vendredi 1 septembre 2023

التذكرة (قصة قصيرة ) // ليلى عبدلاوي // المغرب


أدركها الصباح وهي في مقعدها من عربة القطار، لاحظت أنه زاد
من سرعته منذ تغيير القاطرة،- شعرت أنه يهرب بها من هواجسها، ظلال
عنيدة سوداء تلاحقها ،صورترقص بجنون، الأشجار تلوح لها بأغصانها..حفيف أوراقها يسر إليها بعنوان قصيدة المساء..
أضغاث أحلامها سحب بيضاء تعانق بعضها بعضا في الأديم الصافي غير آبهة باسلاك الكهرباء تصعد وتهبط كحبل تمسك به راقصة أكروباتية
في سيرك المدينة.
" لا أدري الآن هل أنا في طريقي إلى المدينة أم عائدة منها؟الدوار
يمنعني من الرؤية بوضوح،لا أستطيع التركيز،لابد أن أضبط نفسي قليلا وإلا
أثرت انتباه المسافرين".
تنفست، ركزت النظر على اتجاه القطار، مرت دقائق قبل أن تدرك أنها في طريقها إلى بيتها بعد ليلتين قضتهما في القرية، تزور والدتها العجوز..
هكذا أصبحت الأمورتلتبس عليها منذ مدة..لابد أن أفكر جديا في عرض حالتي على طبيب."
كانت قد اختارت لنفسها مقعدا في آخر العربة، طبيعتها التوحدية تلزمها ما أمكن بالبعد عن الأنظار، انقبض قلبها وهي ترى شابا يقبل عليها، يلقي بجسده الفارع على المقعد بجانبها دون تحية، مادا قدميه إلى الأمام في همجية، وهو يدندن بمقطع من أغنية غربية، ثم ما لبث أن انشغل بهاتفه نافيا العالم من حوله.
تزحزحت قليلا من مكانها لعله يتدارك سوء تصرفه، لكنه مد ذراعه الأيسر وراء
ظهرها في تعنت..التفتت لعلها تجد مقعدا خاليا، رأت وجوه المسافرين ترنو إليها وتبتسم
كأنهم يضحكون منها، بل خيل إليها لحظة أن منهم من كان يلوح لها مهللا .
تراءى لها المراقب يمر على الصفوف وصوت آلة التأشير على التذاكر يتردد في يده المعروقة جافا متلاحقا، رأت في نظراته المتعبة سخطا على الحياة والأحياء.
اقترب منها وقال دون أن يكلف نفسه النظر إليها:
-التذكرة.
فتحت حقيبتها،نظرت مليا لا أثر للتذكرة، تذكرت أنها كانت قد أخرجتها من الحقيبة لتخط عليها رقم طبيب العظام الذي يعالج والدتها لتضعها بعد ذلك في جيب معطفها،تزايدت حركات يديها في سرعة وعصبية تبحث في كل الجيوب لكنها لم تجد لها أثرا.
أخذ الساعي يدق بالقلم على دفتره الأصفر دقات سريعة متتالية، أشاح بوجهه عنها بعدما عد المبلغ الذي دفعته اليه في انكسار.
حافظة النقود مظلمة الآن بسبب ثمن التذكرة المضاعف، كرهت نفسها، كرهت القطار، حبل القهر يلتف حول رقبتها غليظا قاسيا ، دموع تحجب عنها رؤية الأشياء،تشتاق لسريرها لترتمي عليه عند الوصول وتجهش بالبكاء.
حاولت أن تتسلى من محنتها بمنظرالمروج؛ بقرة هاربة يحاول صاحبها أن يلحق بها، تمنت ألا يدركها أبدا، نساء متربعات قرب الساقية يغسلن الثياب، قرأت أصوات ضحكاتهن على الشفاه، تمنت لو كانت معهن تشاركهن الغسيل والضحك..
اعتدل الشاب في جلسته وعاد إلى هاتفه بعدما أخرج التذكرة من جيب
سروال الجينز الضيق وسلمها إلى الساعي،واصل هذا الأخير مروره بين
الصفوف وهو يغمغم:
- تبا لهذا الجيل !هاجس أرقام الهواتف يطال التذاكر أيضا...






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.