samedi 7 décembre 2024

مقال من دفتر السلوك (7) // أحمد البحيري // مصر


أجد الخلاء مكانا مناسبا للتريض والكتابة. والخلاء يعنى الحقول والترع والمصارف والانتماء للزرع والماء

أمشى أكثر من سبعة كيلومترات لأصل لصديق يدير مزرعة بهائم، وبين ذهابى وعودتى فى أنصاف الليالى أمر على بعض من يعملون بالمخدرات. وذات ليلة كنت برفقة صديقين فى درب الذهاب، وصار تشاجر وتلاسن بين من معي وواحد منهم، حتى خرج من الشجرة التي يتوارى خلفها وبيننا وبينه ترعة، وأشهر سلاحه وسحب أجزاءه علينا؛ فصرخت فيه ولمته بعنف واسكت من معى وذهبنا. فى طريق العودة مررت عليه وطلبت أن نشرب معه الشاي، واعتذر وسامحناه وانصرفنا. بعد عدة أيام أوقفنى واحد من عماله أمام قنطرة خشبية على ترعة وقال: تعال معى، المعلم يريدك. عبر وعبرت خلفه، وبعدما سلمت وجلست' التقطت البندقية من جواره ورحت أنظر إليها وأقول وأنا أضحك: بهذه أردت أن تضربنا. أخذها من يدى ونحاها خلفه وهو يقول: العفو يا أستاذ، أضرب من؟ أنت صاحب أخى ولا تعلم كم أحبك. صحيح أنى أجلس معك لأول مرة، لكن أعرف عنك كل شيء. لى عندك خدمة لو كنت تحب أخى فى شدته، أريد أن تعلم أولادي، تؤدبهم وتعلمهم ويصلوا معك، ويحضروا معك اجتماعات ختم القران. عام دراسي كامل وتحسن حال الأولاد الأربعة في الدراسة، وعرف الصبيان طريق المسجد، و جلبت لهم نسخة من القرآن المجزئ، وعلمتهم كيف يقرؤون بترتيب الأجزاء من واحد لثلاثين. . فى تلك الفترة واجهت انتقادات حادة من الكل: من البيت والإخوة والمعارف والأقارب والأصدقاء والشرطة نفسها ولم أأبه بشيء. يقولون لى أنت لست بباريس، أنت ببلد لو وقعت فيه فى طريق الشرطة لإحتجت لعام وأكثر فى الحبس حتى يثبت لديهم أنك إنسان محترم، وأنت لا تتحمل ألم يوم واحد، وبقيت لا أهتم. وفى تلك الفترة أغارت الشرطة عليه مرة وأنا مع الأولاد؛ فراوغهم وقلت دون إطلاق نار، وبقيت رابط الجأش مطمئنا الأولاد الذين رعبهم المشهد، ولما هدأت العاصفة ترجلت ورحلت. إنه يتفادى الخطر قدر الإمكان. عليه حكم غيابي ب25 سنة، وتم اعتقاله أربع سنوات خرج منها برؤية معينة للحياة يعيشها كما حددها بحذافيرها بهذا الخلاء، وكلما تعاظم عليه الخطر ازدادت حاجته إلي، فقد صار لا يثق بأحد، وهم أولاد الكار المتناثرين حوله ولكل نفوذه أكثر ضغطا عليه من هم الشرطة، ويهجس لى فى أوقات بعينها أن نهايته سوف تكون بطلقة. ثم باعدت بيننا الأيام لأكثر من عام، ليتصل صديق مشترك وينقل لى رغبته في المرور عليه ويشدد فى ذلك. ترددت لأكثر من أسبوع قبل أن أذهب إليه بعد عصر جمعة، فى الساعة التى خلق الله فيها آدم، وبعد السلام والضحك والابتسام قال: تصدق بالله. قلت لا إله إلا الله. قال: أنا (بفتكرك) كل ليلة. الثعابين حولى كثيرة وضخمة، والكوابيس تقتلنى، لا أكاد أغمض عينى حتى يضيق صدري وأصحو بصداع وسعال. سألته: تريد أن تنام؟ قال نعم. وتقرأ لى سورة قرآن، ارقنى يا شيخ، وظل نائما حتى قرآن الفجر فأيقظته ومضيت. فى هذه الليلة رأيت في نومى أني بالمستشفى العام بالمركز ، أنزل السلم مسرعا لألحق برجل وامرأة كانا معى وسبقا، واستيقظت لا أذكر هويتهما. بعد ثلاثة أيام اتصل قبل منتصف الليل بقليل وطلب منى عبوتين ( راجن) للباعوض. فى هذه الليلة أخبرنى بالأخطار التى أخذت شكل دائرة حوله من الهمين معا، زملاء الكار والشرطة.

 وقال إن مدرعتين وصلتا إلى كوبرى المصرف، ولما رأوا جهوزيته عبروا المصرف وردوا. فى هذه الليلة أيضا رأيت في نومى أنى فى المستشفى العام أسأل عن مريض؛ فقيل لى أن المستشفى لم تقبله لسوء حالته ومات في طنطا، صحوت أذكر الموقف جيدا ولا أعرف من الذى مات في طنطا.

فى الليلة التالية وكانت ليلة سبت أيضا اتصل نحو الثامنة مساء وأخبرني بمكانه ووصف لى كيف أذهب إليه؛ فذهبت. أربع ساعات لم يفرغ لى لأكثر من عشر دقائق' كان يشن حروبا على الهاتف، وكان صوته مبحوحا من شدة الانفعال. أتركه وأدور بالمسبحة بعيدا عشرون دقيقة وأكثر وأعود إليه ولا هدوء، قرأت وردي، وصليت القيام، وفتحت الفيس بوك وانشغلت عدة مرات، لكن صوته ظل عاليا، وكثرة التدخين وطل الخلاء جعله يكح   ويلهث، ومع انتصاف الليل

قلت له وأنا أنهض: أنت تهذي، حاول أن تختفى قليلا واهتم بنفسك. لم أرك فى هذه الحالة أبدا.

قال: ادع الله لى وأنت ساجد. قلت كذلك فى الفجر إن شاء الله، وتركته ومضيت. قبل مغرب السبت بساعة زرت أحد إخوتى فى بيته وإذا به يسالنى: سمعت ضرب النار بالليل؟ قلت: لا. قال وهو يضحك رغم أنكم أقرب للصوت منا، كانت حملة أمنية وقوات مكافحة شغب، بعد الفجر، ضربوا واحد ومات فى مستشفى بطنطا، وناولنى الخبر على الهاتف: تصفية بؤرة إجرامية وموت الذى كان يديرها أثناء مقاومته للسلطات، والقبض على أربعة من معاونيه وبحوزتهم أربعة بنادق آلية وذخيرة، وكميات من الحشيش والبانجو والبودرة، قرأت ونهضت واقفا لا أنطق ببنت شفة. صليت المغرب ووقفت على ناصية الشارع أستطلع الأمر. وما هي سوى دقائق معدودة ونعته مكبرات صوت المساجد، وأعلنت أن الدفنة حال وصول الرحمة. عدت للبيت واغتسلت حتى أفيق وأستوعب الأمر. إنها ديمومة الأرواح التى اأتلفت وتحابت في اللهلا يمكن دفعها فى أوقات بعينها، وتستشرف وتتشوف ولا تأمن إلا بجوار الخطر. كأنها تتمثل مقولة الصديق: احرص على الموت توهب لك الحياة. صحيح أنه كان يعمل بالمخدرات، لكنه كان أخف ذنوبا من أناس لا تنقطع عن ارتياد المساجد. لم يتأخر علينا وأتى قبل منتصف الليل، وصلت عليه جموع غفيرة، وبقى في الإسعاف حتى القبر. عفا الله عنه وغفر له، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وأولادا خيرا من أولاده، وجعل مثواه الجنة

.وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.