يُمكن دراسة المعنى الأدبي على أنه لغة [ منظومة إشاراتٍ وعملياتِ اتصال وفق آلية ( الدال / المدلول ) العاملة في ذهنية(المؤلف / القارئ) بشكل جدلي مستمر]
بمعنى أن اللغة ليست
كاملةً في عقلٍ واحد ، بل يُستكمَل وجودها في مجموع الجمهور ( كما يذهب دي سوسير )
، وإذا كان ( آيسر ) قد ذهب إلى أنه ( لاتوجد حقائقٌ بالنسبة للنص ، إنما هي
مجموعة من الخطط لها وظيفة تحفيز ذهن القارئ كي يحدد لنفسه حقائقاً ) ، فإن دمج
الوعي في مجرى النص على أساس التفاعل بين ( فعلٍ ) و (بنيةٍ ) في إطار ( القصد /
تخيُّلي أو تصوُّري في شكل بديهيات ذهنية ) سيحول القاريء إلى ( فاعلٍ / منتج )
لذلك النص وفق جدلية ( فاعل / موضوع ) يؤلف كلاهما الآخر ، والتي تضعنا في جوهر
موضوعة ( الإستدلال / الإتصال ) ، حيث يستوجب الأول ( أعني الاستدلال ) نظرية
للشفرات ( علامات ، رموز بصرية أو حرفية ، مفردات وغيرها ) ، والثاني ( الاتصال )
نظرية لإنتاج الإشارات ( مفاهيم أو مُدركات ذات دلالة )، من هنا ينحصر المعنى
بالبُنى اللغوية العامة المشتركة ولايمكن للمعنى أن ( يَعني ) إلا بفضل الآخر (
القارئ ) وتفاعله الإيجابي مع تلك اللغة ، ويؤكد جورج بوليه ( ان النتاج الأدبي
مهما كانت صلته وثيقة بوجود المؤلف فإن له حياةً خاصة به ، يعيشها كل فرد بقراءته
لذلك النص ) ، فالنص لم يعد موضوعاً في ذاته بل إنه ( حدث ) أو شيء يحدث في عقلية
القارئ ، وبمساهمة القارئ نفسه بشيء من ( تأجيل الذات ) ، لذا فالمعنى الأدبي
سيتعدد بوصفه وسيلة لتجاوز المبادئ العامة التي تمتص المعنى وتفرغه من محتواه ،
حيث ان كل طبقة جديدة من المعانى تشير إلى استغلال ومحو المعنى السابق طبقاً
للقصد الحاضر ، فالمعلقة التي وضعها ( طرفة او زهير او امرؤ القيس ) مثلاً لم تعد
لها ذات الدلالات أو المقاصد والتصورات ( الصور الشعرية ) في ذهن القاريء في وقتنا
الحاضر ، مما يدفع هذا القارئ الى ( هدم التاريخ ) و الانطلاق من أدواته الفهمية
( وهي ماتوفرها له ثقافته اللغوية والجمالية ) لتكوين ( إنتاج ) معنى خاصاً به قد
لايشاركه فيه غيره من القراء ( أي تعدد المدلولات ) ، أي ان هناك ( معانياً ) قد
تشكلت في عقلية هذا القاريء لاتكاد تلتقي مع المعنى الذي أراده مؤلف ( منتج ) ذلك
العمل ( المعلّقة ) ، فالمعنى لم يعد ، وفق القراءة الحديثة للمنتج الأدبي ،
ملكاً للمؤلف ، بل إن القارئ يستقي من المعاني ما يستقيه من النص، دون استرجاع
الأسباب التاريخية أو الانطباعات الشخصية لذلك المؤلف ، وهنا يتولد مفهوم ( تعدد
طبقات المعنى ) ، حيث ان كل طبقة جديدة ( تزيح ) المعنى السابق لها ، فالهوية غدت
( ثنائية ) للنص ، فهناك ( معنى المؤلف ) ومعنى ( القاريء ) وهي تقوم بوظيفة
المفارقة المحفّزة ، ونؤلف أساس الأساليب التأويلية ( ظاهراتية القراءة ) ،
والمعنى اصبح مجسداً في ( شيفرة ) مما أضعف دور منتجه ( الفاعل / المؤلف ) ، بل
يكاد يحيده .
ومما سبق نجد أن المعنى
الأدبي له تعريفٌ (هيوليٌّ ) غير محدد إلابشكل نسبي تبعاً لوعي القارئ وفهمه وهنا
يؤكد ( فيش ) وهو من كبار نقاد الأدب الحديث : .. { لايمكن للمعاني ان تكون
موضوعية لأنها دائماً حصيلة وجهة نظر معينة ولايمكن ان تكون ذاتية لأن وجهة النظر
هذه إنما هي اجتماعية أو تقليدية دائماً }
أخلص إلى القول ان
المعنى الأدبي هو ( موضوعي / ذاتي ) في آن واحد ، وقيمة المعنى هو بمدى ثباته ( أي
وصوله بشكل تام من المؤلف إلى القارئ ) وتحوُّله ( أي تكوّن معنىً آخر أو مشترك
نتيجة التحاور بين النص والقارئ ) أثناء فعل القراءة ، من هنا تتأتى خطورة فعل
القراءة وجسامة مسؤولية القارئ ( وأعني به القارئ الواعي والمسلح بالأدوات
القرائية الناضجة لا ذلك المستهلك السلبي للمنتج الأدبي وبسبب فقره الثقافي يتهم
النصوص الحديثة بالصعوبة والغرائبية وشذوذها عن المألوف ) . ، فالقاريء ( الفاعل )
يشارك بقوة في كتابة النصوص بوعيه العميق والتحاور وإسقاطاته النفس / فكرية على
مجمل المنتج الادبي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش
:
1 ـ دي سوسير : عالم
اللغويات السويسري مؤسس المدرسة البنيوية في اللسانيات
2 ـ آيسر : من نقاد
الادب الحديث المرموقين
3 ـ جورج بوليه : من
علماء اللغويات البارزين في ظاهراتية القراءة
********
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.