كان الرجل معروفا بخبثه، ومجونه، ومبادراته في البر والإحسان، والنميمة، وعيادة المرضى من الجيران، ومواظبته على صلاة الجمعة والأعياد، وحبه الكبير للمال، يبتسم صباحا وهو يحيي من أساء إليهم بالأمس، الفم الذي ينطق به تكبيرة الإحرام في كل صلاة هو الفم الذي بداخله لسان يصدح بالسب والقذف في من يخالفونه في الرأي ...
سلوكات مفضوحة، عرت عليها الأيام، وأصبحت محط استغراب من طرف كل من عرف هذه الشخصية...
كنت من الذين يلاقونه كل يوم، فأتجاذب معه الحديث، وأصغي له على مضض، لكن كنت أشعر بالخزي حين أودعه، وألوم نفسي على تحمله...
ذات مساء، التقيته وأنا راجع الى البيت، ألقيت عليه التحية من باب الأخلاق والشيم وحسن الجوار، لكن لاحظت أن الشخص ليس على ما يرام، غابت ابتسامته الماكرة، وأصبح جديا في حديثه، استشعرت أن هذا التغيير يخفي أمرا، وأن صاحبنا يحمل هما يشغله، بادرني من دون أن أساله قائلا بنبرة مرتبكة :
-أريد يا أخي أن أستشيرك في أمر...؟
-تفضل إن كان بإمكاني إفادتك...
قلت له ذلك وأنا أعتقد أن الأمر يتعلق بمساهمة في عمل خيري، لكن فوجئت حين أخبرني متحدثا بنبرة تشير إلى الخوف الشديد الذي كان يشعر به، قال لي
-لقد كنت مستلقيا على ظهري وأنا أشاهد التلفاز،فاستسلمت للنوم على غير عادتي، لكن ما أرعبني هو ما رأيته في منامي، بل كنت بين النوم واليقظة...
ظننت أن الأمر يتعلق بكابوس، فقلت له محاولا تهدئته:
-لا تهتم الأمر عادي ...يقع ذلك ...
رد علي وقد زادت حدة خوفه لدرجة أن الكلمات كانت تخرج من فمه متقطعة ...
-لا...لا ...لم يسبق لي أن رأيت مثل هذا الحلم في حياتي ...
تسمرت في مكاني، وتركت له فرصة للبوح وإفراغ ما في جعبته...
قال لي:
-لقد رأيت نفسي واقفا أمام المرآة التي توجد بغرفة نومي، وكأني في الواقع، أرى جسدي واقفا يتأمل نفسه في المرآة...ما أرعبني هو أني كنت أرى نفسي برأس ذئب يكشر على أنيابه في وجهي، فأزيح نظري عن المرآة،وحين أعيد النظر أرى نفس المشهد، ولما استيقظت مرعوبا توجهت إلى نفس المرآة ، وما كدت أقف لأتأكد من أن الحدث كان حلما حتى ظهرت لي نفس الصورة ...لقد ظهرت في المرآة برأس ذئب بشع المنظر...فكيف أظهر لك أنت الآن ...
نظرت إليه متأملا ...كانت الصورة في ذهني كما رآها في حلمه تماما...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.