mercredi 29 novembre 2023

خوف من المجهول (قصة قصيرة ) // محمد بوعمران // المغرب


كلما أغمض عينيه مستجديا النوم أخذت مخيلته تنتج صورا مرعبة لوجوه بشعة وتناسلت في ذهنه أفكار تنذره بخطر يهدد حياته، فينهض مفزوعا و يشعل المصباح ليطمئن ويتأكد من أن ما رآه مجرد تخيلات ثم يعود ليضع رأسه على الوسادة...
ظل على هذه الحال، متقلبا على سرير نومه في كل الوضعيات وهو يقاوم الخوف ويحاول الفوز ببضع ساعات من النوم، حتى تسلل نور الصباح للغرفة الذي أشعره بالأمان فأسلم نفسه لنوم عميق...
قال له أحد زملائه في العمل:" لاشك أن بالمنزل أرواحا شريرة " ونصحه بمغادرته ، وقال له آخر:"عليك بالزواج لتؤنس وحدتك...»، نصائح كثيرة لم تسعف عباس في التغلب على خوفه…
غادر عباس الورشة متجها نحو بيته وهو يفكر فيما وقع له بالأمس، ما كاد الرجل يضع المفتاح في قفل البيت حتى أحس بقشعريرة تصعد من أسفل قدميه لتعم كل جسده ،انتابه الخوف حتى وقف شعر رأسه ،بسمل وحوقل بسرعة ،ارتفعت دقات قلبه ،ليقع مغشيا عليه أمام باب البيت...
صادف أحد الجيران عباس واقعا على الأرض لا يتحرك، فأخذ يناديه ليتأكد من أنه مازال يتنفس، تجمع حول عباس عدد من سكان الحي، رشوه بالماء، وضعوا مفاتيح في كفه لتترك جسده الأرواح الشريرة،
فجأة فتح عباس عينيه وحملق في المتحلقين حوله، مرر يده على جسده ليتيقن من أنه على وجه الأرض، وأنه ليس في حلم ،انتبه المتجمهرون حوله إلى حركة جسده وهنؤوه على سلامته ،في حين كان هو يرد عليهم بابتسامة باردة...
نهض عباس وتفرق الجمع، فتش عباس عن مفتاح الباب في كل جيوبه فانتبه إلى أنه مازال في قفل الباب، لم يفتح عباس الباب بل سل المفتاح من القفل ووضعه في جيبه،ثم غادر المكان ...
لم يجد عباس ملجأ يحميه سوى مسقط رأسه، هناك في ضاحية من ضواحي المدينة حيث منزل أهله ومسقط رأسه، فلن يجد قلبا أحن عليه من قلب أمه…
دخل عباس على أهله شاحب الوجه، منهك القوى وهم متجمعون حول مائدة العشاء، كان قدومه في هذا الوقت مفاجئا للجميع، نهضوا من جلستهم مستقبلين عباس بالأسئلة:
- ما بك يا عباس ؟...ما الأمر...؟
كان عباس يرد مطمئنا أهله
- بخير ...بخير ...
قالت أمه وهي تمرر يديها على وجهه الشاحب وتتأمله :
- أنت مريض يا بني ومرهق ...
و رافقته إلى غرفة من غرف المنزل لتستفسره وتطمئن عليه
- ما بك يا ولدي ؟...أظن أنك تناولت طعاما فاسدا في السوق...
حكى عباس لأمه الواقعة بالتفصيل، قالت له بنبرة حزينة:
- استلق الآن ، واسترح ...وغدا سنرى الأمر...لا شك أنه سحر أو أرواح شريرة سكنت جسدك ...
كانت أم عباس تطوف بالمجمرة حول ابنها الجالس القرفصاء وسط الغرفة وتتمتم بكلمات مستعيدة من شر العين والسحر والشياطين،الدخان غطى فضاء الغرفة التي كان بابها ونوافذها موصدة حتى يكون للبخور مفعولها في جسد عباس العليل،أخذ عباس يسعل وكلما اشتد سعاله أضافت أمه قطعة من البخور للنار ورفعت من إيقاع تمتمتها حتى أتمت كل القطع غير مبالية بسعال عباس الذي أصبح على وشك الاختناق، وحين فتحت باب الغرفة ونوافذها، تنفس عباس الصعداء واستلقى متمددا على ظهره وعيناه دامعتان من أثر الدخان والسعال واستسلم لنوم عميق يشبه الغيبوبة..
تفاقمت أزمة عباس وازدادت حالته سوء، و صارت أم عباس ترى أن الذي أمامها ليس عباس الذي أنجبته، أصبحت تبحث عنه في جسده المتعب وفي نظرات عينيه الحزينتين، بل وفي الملابس التي يرتديها والتي صارت أوسع بكثير من جسده النحيف...
لم يستطع فقيه القرية طرد الأرواح الشريرة من جسد عباس ،كان الفقيه يقرأ آيات من القرآن الكريم على مسمع عباس الذي كان مستلقيا على ظهره وعيناه تنظر إلى سقف الغرفة ،وأم عباس منزوية في ركن من أركانها تتابع المشهد في ذهول ،كان عباس في كامل وعيه يسمع للفقيه وهو يقرأ تارة ويتمتم أخرى ،وبين الفينة والأخرى كان الفقيه ينظر في عيني عباس ليقف على أثر قراءاته وتمتماته على الجسد الممدد أمامه، فيرى أن عباس في كامل وعيه فيعيد العملية ويسأل عباس بصوت مرتفع ومتوتر:
- من أنت...؟
فيرد عباس بصوت مبحوح وبنبرة متعبة :
- أنا عباس ...أنا عباس
فيستمر الفقيه في القراءة و يرفع من إيقاعها وبين الفينة والأخرى يسأل عباس:
- من أنت ؟؟؟من أنت ؟؟؟
مل عباس من تكرار السؤال ومن قراءة الفقيه، فنهض من استلقائه ورد على الفقيه:
- يا سيدي قلت لك أنا عباس...ولم يغم علي ...وأشعر بكل ما يروج حولي ...أنا لست مسكونا ...أنا أشعر بالخوف ...
قال الفقيه موجها الخطاب لأم عباس:
- عليك أن ترجعيه بعد يوم أو يومين...يجب أن ينطق...
سألته أم عباس في ذهول
- من سينطق...ولدي وقد تحدث معك ...فمن ...؟
قاطعها الفقيه وقال:
- الجن الذي يسكن جسده...
جواب أرعب أم عباس، وجعل عباس يبتسم بمرارة ويقول في نفسه:" من المصاب بالخوف؟ هل أنا أم هذا الجن الذي يسكنني...؟ غريب أمرنا..."






أيها الحرف ..// مصطفى العمراني // المغرب

 

أيّها الحرف
القابع
القانع خلف رفوف
الشّفاه المڪلومة
أدرِك لحظتي
أعِد ملامحي
فإنّي
على جدار الصّمت
رسمت وحدتي
بإصرار معزول
فقدت وحشتي
فڪيف تقبل ان نڪون
أمواتاً بلا قُبور ...






لم يعد هناك يقين // أحمد نفاع // المغرب


وفجأةً
تَدفقَ إِعصارٌ
صَحوتُ على صَهيل ( منادٍ )
تعالَوا نُلملِم العقيق
نلتقطُ ما مِنَّا
سَقَط
تعالَوا نَتفَقد
الكُنوز / وِريش الفِطرة
نَكُفُّ عن حَرثِ
تَجاعيد
الألَم
ماذا ..
وإلى أين ..؟
هذا
عَويلُ ليلٍ /
وهذي مواويل عاريات هاربات
هذي قصائد طاوية
ترقد على حصير ممزق
وتلك خيبات تترنح
على صهوة
ناياتٍ
لا
تهدِل
بِيعَ
ومَات
نَغَمُ الحياة
هُم
عُصَاةٌ
وَمُذنِبون ..
يَتَيَممون بِنهود العذارى
يَعبثون بأزرارِ النور
وَيَفصِلُون العِبق
عن أشواكِ
العِشق
و
يَنسَون
ذاك المُتَشَرد
بِارتِعاشةِ يَديه يُطعمُ بُؤسه
وتلك الثكلى تبحَثُ
عن رضيعٍ فقيدٍ
بين أناشيدِ
الحرب
لن أغفر
للظلم ظُلمَه
ولا لِلموت جُحُودَه
حين الكرامة تَفترش الكفن
حين تُغتصب
بناتُ
الألحان
وكم
تغريني
نوافلُ عِصيان
وتُطوِّقُني يدي بَلقيس
تتسلَّلُ خِيفةً مع غروبٍ حائِر
لِتَربتَ على كتِف
تِمثالِ هُدهد
قديم
لم
يَعُد لهُ
ريشٌ ولا له أخبار
وليسَ عِنده
ذاتَ
اليَقِين.






lundi 27 novembre 2023

بعث // أحمد البحيري // مصر

 

فى كل نازلة يقاربك الجحيم
وتعيث غطرسة وتهذي بالمصير
أتظنك القدر المسلط فوق رأس الخلق
مثل الصبح إن لاح مع الضوء المبين
يا بيضة الشيطان معبود الصهاينة
الزوال محقق لكيانك الممسوخ
وابحث فى ثرى التوراة أنا شئت
حتى تبصر ما تشيده يقل ويضمحل
وفى تسعين عاما يهوى ولا يبين
يا قاتل الاطفال بالأرض المباركة
اكتوى قلبى وما غمضت جفوني
وثأري فى حنايا الصدر ترياق السنين
أنت المؤسس للأساطير الحديثة
وامتدت أصابعك الرهيبه فى معنى الكتاب حتى تقص منه آيات النفير
دوما تصب الزيت فوق النار
تستعجل فناء الكون قبل أوانه
وتقول بعد الصدمة الأولى
سنسحقهم جميعا ثم نرجع آمنين
أتظن أنك قاتلي وموزع جسدي
طعاما للطغاة وراقص فوق الدماء
لترهب الأحياء حتى يبقوا كالهشيم
هيهات وانظر تحت رجلك
فالخنادق تحتفي بالقابضين على الزناد
وفى الملاجئ بضع آلاف توارت
بعدما رأت بأسى وبأسي لا يلين
سقف الأساطير القديمة والحديثة معدوم هنا
ووجهك الدموى أيقظ أمة ثكلى
ركبت ظهور قادتها
وردتها بحور الدم من غدها
فعادت للشعوب مع هوس العويل
يا قاتل الأطفال بيضتك السمينة
أفرخت موتى وفى أرضي أدافع عن يقين
انظر إلى ولدي وكيف يفوت
من سم الخياط كالعفريت
حتى يشعل النار بوجه الظالمين
فى كل نازلة يقاربك الجحيم
.فى كل نازلة يقاربك الجحيم










قمران // محمد الخولي // مصر

 

من تمر ومن خمرٍ حلالٍ صافِ
عينان من عسل الجبال
وقطفةٍ أولى من التين
الطريّ الكامل الأوصافِ
وشفاهها العِنبُ البناتيّ الشهيّ مذاقه
كأسان من شهدٍ، وخمر سُلافِ
هذا الجمالُ مُحَيِّرٌ ومُحَيَّرٌ
كالحسن يسكن جنّةَ الألطافِ
قمرٌ سماويٌّ تلالا حسنه..!!
كالدرِّ بين مكامن الأصدافِ
كسحابةٍ تهمي بلؤلؤ حسنها
فوق الرياضِ..
تساقط الأندافِ..!!
حوريةٌ دعجاءُ ملمسها الندى
قطنية الأطراف والأعطافِ
رقراقةٌ كالماء منساباً
على جُزُرٍ من البلّور
فوق قطيفةٍ
عربية العينين والأعرافِ..!!
تلك الغزالةُ تستبيح قصيدتي
وتزفها للشعر دون زحافِ
يسّاقط التفاح ورديّاً على
هذا الجمال المترف الشفافِ
لون العيونِ خرافةٌ هنديةٌ
قد خلت هذا اللون لون شغافي..
بريّةٌ وشريدةٌ..
كفراشةٍ، وغزالةٍ
فرّت من الفرس الجموح..
ودوّخت هذا الصهيل.. وأتعبت تِطوافي
ولها تحجُ قصيدتي، وعليها
أوقفت البيان ملبيّاً
ونذرت سبع قصائد لعيونها..
من بعد ألفٍ في الفؤاد خوافِ..
باغتها فوق السفوح غزالةً
هَدْهَدْتُها بالشعر دون هتافِ
فرمتْ بلحظ عيونِها سهماً إلى
قلب القصيدِ .. ولات حين قوافِ
أرخت رموش عيونها .. قالت له:
أحسبت أنّك .. شاعرٌ متفردٌ ..
تصطاد بالحرف النبيل جميلةً..
من وهج لمسة كفها
تخضرُّ مِصْرَُ جدائلاً وسنابلا
في حِضن كوثر نيلها وفيافي..






dimanche 26 novembre 2023

تجليات المكان وأزمة الهوية : قراءة نقدية في نص "أزمة كاتبة عربية" ل"هيلانة الشيخ " // محمد الخولي // مصر


الكتابة استدعاء وحضور وتجلٍّ، الكتابة استنطاق للعالم، إدراك للواقع عبر رؤية مبدعة للذات الكاتبة، ولا يتصور حدث/ موضوع دون أن يحل ذلك الموضوع في مكان ما.، ومن هنا تتجلى الأزمة الحقيقية في النص، تتجلى فكرته.. المكان/ الوطن/ الهوية/ الغربة.. وكل هذه المعاني تنبثق من رحم المعاناة، التي تعانيها الكاتبة/ هيلانة الشيخ ، فلا نص دون معاناة حقيقية وتجربة جادة، فالنص الذي لا تدرك من ورائه معاناة وتحسها عبر آليات التمثيل النصي، هو نص غث، وكل تمثيلاته ركام من العلامات اللغوية لا فائدة منه، إذ كل نص يتشكل وفق رؤية كاتبه، ومدى إدراكه للعالم، ومن ثم استنزال العالم وقولبته في قالب نصي، واللغة الشاعرة واعتمادها على الانحراف، وتوسيع الهوة ما بين الدال والمدلول، إذ تتقافز المعاني على سطح الدوال، ومن ثم يرتبك القارئ وهو يقوم بعملية فك الشفرة النصية، فكان لزاما عليه أن يسكن بين سطور النص، ليستبطن معانيه الثواني، أن يعبر من بنية السطح النصي، ليصل إلى بنيته العميقة، ومن ثم يتكشف لنا المرتكز النصي وفكرته المحورية.
فالكتابة كما ذكرت - آنفا- استدعاء للعالم وفق رؤية الذات بعد إدراكها العالم من منظور إيديولوجي ، ومسلمات منطقية، وثقافة رسختها التجربة الواعية في اللاوعي المبدع للذات، وهنا يأتي دور المخيلة التي تكتمل بها صورة العالم في الذهن ثم تأتي مرحلة الكتابة/ التمثيل النصي للكاتب.
فالذات حينما تكتب تكتب نفسها، الذات تكتب وعيها وطريقة تفكيرها وكيفية الرؤية الذاتوية الخاصة بها، فالقارئ يقرأ العالم من خلال النص وفق رؤية مبدعه.
هيلانة الشيخ، تصدر لنا العالم اللا محسوس في صور متعددة بتعدد المكان/ الأمكنة، وكأن حالة الشتات التي تعانيها الكاتبة، شكلت صورة ذهنية اصطبغ بها العالم وهي تعيد قراءته، فأضحت سلطة الصورة الذهنية مهيمنة على الرؤية والذات، وهي تحاول استنزال العالم في تلك الأمكنة التي ذكرتها من الوطن العربي، بل هيمنت الصورة الذهنية وشكلت وعيا ذاتويا ، تعيد به الكاتبة استنطاق هذه الأماكن وفقا لسلطة الصورة الذهنية التي شكلتها التجربة الواعية للكاتبة.
ذاتية الرؤية تستدعي ومما لا شك فيه " الأنا" الذات، ولكن هذه " الأنا" وهي تعيد قراءة العالم تتسامى حتى تصل لدرجة " الأنا العليا" أو " الأنا المتسامي" التي جعلت من العالم العربي كله وطنا لها فهي لا تطمح في وطن بعينه ذي حدود جغرافية تقصر الوطن وتحبسه داخل تلك الحدود الحغرافية، بل تسامت الأنا، وثارت على الوعي القائم، وتطمح في " وعي ممكن" وطن لا حدود له ولا جغرافية، بل وطن أكبر وأوسع تطمح له الذات.
وتظل الكاتبة وهي تحاول الوصول للوطن المرتسم في مخيلتها، والتي تطمح إليه، ولكن سرعان ما تتجلى الأزمة في النص مرة أخرى،" الغربة- المعاناة- الوطن بمفهومه الأشمل والأرحب" تتجلى المعاناة متخذة من الجسد رمزا، تظهر عليه علامات الإعياء والتعب وتلك الندب التي توحي بقسوة المعاناة التي تعانيها الكاتبة في تغربها واغترابها.
بعد تبلور فكرة النص ووضوحها في ذهن المتلقي، تدخل به الكاتبة مرة أخرى غياهب النص، وطرقه الملتوية، لتخفي وطنها الذي تحلم به عبر سرد للألم وتجلياته في حياة الكاتبة/ وواقعها المعاش، لتبقى فكرة الوطن مقدسة بقية من محراب مهجور، بينما لا يتخلى الجسد الرمز عن طينيته وشهوته التي ربما تكون في ظاهرها ممارسة لما يتنافى مع الطبائع البشرية، ولكن تلك الطينية الشهوانية تحمل في طياتها أوجاعا وألما ومعاناة ونورانية ذاتية، وحلما إنسانيا، تخيم عليه ظلال الطين والشهوة، وكأن الكاتب تتتازعه السماء بنورانيتها في بحثه عن الوطن، وأرض بماديتها وقوانينها تحاول سحق هذا الحلم، الذي يظهر أحيانا على سطح النص، ولكنه سرعان ما يتخافى ويختفي في البنية العميقة للنص.
النص:
الكتابة منحتني الحيّز الذي فقدته بين فرشتي وعتبة داري.
كلما قست المسافة بينهما كلما أدركت كم أنا محجّمة، اليوم تجاوزت فلسطين التي أنزفها وأزفّها في مراسم العيد والحرب، أشعر بالانتماء إلى كل من يقرأ لي وأقرأ له.
ففي مصر لي قلبٌ ينبّض الحجر، وفي اليمن لي من الزبرجد عينان. أمتدّ من أقصى المغرب مفتونةً بجباله إلى أبعد بقعةٍ في العراق.
أنا فراتٌ ونجدٌ وعدن، أنا مكّة والحجاز وبرج العرب، دمشقيّةٌ قاهريّة جزائرية سودانيّة الهوى تونسيّة الجوى فلسطينية من لبنان…
وعندما أسترسل في القراءة أسافر من الأردن إلى ليبيا من دون جناحين لأحطّ في غابات شفشاون، ولا أكتمل في مورتانيا حتى أبلغ البحرين.
ولا أبرح مسقط حتى أستقيم في الإمارات… أنتم لا تعرفون عنّي غير ما أكتبه، لست نبيّةً ولا ملاكًا سقط بالخطأ من غيمةٍ على خليج العقبة عقابًا لكم! ولست خوريّةً خرجت مملحةً من بحرها الميّت بنصف قشورها الملوّنة؛ أنا بعضٌ من لحومكم ومن دمائكم أُمٌّ وأُمّة، عاشقةٌ وخائنة، هويّتي لغتي أقطف بها رؤوسكم وأبذرها في صدوركم وبين طبقاتكم لكَي أطبق بكم على قلبي فيستكين.
الفسق جزءٌ مني وأنا جزء من محرابٍ مهجور، أصلّي قيام الليل وأعربد تحت صنبور الماء، أخجل من تجاعيدي وندباتٍ لم تترك للقُبل متسعًا من الشغف، وأتبجّح بغشاءٍ لم ولن يُفض…. هو غشاء القلب.
لذا أفضّ المجالس بابتسامة لا تحتمل المعنى الحقيقي لنصٍ لم يكتب بعد.
فإن استجرح جلدي لا تقربوه ولا تلعقوه فنحن مجرد صورٍ وأسماء نتبادل الأمكنة ولا نلتقي، نضاجع أوجاعنا فنطرحها حجارة نتقاذف بها ونبكي على بعضنا.

صياغة ملونة للحلم // محمد محجوبي // الجزائر


فلسفة أصباغ
ننمنم بها حائط الحزن الضاوي
تعربد فصولنا
جذوعها مرتعشة في خواء
فلسنا من سلالة شمس
تتلاشى سواقي عمرنا
تدندن نجومنا نسمات الانتشار المنساب
لسنا بوادي يتيم الزروع على دهشة ماء عجاب
فقط متجذرون في صمتنا الجليدي الأرعن
بعيون طاعنة الألوان
نسمع من لقالق عواصفنا
فصل الجنوح خطاب
يلعلع فينا كمدا وداء
على مزحة الشمس
كلنا وبعضنا غابة ضجيج
لغاية أن الدم ينزف في شهيق التاريخ
يقذفنا تيار
يدمن أحلامنا وحش الحكاية سيد الظلام .










vendredi 24 novembre 2023

مضى حبها خيولا مسرعة ..// محمد لغريسي // المغرب

 

مضى حبها
خيولا سريعة
وشردتني الذكريات
صوبت المنية سهمها،
ودمرتني ..
مضى حبها
كما ترحل القوافل
سهما نازفا
كانت العبرات.
....................
مضى حبها
وانتهى سريعا كضيف ناشز..
وددت ان أبلل شفتاي..
ببعض الريق
لكن سيوفي
صدئت بغثة
صارت مثل موج عاصف،
عاصف..
..............................
مضى حبها سريعا
وشردتني الأمنيات
خارت ذراعي
كما تنق ضفادع الضاحية..
تضاءلت آفاقي
كتلك القلاع المهجورة..
وشب حول الحرائق
حريقي..
أما الماضي-الماضي
فقد شج بمطرقته رأسي
ورمى معاطفه جبالا
على أجنحة مكسورة..
.........................
سأنسى..
تبا لمساحيقك
تبا لأنفاسك الباردة
كريح..
تبا لك..
فأنا سبيل لسبيل جديد..
أنا لمع يحث الخطى،
أزهار طلح لا تنحني
أبدا..
..................
تبا..
سأبحر مرة أخرى
في لب برتقالة
باحثا عن خلايا جديدة
وفي ذهني
حلمي ..
وفي اليدين
جوقة أعشاب.
.........................
مضى حبها خيولا
أقصى من الغم،
أقسى من العبث..
تركتني الضفاف يتيما..
وسط مروج ملح..
شنقتني حواجب الهلال..
طردت وجهي
كما تدمع الأمسيات
بين ردم
ديار
وأطلال..
...........................
مضى حبها ..
خيولا مسرعة
وشردتني المسافات..
بحثث في الماء عن رواء..
بحثت في الإيقاعات
عن مناخ مؤنس
لكن الرماح
اعتقلتني
اعتقلتني.
....................
مضت أيامها خيولا
في نصف رمشة،
انهدم الركح،
وشردتني..
وانتهيت مضرجا
في دمعتين كاملتين.
.........................
مضى حبها خيولا سريعة
كنت أعتقد أن في الخيال
نون ..
كنت أظن أن في الوهم
سين..
تركتني نكبتي للصقيع
وزادت في نكبتها..
رسمت نهايتي،
على سنم هزيع
و زمهرير..
..............................
مضى حبها سريعا
و في الحنايا مليون قضية
وفي صدري عوسج ندي
والأيام
غمامة..
غمامة..
...................
اسمع..
أيها المعذب -المعذب،
المذبوح كشاة المواسم
تضرج بخيبتك..
تلك الطيور هجرت أوكارها
تلك الحقول المنكوبة
أوانك المقبل
وفصلك الشتوي ..
.........................
وشردتني الفساتين المكشوفة
والمناديل الأقحوان
تبخر ريقها ،
كل الرقصات انمحى هلامها
كأنها نكتة سيئة
أوحبل
غسيل..
............................
مضى حبها خيولا سريعة
والآهات
والمجازات الشام
التي كنت أصوغها من صمغ اليمن.
و النهار الوارف
الآنف
تاق للموت
والنهاية..
..................
مضى حبها خيولا نافرة،
خد الزعفران قصفني بالخذلان
و الهمس الذي كان بلحا طريا
خفت،
وشردتني
تركتني..
أتبتل أشعار الخنساء وحدي
ألجأ إلى صورتي الخلفية
وأمامي:
سرداب
و كلمات تبكي
مثل الأرض.
.............................
آه.
آه..يا ابن الهموم
ضاعت قبعتك وسط الهرج
تلك سيقان القرنفل الضاج
ذبلت..
تلك دردشات الفردوس انتحرت
خلف وديان،
وتاهت
وتاهت..
........................
مضى حبها خيولا
فتشت عن رعشة
وأنثى..
فما عثرت
آويت إلى الأطياف
فأوجعتني الذكرى..
دمرني المحار
من حد الهامة
إلى حد الإبهام
سما كانت الثواني،
غما تفتق غما ،
سرابا سربلني
من ألف
إلى
ياء
...........................
مضى حبها خيولا سريعة
فارحل..
ارحل يا حبيبي من خواتمها
ترجل عن سلالمها
لا وقت للمنافي يا أخ الشيح
يا جار المزامير
لا تجاعيد لصوتك
بعد الآن..
خذ تعبك وانطلق..
بع زفرتك لمعابد..
كن ما تشاء
يا عبد السماء..
..........................
مضى حبها خيولا سريعة
و همسها السكري
أطلق جناحيه للردى
ورحل
وشردتني
صرت أعالج ليلي الطويل
بقافيتي
وتعاستي
وحدي،
وحدي..
ومضى حبها برقا لاذعا..
وشردتني.






أم المهند // عدنان يحيى الحلقي // سوريا

 

راحَتْ على استحيائها تترفّقُ
وَتَصونُ في عليائها ما يبرقُ
بسؤالِها سَكَبَتْ مَعينَ محبَّةٍ
يروي مساكبَ وَرْدِها وَ يُرَوْنِقُ
ترعى الطفولةَ باستقامةِ دربِها
فترى النجومَ بثَوْبِها تَتَعَلَّقُ
فتحَتْ لها النّجوى نوافذَها على
تقوى تجدّدُ روحَها وتعَمّقُ
في البال موّالٌ يراودُ غيمَةً
لِعريشةٍ فيها الطيورُ تزقزقُ
في القلبِ رابيةٌ تَفَتَّحَ وَرْدُها
والأرضُ بالنّورِ المقدَّسِ تشرقُ
في الرّوحِ أقلامٌ تبوحُ بروحها
يا أيّها القرطاسُ ليتَكَ تنطقُ .








قالت أمي ...! // نجاة دحموني // المغرب

 

قالت أمي...!
---------يا ولدي!
أرضتعك صبرا مع الحليب.
لأنه سلاح فعال سهل التصويب.
مفتاح كل الأبواب ولو كانت من حديد.
فلا تستسلم حين تخيب.
عاود الكرة حتى تصيب.
لتنال ما فيه خيرك و النصيب.
يا ولدي!
تحل بالتسامح شيمة ديننا الحبيب،
بلسم به تلتئم الجراح و تطيب.
هو قوة كل متزن لبيب.
لأن الانتقام ضعف رهيب.
ناره لا تنطفئ و لا يسمع لها خبيب.
غالبا ما تحرق صاحبها بشرارها و اللهيب.
يا ولدي!
إن ظُلِمت يظل الله وكيلك و الحسيب،
لدعوة المظلوم دائما مجيب،
يسمع آهاتنا، أناتنا و الدبيب،
صِدق ما نعلن و على نوايانا رقيب.
واعلم أن التسامح لا هو ضعف ولا عيب.
بل عطر يميز سيرتك حتى لما تغيب.
يا ولدي!
مع الحليب سقيتك حنانا.
زرعت فيه صدقا و إيمانا.
ليغمرا قلبك و يكونا عليه سلطانا.
تنثر و تنشر حبا صادقا يضيء أكوانا.
ليس تمثيلا و بهتانا.
لا كلاما منمقا وبيانا.
و لا خطابات تلاك وكأنها لبانا.
يا ولدي.!
ليست كل الطرق بساط أخضر.
و لا غلال الأشجار كلها فاكهة طيبة و ثمر،
بل فيها السام وفيها ما مذاقه علقم مر.
فميز بين ما ينفع وما يضر.
لأنك كبرتَ ولم تعد ذاك الطفل الأصغر.
سجل وصاياي و لا تتأخر،
في عقلك وقلبك لا في دفتر.
يا ولدي!
الحياة شائكة ملؤها عبر
حسب ما كتب لك القدر.
لكن الزم الوضوح في كل درب و ممر.
فكر قبل أن تخطو و تحلٌَ بالحيطة والحذر.
فأنا تعبت و على الأهوال لم أعد الأقدر.
لكن في الصلاح سأشد أزرك أكثر فأكثر.
لأنني كأي أم أتمنى أن بك أفخر.
يا ولدي!