lundi 19 février 2018

في المعنى الأدبي / دراسة أولية// باسم عبد الكريم الفضلي // العراق



يُمكن دراسة المعنى الأدبي على أنه لغة [ منظومة إشاراتٍ وعملياتِ اتصال وفق آلية ( الدال / المدلول ) العاملة في ذهنية(المؤلف / القارئ) بشكل جدلي مستمر]
بمعنى أن اللغة ليست كاملةً في عقلٍ واحد ، بل يُستكمَل وجودها في مجموع الجمهور ( كما يذهب دي سوسير ) ، وإذا كان ( آيسر ) قد ذهب إلى أنه ( لاتوجد حقائقٌ بالنسبة للنص ، إنما هي مجموعة من الخطط لها وظيفة تحفيز ذهن القارئ كي يحدد لنفسه حقائقاً ) ، فإن دمج الوعي في مجرى النص على أساس التفاعل بين ( فعلٍ ) و (بنيةٍ ) في إطار ( القصد / تخيُّلي أو تصوُّري في شكل بديهيات ذهنية ) سيحول القاريء إلى ( فاعلٍ / منتج ) لذلك النص وفق جدلية ( فاعل / موضوع ) يؤلف كلاهما الآخر ، والتي تضعنا في جوهر موضوعة ( الإستدلال / الإتصال ) ، حيث يستوجب الأول ( أعني الاستدلال ) نظرية للشفرات ( علامات ، رموز بصرية أو حرفية ، مفردات وغيرها ) ، والثاني ( الاتصال ) نظرية لإنتاج الإشارات ( مفاهيم أو مُدركات ذات دلالة )، من هنا ينحصر المعنى بالبُنى اللغوية العامة المشتركة ولايمكن للمعنى أن ( يَعني ) إلا بفضل الآخر ( القارئ ) وتفاعله الإيجابي مع تلك اللغة ، ويؤكد جورج بوليه ( ان النتاج الأدبي مهما كانت صلته وثيقة بوجود المؤلف فإن له حياةً خاصة به ، يعيشها كل فرد بقراءته لذلك النص ) ، فالنص لم يعد موضوعاً في ذاته بل إنه ( حدث ) أو شيء يحدث في عقلية القارئ ، وبمساهمة القارئ نفسه بشيء من ( تأجيل الذات ) ، لذا فالمعنى الأدبي سيتعدد بوصفه وسيلة لتجاوز المبادئ العامة التي تمتص المعنى وتفرغه من محتواه ، حيث ان كل طبقة جديدة من المعانى تشير إلى استغلال ومحو المعنى السابق طبقاً للقصد الحاضر ، فالمعلقة التي وضعها ( طرفة او زهير او امرؤ القيس ) مثلاً لم تعد لها ذات الدلالات أو المقاصد والتصورات ( الصور الشعرية ) في ذهن القاريء في وقتنا الحاضر ، مما يدفع هذا القارئ الى ( هدم التاريخ ) و الانطلاق من أدواته الفهمية ( وهي ماتوفرها له ثقافته اللغوية والجمالية ) لتكوين ( إنتاج ) معنى خاصاً به قد لايشاركه فيه غيره من القراء ( أي تعدد المدلولات ) ، أي ان هناك ( معانياً ) قد تشكلت في عقلية هذا القاريء لاتكاد تلتقي مع المعنى الذي أراده مؤلف ( منتج ) ذلك العمل ( المعلّقة ) ، فالمعنى لم يعد ، وفق القراءة الحديثة للمنتج الأدبي ، ملكاً للمؤلف ، بل إن القارئ يستقي من المعاني ما يستقيه من النص، دون استرجاع الأسباب التاريخية أو الانطباعات الشخصية لذلك المؤلف ، وهنا يتولد مفهوم ( تعدد طبقات المعنى ) ، حيث ان كل طبقة جديدة ( تزيح ) المعنى السابق لها ، فالهوية غدت ( ثنائية ) للنص ، فهناك ( معنى المؤلف ) ومعنى ( القاريء ) وهي تقوم بوظيفة المفارقة المحفّزة ، ونؤلف أساس الأساليب التأويلية ( ظاهراتية القراءة ) ، والمعنى اصبح مجسداً في ( شيفرة ) مما أضعف دور منتجه ( الفاعل / المؤلف ) ، بل يكاد يحيده
ومما سبق نجد أن المعنى الأدبي له تعريفٌ (هيوليٌّ ) غير محدد إلابشكل نسبي تبعاً لوعي القارئ وفهمه وهنا يؤكد ( فيش ) وهو من كبار نقاد الأدب الحديث : .. { لايمكن للمعاني ان تكون موضوعية لأنها دائماً حصيلة وجهة نظر معينة ولايمكن ان تكون ذاتية لأن وجهة النظر هذه إنما هي اجتماعية أو تقليدية دائماً }
أخلص إلى القول  ان المعنى الأدبي هو ( موضوعي / ذاتي ) في آن واحد ، وقيمة المعنى هو بمدى ثباته ( أي وصوله بشكل تام من المؤلف إلى القارئ ) وتحوُّله ( أي تكوّن معنىً آخر أو مشترك نتيجة التحاور بين النص والقارئ ) أثناء فعل القراءة ، من هنا تتأتى خطورة فعل القراءة وجسامة مسؤولية القارئ ( وأعني به القارئ الواعي والمسلح بالأدوات القرائية الناضجة لا ذلك المستهلك السلبي للمنتج الأدبي وبسبب فقره الثقافي يتهم النصوص الحديثة بالصعوبة والغرائبية وشذوذها عن المألوف ) . ، فالقاريء ( الفاعل ) يشارك بقوة في كتابة النصوص بوعيه العميق والتحاور وإسقاطاته النفس / فكرية على مجمل المنتج الادبي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :
1 ـ دي سوسير : عالم اللغويات السويسري مؤسس المدرسة البنيوية في اللسانيات
2 ـ آيسر : من نقاد الادب الحديث المرموقين
3 ـ جورج بوليه : من علماء اللغويات البارزين في ظاهراتية القراءة 
********

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.