mercredi 28 février 2024

كيف أهرب منك سيدى ! // أحمد البحيري // مصر

 

فى البدء أحمد الله على فضله ورحمته بى؛ فكم أعد نفسي من المحظوظين. عرفت الإبداع وأنا صغير، وصار العمل على اللغة ديدنى، ولما اشتد عودى عكفت نحو عامين على موسوعة الفتوحات المكية للشيخ الأكبر، سجلت بعدها دراسة جامعية حول النفس لم أتمها. كانت اللغة العذبة الثرية المستغلقة أحيانا في الجانب العقلي إلى جانب الأسرار هى ما يثير شغفى للصبر على القراءة. ومع الوقت صرت أتصور الشيخ فى مجلس علم وحوله الكتاب من تلاميذه: اسماعيل بن سودكين وصدر الدين القونى وغيرهما، يكتبون ما يسمعون. أما ميكانيزم التأليف عنده فى الفتوحات وغيرها؛ فيبدأ دوما بالآية قبل ان يحشد الآيات، ثم الحديث قبل أن يحشد الأحاديث، ثم يترك الشريعة إلى الحقيقة ويبدو كأديب أريب يعرفك ما لا تعرف بأدلة وبراهين الفلسفة. تصور أنه كتب 270 كتابا ورسالة لتدرك مدى ثراء لغته وقدرته على التعبير عن أضعف المواجيد. أثناء فترة إلقائه جمعت بضعة أسرار من أسراره، كان ينبه عنها بعدما يخبر بها؛ فألزمها طويلا حتى أعقلها، وبعدما تنامت الأسرار وجربت أحدها وأنتج ما أخبر به تغيرت حياتي. أنا شاذلى بتربيتى وتكوينى، سيدي سلامه الراضي بابنا لسيدي أبو الحسن، الذى هو بابنا لسيدنا رسول الله. متصوف سنى أقنع من قريب ولا أحتاج لأدلة أو براهين وأقول مع سيدى أبو الحسن: كيف يعرف بالمعارف من به عرفت المعارف؟. والشيخ الأكبر من أنصار التصوف الفلسفى، شعاره الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى بها. قرأ تراث الهند والفرس والإغريق، ونشأ وشب بمدينة مرسيه ضمن مدن الأندلس، وكان له من الثقة والاعتداد بالنفس ما جعله صديقا لملوك الدول وأمرائها ووزرائها، ومعلوم لقاؤه بقاضى قرطبة وفيلسوفها أبو الوليد بن رشد... باختصار أفقه أوسع مما تربيت عليه. فى فترة القراءة تلك كنت قد جمعت نسخة ورقية من أوراد الشيخ الأكبر اليومية وردان كل يوم الصبح والمساء، صورتها وكنت أعتبرها هدية قيمة لمن أحب. لقد صار الشيخ الأكبر شيخ علم بالنسبة لي، هكذا عقلت الأمر، كل المعضلات الروحية التي مررت بها لم أفهمها من غيره، يتوافق ذلك مع كونى شاذلي أداوم على الوظيفة الشاذلية وحزب البحر والحزب الكبير. وفى الرؤيا لم أر غير مشايخ تربيتى، الشيخ بيومى حمد والحاج احمد مرسي وسيدي سلامه الراضي وسيدى حامد سلامه الراضي والحاجة زكية بدوى وسيدى أبو الحسن الشاذلي، أما الشيخ الأكبر فلم أره مرة. ولقد حاولت الاتصال بإخوة من طريقه بعدما عدت من السفر وعلمت بمكانهم، واتفقت أمور روحية أجبرتنى على تركهم. عدت إلى جذوري ووصلت أسيادى وعاودت قراءة الكتب الشاذلية. إنها ليست كثيرة، لا تزيد عن عشرة، أكثر من نصفها لسيدى أحمد بن عطاء الله السكندري. وذات ليلة أحسست أن الأسرار المقدسة التى أحتفظ بها للشيخ الأكبر تحت سريرى تشبه الثعابين؛ فنهضت وجمعتها وأشعلت فيها النار . حسنا، لقد قال سيدى أبو الحسن: اصحبونا واصحبوا غيرنا فإن وجدتم منهلا أصفى وإلا فردوا. ربما أردت القطع مع الشيخ الأكبر، غير أنى لم أجد إلى ذلك سبيلا. فاليوم أتابع صفحة محترمة تقدم أوراده ومعارفه من خلال مقاطع من كتبه، وعدت استمتع بلغته واتعجب من ثراءها وما بها من الشعرية، واتصوره فى الحضرة وقت درس العلم والأحباب أمامه، وتلامذته يكتبون ما يسمعون

. لله الأمر من قبل ومن بعد، قدس الله سرك سيدى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.






 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.