mercredi 31 juillet 2024

أفق ونقطة // نصيف علي وهيب // العراق

 

في عيوني
بعد الأفقِ أفقٌ، خط أمامي كالسطر، أجددُ عليهِ الأمنيات، الأحلام تكبرُ في المدى، تتسع الأحداق حقولاً، خضراءٌ حولي هذه الأرض، نورٌ سمائي من حبٍ بيننا، نجوى اشتياقي، الأملُ ربي،
في عيونِهم
الأفق نقطة، تحترق عليها الأحلام، تبرأ مما قالت أفواههم، ابراهيم (ع) حطم الأصنام، وآخرهم ستكون أنت، انتهى التصفيق.








لا تسلني ..// نجاة دحموني // المغرب


لا تسلني !
و كعادتك في أحاديث كل مساء.
كيف و لمَ غاب المطر،
و تبعثرت السحابات في السماء.
لم هجرت الثمار حضن الشجر.
و تحمل حضنها كل هذا الاستياء.!
لا تسلني !
عما جرى لبني البشر،
من الهرج و المرج و الأهازيج الهوجاء.
لم عمت البصائر رغم حداقة البصر.!
و ساد التملق و الكذب و الرياء.
لا تسألني !
لم مخالب لئام تستتر وراء ابتسامات وئام.
أو عن جحود قلوب و ودِِ سنينَ غاب.
لم يتقاذف كلمات و كأنها سهام,
من هم إخوة و من يدعون أصحاب.
لا تسلني.!
كيف آمالنا تلاشت في الظلام.
لا بريق لها و لها أثر.
كيف غرقنا في الافتراض و الأوهام،
لا نكل و لا نمل من أخطاء تتكرر.
لا تسلني !
لم صار الباطل بطلاقة يتكلم.
أبدا لا تخونه التعابير.
الحق يتهته و يتلعثم.
خافت صوته و شمعه باهت لا ينير.
و لا تسلني !
لِم رحلت الضمائر و حل الدمار.
و معها الإنسانية في " الإنسان" .
تأبطوا بعضهم و غابوا عن الأنظار.
متناسين أن " كل من عليها فان "
لا تسألني !
فلي مثلك أسئلة بلا جواب.
إلى متى سنظل نشكو حالنا و نتدمر.
هائمين تائهين وراء سراب.
رغم استمرار شعاع الشمس و نور القمر.







منفردا - متفردا ..// محمد لغريسي // المغرب


وأنت تشرب الصخر!
وأنت..هناك خلف قمر يابس !
تلحس جدار ثملا ..وتتمنى..
وأنت..
ترجو عنقاء البراري، فلا تناديك..
وأنت تستغيث بآخر نافذة.
منفردا-مفردا
في الركن المهجور من البيت الشتوي!
تدنو منك سيدة النهايات
تتحرى اسمك الخلاسي ..
تتحسس وريدك البنفسجي
كما لو كنت عشاءها الأخير.
وأنت تتشبث بجذور الوقت
ونهد الأرض
تجردك -هي ذاتها من ريش الساعات
وأعقاب الثواني
وأسماء الوجع في الأشياء!
تقبض كنيزك شرس.. بصدرك
تلملم معطفك القديم على حين غرة ،
تخلط جسدك بالحصى
والسراب.
وتطير هي..
إذ تطير أنت.






samedi 27 juillet 2024

لكن وهما غشاهم ..// وليد حسين // العراق

 

بضعٌ وتسعون مرّت حَسبُنا غَضبُ
أَفرى ضجيجاً وما أثرى بهِ اللَغَبُ
يا باعثَ الوهمِ في الأقزامِ معجزةً
يومَ انتشيتَ بكحلٍ نَسجُهُ قَطِبُ
إنّي أسائلُ نفسي أيَّ مفخرةٍ
تلاقفوها ..
وإن أنكى بها الكَذِبُ
لم تلقَ يوماً حضوراً دون مِدحتهِ
وكم أضرَّ بما انسلّتْ بهِ الحَقِبُ
وما تخلّى عن الإنفاق من لغةٍ
بها براعةُ صبٍّ هزّهُ الطَربُ
ولن يجيدَ سوى الإبحارِ مرتزقاً
له مطامعُ جوفٍ بَحرُهُ لَجَبُ
ويستخفُّ وما أوجاعُنا انسكبت
إلّا بليلٍ على حسراتها تثبُ
يزدادُ حُزني ..
وأبدو غيرَ مكترثٍ
خَلا نعيقٍ تراءى أينما يَخِبُ
كأنّ سيلاً إلى الأحقادِ سارَ بنا
متوّجاً من حميمٍ ساقَهُ القَتِبُ
مطوّقاً من تخومٍ لا سبيلَ لها
سوى الخلاصِ وكم قيدٍ لنا جَلبوا
آويت عمرَك في أثراء ضامرةٍ
يومَ اهتديت لمنحىً شادهُ الشغبُ
ورحتَ تمعنُ في أفياء سادرةٍ
من دون شكّ تراخى بيننا الهُدُبُ
ياويحَ نهجٍ تخطّى كلَّ بارقةٍ
بهِ من المدحِ أندى بيننا الذَنَبُ
وكم أفاضَ علينا من بشاعتهِ
حتى مَلَلنا
ومالَ الرأيُ والأدبُ
مالي أصارعُ وهماً في مناجزةٍ
شتّانَ عندي إلى أينٍ .. بنا ذهبوا
ولن أنوّهُ عمّن رامَ غربَتنا
وكان يسلو كطفلٍ مسّهُ العجبُ
ولّيتَ بالشعر مأخوذاً بحلّتهِ
يمضي شعوراً
وكم أمضى به اللعبُ
يصطفُّ حتّى رعينا شرَّ نازلةٍ
بها فضائحُ قومٍ شرُّهم نُخَبُ
أبا فراتٍ .. سئمنا من مهاترةٍ
حين انتبهنا ..
لصوتٍ ساقهُ القَصَبُ
وكنت تطمعُ أن تمتدَّ من حسدٍ
طال الملامحَ حتى نالك التعبُ
لكنّ رحلَك قد أضناهُ معتنقٌ
إليه ترجعُ أن أودى بك اللقبُ
مدجّجاً بالعطايا لا مناصَ لكم
إذا تبرعمَ في أحشائكم سَغبُ
ولستَ صَنواً إلى أصحابِ واقعةٍ
هاموا انتظارا وما أغراهُمو الذَهَبُ
فالشعر قلعةُ مجدٍ لن تزعزعَهُ
تلك الفضائحُ نعم الماردُ اللَجِبُ
وما تعكّز أن دبّت قصائدُهم
دون ارتزاقٍ وحسبي.. أنّهم جُلِبوا
متوّجينَ بلا إثراءِ منتفخٍ
حيث الدليل تنادى أينما نُسِبوا
ويحملونَ من المعنى وما علقوا
فوق انزياحٍ كأنّ البحرَ مستتِبُ
حسبي من الشعر ما أرخى قوادمَهُ
للطارئين فضاءٌ ريشُهُ رَحِبُ
ويبرعون وقد جادت مبازلهم
للشاربين وكانوا خيرَ من كسبوا
تبّاً لقوم طلاهم مكرُ مرتزقٍ
"خلا له الجوُّ " بئسَ الزيفُ والنَصَبُ
كأنّ مندحةَ الأضدادِ طابَ لها
وقعٌ تفرّى كربحٍ كلّما اقتربوا
وكم أبانت لنا الأيّامُ عن سفهٍ
بل إنَّ وهماً غشاهم
كلّما انتخبوا.






vendredi 26 juillet 2024

كأننا .. // حسين المغربي // المغرب

 

گأننا..
گأننا ما كنا..
كأننا ما بقينا..
نحمل أملا مسجى،
و ضحكة حيرى،
بينما حرقة السؤال فينا..
تكوينا فصولا و فصولا..
سجناء للقصيدة..
أسارى كلماتها..
قد تعمدت حروفنا بالهزيمة..
أحفاد من نحن..
لا التاريخ أنصفنا..
و لا الحاضر،
و لا المستقبل..
سلوا مآسينا..
تحكي دموعها أرقا..
و دمنا مشاعا بين وحوشنا،
و القبائل..
اكتفينا من عنتريات دون كيشوطية،
و طواحين الهواء،
و خرافات الغول،
و العنقاء،
و الخل الوفي..
گأننا ما كنا..
كأننا ما بقينا..
كل شيء كان فينا جميلا..
اغتصبته المنون،
و قدر أهوج..
صنع أيدينا..
حتى متى نعتاش و لا نحيا..
و الخوف فينا..







jeudi 25 juillet 2024

خيام صامدة // زيد الطهراوي // الأردن


سأخلع عن قلبي شحوبي و غبرتي

و أُفسح للأنوار في ثوب خضرةِ

و آتي إلى الأصحاب أمحو سهامهم

و إن أزمع السهم الأثيم مضرتي

 

و صدِّق بأن الريح تأتي عنيفة

فتُقصي خيام الود عن أرض صحبتي

 

فأبني خياما غيرها و أحيطها

بصبر و إغضاء و أشذاء روضة

 

و تسألني الأزهار و هي حزينة 

لماذا تجنبت الرقاد بقفرة

 

و أزمعت أن تحيا مع الصحب ثابتاً

و هم أزمعوا أن يوقعوك بحفرة 

 

فقلت استعدي للجواب و أضمري

سكوناً يعادي  كل ساع لثورة

 

فلو أنت  غادرت الرياض وحيدة

فمن سوف يهدي الكون وهج مسرة

 

و أنت شذاك العذب في كل غدوة 

و يثري مساءات الجموع ببهجة

 

و مع ذاك ها هم يسحقونك في الثرى

و ينسون ينبوعاً يفيض بغبطة

 

و ما زلت تعطين الفضاءات خصبها

فينجو ضعاف من سهام مضرة 

 

كذلك سعيي ليس يرقد في الدجى 

و يأبى انغماساً في ضمور و وحدة 

 

تغيب غصون نحو غرب و مشرق


و يبقى مع الأحداث غصن مودة.














نزوة إسراء // أحمد نفاع // المغرب

 

من أعز القصائد
نَزوَةٌ إِسراء
*******
غارِقْ
في لُجةٍ ..
وسط خَليطٍ
مُربِكٍ حَدَّ الإزعاج؛
غارقٌ بين سحُبِ حِيرةٍ / شَاردٌ كُلي
أزفرُ / وأنسَى أني شَهقتُ
أكونُ في نَزوَةِ
إسراء
أو
رُبما أكونُ
بِرُشدِ نَبِيٍّ عابرٍ
أرتشِفُ حَماقات العالم
وفي لِهاثٍ
لا
مُنتَه
أركضُ لألحق بِظلي.
ويحدثُ أن يٌرفرِفَ جَفني
لِهسِيسِ ريحِ يُوسُف
أو لِهَمسِ هُدهدٍ
أو لِمُوالٍ
غابرٍ
هو لِحوريةٍ
تستنجدُ من قبضة مَخاض
تتأوهُ من سوط ما
أو هي لِطِفلٍ
آلَمَهُ غَدرُ
الفِطام
فأبقَى
وتراً حَبيساً
بين شرائعِ الصمتِ
وبين خَلَجان بَوحٍ مُعَتَّقٍ
و
أكتبُ
لي أكتبٌ
قصيدةً لِي
وقَصائِدَ للعالَم
أكتبُ أني في عِراكٍ
أمضَغُ سِيرةَ كل غُرُوبٍ راحلٍ
أتوضأ بِرٍيق كل فَجرٍ
يُولد بين شاهِداتِ
قٌبُورٍ أحلامُها
كانت يَوماً
مِن زَبَدٍ
و
سَراب
ويصعق فضولي
دوي صوت رهيب
يذكرني بِنداء
الأبد
********











الأقاصي الحادة // يحيى موطوال // المغرب


اسمي المصلوبُ
على شهوة القصائد .
أمسي المنبوذُ
في تجاعيد
الذاكرة .
غدي المنكسرُ
على فجائع آجلة .
أملي المنحوتُ
من شهقةِ وطن .
لا شيء بداخلي ..
احتمالاتٌ أخرى
ترتّبُ عشقي
لهَوَس الكتابة .
حلمٌ
ترهقُهُ الأقاصي الحادة.
روحٌ توزّعُ سرَّها
لعابِري الخيبة ،
مزاجٌ خشبيٌّ
يمزّقُهُ مللُ الموت .
يدٌ
ترتدي القلق
تصافحُ همسي .
أتجرَّدُ منّي
لأدفنَ صمتي
في صداع حقائقَ آثمة .
أخلقُ
من تجاهلي
حيزًا أكبرَ لبناتِ أفكاري ،
وأنا أعيدُ للُّغة
سديمَ الهواجس .
قصيدةٌ
لم تبدأ بعد
أنا
جرسُها الموسيقي
المكتظُّ ببلاغة الانتماء.
مجازٌ يحمل ما تبقَّى
من تفاصيل الشهوة .










محض سراب // كامل عبد الحسين الكعبي // العراق

 

بينَ يقظةٍ وإغفاءةٍ
أمسكُ بتلابيبِ فكرةٍ
مغرّدةٍ في غير سربها
أهدهدُ بنات الأفكارِ في حجرٍ غرير
أرمي بها حَجَراً في قلبِ الوحشة
إنعاشاً لوحدتي الرمليّةِ
هيّ غايةٌ في العطبِ
وأنا في أقصىٰ النار
تُرىٰ مَنْ أوقدَ النارَ في صحرائي !؟وخلفَ الفراغِ لا أثرَ للظلّ
ومَنْ سجّرَ البحرَ في جوانحي !؟
وفي فمي ماءٌ ينتظرُ المطر
ثمَّةَ بوصلةٌ تتوهجُ عتمة
ويدوزنُ البركانُ انفجارَهُ
أنتزعُ أقدامي من طينٍ لاهب
أستلّ الشعرةَ من العجينِ
كما أستلّ خيطَ الكلامِ من مقلاعٍ أبكمَ
أراقصُ ذاكرتي وأشتعلُ
برذاذِ جمرٍ مهترئ
حنجرتي أسفل مطرقة
فمَنْ يعيرني أقدامَهُ للسيرِ
في طرقٍ شاردةٍ ؟
أزعنفُ خطاي قبلَ أنْ أتبدّدَ علىٰ اليابسة
أرشفُ شفتي وأوزعُ لَمَاها علىٰ العابرين
ربّما سيخونني الظلّ
قبلَ أنْ التقطَ الجدار
ويكون مقامي مقامَ السراب
المرآةُ تعطّلتْ
لأنّ النهارَ لمْ يعدْ يضيئ
ولأنّ رئتي لمْ تعدْ تمتصّ الهواء
لذا سأطيرُ معَ دخانٍ ذي جفون
وأرقبُ بذرتي
وهيّ تشقّ الفراغَ دونما جذر .







mardi 23 juillet 2024

حياة لحياة // نصيف علي وهيب // العراق


حتميةُ الحياةِ حياةٌ، ظلالُها فيءٌ من النور لكلماتِ عشقٍ على الشفاه تدور، آمنةٌ بالنجوى روحي، ناظرةٌ للحبِ عيوني، منتهى الحلمِ سلامٌ ساكنٌ، في قلبي منذ زمان.









حدس الأخرس // أحمد البحيري // مصر

 

تركونى معه وكان على أن أفهمه تجنبا للملل. أخرس أليف يهل علينا فى أمسيات بعينها، يسلم علينا جميعا مهما زاد عددنا، ومن كثرة السلام وابتسامته التى تخرج وحدها بمجرد النظر بوجه، صرنا نتفاءل به ونشعر أنه منا. جاء الليلة وسلم على من تصادف وجوده وجلس إلى جواري وهو يضحك ويشير وافهم ما يقول، ثم اضطجع على سيراميك الأرض حيث نجلس على درج بناصية الشارع وفرد ذراعه كله وأشار بسبابته على ظهر واحد من ثلاثة على دكة خشبية فى الجوار فبان أطول من حقيقته لكنى لم أفهم إشارته. أغلقت الهاتف وخلعت النظارة عن وجهى ورحت أبادله الابتسامة وأطلب منه إعادة ما قال. حسنا، إنه يعارض أصحاب الدكة، والرجل الذى أشار عليه بسبابته هو أكثرهم سوء، ثم يأخذ عنه ويقلده الثانى والثالث. وقال بأن الثاني والثالث دون الأول لا يتجازون الحد، وان كل منهم بمفرده يبقى فى المعقول. أصدرت صفيرا طويلا وسط ضحك لا إرادى أزعج أصحاب الدكة وأغضبهم؛ فاستداروا ينظرون واقفين، ثم تفرقوا كل فى سبيل. حييته من جديد واشعلت له سيجارة، ورحت أسأله عن أصله وفصله وعمله وكيف صار أنيسا لدى إلي هذا الحد، لكن طفلا دون الثامنة قطع علينا وحدتنا ووقف أمامنا بدراجته ليسلم عليه وينشغل به دون أن يهتم بوجودي. سأله أين كانت غيبته التى بلغت شهرا ونصف الشهر ؟ وأخبره أنهم جميعا كانوا يسألون عنه، كما أخبره أنهم جميعا موجودون الآن، وصار يرجوه الذهاب معه والأخرس يضحك ويزوى كتفيه ويتمنع. من شدة تعلق الطفل به صرت أحضه على النهوض معه رغم عدم معرفتى به ولا بهؤلاء الذين يحدثه عنهم، حتى إذا اشترط مرافقته نهضت دون تفكير. تركنا ناصية الشارع ومشينا يمين الطريق نحو مائتى متر ثم قطعنا الطريق وسلكنا مشاية ضيقة بين حقول الأرز، والطفل دليلنا لا يكف عن الكلام، والأخرس الأليف الذى يهتز بدنه النحيل على إيقاع ضحكات مكتومة يختلس النظر لوجهى عند كلمات بعينها ليقيس وقعها، ولا قمر ولا نجوم ولا سحب بيضاء أو رمادية فى السماء. حسنا؛ فنحن قادمون إلى أناس فوق القانون. يعملون بالمخدرات وعلى أغلبهم أحكاما، وحول كل واحد منهم بضع رجال يحملون البنادق الآلية، عدا السيارات والتكاتك والموتورات ولنشات سريعة في النهر. أخرجت طرف لساني وقرصت شفتى السفلى وامسكت الأخرس من رقبته، وحتى يتفلت نزل عن المشاية وخاض فى حقل الأرز. ابتل حذاؤه وطرف بنطاله الكاكى ، لكنه عاد يضرب نعله فى التبن الذى يفصل الحقل عن المشاية، ثم جاء من خلفى وأمسك يمناي فوقفت. قال هؤلاء أناس كما عرفت، ومشاكلهم بينهم فى العمل والأموال، يسلب بعضهم بعضا، ويسجن بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، لا يجتمعون إلا فى كبير، واذا اجتمعوا دوت البنادق، وما علينا إلا الإصلاح ما استطعنا. فى هذا الوقت كنا أنهينا المشاية وحقل الأرز ووصلنا الترعة، وقبل أن ندور يمينا ونترك أشجار الكافور دوت فوق رؤوسنا طلقات أكثر من عشرين بندقية.. لم أتفاجأ وإن صرت أسأل: ما الذى يحدث ؟ لابد أن هناك خطأ ما. لكن الرجال يعرفون ما يصنعون، يطلقون النار فوق رؤوسنا ويحذروننا من الاقتراب، ويقولون دينكم طلقة واحدة. الحق أنى ما وجدت فى نفسى خوفا ولا وجلا، بل شعرت أن ما يجرى تمثيل لا حقيقة  أخذت الأخرس وكان الأقرب لى إلى جذع شجرة الكافور العتيقة، ثم التقطت الطفل الذى أعجبتني جرأته وانا أقول: تعال العجلة فى داهية

الأخرس ارتحنا قليلا وتدبرنا أمرنا وفهمت أكثر من الطفل لا من الأخرس. هؤلاء جماعة مرسال استأجرهم من الصعيد ليقف بوجه أحمد عبد المجيد الذى سرق منه بضاعة بإثنا عشرة مليونا، إنهم يعسكرون بين نخيل البلح وغرفة ماكينة الرى المعين على بعد أقل من مائة مترا وفى بر الترعة الآخر، وقد رأيت فوهة البنادق فى الظلمة تحمر وتطلق شررا مع خروج المقذوف وسمعت صوتا دون أن أميز وجوها. وعليه فهناك جماعة أخرى تعسكر فى ركن آخر على هذه الترعة أو غيرها بهذا الخلاء يمكن أن نمر عليها قبل وصولنا لكنعان والد الطفل الذى ينتظر الجماعتين بسور الليمون. أشرت للأخرس بسبابة يسراي على شفتي المزمومتين وضحكت فى وجه الطفل وترجلت قليلا عن جذع الشجرة وانا أصرخ: أيها الناس: أنا فلان، أليس منكم رجل يعرفني؟ لو كنتم من القرية لتأسفتم على ما صنعتم، أتيت وصاحبي لكنعان بعدما أرسل لنا طفله، لابد أنكم تسمعوننى جيدا ولابد أنكم تعرفون كنعان وطفله. فى هذه اللحظة أسرع الطفل لدراجته ولما وصل بها يمين الطريق سمعت صوتا يقول: عدى يا ابنى، عدى.

اشتغلت العيون والهواتف حتى وصلت كنعان؛ فأرسل لنا من حملنا إليه. رجل متوسط الطول ممتلئ الجسد له تجربة طويلة مع الاعتقال يتعامل مع الناس من خلالها، وله خط مفتوح مع مفتش المباحث الذى طلب منه فض هذا الإشكال، محكوم عليه غيابيا بالسجن المؤبد وهو كبير درك الخلاء الكاحل هذا. أخذ الأخرس فى حضنه وهو يقبله ويضحك وبعدما استمع لتقديمه إياي سلم علي بحفاوة وطلب أن أجلس إلى يمينه؛ فنهض واحد عن الكرسي وأشار لى منحنيا فجلست. خمس دقائق ودخل علينا سور الليمون من يقول: الرجل الموجود بغرفة التأديب يبكى ويصرخ ويريدك. نهض كنعان وفى يده  طبنجة سعة تسع طلقات وراح يخطو خطوات واسعة مزمجرا والأخرس وأنا في ذيله. مشينا طريقا طويلا تغزونا رائحة الليمون وتجرحنا أشواكه حتى وصلنا الغرفة. كنت مشدوها لغرائبية الليلة وكنت أكثر ما أفكر في سلامتى قبل أى شيء، مستنفر الحواس أخمش الظلمة وأسابق الضوء، وأمام كل نازلة أحرك جسدي أوأمشي على أطراف أصابعى لأختبر جهوزيتى للركض أو غيره. باب الغرفة من الحديد الخالص وجدرانها من كتل الأسمنت، ومن كثرة ما بها من سلاسل وأقفال تشعر أنها بوابة سجن عمومى. ورجل طويل في جلباب متسخ يجلس القرفصاء فى ركن الغرفة وتبدو عليه علامات الإعياء. وبعدما أذله كنعان وضربه  بالطبنجة الحديد فى رأسه وهدده بالقتل سألته عن تهمته فقال:يذاع هذا (بدرجى) عتيق، كان يحقن البودرة ثم صار يشمها، والآن يحرقها على ورق ألومنيوم ويشم دخانها، وقد صنع ذلك مرتين أمام طفلى الذي رافقكم، يريد أن يعلمه. نظرت في وجه الرجل فوجدته أقرب للموت من الحياة فقلت فزعا: لكنه يموت ! قال يموت وحده أولى من أن أقتله. أمسكت الأخرس من جنبيه بعنف وانا أصرخ: جلبتني إلى هنا لأرى القتل والموت ؟ لابد أن يخرج هذا من الغرفة الآن. ووقفت فى وجه كنعان وأمسكت معه السلاح الذى ينكسه للأرض وشددت ذراعه وانا أقول: لقد صنعت معه كل ما أردت، تعال معي الآن، تعال يا أخى بارك الله لك فى طفلك. هاودني وتحرك معى داخل الغرفة المقبضة، ولما جاوزنا الباب حمل الأخرس البدرجى وأخرجه من الغرفة فتنفست الصعداء. حين عدنا أدراجنا كان مرسال وأحمد عبد المجيد يقفان أمام السور وخلف كل منهما جماعته، سحب عدنان أجزاء سلاحه وأطلق واحدة فوقهم؛ فتفرقت الجماعتان كل خلف خطوطه، ودخل مع كل واحد منهما رجلان من جماعته. لقد بدأت المحكمة ولا حكم إلا كنعان، والأخرس عن يساره وأنا عن يمينه نتابعه بشغف ونترقب متى نتدخل قبل انفلات الأمر لكنه لم يترهل ولم يتشعب أو ينفلت على أية حالفلا أية بندقية تستطيع أن تضرب طالما كانت فى سور الليمون، ولا إبن كار يستطيع أن يرد لكبير الخلاء حكم. لقد ثبت له أن أحمد لم يسرق مرسال، وطلب الوشاة الثلاثة الذين أذاعوا ذلك وإذا بهم أصحاب الدكة الخشبية, فأمر بحبسهم فى غرفة التأديب ثلاثة أيام دون طعام حتى ينظر فى أمرهم. كاد الأخرس الواقف على حيله منذ بدأت المحكمة أن يسقط من كثرة الضحك، إنه يضحك من قلبه كالأطفال، يقاوم ويكبت ثم ينفلت صوته ويضحك كل كيانه. وبعدما ثمن كنعان البضاعة المسروقة بعشرة ملايين إذ تدخل لدى كل من المشترى والبائع، وزع المبلغ على أول عشرة يلونه في خلائه الكالح. بعد الحكم الذى لم يعارضه أحد، راحت كل جماعة تلتئم وتخرج من السور، وقبل خروج مرسال قال كنعان وهو يرفع سلاحه: لا تطلع الشمس وهذه الكلاب بالقرية. فى هذه الأثناء كان قرآن الفجر يتعالى من مكبرات صوت بعد المساجد؛ فاشرت للأخرس ورحنا نتشاور ونحزم أمرنا ونطلب الإذن بالانصراف