mardi 30 avril 2024

عاشق الحمام ( قصة قصيرة ) // محمد الكروي // المغرب


تتوسط ساحة المدرسة دائرة كبيرة مركزها أخرى كمزهرية، شرقا تنحني نخلة طويلة تقابلها نخلتان متفاوتتا الطول غربا ،يحفهما عش، على ممر مائي محيط الدائرة المجزأة إلى عدة أجزاء متساوية تشع خضرة برسيم طري، و وردة كشامة مليحة على خد أسيل تعلن بهجة الربيع بورودها المتبرعمة المتفتحة حماية شويكات بنية لا تخيف عيون الشغب.
على الجناح الشمالي المرصوص أربع حجرات سميكة الجدران، عالية السقوف، يتعانق مزيج أحمر و أصفر على بهاء نوافذ كبيرة خضراء زجاجية، تعلوها أخرى صغيرة تفيض ضياء على نور الحجرات المطلية زهرة نوار الشمس.
من هذه النوافذ العليا و اللوح سيل كتابة، لفت انتباه الفتى حمام يطعم صغاره في صيء خافت لا يود إزعاج الدرس، و طورا آخرفي نافذة مجاورة تبادل احتضان البيض، و على الساحة أثناء و بعد وجبة العدس أو الفاصوليا و غيرهما من الوجبات اليومية، إلى جانب التلاميذ يمرح الحمام دون خوف في التقاط ما تساقط، و ما تمنح الأيادي الصغيرة الناسجة لعلاقة يسودها الود و الاحترام.
تناسى الفتى الأمر، لكن خرجاته الصباحية لاستنشاق هواء نقي، تضرب له موعدا مع الحمام أمام باب الرحى، ثم و هو يجوب الفضاء بجناح منبسط، و خلال الضحى لحظة لعب الكويرات يسمع طقطقة الأجنحة، و استرسال الهديل و متعة مشاهدة المطاردة و التودد فالعناق و دفء اللقاء و الارتخاء، على جدار واجهة البيت الذي يضج صياء وهديلا وهمهمة.
في غفلة من الفتى اختمرت البذرة و تفتحت الزهرة، حيت لا يذكر كيف ساقته قدماه إلى دكان الحاج، الرجل الأسمر القصيرالقامة، الدامع العينين، بجلباب بني، و بين سبابته و الوسطى سجارة سوداء، جوار قفف تحوط أنفاس أرانب مختلفة الألوان وردية العيون و الركن المحاذي ديوك و دجاج و حمام مزركش.
تردد الفتى على الحاج فابتاع زوجين، و حلمه أن يرى منقار حمامه فضيض مكسور ساق السنبلة و الخشاش المعدين له قبلا لبناء عش لن يأتي، عاود الكرة باقتناء طرحة صغيرة على أساس أن تكبر تحت رعايته، جزء سعف النخيل في استعجال نقله، تحقق المرام لكن العش لم يفز بإشراقة الوضع.
تمت مشاركة الحاج في الأمر ، فكان رده :
- ربما يعود السبب إلى كونهما ليسا من طرحة واحدة ...
حار الفتى بعد أن جرب الحمام الكبير و الصغير و لم يلبيا المبتغى في الجلوس إلى فراخ تنتظر حب أبويها المنداح حبا و ماء.
بات العاشق يسأل عن أحوال الحمام صديقه الذي ينام و يستيقظ على رفيف زغب وهديل مختلف الألوان، و الذي كانت أجوبته قصيرة باردة.
بقي الفتى يحلم بالحمام و صغاره و هديله / الصلاة على النبي و بتصفيقه الثناء المطاردة الغرامية و الدفاعية التي تتوجس خطرا، و كذا التحليق عاليا حول الدار، ثم السعي إلى البيادر خماصا و بطانا تعود و جوقته طرب يذيب الصمت، لحظة لها يرقص الفتى على رجل واحدة.
تأخر الحلم الحمامي إلى أن جاءت خالته زيارة عابرة، و رأت اهتمامه بغسل و تغيير ماء الجرة المكسورة، ونثر حب القمح، فوعدته بفرخين.
طالت الأيام، و طال معها الانتظار، حتى عاد صاحب الدراجة الزرقاء، و محملها فرخان أبيضان منقطان أزرقا يميل إلى السواد ظهرا و أجنحة و فوق الرأسين.
لم تطل إقامتهما، حتى بدأا في تأثيت المطرح، و وضع البيض، و كأنهما على علم بشوق العاشق إلى هذا الفرح الغامر، و إشباعا لرغبته، كانا كلما فرغا من واجبهما نحو صغاريهما ، أسرعا إلى تهييء مبيت ثم وضع لؤلؤتين، ولا تسل عن سرور الفتى، المتصدق لهذا الدفق صدقة تحفظه و تزيد من خصوبته التي غمرت المسكن، نسلا لا يختلف كثيرا في طرزة ريشه عن ريش الأبوين الملتزمين بالمستقر، فلم يبرحاه في طلب الحب كما يرغب العاشق.
صادف هذه الفرحة أن اشترت الأسرة منزلها الطيني، فكان الرحيل التدريجي لمتاع قليل على أياد صغيرة تنوء تحت حمل خفيف ثقيل، إلى أن تجرد الوالدان، ووضعا حدا لكل تقاعس، و أخر عودة إلى البيت الأول مساء و الأجنحة انكماش وغفوة، لتنقل داخل علبتين كبيرتين و طرفا الأجنحة عقدتا خيط أحمر أزرق أخضر و أصفر ريثما يكون الاستئنا س، بادر الأبوان التحليق، ثم تبعهما الباقي و الفتى العاشق لا تفوته مشاهدة رقصة الهديل واستعراض النفوش المتباهي ونصف فتحة الجناحين و جر الذيل تليه بضع خطوات الكبرياء والانتشاء، ثم الهديل و الالتحاق بأعلى البيت فالعودة إلى الرف ، فالسطح ذو القشرة الاسمنتية المشققة.
في منتصف ليلة صيفية حارة ، و الكل نيام ذعر الحمام الكبير فطار ، ليعود بعد يوم، ثم غاب الى الأبد ... و مثل ما أقبل الحمام سريعا أدبر سريعا، و قد خلف الإشباع و النظافة و الصبر و التأمل ، وإن أشياء الحياة تبدأ صغيرة و رويدا رويدا تكبر، تماما كما هو حال عشه.







Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.