dimanche 30 octobre 2022

عتمة.. // حسين المغربي // المغرب

 

عتمة..
صدى روحي صدى..
تزف الكوابيس مثنى و ثلاث..
الطريق أمامي رحلة طويلة من الشك و الخيبة..
مجبر أنا كأمنية محشورة في أنفاس حارة..
ان أخوض هذا اليم..
مدمي..
كل يوم أبكي ماشاء لي البكاء..
ثم استنهضني..
أشد على يدي..
و أقوم..
في القلب أمان كثيرة..
كحقل يعج بالحياة..
يرسم بأناة ابتسامة معدية..
على وجه الشمس..
و غيمة كئيبة..
من أجل اولئك الذين ولدوا..
من أجل من يحلمون بالربيع،
و يحفرون الصخر..
و من يرتشفون دموعهم..
و يبتسمون في وجه العاصفة..
أولئك من يهبون للحياة معنى..
و يرسمون المستقبل..
أقف..
نقف..
عتمة..
أخوضها..
أرجلي دامية و الآثار تحكي..
لكني أسير..
مدمي..
كل يوم أبكي ماشاء لي البكاء..
ثم استنهضني..
أشد على يدي..
و أقوم..
عتمة..
كل يوم أبدأ من جديد..
أرتق أحلام..
أجبر انكساري،
و أرفع راية العصيان..





على شفاه الجمال // محمد بوعمران // المغرب

 

أنا
على شفاه الجمال
رقصة مذبوحة
وصوت شاعر
مبحوح
يلقي قصيدة عشق
توارى تحت أجنحة الماضي...
أنا
كطيف عاشق
يعبر ظلمة العزلة
يعرج
في سماء
نجومها كلمات تبحث عن نور
لا جسد للمعنى
يحميها من رياح الشوق
وموج العشق العاتي
سوى قصيدة بلون الماء
وبحرقة الوجد
حين يمتد
ما بين الأرض والسماء.




إعلان ثورة صامتة // عبد الرحيم المعيتيق // المغرب


على عتبات الموج...
استرخت جميع أفكاري
استوفت وقتها كاملا
لملمت قوتها...
تجمعت المشاعر حولها
الآنية منها والظاهرة.
بينما يحمل جسدي
ألم مواجعي...
وهم أسراري.
أقبلت عليها
عبر مسافاتها الطويلة.
عبر شواطئها المجابهة لروحي
تناثرت زبدا في الكون...
معلنة ثورة صامتة.
مشكلة غليانا باطنيا
بينما روحي تنسل من جسدي
وتختفي...
بعيدا عن تراتبية الأزمان.
هي لا تريد إظهار نفسها...
لنفسي أولا
ولكل من تصادفه ثانيا
تدعي الحكمة والرزانة...
والثبات في بوحها.
قد تفيض سيولا...
جارفة كل الأنفاس
وكل التراكمات المستعصية حلها
بينما أنا...
أتبع مسار أنهاري
غير مخالف لأصلها.
أريد النجاة بنفسيتي...
لا بجسدي.
كي أقضي ما تبقى من عمري...
حرا غير معتقل
لا أسير ولا مسجون
كي أطلق سراح فكرتي
لتعانق السماء
لتحوم فوق البقاع المقفرة
لتصير بحارا شاسعة
تحتوي كل الجمال المكنون
لتصبح طليقة...
مستقلة بذاتها
تحمل كل المعاني.
سواء أكنت عاقلا...
أو مصابا بالجنون.





قد تخرج من جسدك ..// محمد فتاح // المغرب

 

قد تخرج من جسدك
َ وتكسوك ربوة
فتشعر بالسمو
لكن العدم سيناديك من بعيد
وسيرتد صوتك إليك كلما حاولت أن تصرخ
الكلام لديك سيتناسل مثل الدود
لكن لا أحد سيجيب.. ستجيبك الريح بالوعيد
سيعاودك الحنين لجسدك
ستحن إلى المجال الأول
إلى لمعان الكلمات
ستحن إلى فقرك ولن تخجل من انقطاع الشعير
ستحن لحانات الرباط ومومسات الفن السابع
ستحن للجنرال دوغول وهو يخيرنا بين الحليب والنبيذ
ستحن إلى الاستعارات ولو انك شاعر بائس
ستحن لكؤوس الشاي الدافئة
لحديث امك وهي بمنسجها تقص حكاية هاينة وسبعة بحار
ستحن للغيوم الخريفية تلامس الأفق
للنجوم البيضاء تزهو في سماء ليالي الصيف
للصباحات تعانقها بلحاف من قطن
لكل تلك الأزمة ستحن إليها
لتلك البلاد بمآسيها وأفراحها
لهذه البلاد ولو أورثتنا الجنون.






jeudi 27 octobre 2022

ظلال العشق // نصيف علي وهيب // العراق


ظلَلتُ أعود إلى حلمي، حيثُ الحب سلمُ عشقٍ، يصعدُ بالنجوى، يعود صدى حرف، يأخذني لضوءٍ فيهِ النور، يظللني بالألوانِ المرسومةِ في عيني أملاً، فَجرُها نبعُ أمنيات، ترفدُ حلمي والخيال نهرين في جسدي، وطنُ الروح حياة.






mercredi 26 octobre 2022

آلام الخلاص ( رواية) : مسيو أماس: ج 10 // أحمد البحيري // مصر


حتى بداية القرن الثامن عشر لم يكن بالعالم محفل ماسونى واحد. وفى العام السابع عشر من هذا القرن تم الإعلان عن أول محفل فى لندن. بعدها انتشرت المحافل فى الغرب والشرق؛ فلا تكاد تجد دولة تخلو منها. ورغم غموضها ورمزيتها فهى تعتنى بكل ما ذمته ألسنة الشرائع. مما جعل نهجها يضاد الفطرة والأخلاق، وفى الميتافيزيق يتبعون خطوات الشيطان. لا علاقة لهم بالملأ الاعلى أو السماوات، وعلماء بطبقات الأرض و الأساطير وعلم الآثار.. كبراؤهم اليوم بكل العالم تحفهم الشهرة، ويصيرهم الإعلام نجوما ويشير إليهم بالبنان. مسيو أماس تمت إقالته، لكنه لم يخرج للتقاعد.اختفى من اعلام المدينة ونشط بمدينة غيرها. أستاذ زائر بعلم الانثربولجى بأهم الجامعات ، وصار أغلب تواصله بتقنية ال ( فيديو كونفيرونس). ومنذ تمت إقالته وهو يعيش بولاية جورجيا الأمريكية ليدرس تلك الأحاجى واللوغارتمات المكتوبة على نصب الشيطان. ثمانية أشهر يتفقد تلك الألواح الحجرية لمعرفة كيف يدار العالم. الحكومة الخفيفة تبث تعاليمها عبر تلك الألواح بلغة لا يفهمها إلا من كان منهم. صورا لفراعنة وجماجم من حضارة المايا، وجذوع أشجار غريبة وكائنات غير بشرية. ارقام تقابل حروف، ومصفوفات وحساب مثلثات وفلك. مسيو أماس يجتهد فى هيكلة تلك التعاليم والوصايا. لقد مر ثلاثة قرون وكثرت المحافل وبان الهدف. ومع كثرة التفاصيل وجد المدون على هذا النصب أهم ما بها وأكثرها وضوحا. ويعود الرجل الذى بلغ الثانية والسبعين إلى الخرائط القديمة. من أين تطلع الشمس واين تغيب؟ إن طلاسم النصب أكثر من موج البحر. كلما فك واحدة ظهرت عشرة، ولابد أن تنسجم الوصايا مع بعضها. غير أنها تشير فى الغالب إلى أماكن الكنوز الدفينة على الأرض. والأرقام المدونة عليها تعرف بالارقام المتحابة. فلو بحثت عن كسورها جميعا،النصف والثلث والربع حتى التسع خرج معك رقما صحيحا دون كسور. هذه الارقام أساس الوفق الذي تختم به هؤلاء الكبراء. هذا الوفق يجمد الماء فى النهر، ويؤثر على كل العمليات الحيوية في جسم الانسان. يفتش مسيو أماس فى خرائط الاسكندنافين القدماء الذين تحدثوا عن مركز الأرض وجبل الذهب. هل المحيط المتجمد الشمالى آخر الأرض؟ ماذا يوجد خلف جزيرة جرين لاند؟ هل طبقات الارض السبعة مفتوقة أم مرتوقة؟ مسيو أماس يمنى النفس بهيكلة الوصايا، وفك شفرة الارقام المتحابة التى يتحدد على أساسها توقيت الأوبئة والحروب والمجاعات.ربما غالى فى تقييمه لما فى تلك الألواح كذابه دائما. فالنصب ليس أثرا قديما، بل كل عمره خمس وثلاثين سنة. اشترى أرضه من البلدية رجل عابر وبناه مقابل المحيط الهادي. ضمنه تلك الأحاجى والأراجيف، وترك رسالة فى كبسولة حدد فيها وقت تفجيره. ورغم ذلك حين يتحدث الرجل فى الإعلام عن تلك الألواح يشعرك أنها ألواح موسى وهارون. وأن تلك الطلاسم هى عين الحكمة الابدية. ولو تابعته لقلت: تمخض الجبل فولد فأرا. إذ ربما ظل يتحدث ربع ساعة ليثبت لك بديهية عقلية ،كشروق الشمس من الشرق. لولا المنظومة الكبيرة التي يعمل بها وجنودها التسعة، ما كان له أن يبقى فى عداد المكرسين..
***
بالليل نزل مسيو أماس يتمشى على المحيط أمام النصب. وجهه المثلثى يتنقل بين الأمواج المتلاطمة ووقع خطواته، كأنما يقيس الأثر. المكان خال من البشر، والموج هادئ يتلاشي قبل وصوله الشاطئ بكثير، وقليلة هى السيارات المارقة التى لا يعرف وجهتها. لقد انتبه فى الأشهر الثمانية التى قضاها في هذا الخواء إلى حقيقة مؤلمة. ما هذه الحياة التى سعى إليها وارادها لنفسه بكل عمره المنقضي. إن وجهه يشبه كثيرا المخرج والمؤلف المسرحى الأمريكى وودي ألن، لولا عينيه الزرقاوين قليلا. عريض الجبهة وله بها ثنيات ثلاث، وذقنه رفيع وقصير. متجهم أغلب الوقت وهادئ، وإذا ابتسم غابت خطوط جبهته الثلاث. يعقد ذراعاه خلف ظهره ويدقق فى ظلمة المياه الداكنة أمامه، فيبدو كمن ينتظر قادما من الماء. لقد باتت ذاكرته مشوشة هذه الأيام، كمن تفلتت منه صرامة عقليته. هل هذه التطلعات والأمنيات التى كافح وناضل من أجلها؟ وما هذه الهواجس والوساوس التى باتت تتسلط عليه؟ لقد كان شبهه بالمخرج الأمريكى دافعا له فى الصغر أن يكون نسخة فرنسية منه. أراد دراسة الإخراج لكنه درس الانثربولجى تحت رغبة صديق والده. ومنذ ذاع صيته ببحثه للدكتوراة واستقطبته الماسونية، وهو يبتعد كل يوم عن حلمه. هل خطط لحياته بحماس منذ البداية وراح ينجزها بهمة؟ أم أن صديق والده الانطولجى تولى عنه الأمر؟ لقد انهكه الزمن وأضعف قدرته وما عاد لديه طريق آخر. يعرف أنه لو فكر فى تركهم قتلوه، يشيح بيده فى الهواء أمامه، ويعود للسؤال الأهم بالنسبة له: هل الخبرات التى راكمها رغم الكدح والمخاطر أتت بثمارها؟ يتنفس بعمق ويفك ذراعيه ويشعر بالفخر والزهو. مسيو أماس يستدير ناظرا للألواح الحجرية قبل أن يقفل عائدا لنزله. لازالت الفرضيات تتوالى في رأسه كفرضيات بناء الاهرامات. هذه هى الحقيقة السوداء موزعة كيفما اتفق. لو استطاع ترتيبها وهيكلتها لوصل لسابع أرض. فى الجناح الذى تم حجزه له بالفندق يواصل تأمله المضني. إن لديه معلومات لكافة الأمم القديمة والحديثة عن الأرض، وكم هو مغرم ومفتون بالأقدمين. وبكبسة زر تهطل المعلومات أمامه على الشاشة كهطول الأمطار. لكن ما الذى يدفعه لهذا النكت؟ يقدح زناد فكره، لو أخذ مقطعا رأسيا للأرض ونزل به فأين يصل؟ ثم يعود ويقول: أما للأرض أقطار يمكن صنع ذلك منها، أحداها تحت الهرم الاكبر الذى بناه الفراعنة؟ يترك مؤشر البحث ويخلع نظارته ويسحب الكرسي للخلف. لقد صار تعبا ومرهقا، لكن ذهنه حاضرا ومتقدا. نظر فى الساعة فوجدها تقترب من منتصف الليل. نهض بتثاقل ليعد لنفسه القهوة حتى لا يزعج خادمه الخاص أو عمال الفندق. ولما انتهى من الصالة وعبر الطرقة المؤدية للمطبخ وجد لمبة الكهرباء الموجودة أمام الحمام مشتعلة. مسيو أماس يفضل أن يبقى دوما فى ظلام دامس. أينما كان يطفئ كل اللمبات إلا واحدة حيث يجلس. أطفأها وهو يتمتم فى سره ويغلظ الأيمان أنه ما نسيها مشتعلة. أعد القهوة وحملها وخرج بها من المطبخ، وفى اللحظة التي يمر بها من تحت اللمبة عائدا اشتعلت. وقف ينظر إليها ويقهقه بانفعال. ثم أخذ يقول كأنما لشخص أمامه وهو يعاود المشي بتؤده: أقسمت أنى لم أنس. هذه إحدى عاداتى وانا أعتز بها. وصل لمكتبه ووضع القهوة فى مكانها، ولما جلس على الكرسي وامسك بمؤشر البحث احترق الجهاز. انسحب بالكرسى للخلف من جديد وهو يضحك، وراح ينظر طلائع جيش جرار يعبر من النافذة ويتراكم فوق بعضه البعض، فى الكرسي الذى يقابله. بهت مسيو أماس وجمد في مكانه. لقد اعتاد على مثل تلك الخيوط والصور، لكنها لم تكن يوما بهذه الكثافة. لم يعد يفكر في غير هياكل الكائنات التى يراها. ثم سمع لها صوتا كأنما ياتى من ألف فم وبألف لغة: أقسمت بمن؟
***
نهض مسرعا يغلق النافذة المفتوحة وهو يقول: أقسمت بكم وبسيدكم المغلول في الأرض السابعة. خفت كثافة الكائنات قليلا بعد غلق النافذة وسمعها تسأله: تري من نحن؟ حاول الضحك ولم يقو على ذلك. لقد اضطربت أعصابه وبدت ركبتاه فى حكم السائبتين. كما صار لسانه جافا وملتصقا في سقف حنكه. لو كان سكرانا لهان عليه الأمر. مد يده للقهوة التى وضعها أمامه ونسيها. وقبل أن تصل إليها أطراف يسراه اندلقت. مسح جبهته العريضة من حبيبات العرق الصغيرة التى ظهرت بها فجأة، وتحكم فى صوته المرتجف ليخفي اضطرابه وهو يقول: أنتم مخلوقات الأرض الموصوفة بالضارة. لا أدري من أى أرض جئتم؟ وها أنا أنتظركم منذ ثمانية أشهر. لكن أى قوة تلك التي أربكتنى. ربما حاجتى لكم هذه المرة بالغة. لقد وصلت لجنود المصفوفة التسعة، وعجزت عن هيكلتها. لو وضعت كل ثلاثة أسفل بعضها، فما تلك التي تصير بالمنتصف؟ انفجر صوت صاخب قطع أوصاله وباتت شبكة أعصابه غير متصلة. قال: أنت على السطح ونحن في القاع. وتريد معرفة ماهية كل أرض، وما بينها وبين أختها؟ قال بتوجس نعم. قال: قم واسجد أولا. مسيو أماس لم يتعجب ولم يقو على القيام.
حاول مرارا دون ان ينهض عن الكرسي. وبعد مكابدة ترجل بضع خطوات حتى واجه الكرسي المقابل وسجد. فى هذه اللحظة شعر كأنه تخلص من حمل ثقيل واستراح. كما لاحظ أن المخلوقات الأرضية الضارة عادت صورا وخيوطا كعهده بها، كأن كثافتها خفت دون أن ينتبه. لكنه قبل أن ينهض من سجوده أحس بأربعة أشخاص يلتصقون بجسمه ويطرحونه أرضا. أذرعهم جميعا حول رقبته، واجسادهم على ظهره وبطنه وجنبيه. حاول مليا التخلص منها دون أن يقوى. كان يتقلب على أرض الصالون من الغرب إلى الشرق. وكلما أوشك التخلص من أحداها عاد والتصق به. لقد بذل مجهودا شاقا حتى وصل إلى اللمبة التى اشتعلت من جديد أمام الحمام، وهناك غاب عن الوعى. مسيو أماس صار يشعر، لكنه لم يقو على الحركة. كأنه انسحق وصار جزء لا يتجزأ بمن يلتصقون به. ثم راح ينخسف ويهوى. نبضه ما عاد يحمله والضوء عن عينيه يغيب. وعتمة ثقيلة كتلك التي يفضلها تحيط بوجهه المثلثى.
وفى هبوطه من أعلى إلى أسفل. تحفه بودرة خليط من الزئبق والبرونز والقصدير . تقترب من أنفه كلما انحسر ممر سقوطه؛ فيشعر فى تنفسه بالدخان. فى هذه الآونة ضربه الاختناق. حاول أن يلتئم بجسده، فلم يتمكن. الأذرع لازالت ملفوفة حول عنقه والأجساد به ملتصقة. استطاع بالكاد تحريك قدميه وتلمس الأذرع التى تخنقه. وهنا سمع صوتا لم يتبين مصدره يقول: ماذا تريد أن تعرف؟ قال مسيو أماس بتهجئة طفل : أوقف أولا خيط الدخان عن أنفى، والأجساد والأغلال.
***
بضع ثوان قليلة، احس مسيو أماس بالاعتدال. سقط عن جسمه ما علق به، وعاد النبض وغاب الدخان. وأبصر شخصا أمامه يشبهه إلى حد كبير، غير أنه ليس أجرد. فى صدغيه وشاربه شعرات قصيرة، وفى لحيته خصلة شعر سوداء ناعمة وطويلة. وكم شعر بألفة غريبة فى الحديث معه، حتى أنه ألقى عليه كل ما لديه من وساوس وتكهنات. بضع دقائق أخرى وعاد الرجل إلى الحيرة. شك أن الكائن الذى يحاجه لا يعرف أكثر منه؛ فادركه الملل. عاد بذهنه يتفقد كل المسوخ التي مرت به؛ فوجدها تشبه دمى بصوت رسائل آلية تتحدث وحدها بمجرد سماع الصفارة. كما أدرك أهم حقيقة فى هذا السقوط المدوى. تلك المسوخ والدمى لا تعرف شيء. ماهو إلا وحي من سيدهم مغلول الأرض السابعة إذا وصل إليهم عرفوا. وان الإنسان إذا سجد مليا دام استبداله. وهنا عاد إليه النبض ودار دماغه حتى وصل إلى رجس الأزلام. نظر مليا فى المسخ الشاخص جهته، وعلامات النصب تراءت فى أروقة البال. أحيت موت دماغه، فسأل عن أكثر ما يشغله وتسكنه الأسرار. فرضا لو نضع الجند التسعة ،بثلاث سطور أفقية، من يسكن منتصف السطر الثاني؟. نطق المسخ بغطرسة زائدة ثم أشار وقال الإعلام. فى تلك الآونة ارتعشت جثة ذاك المشغول بأرقام النصب وشعر بضيق اللحد. شعر كأن الموت يهاجمه، وعاد الدخان إلى الأنف. ثم التصقت تلك الأجسام بجثته المتصاغرة، وفقد الإحساس وولى الرشد. لم يعقل أين وصل بطبقات الأرض ولا كيف يعود؟ وبدرب العودة حفته وغطته هتافات جنود. حتى إذا بلغ السطح وعادت قوته الحيوية تنشط في الجسم المكمور. بزغت عيناه الخضراوان قليلا، حتى اكتشف أين يكون؟ كانت بعض خيوط الضوء تزاحم سحب العتمة والصبح قريب. نهض على مهل واقترب من النافذة ليفتحها دون رقيب. وإذا الشمس ارتفعت فى شرق الأفق، اتصل من غرفته بخادمه وفى الصوت نشيد اغاريد. وقبل حلول الليل عاد برفقته إلى حى القديس الميت..
***
فى طريق العودة لم يلتقط رفيق مسيو أماس وخادمه أنفاسه. كان مثل جرو صغير يلاحق بجهد كبير أقدام صاحبه. منذ دخل عليه الفندق ووجده فى تلك الحالة الغريبة، وهو يتبعه ولا يتأخر عنه قيد أنملة. لقد تعود منذ زمن على عدم إلقاء الأسئلة. وإذا صدر إليه أمرا نفذه بأسرع ما يكون. حين طلب منه جمع الحقائب
والاتصال بشركة الطيران لمعرفة موعد الطائرة،
وجد مكانا على شركة ال ( لوفتهانزا) وليست ال ( إير فرانس). لم يمانع مسيو أماس وبعد سبع ساعات كانا ب ( فرانكفورت). ومن هناك ركبا طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية إلى مطار (شارل ديجول). ثمانية أشهر انتهت بهذه السرعة الملفتة، كان عفريتا ركبه وحضه على ترك المكان. عاد مسيو أماس إلى البيت الذي لا يسكن به غيره متعب الجسد مرتاح الذهن. هرع إليه الحراس الأربعة والخادمة والطاهى وسلموا عليه. وحين اطمأن على الزرع وطيور الزينة من حوله، وتفقد القائمين على خدمته، إنزوى لينام. ثلاثة أيام قضاها فى فراغ تام، كمن نسي قواعد النشاط والعمل. بعدها عاد لتقنية ال (فيديو كونفيرونس)، والمطالعة والبحث بحيوية مفرطة. راجع تلك الخطط والبرامج المخصصة لشباب الجيل الثالث وما أحدثوا فى غيبته. وتعجب من حصيلة الهجمات الإرهابية التى يمكن منعها بأقل مجهود. عاد وخاطب من يهمه الأمر؛ فقرأ رسالته ولم يرد عليه. فى هذه اللحظة أدرك الرجل الذى تجاوز السبعين، أن رجال الصنف الرابع من أجهزة الحكم متورطة بملف الإرهاب. تبغي أن يبقى مفتوحا وتضاعف عدد ضحاياه، لأجل أمور لا يفهمها. هو يعلم تلك اللعبة الدائرة بكل بلاد الغرب مع ال ( إسلاميست). كل مدينة ترعى من يتبعها بحكم زمان الاستعمار. تعطيه لجوء وغطاء ( لوجستيا) حتى يهجو الحكم ببلده، ومن ثم يصير من أوراق الضغط الغربية على الدولة القطرية. لكن أداء رئيس بلاده ودهاقنته
خرج عن الحد المطلوب. مسيو أماس ينقل محركات البحث إلى جماعات السلام المسلمة المنتشرة بالمدينة. حسنا فقد ظهر له جدول فيه من أتى ومن راح. إن لديه قائمة بأسماء بعض هؤلاء، وكم حاول أن يستقطبهم أو يستفيد منهم وما استطاع. كان يستعين فى ذلك بالوفق، ومع ذلك لم يفلح. عرض عليهم الجنسية والوظيفة وضيق عليهم دون جدوى. ولما كان يناوشهم بعفاريته، منهم من وصل إليه واذاه. ثم وصل لشاشة الجهاز المفتوح أمامه غلاف المجلة الأكاديمية الفصلية التى يشرف عليها بال ( كولج دي فرانس). تصفح العدد فوجد محوره عن الحضارة الإسلامية. وبمجرد أن وجد اسم محى الدين بن عربي، اتصل بنادى الأصدقاء وطلب منهم التحضير لأمسية بعنوان: الفضاء وعلم الهيئة الإسلامي، وشدد أن تكون بالسبت الاخير من الشهر.
***
قبل نهاية أغسطس جاءت مسيو أماس رسالة على المحمول من( جون بيير جوييه)، بها موعد ومكان للقائه. لم يخف الرجل سعادته بهذه الرسالة ،ولا يمكن له أن ينشغل عن الموعد أو يتأخر. فجون بيير الذى يصغره في العمر يكبره فى القيمة. إنه زعيم الماسونية فى المدينة، والرجل الموجود على قمة المثلث. يعمل سكرتيرا للرئيس هولاند، وهو المتسبب فى إخفاقه وكسره وعدم صلاحيته لفترة رئاسية جديدة. إنه أكثر الشخصيات النافذة فى المدينة، ويعمل مع عائلة ( ريكفورد) الشهيرة. وهى واحدة من العائلات الإحدى عشرة التى تدير العالم. لما جاء هولاند عرض عليه راس مال هذه العائلة فرفضه. هولاند اشتراكى ولا يريد أن يخون المبادئ التي تربى عليها كما فعل ساركوزي. وبعد عامين أردته المشاكل الاقتصادية فعاد ووافق جون بيير. كانت هذه خطيئة هولاند الكبرى. التغيير الذى أصاب سياسته ضره ولم ينفعه. ابتعد خطابه وقراره كثيرا عن النهج الاشتراكي لجهة اليمين، بل اليمين المتطرف في بعض الحالات. حتى أن المراقب والمحلل حين يسمعه، يقول صراحة أن من يحكم هو جون بيير. كان اللقاء فى الثانية عشرة ظهرا بمبنى الصليب الأحمر على مقربة من مقبرة العظماء. ولما أتى مسيو أماس وجد رديفه برنارد ليفى مع الزعيم. هذه هى الشخصيات الثلاثة الأهم فى الصنف الثالث من أجهزة الحكم بالمدينة. صحيح أن الصنف الرابع وهم رجال الاستخبارات يمكن أن يلجموهم، لكن أموال عائلة ريكفورد تذيب الحديد. وعود الزرع الاخضر الطرى يثنى ولا يكسر. مجرد صفة تجارية يصير بعدها رجل الاستخبارات مليونيرا، تجعله يبيع القضية. إن ثلاثتهم يهود، ولا يمكن أن يحدث ذلك بالصدفة. لو راجعت رزنامة المحفل منذ كان، لوجدت هؤلاء فى الطليعة. ولأدركت ولو بعد حين، أن الماسونية والعلمانية والصهيونية تتبادل الأدوار لبلوغ هدف واحد. لا عجب إذن أن تجد اليهود العلمانيين الذين يضادون الفطرة ويريدون السطو على البشرية فى قمة المثلث. ومع بداية هذا القرن، أعلنت عائلة ريكفورد التى تملك البنك الفيدرالي الأمريكي، وتستدين منها الحكومة الأمريكية نفسها أنها تعبد الشيطان. بعد تناول الغداء خرجوا من المبنى إلى حديقته الأمامية، حيث أعدت لهم طاولة، ولحرسهم الخاص ثلاثة حولها. لقد عرض رجل الاساطير والفيلسوف بضاعتهما على الزعيم. تحدث مسيو أماس عما جرى له في رحلته الأخيرة وافاض. كان يتحدث بروح طفل، لكن صفحة وجهه المثلثى تعكس ما بقى به من معاناة وآلام. سأله جون بيير: ولم لم ترد على الرسالة فى وقتها؟ قال: لقد احترق الجهاز. قال: قصدت قبل أن يحدث ذلك؟ قال: ربما تكون قد جاءت في أول النزغ ولم ألتفت إليها. قال جون بيير وهو يحاول أن يبتسم: ربما، وربما لو قراتها ما ذقت المعاناة والألم. لكنك شكرت مدير مكتب العائلة كأنك قراتها فى حينها ولم يفتك شيء؟ قال نعم. وكيف لى أن لا أصنع ذلك وقد وفر لى طيلة ثمانية أشهر كل ما أريد؟. سأله جون بيير: وماذا تريد من ندوة السبت القادم في نادى الأصدقاء؟ قال لا شيء بعينه. تعرف أن مجرد ذكر كلمة اسلامي بأى عنوان تسحب هؤلاء الذين يهتمون بالتصوف. كما تعرف مدى صحة ما لدى هؤلاء فى الميتافيزيق. وانا تعنيني الأرض. النادى وجه الدعوة لأناس بالمدينة وخارجها. سوف تهيئ لها كل الدعم حتى يشعر هؤلاء بالراحة والتكريم. وأسئلة الصالة يمكن أن تخرج ممن سوف يحضر منهم ما نريد. لدى فكرة كادت تتكون بعد دراسة النصب عن الأرض. هذه الفكرة مرتبطة بشروق الشمس وغروبها وطول الليل والنهار ودائرة الفلك القطبية. لو صحت تلك الفكرة لتغير فهمنا للأرض. شكره جون بيير وأخبره بالمكافأة التى خصصها له مكتب العائلة. ثم نظر لرديفه المبعوث السامى له إلى عواصم الدول العربية الخربة. أكثر من خمسة أعوام يتنقل هذا الفيلسوف بين البلدان التى أحرقتها الثورات المدبرة من الخارج. وكلما حل بمدينة ارتفعت بها ألسنة اللهب بعد خروجه منها، أو حتى وقت وجوده فيها. تحدث ليفى عن بيضته التى أفرخت، وبلغت شأنا كبيرا في الاعلام. وقال إن هؤلاء يزدادون في توافدهم علينا كل يوم. والافكار التى نمدهم بها وصلت إلى الناشئة والأطفال. ومهما كنت سخيا معهم لا يمكن أن أوفيهم حقهم. حاول جون بيير أن يبتسم بوجهه الشاحب بارز الملامح دون أن يقوى. طوح يمناه على الطاولة بعدما أحس بثقلها من إفراطه في الخمر. ثم قال وهو ينظر لذراعه: معك حق. لكنهم كلهم مثقفون واسلاميست ومشايخ تلفيق، لم أر بينهم متصوفا واحدا. قال مسيو أماس وهو يضحك: هؤلاء المتصوفة لا يمكن اللعب بهم. هؤلاء يحبون الفقر. ساعتان استمع فيهما الزعيم لجهود مساعديه، ابرق بعدها لمكتب العائلة .
***
مر السبت الأخير من أغسطس وما تقدمت فكرة مسيو أماس التى يرجو لها أن تكتمل. حضر لنادى الأصدقاء 240 شخصا منهم 114 من خارج المدينة. وقدم مسيو أماس الأمسية بنفسه، وكان معه على المنصة شخصان اثنان. على يساره تلميذه الذى لم يكمل دراسته معه موسى نصار، وعلى يمينه الشيخ عبد الرحمن إمام مسجد سانت أنطوان. ألقى الأول محاضرة بعنوان احياء علوم الفلك في ثلاثين دقيقة، بينما شغل الثاني بقية الساعتين. كان يتحدث عن المدرسة الشاذلية والآباء المؤسسين، الإمام وخليفته وناشر علمه. وكان حوله أكثر من 40 شخصا من أحبابه ومريديه. وما أتت أغلب الوفود من خارج المدينة إلا من أجله. وفى الساعة التى سألت الصالة فيها المنصة، تطوع الشيخ عبد الرحمن بالرد على أغلب الأسئلة. مسيو أماس يعاود سماع ما قاله موسى للمرة الثالثة. لقد ساق معلومات كثيرة عن السماء والأرض لم تختلف كثيرا عما عنده. لكنه أصر إصرارا على عدم الخوض في التفاصيل. حتى سؤالي الصالة اللذان تصدى لهما، ما خرج فيهما عن الإجمال. لقد كان موسى يؤصل لما يقول. يذكر الآية أو الحديث ثم يدور حولهما بكلام الصحابة أو المشايخ والعلماء ويعود من قريب. كان يقرأ المحاضرة التي اعتنى بإعدادها جيدا بسرعة، كمن لا يهمه أن يفهمه أحد. انطلق من قوله تعالى ( الله الذى خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، يتنزل الأمر بينهن). ليؤكد أن كل ما نعرفه عن الفضاء إنما هو في فلك الحياة الدنيا. وان العلم البشري لن يستطيع مجرد الاقتراب من السماء، فما بالك بمحاولة النفاذ من أقطارها؟ وما يجوز على السماء يجوز على الأرض. وذكر أن طبقات الارض مفتوقة. وان سمك كل أرض والمسافة بينها وبين غيرها كالسماء، خمسمائة عام. وان طبقات الارض مسكونة بالعديد من مخلوقات الله. وان ابليس المعنوي الذى لم يسجد لادم مغلول فى الأصفاد بالأرض السابعة، أخرجه الله للعديد من أنبيائه برسائل. ثم ذكر في نهاية محاضرته أن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس، وأبو موسى الاشعري، وسلمان الفارسي، كانوا من الرعيل الأول الذى اعتنى بتدوين العلم. وكان ولازال لهم تلاميذ فى كل عصر ومصر، خصوصا من المتصوفة. وترك عدة مراجع لمن أراد الاستزادة أهمها، جامع حركات النجوم والأجرام السماوية لأحمد بن كثير الفرغانى، وعلم الهيئة الاسلامي للسيوطى. أطفأ مسيو أماس الجهاز أمامه وخلع نظارته، وعاد يحضن وجهه المثلثي بين يديه وهو يكاد يبكي.






mardi 25 octobre 2022

شائك على طيفه // كامل عبد الحسين الكعبي // العراق

 

لا تَجسّ يَدي الموشومةَ بِدَرْء الفخاخِ ولا فوقَ صدري المثقلِ بنزفِ الجراحِ وانظرْ إلى جدولٍ أبيضَ قدْ ترقرقَ من جبهتي الثلجيةِ يومَ شجّها شعاعٌ من شمسِ ارتيابكَ ، بدّدْ سحبَ الهواجسِ بصمتٍ شفافٍ لا خوف من ظنٍ ستغزلهُ عيناكَ لو وجمتْ بعيني ، مرايايَ الشفيفةُ كفيلةٌ بتقشّعِ غيومٍ ورعودٍ مهما خالجتكَ الريّبُ والشكوكُ ثمةَ نهر طويل ابتلعَهُ الصمتُ وحجارة ثكلى رجمتْها شواخصُ الفتنِ ، شوكُكَ النهري فزّزَ طيفَ الخيالِ بترنيمةِ احتضارٍ من رحيقِ أزهار المنابعِ جَفّ ثدي المحاجرِ باضتْ والموتُ سرقَ منها طائرَ الوَجَلِ ، لَمْ تكنْ هناكَ من تربةٍ لكي تكون سنبلةً وأكون لها مطراً ولَمْ تكنْ جزراً فأكون لها قمراً تتّسعُ له كما تتّسعُ المقابرُ لاحتضانِ رمسهِ ، هيّ لَمْ تكنْ سوىٰ بحرٍ ظامٍ ابتلَعَني مع قصيدتي الحَيْرى .




نادل المقهى // محمد محجوبي // الجزائر


 يفقه جيدا لغة العيون وتضاريس الوجوه التي تتسمر في أوج أسئلتها الخريفية . كما هو لغزه الموزع بين طاولات ناطقة الأسرار وحتى تلك الكراسي المعذبة التي تهالكت من أمواج أقوام نبتوا منها أو ارتحلوا فيها . في كثير من الأحيان يكون النادل غائبا فتأتيه الخبايا صاغرة من غسق الحكايات المتلاطمة الى شفق متجدد يعلن كثافة النادل بين أوعية الضجيج الدخانية . وهو لا يزال محتجزا عن طفله الصغير الذي تقزمت طفولته فطفق غليظا على أوبائه الصدرية وحين يسعل في وجه أبيه يفشي له بعينيه حرارة غير عادية تكوي جسديهما نحافة انكسار يابس . بينما أبوه النادل المتمرس يهندس في مخيلته العنكبوتية شيئا ما يتوسمه في دخان المقهى وجدرانها الباهتة كأن يصبح طفله هذا المتصل بحرمان يصبح نادلا مرموقا يهزم قبائل الضجيج فيغزو فراغات أبيه المستعرة بزمكان ثابت مثبت









lundi 24 octobre 2022

حرية الإبداع // محمد عبد الله الخولي // مصر


" حرية الإبداع مكفولة لكل صاحب قلم مبدع، خلف مجازات لغتك يقبع ضميرك، تتقنع نواياك، خلف اللغة " الشعرية" تتشكل رؤاك، يتجلى قصدك وفق علاماتك التي توظفها في نصك عن وعي، فاختر منها ما هو غير ملبس للمتلقي، حتى لا يضل في مسارات التأويل، الحكم على الإبداع، وليس على النية لكونها غيبا، ولا على معتقدك، فهو لك وحدك، نصك متى قيل، لم يعد لك، أصبح ماثولا سيميائيا، على مشرحة التلقي، وكل يتلقى وفق أيديولوجيته/ مرجعيته الفكرية، الثقافية، العقائدية، ووفق فهمه لسياقات التاريخ، وعنفوان الإبداع وسطوته، وفتنته التي راح حيالها ألوف من المبدعين، أصحاب التجارب التي شذت عن القاعدة العرفية المتشكلة داخل سياج مجتمعي، يسمح بهذا، ولا يسمح بذاك.. لك ماشئت، والإبداع - وأعني به الإبداع الحقيقي- لا قيود عليه، ولا حدود له، لك ما شئت، وللمتلقي ما شاء، لو كنت ذا حنكة أدبية، لما اتسعت الهوة بينك وبين المتلقي، فجلال الشعرية كامن في تجلي قصدك، واستلهام مرجعيتك الفكرية، من خلال نصك، وإن كان من خصائص الشعر المميزة له، دون غيره من الأجناس الأدبية، هو أن تتماهى/ تتباعد تلك العلاقة الجامعة بين الدال والمدلول، فكلما اتسعت الهوة بينهما، تجلى الشعر حقيقة، وتلك معادلة صعبة جدا، أن تبزغ شموس قصديتك في نصك، وأنت في ذات اللحظة تصنع برزخا بين الدال ومدلوله، على مستويين: مستوى الكلمة في نسيجها الجملي، داخل النص، وعلى مستوى النص كاملا، باعتبار النص علامة، تندرج تحتها علامات فرعية، تضيء النص للمتلقي.
وعلى مستوى التلقي، لابد أن يحاول جهده، للوصول إلى قصدية المبدع، وأن يدرب نفسه على القراءة الواعية المدركة، فالمتلقي فاعل في النص، يستحضره المبدع وهو يكتب نصه، ليبني جسرا تواصليا بينهما، والقراءة ذاتها فاعلة في إعادة بناء النص، إثر عملية التفكيك التي يقوم بها القارئ، لينبني النص مرة أخرى، وفق تلقيه، فالقارئ وجوده في النص إيجابا وليس سلبا، فهو فاعل حقيقي، ولذا عليه أن يتسلح بآليات القراءة الواعية، وهو يقرأ الإبداع، ليكتشف خوابيه، وينتزع النقاب عن وجه النص، لتتكشف مكامنه، وتتجلى خوافيه، وتنجلي غيابة جب النص، عندما يلقي المتلقي بدلوه، فيغترف منه علا ونهلا، وتأتيه بشريات التأويل.






الليل العبوس // يحيى موطوال // المغرب

 

لاشيءَ
يكتب أهوالَ موسيقاه
شعرًا
على وجه
الليل العبوس ..
عبارةٌ
تحضر جنازة المعنى،
تخفي أمنيةً
تنتحب بألمٍ
على حرفها التعيس،
وهي تحفر
في البياض
قبرًا
لرحِمها القتيل .
لا شيء
يهتدي به المارّة
إلى سبيلهم المنسيّ
صوبَ القيامة ،
خلاصٌ
يطفيء الرّغبة الأخيرة.
همسٌ يُخطئ
ترنيمةً
خسرها الحظّ
ذاتَ كتابة مُثلى
على حافة السيف.
لاشيءَ تبقّى
ممّا ألفت
سوى
صوتكَ الفيزيقي
يكسّر الزمكان ،
ورائحةُ صوتكَ
القرنفلي
يتردّدُ صداه
أبجدية هذيان
في فراغ الفراغ .
أنحتُ خيبةَ ظلّي
المشلول
في جوف الفراغ.
أقايضُ فرحي
بغباء الشدّة
وخوفي السّالب
بعتابِ المجهول.
أعصرُ لي
من أرقي
نبيذَ حلم،
علِّي أنام
محتضنًا هوسي
وتيه الفراغ .
لا شيء أتذكره !..
" الزهايمر "
قصيدةُ نثر
يكتبها الانتظار
في آخر عمر
لا يريد الرحيل
لايريد الكذب
لا يريد...
لاشيء أذكره
غير ما أكتب
حسرةَ أملٍ خاب
وبعضٌ
من رفات حدسي
أنثره على أثري
وأمضي إليَّ
بكثيرٍ
من الحب والسلام،
محفوفاً ببعضي.





أنا حسين يا أبي ..// حسين المغربي // المغرب


يسقط الأصنام و الطواغيت و العبيد..
أنا حسين يا أبي..
قتلوني للمرة الألف..
كربلاء صارت مساحة بحجم وطن..
يحكمه يزيد آخر..
و تقف على منابره لحي قذرة،
و الجند،
و الجهلوت ،
و الأوغاد..
أنا حسين يا أبي..
يتذكرني الدم المسفوح دمي..
و رؤوس مقطوعة على الطرقات..
لم يشفع أصلي،
و لا فصلي..
و كل ذنب ذنبي..
سطوة الجلاد،
و وحوش بشرية..
أنا حسين آخر..
محشور بين الفاقة و الأمية..
مجازري صارت علنية..
أسقطوا كل شيء..
حتى حمية الجاهلية..
أنا يا أبي ما نسيت الوصية..
عبدت إلاها واحدا..
و كفرت بأصنام الجاهلية..
كل يوم أعلق على المشانق..
بحجج واهية..
أنا حسين آخر..
لا أملك غير كرامتي،
و نخوة باقية..
في زمن باعوا فيه كل شيء..
الضمائر،
و المصائر،
و الأشلاء البشرية..
أنا حسين يا أبي..
قتلوني للمرة الألف..
كربلاء صارت مساحة بحجم وطن..
يحكمه يزيد آخر..
و تقف على منابره لحي قذرة،
و الجند،
و الجهلوت،
و الأوغاد..
إلى متى يا أبي يبقى دمي رخيصا،
و تسقط مبادئي،
و قيمي،
و الإنسانية..
أنا حسين يا أبي..
يسقط الأصنام و الطواغيت و العبيد..





dimanche 16 octobre 2022

طيف امرأة من الماضي // محمد بوعمران // المغرب


كان كل همه أن يزيح من داخله هذا العشق المستحيل من قلبه، فلم تكن الأيام وما تعاقب فيها من أحداث كفيلة بتغيير هذا الشعور الجامح من قلبه، ولم يستطع زواجه من أخرى كفيلا بمحو ذكراها من فكره، فظل طيفها يلاحقه ، وظلت صورتها تنط في مخيلته كلما شرد فكره...
كان عشقه سرا لم يبح به لأحد، لكن أصبح يشكل عبء يزداد ثقلا ومصدرا لتوتره الزائد في تعامله مع زوجته وأبنائه...
الرجل أصبح يكره هذا العشق ، ويكره اليوم الذي رأى فيه هذه المرأة التي ترسخت صورتها في ذاكرته، فتظهر له مبتسمة وهي تنظر اليه كلما استرجع ذكرى ذلك اليوم الذي رآها فيه أول مرة،
صورة من تاريخ مرت عليه عقود من الزمن، ورسمت أخاديدها على محياه ، وحتى تلك التي شغلت تفكيره قد تكون سيدة انهكتها الايام و أطفأت فيها بريق البهاء...
كان وقع المفاجأة قويا على الرجل حين وجد زوجته تتأمل في صورة من ألبوم صورها وهي تسترجع ذكريات الشباب، كان من بين اللواتي في الصورة صورة معشوقته ، مرتبكا سأل زوجته
_أتعرفين هذه ؟
سأل زوجته وهو يشير إلى الصورة
_نعم ..كانت من اللواتي أعرفهن لكن لم تكن بيننا صداقة ...أعرفها فقط كزميلة ...
ولأنه اراد أن يروي فضوله بمعرفة المزيد أخذ ينوع في أسئلته
لدرجة جعل زوجته تشك في الأمر لتسأله
_هل تعرفها...؟
مرتبكا أجاب
_رأيتها مرة واحدة فقط....أظن في مناسبة من المناسبات...عرس أظن أو شيء من هذا القبيل...
قالت الزوجة متنهدة
_هذه الفتاة تعلق بها رجال كثر...كانت محظوظة...لكنها كانت تستغل الأغبياء بجمالها ...
_تعنين ....
_نعم أعني...





سحر المكان // عبد الرحيم المعيتيق // المغرب


أقف منتصبا...
ساكنا...
مذهولا بسحر المكان.
ضاربا عرض الحائط
مآربي...
وضيق الزمان.
أتأمله طويلا
آخذ نفسا عميقا
أرهف سمعي
أصغي لحفيف الأشجار
من وراء ضفتي النهر
من وراء الصخر
من وراء الجسر
أصوب نظري إلى الأمام.
أمواج البحر تلوح لي
ترسل رذاذا
ينعشني..
يزيل عني تعبي
همي...
آهاتي...
وتلك الآلام.
بدت لي الحياة بوجه آخر
بدت كأغنيات
كلحن يبتسم لي
قادني إلى لحظات الماضي
وإلى ماضي الأيام.
شريط الحياة
مر خاطفا بصري
سلب نظري...
شرد عقلي لوهلة
كدت أن أسقط
بعد عثرة
بعد خطوة
خطوتها بلا وعي
بلا ثبات
بلا تركيز
قاطعت متعتي
أعادت وعيي وواقعي
فطنت بعض الشيء
ثم غادرت المكان.





jeudi 13 octobre 2022

أضع يدي على الصنبور ..// محمد فتاح // المغرب

 

أضع يدي على الصنبور

أتلمس الماء
أرش به على جبيني
فأتذكر أن الموارد قد شحت
وأن المطر ينتحر على الأرصفة هذا العام
وضع ارهقنا ونخاف البوح به!
رجل عجوز يطعم بجعاته
يحمل كيسا عبر ثقوب الشمس
ينسج غيمة ويرميها للرياح
الذباب جائع، مسعور
يفرك جناحيه طويلا على الكؤوس القذرة
لا نملك سوى المطر الذي لا يسقط هذا العام
آخر قطرة نامت ولا تتنفس
سماءٌ مثل سِنْدان
آخر الأغصان تقْتات من الضوء
الجميع يبحث عبر النوافذ فوق الأرصفة
في الأماكن الظليلة
في سطوح الشرف
في مجاري المياه
عن غيمة شاردة.