في البداية لا بد من تعريف كل من اللغة و الفكر ببساطة :
اللغة هي ميزة و قدرة إنسانية تتكون من مجموعة من حروف و رموز و إشارات و أرقام تستخدم لتحقيق أغراض إنسانية مختلفة من بينها التواصل .
أما الفكر فهو مجموعة النشاطات العقلية و الذهنية و المعارف و المعلومات و المكتسبات التي يملكها الإنسان.
اللغة هي موضوع فلسفي منذ أقدم الأزمنة و تمت مناقشة الكثير من مشكلاتها من بينها تلك المتعلقة بعلاقتها بالفكر و بذلك اختلفت و تباينت آراء الفلاسفة و علماء اللغة و اللسانيات مما أدى إلى ظهور جدال فلسفي بين عدة أطروحات ترى أولهما أن العلاقة بين اللغة و الفكر هي علاقة اتصال ، أما الأطروحة الثانية فتقول أنها علاقة انفصال و الأطروحة الثالثة تقول إنها علاقة ليست انفصالية و لا اتصالية بل بالتلازم و المحايثة و هذا هو الاتجاه الحالي في فلسفة اللغة .
ولذلك ظهرت مجموعة من الأسئلة الإشكالية منها :
هل تستطيع هذه اللغة أن تعبر عن مضمون ذلك الفكر أم أنها تعجز عن تحقيق ذلك؟
1- نظرية الانفصال
****************
ترجع هذه النظرية إلى الفلسفة الأفلاطونية حيث تقول إن الفكر يحل باللغة و هذا هو جوهر الفلسفة اليونانية القديمة التي تقول بتجريدية الفكرة، و أن اللغة مادة و ليست روحا ، أي أن الإنسان يصل إلى الفكرة ثم يبحث لها عن أوعية لغوية من أجل استيعاب اللغة، وهذا ما يسمى فلسفيا نظرية ( وعائية اللغة ) ، أي في البداية ينتج الإنسان فكرة ما ثم يدخلها في أوعية اللغة .
2 - نظرية الاتصال
****************
بدأت هذه النظرية في علم النفس بعد الملاحظات التي أشارت إلى أنه لو أصاب الجهاز الدماغي للإنسان خلل ما ، فإن اللغة ستتعطل بشكل أو بآخر، وإذا تعطلت اللغة تعطلت عملية التفكير ، لذلك قالوا بعملية الاتصال، تم تحول هذا المنهج إلى ما يسمى ( اختبار الكلام النفسي ) حيث وجد العلماء أنه من الصعب جدا تأسيس فكرة ما بدون توصل اللغة .
أما الاتجاه الثالث ( لا اتصال و لا انفصال ) فيقول أنه يجب التمييز بين اللغة و الفكر ، و أن الفكر سابق عن اللغة ، بل كثيرا ما تعيق اللغة نشاط الفكر حيث هنالك قول مشهور ( أن اللغة عاجزة عن ديمومة الفكر ) ، والفكر عبارة عن مخزون يحمل الكثير من المعلومات فهو ذلك الفضاء الواسع اللامتناهي .
أما اللغة فهي ذلك المدد المتناهي الذي ينتهي بانتهاء اللغة ، لذلك الفكر أوسع من اللغة ، ويظهر ذلك بوضوح في عجز الإنسان عن التعبير عن مشاعره و أحاسيسه، وهذا الأمر لا يعود إلى قصور الفكر بل إلى عجز اللغة عن إعطاء المعنى الكامل للفكر المكثف ، ولذلك يقول الشاعر الفرنسي فاليري (1) إن اجمل الأفكار تلك التي لا نستطيع التعبير عنها .
فالفكر هو عبارة عن قاموس حياة الشخص الذي يحمل ذكرياته و عواطفه و انفعالاته التي تجعل من كينونة هذا المخزون ميدانا للتجارب ، و ما يريد الإنسان الإدلاء به يخرجه على شكل عبارات و إشارات تعبيرية ، و بذلك تصبح اللغة مجرد وسيلة يقودها الفكر في التعبير عنه ، وبذلك نستطيع أن نقول أن الفكر هو المجسم الذي ينعكس شكله في المرآة ، و المرآة مجرد وسيلة لا تصنع الأشياء إنما تعكسها ، فاللغة تعكس ما يدور في الفكر فقط فهي لا تصنع الفكر بل الفكر هو الذي يشكلها و يصنع منها القوالب المناسبة للتعبير عنه .
لذلك علم النفس المعاصر يهتم باللغة بشكل كبير و يؤكد أنه إذا تم انتزاع اللغة ينتزع سر العقل ، فجميع الدراسات النفسية الآن تشد العقل إلى التفكير اللغوي بل هناك أكبر دراسة نقدية لمقولات أرسطو جاء بها عالم اللسانيات ( ايميل بينفنسنت ) 2 ، حيث استرجع مقولات أرسطو ليؤكد أنها مجرد مقولات لغوية .
(1) : أمبرو بول توسان فاليري : شاعر فرنسي و كاتب مقالات و فيلسوف 1871 - 1945.
(2) إيميل بينفينيست
إيميل بينفينيست (بالفرنسية: Émile Benveniste) (27 ماي 1902 - 3 أكتوبر 1976) هو لساني و سيميائي فرنسي . عرف بأعماله المنصبة على اللغات الهندوأوربية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.