هواء هالك ،
خربشات فزعة
على حائط دهشة منقض
و أساور خزي
مدفونة
في صدر حياة آثمة .
أعيدُ لي بعضًا منّي
غير مكترثٍ
بما هو آت .
أولدُ من موتي
بقاءً قاسيًا
و فاكهة حبّ مشتهاة .
أكتفي بسخرية القدر
وماضٍ شقيٍّ
منبوذ
في بطن الأنقاض .




samedi 16 mars 2024

أسألك يا الله ...// نجاة دحموني // المغرب

 

أسألك يا الله !

يا من وحدك الكمال
لا يخفى عنك ما يسر و ما يقال
كل ما في خاطرنا و البال
لا مستحيل معك و لا محال
يسر العسير و ما فيه رزقنا الحلال.
أسألك يا الله.
فوحدك الرجاء و الأمل
فرج كرب من ضاق به الحال
اشتدت عليه و دمعه سال
خفف حمله الذي أثقل الجبال
حتى كسر ظهره و أمال.
أسألك يا الله.
يامن بأمره الصبح تنفس
رب الناس ملك الناس إلاه الناس
أعدنا من الوسواس الخناس
من الهوان و الفشل و الانتكاس
أبعد عنا الخطيئة و الباس.
و أسألك يا الله.
صدورا من الهم خالية.
نفوسا سعيدة هنية.
بعيشها و رزقها راضية
قلوبا بحب الله صافية
وخاتمتنا جنانا قطوفها دانية .
أسألك يا الله!!






زفرة شهيد // أحمد نفاع // المغرب


(أ)
عليكَ
أن تنبُتَ
حَجراً قاهراً
أو الهَرَبَ مِن قَرَفِ المكان
فهناك ..
عٌدوانٌ ينهش
ومَنفى بِغامق الألوان.
الرائحةُ قاحلةٌ
والعبثُ
سَاد
(ب)
يا أنتَ ..
الذي تُسَلِّمُ أسرَارَك لِلَّيل
العقاقيرُ وحدَها
لا تكفي
يوماً /
قالت لي جَدَّتي
قِف أمام قلبِكَ كالمرآة / كُن أنتَ
لا تزرَعْ بذورَ الريح
فمَن يزرَعٌ الريح
يحصدُ وَخزَ
الشَّوك
لها قلتُ / بل يُقال
يَحصِدُ العاصفةَ بدل الشوك (.)
قالت فمن إذن يُوقف
غُولَ / العاصفة
وهي تفترس
بلا أسنان
من يُوقف وَقْدَ هذا العَبَث
فاضَ نِصابُ الرِّثاء
وبلغَ الألم مَداه
العمَى تَسيَّد
يا عالم
و
البراءةُ
ظلماً تُقتل
لا
تنسَ
أن تُصَلي ..
(ج)
يا أنتً ..
خُذ أنفاسَك
واترُك كل شيء
تعالَ ..
لِحُضن اللحظةُ اليقين
لا أسلاكَ شائكةٍ
لا
حربَ
ولا ظمَأ ..
لن تحتاجَ لِعقارب زمنٍ
لِتُسَوي مَواقِدك
المُقدَّسة
(د)
تَشَهَّد ..
أيها المقيمُ الغائبُ
أقِمِ الصلاةَ على جَنازاتِك
وَوَشٍّح قبرَك
بِشُموع
حيَّة
فأنتَ الصهيلُ
وأنتَ نِعمَ الشهيد
على أرضٍ/ هي أمُّك
[ عَليها ..
ما يَستحِقُّ الحياة ] (..)
لكننا باطلاً
نموت.

--------------
(.) مقولة فرنسية
Qui sème le vent récolte la tempête
(..) مقتطف من قصيدة / على هذه الأرض ما يستحق الحياة / محمود درويش.














vendredi 15 mars 2024

على باب الخيال // إدريس سراج // المغرب

 

أستلقي

لا أنا لست مستلقيا

،بل أتوسد الأحلام الواقفة

.على باب الخيال

،أنظر للفراغ

الذي يلف المكان

.و الزمان

 ،تسقط عيني

.على سواد الروح

.يرتعش الجسد

.أغمض عيني

،أنصت

.لأنات صدر مرتعش

،أتلمس

.تضاريس وجه حزين

.ترتخي شفتي

.دوار وشرود كبير

،لست راغبا

.في أي شيء

،سوى أن أترك روحي

.يجرفها سيل عظيم

،بعدها

،قد أنفض الغبار

.المشتعل في صدري

.قد أعيد نفس الأخطاء

،لأحيا نفس ما

.اقترف قلبي من حنين

،قد أعشق

،عين الأمل السوداء

.مرة أخرى

،قد أدخر بعض الطاقة

،لخريف العمر الزائف

رحل الصخب

رحلت الرغبات

رحل الذين نحبهم

،ما زلت أنظر

،إلى آثار النعال

.في دمي

كلما استبد بي الحنين

لن أذرف دمع الخيبات

لن أتدمر مما ضاع

لكن

،لأذكر نفسي

.أني موجود

،و يحق لي العبث

.بالثابت

.و المتحول

بالآتي

بالذي مضى

،و يحق لي

أن أحلم

.بوردة في الريح

.بنار في ماء قلبي

،و يحق لي

.أن أنتصر لخبلي

،و يحق لي

أن أعيد صياغة جرحي

،و يحق لي

،أن أسقي صوري

.بماء قلبي

أن أدخل شرفة حزني

و أدخن سيجارة أخرى

أن ألوث بها طهر المكان

.و الزمن العابر

سأدون عزلتي

و أحلق

......في ليل الأحلام






lundi 11 mars 2024

أهلا رمضان // فوزية الخطاب // المغرب

جئتنا تحمل ورداً وهدايا
تنثر الخير وجميل العطايا
أجمل الشهور يا رمضان
تنشر السلام والأمن والأمان
وتعمنا بالرحمات والغفران
وفيك النور يملأ الأكوان
وآخرك عتق من النيران
بحلولك حياتنا تحلو
وأرواحنا فيك تسمو
وقلوبنا بالإيمان تعلو
يا أجمل الحكايات والروايات
حيث الجمال يملأ الطرقات
والكل يتسابق في الخيرات
وآيات الله تتلى
في المساجد والبيوت
ونهر الحسناتٍ تترى
على كل مسلم وقنوت
تأتينا في كل عام تؤلف بين القلوب
حيث طالت فُرقتها
فآن الأوان .. تتوب
ما أحلاك يا رمضان
ما أجمل طقوسك
ما أطيب عباداتك
أحبك وأحب أيامك
وأعشق ليلك وجمالك
ربي امنحني عمراً
وزدني بركة وخيراً
لأصوم فيه النهار
وأقوم ليله والأسحار
وأنعم فيه بليلة القدر
يامنحة العزيز الغفار
ربنا منَّا الدعاء
وفيك الأمل الوضّاء
ومنك الإجابة والرجاء .







dimanche 10 mars 2024

هتاف الفصول // محمد محجوبي // الجزائر

 

يتسنى لشعري المبجل أن يخرج زمردة الليل من أحشاء الأقمار ..
فتصير الحكاية مشكاة إطراق
وأنا العابر ذاتي أرشف رحيق الحنين
أرسم طيف الجنون
بلون الغيوم
فأرسمه من محيا غربة تلك الحقول
وهتاف يسترسل من لهيب وشعور
فكيف ومتى يغرد طير مرتحل
والمدى ذابل .. متعب
لشاعر عبثت فصوله . .
ثملت قصائده
لهفة ليل سارح في زهور
فتأرجح حرفه
يكتنز الابتسامة
لما بعد الصقيع
ربما .. بريق وصف في تجاعيد الرؤى
يسربله دفء متورد
بشعاع روحه يحلق أصقاع توقه
يلتئم الوهج غناء وحبور.







jeudi 7 mars 2024

زيارة // نصيف علي وهيب // العراق


يزورني مع الشجن ، يتكئ على أريكة حزن ، يرى اللحظات المعلقة على الجدار ، يمين ستائر النافذة ، خيوط الشمس أتسلقها ، يسارها شعاع الشمس، ينفذ لقلبي والمكان ، مهوسٌ بالأمل ، في الزوايا بقيةُ أحلامٍ ، ذاب معها شجني، تركني وحيدا زائري ، سيعود.







أزهار الأمل // يونان هومة // سوريا

 

تبقى الهموم
غزيرة كالمطر
وأبقى أنا
أذوب رويداً
رويداً
لولا الحبُّ
لمات كلّ الورى
من الخيبة الهوجاء
أدرك أنّي
لستُ سعيداً
لكنّي ماذا أفعل
فالحبُّ عقيدتي.
---
حين السماءُ
ترسل بهجة المطر
يكسو فمي رحيق الحياة
وأنا أدندن بعشقي لعشتار
تزهر في حديقة روحي
أزهار الأمل.







المتاع // علاء الدليمي // العراق

 

دعِ الحلمَ
يأكل ما تبقى من صدعِ الليل
لعلهُ يرممُ ذاكرةً
تلوّحُ للأمسِ
فليسَ بــغريبٍ
على العشبِ أنْ يحترقَ
بــصحبةِ الأغصانِ.
أرجوك قفْ
أيها العمرُ
لِمَ العجلةُ
مازلتُ رضيعًا
أتحسسُ عتمةَ الليل
بــثغرٍ ذي لهب
فأيُّ نهدٍ يطفئ ناري؟
رحماكَ أيها الربُ
بياضُ الوجهِ
نذيرُ الحصادِ
لا زادَ في حقائبي
فكيف السفرُ؟
نعم أحبها
لا ريبَ في عشقها
هي الزادُ والمتاعُ
هي الشِعرُ هي النبضُ
يا ساقيةَ العلاء
أترضينَ بموتي؟






على مر الزمان // محمد الكروي // المغرب


على مر الزمان ، فوق بساط الخمائل جنوب شرق سبيكة الرمال ،و ثلاثينات المئة المنصرمة، تمخر نهر الحياة، وراء الكلإ، اثر نث رج مكنون الأرض ، كان وتد الخيمة ،استراحة قصيرة ، ضمن فضاء فسيح ممتد ، تتعانق فيه الأرض و السماء قبلات دافئة ،يحفها عبير نسمات طرية عبقة ، استعدادا لترحال في الافق، يروم العشب الأخضر الخفيف الظل ، المدر لحليب ولبن و زبدة وسمن ، ثغاء رعي ، على قفقفة برد و سيل عرق ،و رياح بين الفصول ، دون حواجز تلطف من حدتها .
ارقية و بعلها اعلي ، شخصان مختلفان مؤتلفان ، يتقاسمان الفراسة و الصبر و المواجهة سلاحهما في وجه شظف الايام.
ابتسمت الدنيا لارقية ، بقدوم مولود ذكر ، اُختير له اسم عمر ، سيكون السند الأول ، ثم ابراهيم مؤنس وحدة أخيه ،و طورا ثالثا تشرق أسارير الأم و الزهرة نغنغة تصدح، و كمنجة المنى أن تضيء الليل وشعلة النهار بعث نار الموقد ، جمرة تحت الرماد ... كل شيء في الرمال البرتقالية ابتسامة شريط مزركش سرعان ما يذبل ، يأتي الحسين و الأب توارى التراب جراء غدر ماكر .
ارتبط الصغار بأمهم ، فهي الأب الذي لا تحتفظ رفيفات ذاكرة البكريين ، بأية صورة ، ولو باهتة القسمات ، و هي الأم التي إسناد إليها الأولاد و كل متاع الاسرة ، على مر الزمان .
عمرت غمامة سوداء مترامية الأجنحة سماء ارقية و فراخها ، اللذين لا يعرفون معنى موت أبيهم الذي بكته عيون كثيرة .
تجردت الأرملة و اعتمدت على ذاتها في تربية الأهل و الذود عنهم ، و تدبير يومها المضني بالأعمال الشاقة ، على حراسة منها ، يرعى القطيع المتناقص ، إليها يؤول توريد القِرَبِ شربة ماء و لقمة عيش ، و المغزل أنفاس ناي يشدو رقصة دائرية ، تدندن أوتار نسيج ،حمى برد ،غطاء و جلبابا،ومع صياح الديك تطلب الحطب، شعلة لا يجب أن تخمد ، إلى لسانها تمد الأيادي و تزحف الأقدام.
ترعرع عمر و ابراهيم ، و باتا يرعيان الجديان ،ثم التناوب على ما أبقاه الجدب و الذئب و اختلاس الغفلة و العثرة و كسر حجر طائش، و البيع تلبية للضرورة اليومية، من ثمر و حنطة ، و تقادم أسمال طرزتها الأم رقعا ، تفي بالحاجة إلى حين الإطلالة النادرة للجديد . والسماء مرآة صافية ، استقرت العائلة جوار مناجم الرصاص ، تلتقط و تغربل فتات الكثل الصغيرة و المتوسطة، عمل تهافتت عليه الأرامل و اليتامى و العجائز و الشيوخ .
بعد غياب لسنوات طوال، بدأ الفرح خجولا متعثرا يختلس إطلالته الخاطفة إلى بيت ارقية، في غرفة متوسطة و أخرى كمطبخ صغير، خطفتهما السواعد من فم الواد عملا مشتركا بين الأقران، قطرا انزاح على سفح الجبل الصخري.
في سباق و رفيف الزمن، و حفاظا على الزرع و الزريعة، و بريق اليدين كحل على كل اردية الجسدين الغضين، من الوجهين الى أخمص الأقدام، وتوددا لفرح يكنس عبوس الرحلة، في عرس جماعي خفيف، زوجت ارقية عمر و ابراهيم و الزهرة.
تبقى الأم وحيدة، وقد حلق تباعا أولادها، خلف عملهم هناك و هنالك، و هم تطلع مستمر نحو والدتهم مكتوبا أبيض باطنه بحر يكمش ورقة ترابية اللون مع سطور رمادية، بصعوبة يتهجى أحدهم كلماته القارئة السلام و دراهم قليلة في الطريق إلى الأم الحنون... ثم الزيارة عما قريب، وأحيانا أخرى إلى أقربهم فالذي يليه تطرق الباب، لتعيش لحظات مريحة، يكدر صفوها عدم وجود مجايلة لها، بينهما يسيل الكلام حكايات و حكايات، ما يجعلها فريسة انطواء فتستعجل العودة.
عجزت ارقية القوية، فهب إليها الحسين محتضنا إياها، مع تواصل زيارة باقي الأخوين و الأخت... كأن الزمان لم يستنفد غيظه نحو هذه المرأة العظيمة، فأبى إلا أن يعضها بنابه الحاد، و كبريائها يكسر مرضا عضالا، انتقاما من تحديها الكبير و نجاحها الباهر، وقد بلغت أيتامها شاطئ النجاة، و صغارهم يسعون حروف المجد هدية لها، و هي المدركة لسحر الحروف و الباحثة عمن يفك مدلولها أول أمس ، انقض عليها المرض و أرداها مشلولة، تماما كما يأتي الوحش الضاري فريسته، و قد أسقطها أرضا لينهشها على مهل... جالت المكان نظرة أخيرة، و ابتسامة ارتياح حلوة تزين محياها النظير، وفي هدوء و اطمئنان أغمضت حدقتيها الحالمتين دوما بما هو أحسن و أجمل.
بين الآباء و الأولاد يسترسل على مر الزمان إكبار رميم ارقية، و هي الغائبة الحاضرة منذ ما يربو من نصف قرن و إلى الأبد، وكأنها حية ترزق، فلا يموت أبدا من يرعى الورود و الأشجار..
نامي...
نامي أمّا ارقية
يا من
لا توفيها الكالمات
مهما تهاطلت
سبائك و درر
يا أيكة كبرى
لروحك السلام
يا اغنية الأمان و السلام
رحلة ألم و أمل
نامي و ارتاحي
فكبة الحياة
خيط منصرم
ينثر شموخك
بزوغ كل ليمونة
و بنفسج القمر
وهج رمان
يشتل دروب الزمان.







لا تحزني ..// حبيب القاضي // تونس

 

كيف يمارس الزّمن لعبته و لا يصيبه الملل.. يبدو أنه مازال منتشياً بساديّته و أنا و أنت و هم ضحاياه.. فتحت عينيّ لأراك فألقى رماده في المآقي.. تجهزّت كطفلة بكل الفرح و أنت تبتسم لي لكنه اقتلع كل حواسي من جذورها و ألقاها كمشيمة جنين مات في الرحم.. الزّمن لا يبالي، وحدك هناك تتفتت لأجلي، تنتظرني كحقل بيدر و تشهد على عواصف البرَد و هي ترجم حبات خصبي.. أخرج من كل جراحي، بكامل النزيف داخلي و أركض نحوك لكن تعب الروح يسقطني، و يرميني أرضاً، أتخبط باكية في حلمي و أراك بكل الأسى تجمع طيفي من وجع انتظارك.. رائحتك، حرارة كفك و حتى ابتسامتك علقت بيدي.. هل كنت تستقبلني أم أنك لوّحت مسلماً على قدري.. لم أخبرك و نداك يستقر في جفاف شراييني أن ارتوائي منك صعب، حاولت أن أناديك لكن خانتني حنجرتي، حاولت أن أعدو إليك فخذلتني كل طاقاتي.. لقد استنزفني الزمن..
حين كنت تتحدثين ونحن وحيدان، اخترت أن أكون قبالتك، يومها لا أذكر مواضيع حديثنا.. رأيت حلمي في عينيك، أخذتني نقطة التقاء الأفق الأزرق بالمارد البحري،، عاهدتك حينها بيني و بيني كما يفعل البحارة مع اليمّ ألا نفترق.. كما تفعل النوارس مع بلاط المراسي و مع الشراع.. عاهدتك أن أنتظرك.. عاهدتك ألا أخذلك.. لا تحزني إني هنا رغم هشاشة الأشياء فينا.. رغم الأسى نكتب لبعضنا في لحظة.. مهما قتّلونا أنا أخلقك.. لا تحزني..






mercredi 6 mars 2024

حرف وميناء // عدنان يحيى الحلقي // سوريا

 

صَدَعْتَ فاستنفَرَتْ نارٌ وأهواءٌ
وأشهَرَتْ حَرَّها المحموم أحشاءٌ
لا تأكلوا طالما في الحيِّ حالكةٌ
إنْ تأكلوا لنْ يُرى خبزٌ ولا ماءٌ
طبيبكُمْ لقمةٌ .. لا جاعَ سائلكم
ما يُغْضِبُ الحقَّ أنْ يستَفْحلَ الدّاءُ
رأيْتُ ما لا تطيقُ العينُ رؤيته
كأنّنا في رحى الإعلامِ أنباءٌ
حاوَلْتُ أنْ أحتمي بالحرفِ متّخذًا
حصنًا من الحاء، فالأحوالُ أنواءٌ
والرّاءُ يروي رمادًا كنْتُ أحفظُهُ
لعلَّ يومًا ستأتي فيهِ عنقاءُ
والفاءُ فيضٌ من الإيمان يغمرُني
ولي على الحرفِ مرساةٌ وَ ميناءٌ.