vendredi 24 novembre 2023

نداء من الماضي // محمد بوعمران // المغرب

 

كان يسير على الرصيف شاغلا فكره بهموم العيش التي كادت أن تمسح الماضي من ذاكرته، غارقا في تفكيره غير آبه بحركة الشارع من حوله...
-فريد !!!..فريد... !!!
نداء من الخلف جعله يلتفت وكأنه استيقظ من نوم عميق، كانت المرأة تناديه بأعلى صوتها وهي تلاحقه، سألها مندهشا:
-أهلا سيدتي...من أنت ...؟ لم يسبق لي رؤيتك...
ابتسمت السيدة وقالت:
-ألا تذكر اسم ثريا...ثريا يا فريد...ثريا
اندهش لما سمع هذا الاسم، تحركت ذاكرته وأخذ يعيد شريط الماضي للوراء ويحملق في وجه السيدة الواقفة أمامه باحثا عن ملامح وجه لم يره مند عقود من الزمن وهو يقول:
-نعم...ثريا...أنا لم أنسك أبدا ...يا لها من صدفة... !!!
تذكر فريد ثريا زميلته في الدراسة، كان مغرما بها وكان يدس في يدها كل صباح رسائل غرامية معبرا لها عن هيامه...
قال لها متنهدا وهو يتأمل محياها الذي بدأت تغزوه التجاعيد:
-إيه يا ثريا...أعوام مرت... !!!
ثم ألقى عليها وابلا من الأسئلة وكأنه يريد معرفة كل شيء دفعة واحدة:
-هل تزوجت ...؟ لديك أبناء...؟ مازلت تشتغلين...؟
بنفس الإيقاع، ومن دون أن تنتظر إتمام أسئلته أجابته وهي تحرك رأسها بالإيجاب:
-نعم ...تزوجت ...وخلفت ...وتقاعدت ...وطلقت...وانتهى كل شيء...
ثم توجهت له بالسؤال:
-وأنت تزوجت بسعيدة، أليس كذلك...؟
كَبُرت دهشته، فأجابها مرتبكا:
-نعم ...من أخبرك بذلك...؟
ضحكت ثريا وهي تجيب:
-كنت أعلم أنها ستلف حولك حبالها... !!!
سألها وهو متوتر:
-كيف...؟ هيا اخبريني ... !!!
قابلت ثريا انفعال فريد بابتسامة ماكرة وقالت:
-كنت أطلعها على رسائلك الصباحية، كنا نتسلى بها، وكانت تتفاعل مع كلماتك، وكنا نضحك ...
استقام فريد في وقفته، ونظر لثريا نظرات تتطاير منها شرارة الغضب، وصاح في وجها قائلا:
-يا لك من متهورة !!!...ألا تخجلين وأنت في هذه السن...أشكر الله على عدم الارتباط بك يا له من صباح هذا الذي التقيت بك فيه... !!!
غادر فريد المكان وظلت ثريا واقفة في مكانها تلاحقه بنظراتها وهي تضحك من انفعاله..
دخل فريد على زوجته سعيدة معكر المزاج، شاحب الوجه، لم يلقي عليها التحية بل ظل صامتا، وهي جالسة أمامه، كان ينظر إليها نظرات تعبر عن غضبه بسبب ما سمعه من ثريا، لم تتحمل سعيدة هذه النظرات، اقتربت منه ووضعت يدها على كتفه وسألته بحنو:
-ما بك يا فريد...؟هل أنت بخير...؟أراك شاحب الوجه ...
انتفض فريد وأزال يد سعيدة من على كتفه وصرخ في وجهها قائلا:
-ابتعدي عني أيتها الماكرة...كنت تتسلين وتضحكين من رسائلي مع صديقتك ثريا...
كتمت سعيدة ضحكتها واضعة كفها على فمها، لكن الضحك غلبها فانتابتها هستيرية من الضحك، قالت لفريد:
-أما زلت تذكر هذه الماكرة رغم مرور السنوات...؟عجيب أمرك يا رجل... !!!
رد فريد وفرائسه ترتعد من الغضب والتوتر:
-أنا لم أتذكر...رميت الماضي ورائي ...لكن هي التي ذكرتني وأخبرتني باستهزائكن من رسائلي ...
هنا توقفت سعيدة عن الضحك وسألت فريدا بجدية وحزم:
-متى ...وأين أخبرتك بهذه الخزعبلات ؟
-اليوم...التقيتها بالشارع...
التمست سعيدة من فريد أن يهدأ لتشرح له الأمر، وقالت بنبرة حزينة:
-الحقيقة يا زوجي العزيز أن ثريا هي من كانت تتسلى برسائلك وتتلاعب بمشاعرك، أما أنا فقد كانت كلماتك تهز مشاعري، وأراك من خلالها شخصا بقلب كبير...انس الماضي وثريا ...فالقدر حماك من مكرها وخداعها...
عاد لفريد هدوؤه، ونظر لثريا مبتسما وقال:
-إنها الآن مطلقة وتتسكع في الشوارع...





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.