على ظلال غابة أشجار النخيل و وشوشات جريدها إثر هبة تلاطف الحياة، بين الحقول ومن كل الجهات الأربع شامخا يتجلى القصر ذو المدخل القوسي الكبير تعلوه نقوش على دفتي باب توقفتا عن انفتاح الصباح وإغلاق المساء استسلاما لسبات عميق استطابت التمادي فيه حكايات الاجيال المتعاقبة فوق مجلسي / دكانتي المدخل ،إحاطة نوافذ وكوى تختلس النظر إلى فتنة الجمال العابر، يتنفس السور مفرجا عن همومه وأحلامه هواء نقيا يتلو دبيب الشمش شروقا وغروبا بساط أسطح متجاورة شهدت سمر ليالي الصيف الساخنة وتقدم أو تراجع انحناء الكرة الصفراء المعلنة عن أفق الفصل الموالي المتحين في تربص أسد جائع يركض وخلف تل على أربع يزحف إطلالة وانقضاضا خانقا في رمشة عين.
غعجابا مال خفق جميلة ذات الأربعة عشر ربيعا نحو الجار عبد الرزاق ذي العشرين عاما ،يحلم كأترابه بفارسة الأحلام فيجد من أجل لقمة أبوين وأختين متنقلا بين حفر ساس ورص لبنات أو إصلاح وترميم مسكن يفيان بضروري العيش إلى نزر قليل يحول دون مد اليد وذبول الوجه أول عثرة بسيطة .
مع لمح قد جميلة الفتي الرشيق أو سماع نبرة صوتها العذب والتفاتتها الخاطفة القاطفة لنظرة مليحة تتيه ودروب الخيال المشعة نورا وبهاء، يخف العناء وتشرع نوافد الأمل وعبد الرزاق استرخاء مسائي يحملق في خشيبات السقف الممددة جنبا إلى جنب طلاء ذهبيا، يعدها صعودا ونزولا تجزية للوقت الذي يرجى من تكتكاته أن تسرع التحام الجفنين غمضا مريحا ورديا. خلال سنة واحدة اكتمل نمو جسد جميلة صدرا وأردافا ومسدولا ناعما أسودا زينة رأس فطن حدق الشغل اليومي من تخبيز وطهي وغسيل وخياطة ما تآكل أو انفراط من خيط عباءة وجلباب وسروال وجوارب وغزل ونسيج بوأوها القدرة على تحمل مسؤولية تدبير شؤون البيت الأمر الذي استرعى انتباه الجوار فتناقل اجتهاد وأخلاق وحسن الأيقونة جميلة .
من مسافة بعيدة والفرح موائد عقيقة كشفت أم علال عن حلمها وهي تأخذ وترد في الكلام مع إحدى قريباتها :
- نفسي أن أتبين الطريق إلى عروسة تتحمل معي مشاق الدار الكثيرة المكرورة .
- كاااينة اعمتي شاطرة وخدامة وزينة ومصوابة .
- فين ؟
-عند جيرااانا فلقصر.
- واهلها ؟
- ناس معقول ، الله اعمرها دار.
إلى زوجها وولديها وبنتيها الصغيرتين تزف البشرى ، المباركة صمتا خجولا من لدن علال غير القادر على رفع بصره عن الأرض، وبهجة أضاءت الوجوه وتهادت الأجساد حيوية ونشاطا ، توجتهما الأم زغرودة لها تجاوبت أرجاء الدار رباعية السواري.
وسط ترحاب كبير وجولات كؤوس الشاي والحلويات وما لذ من لحم ومرق تمت خطبة جميلة الحاضرة الغائبة وكأن الأمر لا يخصها لا من قريب ولا من بعيد. ضاقت الدائرة بالجارين الحالمين بيوم المنى كل من ركنه على قناعة من نظرة تتكلم الإعجاب وتفتق زهرة الهوى ذات الأشواك المؤلمة. في غمرة الحيرة والأمل المخطوف والتردد الذي عرفته النظرات المتقاسمة في إبداء إحساسهما ،كان الاستعداد للعرس فساتين وسريدات وأحذية وعطورا وأساور وأقراطا وفراشا وثيرا وأغطية صوفية وأواني نحاسية ومرآة كبيرة منقوشة الإطار صفراؤه ،كل هذا الكشكول الفسيفسائي العبق جدة والمشع بريقا يغري بالاحتضان تستهين به جميلة لأنه ليس من أجل من دغدغ النجوى.
صدح ورقص الحفل في بيت أهل جميلة وساعد على إشعاعه كثرة المدعوين والزغاريد المسترسلة والصواني اللماعة والموائد الدسمة رفقة جوق نسائي لا يكاد يرتاح قليلا حتي يستنهظه صوت مرح كثيرا ما تطلع إلى هذه المناسبة وهو يحث ويشحد همم الأخريات مرددا:
-ألي ما اشطح ما غنى أبحالو أبحال القَلة...كل شيء تحلى بلباس الغبطة والسرور: من حركات وسكنات ودردشات ورموش سوداء وخدود التفاح وضحكات دلال مغناجة تفوح عطرا شذيا إلى قهقهات جلابيب بيضاء تؤنسها بحة تعتصر المحيا شقائق نعمان، ما عدا جميلة الجريحة الفؤاد والتي يخالها الجميع تخفي فرحتها خجلا وتأدبا كما هي العادة في مثل هذا المنعطف الحرج .
من فرح أهل العروسة إلى فرح أهل العريس باردة كالثلج وكاظمة غيظها انتقلت جميلة وسط أضواء بيضاء تعلو أربعة رؤوس لا تتأخر عن النفخ وإضافة الغاز والاذن شدو قصبتين تمرحهما قطع نحاسية صفراء وحمراء كخواتم تخض أنفاسها الشجية الروح وعن الليالي تنفضان رمال الزمان بمعية بنادير ودرابك وصوتين دافئين لهما تصفق الأيادي و تصيح الحناجر وترف الأغرودات وموجات متتالية من الصلاة على ابي فاطما، في تأمل تصغي جميلة إلى ما حولها ومن أجلها من هرج ومرج وحبور وهي في منأى عنه وكأنه لواحدة أخرى فيتضاعف قلقها وحزنها ضمن أناس كان أولى لو أن أحدهم أو إحداهن عرفت قراءة صفحة الوجه وإيحاءاته المنشغلة في كيفية الخروج من هذه الحالة غير المحتملة من قلب مكسور يلهوقربها سرورا بهيجا يود لو طال إلى أبد الآبدين . واجمة و محمولة كغزالة تدخل الغرفة وقد أتخذت قرار ألا يمسها او يقترب منها من عقد عليها وفاء وإخلاصا لإحساس وشعور مفاجئين انسابا وداعبا الخفق بأجنحتهما الملائكية الفاتنة .شوقا ولهفة واستطلاعا لوجه رفيقة العمر اقترب العريس من عروسته بعد صلاة ركعتين حمدا وشكرا لله على نعمه ،و باب الغرفة أهازيج وأمداح ونقر تعارج تحاول أن تعاند التعب والسهر عبر دفعة لملمت قوتها لا تلبث أن تنكمش عياء في انتظار أن يمد السروال موشحا بخيط أرجواني يشهد بسلامة الزوجين ،ذلك ما لم تسمح به العروسة التي نالت مرادها عقب كلمة واحدة قاطعة :
- ما اتقربليش .
كالماء في الجدول جرى الكلام على الألسن ثلاثة أيام طوال لاحظ أثناءها العريس حرص العروسة على إطلالات من النافذة تعود منها كل مرة مكفهرة الوجه ليبادرها :
- واش كتسني شواحد ؟
-
-كتبغي شواحد أخر ؟
-
- عليك الأمان إلى كان عقلك لغيري .
في بطء السلحفاة كان حبو الأيام الثلاثة التي لم تفض إطلالات النافذة بين اللحظة والأخرى الى ما يبهج المراد ويزيل صخرة أرهقت كثيرجسدا طريا في عمر الزهور فبات حملها المضني يدفعه في نزاع مرير إلى التخلص منها .مساء اليوم الأخير من الحفل قبل العصر وفي محاولة يائسة أطل الوجه شراعا تتقاذفه الأمواج يمينا ويسارا على أمل ان ينال مبتغاه إلا أن الخيبة المرة تكلمت أساريرها غمامة دكناء، أفرجها العريس بلطف وأدب :
- هذا اليوم الثالث وانت غاديا جايا من النافذة بلا فايدة ،راه ذاك الي كتبغيه تخلى عليك وما كلف راسو حتى يظهرولو مرة وحدة ..خلفت هذه الكلمة القصيرة جدا أثرا بليغا في داخلها أجبرها على التوقف والتأمل و نسج حوار باطني وكل كلمة مما فاه بها العريس وخاصة الجملة الاخيرة :
ما كلف راسو حتى يظهر ..
- كفى من اللف والدوران .
- احشم اشويش.
-هيا نلحقو ما فاتنا قبل ما افوت الوقت اكثر ما هو فايت.
كحمام ابيض جريح طال انتظاره أطل السروال بغتة فتعالت الزغاريد ورقص الشباب وتطايرت الطواقي والرزز في السماء وأولم الأب بعد ذبح سمين واستمر الدف والردح والمزمار والنقر عودا ودرابك ثلاثة أيام بلياليها .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.