mercredi 29 novembre 2023

خوف من المجهول (قصة قصيرة ) // محمد بوعمران // المغرب


كلما أغمض عينيه مستجديا النوم أخذت مخيلته تنتج صورا مرعبة لوجوه بشعة وتناسلت في ذهنه أفكار تنذره بخطر يهدد حياته، فينهض مفزوعا و يشعل المصباح ليطمئن ويتأكد من أن ما رآه مجرد تخيلات ثم يعود ليضع رأسه على الوسادة...
ظل على هذه الحال، متقلبا على سرير نومه في كل الوضعيات وهو يقاوم الخوف ويحاول الفوز ببضع ساعات من النوم، حتى تسلل نور الصباح للغرفة الذي أشعره بالأمان فأسلم نفسه لنوم عميق...
قال له أحد زملائه في العمل:" لاشك أن بالمنزل أرواحا شريرة " ونصحه بمغادرته ، وقال له آخر:"عليك بالزواج لتؤنس وحدتك...»، نصائح كثيرة لم تسعف عباس في التغلب على خوفه…
غادر عباس الورشة متجها نحو بيته وهو يفكر فيما وقع له بالأمس، ما كاد الرجل يضع المفتاح في قفل البيت حتى أحس بقشعريرة تصعد من أسفل قدميه لتعم كل جسده ،انتابه الخوف حتى وقف شعر رأسه ،بسمل وحوقل بسرعة ،ارتفعت دقات قلبه ،ليقع مغشيا عليه أمام باب البيت...
صادف أحد الجيران عباس واقعا على الأرض لا يتحرك، فأخذ يناديه ليتأكد من أنه مازال يتنفس، تجمع حول عباس عدد من سكان الحي، رشوه بالماء، وضعوا مفاتيح في كفه لتترك جسده الأرواح الشريرة،
فجأة فتح عباس عينيه وحملق في المتحلقين حوله، مرر يده على جسده ليتيقن من أنه على وجه الأرض، وأنه ليس في حلم ،انتبه المتجمهرون حوله إلى حركة جسده وهنؤوه على سلامته ،في حين كان هو يرد عليهم بابتسامة باردة...
نهض عباس وتفرق الجمع، فتش عباس عن مفتاح الباب في كل جيوبه فانتبه إلى أنه مازال في قفل الباب، لم يفتح عباس الباب بل سل المفتاح من القفل ووضعه في جيبه،ثم غادر المكان ...
لم يجد عباس ملجأ يحميه سوى مسقط رأسه، هناك في ضاحية من ضواحي المدينة حيث منزل أهله ومسقط رأسه، فلن يجد قلبا أحن عليه من قلب أمه…
دخل عباس على أهله شاحب الوجه، منهك القوى وهم متجمعون حول مائدة العشاء، كان قدومه في هذا الوقت مفاجئا للجميع، نهضوا من جلستهم مستقبلين عباس بالأسئلة:
- ما بك يا عباس ؟...ما الأمر...؟
كان عباس يرد مطمئنا أهله
- بخير ...بخير ...
قالت أمه وهي تمرر يديها على وجهه الشاحب وتتأمله :
- أنت مريض يا بني ومرهق ...
و رافقته إلى غرفة من غرف المنزل لتستفسره وتطمئن عليه
- ما بك يا ولدي ؟...أظن أنك تناولت طعاما فاسدا في السوق...
حكى عباس لأمه الواقعة بالتفصيل، قالت له بنبرة حزينة:
- استلق الآن ، واسترح ...وغدا سنرى الأمر...لا شك أنه سحر أو أرواح شريرة سكنت جسدك ...
كانت أم عباس تطوف بالمجمرة حول ابنها الجالس القرفصاء وسط الغرفة وتتمتم بكلمات مستعيدة من شر العين والسحر والشياطين،الدخان غطى فضاء الغرفة التي كان بابها ونوافذها موصدة حتى يكون للبخور مفعولها في جسد عباس العليل،أخذ عباس يسعل وكلما اشتد سعاله أضافت أمه قطعة من البخور للنار ورفعت من إيقاع تمتمتها حتى أتمت كل القطع غير مبالية بسعال عباس الذي أصبح على وشك الاختناق، وحين فتحت باب الغرفة ونوافذها، تنفس عباس الصعداء واستلقى متمددا على ظهره وعيناه دامعتان من أثر الدخان والسعال واستسلم لنوم عميق يشبه الغيبوبة..
تفاقمت أزمة عباس وازدادت حالته سوء، و صارت أم عباس ترى أن الذي أمامها ليس عباس الذي أنجبته، أصبحت تبحث عنه في جسده المتعب وفي نظرات عينيه الحزينتين، بل وفي الملابس التي يرتديها والتي صارت أوسع بكثير من جسده النحيف...
لم يستطع فقيه القرية طرد الأرواح الشريرة من جسد عباس ،كان الفقيه يقرأ آيات من القرآن الكريم على مسمع عباس الذي كان مستلقيا على ظهره وعيناه تنظر إلى سقف الغرفة ،وأم عباس منزوية في ركن من أركانها تتابع المشهد في ذهول ،كان عباس في كامل وعيه يسمع للفقيه وهو يقرأ تارة ويتمتم أخرى ،وبين الفينة والأخرى كان الفقيه ينظر في عيني عباس ليقف على أثر قراءاته وتمتماته على الجسد الممدد أمامه، فيرى أن عباس في كامل وعيه فيعيد العملية ويسأل عباس بصوت مرتفع ومتوتر:
- من أنت...؟
فيرد عباس بصوت مبحوح وبنبرة متعبة :
- أنا عباس ...أنا عباس
فيستمر الفقيه في القراءة و يرفع من إيقاعها وبين الفينة والأخرى يسأل عباس:
- من أنت ؟؟؟من أنت ؟؟؟
مل عباس من تكرار السؤال ومن قراءة الفقيه، فنهض من استلقائه ورد على الفقيه:
- يا سيدي قلت لك أنا عباس...ولم يغم علي ...وأشعر بكل ما يروج حولي ...أنا لست مسكونا ...أنا أشعر بالخوف ...
قال الفقيه موجها الخطاب لأم عباس:
- عليك أن ترجعيه بعد يوم أو يومين...يجب أن ينطق...
سألته أم عباس في ذهول
- من سينطق...ولدي وقد تحدث معك ...فمن ...؟
قاطعها الفقيه وقال:
- الجن الذي يسكن جسده...
جواب أرعب أم عباس، وجعل عباس يبتسم بمرارة ويقول في نفسه:" من المصاب بالخوف؟ هل أنا أم هذا الجن الذي يسكنني...؟ غريب أمرنا..."






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.