jeudi 7 mars 2024

على مر الزمان // محمد الكروي // المغرب


على مر الزمان ، فوق بساط الخمائل جنوب شرق سبيكة الرمال ،و ثلاثينات المئة المنصرمة، تمخر نهر الحياة، وراء الكلإ، اثر نث رج مكنون الأرض ، كان وتد الخيمة ،استراحة قصيرة ، ضمن فضاء فسيح ممتد ، تتعانق فيه الأرض و السماء قبلات دافئة ،يحفها عبير نسمات طرية عبقة ، استعدادا لترحال في الافق، يروم العشب الأخضر الخفيف الظل ، المدر لحليب ولبن و زبدة وسمن ، ثغاء رعي ، على قفقفة برد و سيل عرق ،و رياح بين الفصول ، دون حواجز تلطف من حدتها .
ارقية و بعلها اعلي ، شخصان مختلفان مؤتلفان ، يتقاسمان الفراسة و الصبر و المواجهة سلاحهما في وجه شظف الايام.
ابتسمت الدنيا لارقية ، بقدوم مولود ذكر ، اُختير له اسم عمر ، سيكون السند الأول ، ثم ابراهيم مؤنس وحدة أخيه ،و طورا ثالثا تشرق أسارير الأم و الزهرة نغنغة تصدح، و كمنجة المنى أن تضيء الليل وشعلة النهار بعث نار الموقد ، جمرة تحت الرماد ... كل شيء في الرمال البرتقالية ابتسامة شريط مزركش سرعان ما يذبل ، يأتي الحسين و الأب توارى التراب جراء غدر ماكر .
ارتبط الصغار بأمهم ، فهي الأب الذي لا تحتفظ رفيفات ذاكرة البكريين ، بأية صورة ، ولو باهتة القسمات ، و هي الأم التي إسناد إليها الأولاد و كل متاع الاسرة ، على مر الزمان .
عمرت غمامة سوداء مترامية الأجنحة سماء ارقية و فراخها ، اللذين لا يعرفون معنى موت أبيهم الذي بكته عيون كثيرة .
تجردت الأرملة و اعتمدت على ذاتها في تربية الأهل و الذود عنهم ، و تدبير يومها المضني بالأعمال الشاقة ، على حراسة منها ، يرعى القطيع المتناقص ، إليها يؤول توريد القِرَبِ شربة ماء و لقمة عيش ، و المغزل أنفاس ناي يشدو رقصة دائرية ، تدندن أوتار نسيج ،حمى برد ،غطاء و جلبابا،ومع صياح الديك تطلب الحطب، شعلة لا يجب أن تخمد ، إلى لسانها تمد الأيادي و تزحف الأقدام.
ترعرع عمر و ابراهيم ، و باتا يرعيان الجديان ،ثم التناوب على ما أبقاه الجدب و الذئب و اختلاس الغفلة و العثرة و كسر حجر طائش، و البيع تلبية للضرورة اليومية، من ثمر و حنطة ، و تقادم أسمال طرزتها الأم رقعا ، تفي بالحاجة إلى حين الإطلالة النادرة للجديد . والسماء مرآة صافية ، استقرت العائلة جوار مناجم الرصاص ، تلتقط و تغربل فتات الكثل الصغيرة و المتوسطة، عمل تهافتت عليه الأرامل و اليتامى و العجائز و الشيوخ .
بعد غياب لسنوات طوال، بدأ الفرح خجولا متعثرا يختلس إطلالته الخاطفة إلى بيت ارقية، في غرفة متوسطة و أخرى كمطبخ صغير، خطفتهما السواعد من فم الواد عملا مشتركا بين الأقران، قطرا انزاح على سفح الجبل الصخري.
في سباق و رفيف الزمن، و حفاظا على الزرع و الزريعة، و بريق اليدين كحل على كل اردية الجسدين الغضين، من الوجهين الى أخمص الأقدام، وتوددا لفرح يكنس عبوس الرحلة، في عرس جماعي خفيف، زوجت ارقية عمر و ابراهيم و الزهرة.
تبقى الأم وحيدة، وقد حلق تباعا أولادها، خلف عملهم هناك و هنالك، و هم تطلع مستمر نحو والدتهم مكتوبا أبيض باطنه بحر يكمش ورقة ترابية اللون مع سطور رمادية، بصعوبة يتهجى أحدهم كلماته القارئة السلام و دراهم قليلة في الطريق إلى الأم الحنون... ثم الزيارة عما قريب، وأحيانا أخرى إلى أقربهم فالذي يليه تطرق الباب، لتعيش لحظات مريحة، يكدر صفوها عدم وجود مجايلة لها، بينهما يسيل الكلام حكايات و حكايات، ما يجعلها فريسة انطواء فتستعجل العودة.
عجزت ارقية القوية، فهب إليها الحسين محتضنا إياها، مع تواصل زيارة باقي الأخوين و الأخت... كأن الزمان لم يستنفد غيظه نحو هذه المرأة العظيمة، فأبى إلا أن يعضها بنابه الحاد، و كبريائها يكسر مرضا عضالا، انتقاما من تحديها الكبير و نجاحها الباهر، وقد بلغت أيتامها شاطئ النجاة، و صغارهم يسعون حروف المجد هدية لها، و هي المدركة لسحر الحروف و الباحثة عمن يفك مدلولها أول أمس ، انقض عليها المرض و أرداها مشلولة، تماما كما يأتي الوحش الضاري فريسته، و قد أسقطها أرضا لينهشها على مهل... جالت المكان نظرة أخيرة، و ابتسامة ارتياح حلوة تزين محياها النظير، وفي هدوء و اطمئنان أغمضت حدقتيها الحالمتين دوما بما هو أحسن و أجمل.
بين الآباء و الأولاد يسترسل على مر الزمان إكبار رميم ارقية، و هي الغائبة الحاضرة منذ ما يربو من نصف قرن و إلى الأبد، وكأنها حية ترزق، فلا يموت أبدا من يرعى الورود و الأشجار..
نامي...
نامي أمّا ارقية
يا من
لا توفيها الكالمات
مهما تهاطلت
سبائك و درر
يا أيكة كبرى
لروحك السلام
يا اغنية الأمان و السلام
رحلة ألم و أمل
نامي و ارتاحي
فكبة الحياة
خيط منصرم
ينثر شموخك
بزوغ كل ليمونة
و بنفسج القمر
وهج رمان
يشتل دروب الزمان.







Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.