طريق متعرج
******
لامع أنت أيها الليل
تائه حول الأرض
وأنا هنا ..
لا يهمني من أين أبدأ
ما دام أن لي
عودة إلى هنا
لأرافق الحقيقة
على طريق اليقين
بعد شروق الشمس .
وأنت يا أنا ..
اِصغَ لعباراتي
ستدرك منها
طريقا آخر
غير طريقي
ستتعلم أن الوجود
غير موجود
واللا موجود
موجود بالفكر
خارج الزمن .
سأتكلم ..
سأريك
حشدا من الإشارات
تنطلق في كل الاتجاهات
في جسم ليل
سميك ثقيل
وفي الردهات .
اليوم ..
ليس للشمس
موطئ رِجْل بعوضة
ولا جدوى من التطهر
فالذي وقع أمس في التراب
يغتسل اليوم بالوحل
والحمير
تفضل القش
على الذهب .
اليوم ..
نصف البحر
تحول إلى تراب
ونصفه الآخر
إلى بخار .
أما نحن ..
فموجودون
وغير موجودين .
اليوم ..
على محيط الدائرة
اختلطت البداية
بالنهاية .
ومن الأفضل
أن نخبئ عوَزَنا
لتبقى ثروتُنا
يقرضها فئران
ما دام ليس بيننا
قط أجوَدُ .
Assif 10
******
لامع أنت أيها الليل
تائه حول الأرض
وأنا هنا ..
لا يهمني من أين أبدأ
ما دام أن لي
عودة إلى هنا
لأرافق الحقيقة
على طريق اليقين
بعد شروق الشمس .
وأنت يا أنا ..
اِصغَ لعباراتي
ستدرك منها
طريقا آخر
غير طريقي
ستتعلم أن الوجود
غير موجود
واللا موجود
موجود بالفكر
خارج الزمن .
سأتكلم ..
سأريك
حشدا من الإشارات
تنطلق في كل الاتجاهات
في جسم ليل
سميك ثقيل
وفي الردهات .
اليوم ..
ليس للشمس
موطئ رِجْل بعوضة
ولا جدوى من التطهر
فالذي وقع أمس في التراب
يغتسل اليوم بالوحل
والحمير
تفضل القش
على الذهب .
اليوم ..
نصف البحر
تحول إلى تراب
ونصفه الآخر
إلى بخار .
أما نحن ..
فموجودون
وغير موجودين .
اليوم ..
على محيط الدائرة
اختلطت البداية
بالنهاية .
ومن الأفضل
أن نخبئ عوَزَنا
لتبقى ثروتُنا
يقرضها فئران
ما دام ليس بيننا
قط أجوَدُ .
Assif 10
******
من خلال هذه القراءة المتواضعة سأركز على المحاور التالية :
·
العنوان : يبدو أن الكاتب تعمد استعمال صيغة
النكرة " طريق متعرج" وهذا يدل على أنه ليس هناك طريق واحد بل طرق
متعددة متعرجة وهذا فقط واحد من بينها ، كما تعمد استعمال "متعرج " ولم
يقل "منعرج" ..
وكلمة " متعرج " تعني " الانعطاف والميل ، كما أن التعرج هنا مقصود وبفعل فاعل بهدف حجب الوضوح في الرؤية وخلق
صعوبات وعراقيل تحول دون الوصول إلى الهدف
المراد تحقيقه بشكل مباشر ، فالمنعرجات دائما تشير إلى صعوبة المسالك وترافقها
إشارة " خطر ".
وإذا كانت القاعدة الرياضية تقول "أقصر مسافة بين نقطتين هي خط مستقيم
" فحين تتعذر هذه "الاستقامة" نتيه في المنعرجات التي تستنزف
ذواتنا بدنيا ونفسيا وتستنزف وقتا ثمينا
كان يمكن توظيفه لأغراض أخرى، مع
عدم وجود ضمانات على الوصول إلى الهدف من عدمه .
·
زمن النص : الليل ، والليل كان دائما ولازال
للشعراء ، للفلاسفة والمفكرين عموما زمنا للاختلاء بالذات ومساءلتها ، للتأمل ، للتدبر ، للغوص بحثا عن كنه الأشياء
، والنظرة إلى الأمور خلال الليل تختلف تماما عن مثيلتها في النهار ..وقد وصفه
الشاعر هنا بنعتين " لامع " وتائه "
واللمعان يمكن أن يكون حقيقيا بحكم النجوم
التي تتلألأ في سمائه ، ويمكن أن يكون مجازيا باعتبار الإلهام والإشراقات التي
يأتي بها الليل للأدباء والشعراء على الخصوص ، كما يمكن أن يكون " تهكميا "
ironique لأنه سيعود فيما بعد ليقول عنه " ثقيل وسميك ".. والسمك والثقل
يحجبان اللمعان طبعا .
أما الصفة الثانية فهي التيه ، والتيه حالة من الحيرة
والضياع والبحث عن الذات .
·
مكان النص : " أنا هنا " وهذه
ال"هنا" يمكن أن تدل على مكان حقيقي ، كما يمكن أن تعني مكانا افتراضيا
غير محدد ، تدور فيه الذات الشاعرة في حلقة ماتكاد تصل إلى نهايتها حتى تعود إلى
نقطة البداية من جديد . لذلك بدأ الشاعر يتعامل مع هذه النقطة بنوع من اللامبالاة
ويركز على هدف أرقى وأهم وهو "مرافقة الحقيقة على طريق اليقين " ،
الحقيقة المؤكدة بعد أن ينجلي ظلام الليل وتشرق الشمس .
·
الذات
المخاطبة : " أنت ياأنا " والخطاب هنا يهم كل شخص ينتمي إلى محيط الشاعر
ويعيش نفس ظروفه ، يرى فيه ذاته ويتقاسم معه معاناته وهمومه اليومية ، يتوجه إليه
بخطاب قوي ، بصيغة الأمر " اصغ لعباراتي " لابهدف فرض هذه
العبارات على الآخر قصد تبنيها - وأؤكد هنا على "الآخر " دون الغير
لأنه المستهدف بالأساس - بل لأنها ستفتح
له أفقا للتأمل ، ليدرك أن ليس هناك مطلق ، فما يبدو موجودا بالنسبة للبعض غير
موجود بالنسبة للآخر، وماهو غير موجود في الواقع يمكن أن يكون موجودا في دواخلنا ، في الأفكار التي نحملها والقيم التي نتبناها ،
ونسعى لتحقيقها حفاظا على الانسجام مع الذات ومع المواقف خارج حدود الزمان والمكان ...
وهذه دعوة ضمنية إلى تبني الفكر العلمي الذي يؤمن
بالنسبية ، ونبذ الأفكار المطلقة النابعة من التطرف الفكري والديني ورفض الآخر والمختلف .
ويؤكد على مايقول بالاستشهاد " سأريك " بعدة إشارات التقطها من الواقع المعيش الذي غاب
فيه النور وطغى عليه الظلام فصار ثقيلا سميكا :
-
"هناك من وقع في التراب ويغتسل اليوم بالوحل" وهنا يرمز إلى الذي اختار طريقا مخالفا تماما
لما تمليه الأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية النبيلة بهدف تحقيق مصالح مادية صرفة
، وهذا لاأمل فيه فالحاضر ليس دائما قادرا على تدارك أخطاء الماضي وتصحيحها "
ليس هناك موطئ رجل بعوضة لنور الشمس / لاجدوى من التطهر "...
-
" نصف البحر تحول
إلى تراب ونصفه الآخر إلى بخار " والبحر هنا يرمز إلى المجتمع الذي انقسم نصفين : نصف مادي تحركه
وتحكمه الإغراءات والمصالح المادية ونصف آخر عدمي ألغى وجوده بمواقفه السلبية ..
" نحن
موجودون وغير موجودين " ، وهذه الفئة إذا وجدت جسدا فهي غائبة فعلا وممارسة ،
تدور داخل حلقة مفرغة " اختلطت فيها البداية بالنهاية " ، لاهي قادرة على تقبل الوضع الجديد والاندماج
داخل منظومة القيم التي فرضتها متغيرات
كثيرة اقتصادية ، سياسية ، فكرية ... وانعكست على المجتمعات بقوة ، ولاهي قادرة
على إعلان رفضها وتمردها على هذا الواقع الجديد والارتقاء به من موقف إلى فعل .
ثم يخرج الشاعر من " التعويم " ليعلن عن موقف
شخصي من هذا الواقع " إذ فضل التواري وترك " الفئران " ويعني بهم
ناهبي خيرات البلد " ليقرضوا "
ويستمروا في نهب هذه الثروات التي يمكن أن تكون رأسمالا ماديا أحيانا أو لاماديا
أحايين أخرى ، مادمنا لانمتلك الشجاعة على
مواجهتهم والوقوف في وجه ممارساتهم ووضع حد لها
" مادام ليس بيننا قط أجود " وبذلك نستحق مايحدث لنا .
نص تأملي عميق ،
قوي ، غني بالرموز والإيحاءات التي تتطلب الوقوف والتوقف عندها طويلا ، نقد لاذع حد القدح أحيانا ، لأوضاع مجتمع غلب عليه الاستغلال
و استشرى فيه الفساد لدرجة التطبيع معه ، صيغ
باحترافية عالية ليست عزيزة على مبدع وناقد قدير ، لكن نبرة التشاؤم والتسليم بأمر واقع دون الدعوة إلى محاولة
تغييره أرخت بظلالها على النص.
تحيتي وتقديري.
**********
أمينة نزار
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.