jeudi 27 avril 2017

قراءة في قصيدة " طريق متعرج " للمبدع أسيف حسن // أمينة نزار // المغرب


طريق متعرج
******
لامع أنت أيها الليل
تائه حول الأرض
وأنا هنا ..
لا يهمني من أين أبدأ
ما دام أن لي
عودة إلى هنا
لأرافق الحقيقة
على طريق اليقين
بعد شروق الشمس .
وأنت يا أنا ..
اِصغَ لعباراتي
ستدرك منها
طريقا آخر
غير طريقي
ستتعلم أن الوجود
غير موجود
واللا موجود
موجود بالفكر
خارج الزمن .
سأتكلم ..
سأريك
حشدا من الإشارات
تنطلق في كل الاتجاهات
في جسم ليل
سميك ثقيل
وفي الردهات .
اليوم ..
ليس للشمس
موطئ رِجْل بعوضة
ولا جدوى من التطهر
فالذي وقع أمس في التراب
يغتسل اليوم بالوحل
والحمير
تفضل القش
على الذهب .
اليوم ..
نصف البحر
تحول إلى تراب
ونصفه الآخر
إلى بخار .
أما نحن ..
فموجودون
وغير موجودين .
اليوم ..
على محيط الدائرة
اختلطت البداية
بالنهاية .
ومن الأفضل
أن نخبئ عوَزَنا
لتبقى ثروتُنا
يقرضها فئران
ما دام ليس بيننا
قط أجوَدُ .
Assif 10


******

من خلال هذه القراءة المتواضعة سأركز على المحاور  التالية :
·         العنوان : يبدو أن الكاتب تعمد استعمال صيغة النكرة " طريق متعرج" وهذا يدل على أنه ليس هناك طريق واحد بل طرق متعددة متعرجة وهذا فقط واحد من بينها ، كما تعمد استعمال "متعرج " ولم يقل "منعرج" ..
وكلمة " متعرج " تعني  " الانعطاف والميل ، كما أن  التعرج هنا مقصود  وبفعل فاعل بهدف حجب الوضوح في الرؤية وخلق صعوبات  وعراقيل تحول دون الوصول إلى الهدف المراد تحقيقه بشكل مباشر ، فالمنعرجات دائما تشير إلى صعوبة المسالك وترافقها إشارة " خطر ".
وإذا كانت القاعدة الرياضية تقول "أقصر مسافة بين نقطتين هي خط مستقيم " فحين تتعذر هذه "الاستقامة" نتيه في المنعرجات التي تستنزف ذواتنا بدنيا ونفسيا وتستنزف وقتا ثمينا  كان يمكن توظيفه  لأغراض أخرى، مع عدم وجود ضمانات على الوصول إلى الهدف من عدمه .
·         زمن النص : الليل ، والليل كان دائما ولازال للشعراء ، للفلاسفة والمفكرين عموما زمنا للاختلاء بالذات ومساءلتها  ، للتأمل ، للتدبر ، للغوص بحثا عن كنه الأشياء ، والنظرة إلى الأمور خلال الليل تختلف تماما عن مثيلتها في النهار ..وقد وصفه الشاعر هنا بنعتين " لامع " وتائه "
    واللمعان يمكن أن يكون حقيقيا بحكم النجوم التي تتلألأ في سمائه ، ويمكن أن يكون مجازيا باعتبار الإلهام والإشراقات التي يأتي بها الليل للأدباء والشعراء على الخصوص  ، كما يمكن أن يكون " تهكميا " ironique لأنه سيعود فيما بعد ليقول عنه " ثقيل وسميك ".. والسمك والثقل يحجبان اللمعان طبعا .
أما الصفة الثانية فهي التيه ، والتيه حالة من الحيرة والضياع والبحث عن الذات .
·         مكان النص : " أنا هنا " وهذه ال"هنا" يمكن أن تدل على مكان حقيقي ، كما يمكن أن تعني مكانا افتراضيا غير محدد ، تدور فيه الذات الشاعرة في حلقة ماتكاد تصل إلى نهايتها حتى تعود إلى نقطة البداية من جديد . لذلك بدأ الشاعر يتعامل مع هذه النقطة بنوع من اللامبالاة ويركز على هدف أرقى وأهم  وهو  "مرافقة الحقيقة على طريق اليقين " ، الحقيقة  المؤكدة  بعد أن ينجلي ظلام الليل وتشرق الشمس .
·         الذات المخاطبة : " أنت ياأنا " والخطاب هنا يهم كل شخص ينتمي إلى محيط الشاعر ويعيش نفس ظروفه ، يرى فيه ذاته ويتقاسم معه معاناته وهمومه اليومية ، يتوجه إليه بخطاب قوي ، بصيغة الأمر " اصغ لعباراتي " لابهدف  فرض  هذه العبارات  على الآخر قصد تبنيها  - وأؤكد هنا على "الآخر " دون الغير لأنه المستهدف بالأساس  - بل لأنها ستفتح له أفقا للتأمل ، ليدرك أن ليس هناك مطلق ، فما يبدو موجودا بالنسبة للبعض غير موجود بالنسبة للآخر، وماهو غير موجود في الواقع يمكن أن يكون موجودا  في دواخلنا  ، في الأفكار التي نحملها والقيم التي نتبناها ، ونسعى لتحقيقها حفاظا على الانسجام مع الذات ومع المواقف خارج حدود الزمان  والمكان ...
وهذه دعوة ضمنية إلى تبني الفكر العلمي الذي يؤمن بالنسبية ، ونبذ الأفكار المطلقة النابعة من التطرف الفكري والديني  ورفض الآخر والمختلف .
ويؤكد على مايقول بالاستشهاد " سأريك "  بعدة إشارات التقطها من الواقع المعيش الذي غاب فيه النور وطغى عليه الظلام فصار ثقيلا سميكا :
-          "هناك من وقع في التراب ويغتسل  اليوم بالوحل"  وهنا يرمز إلى الذي اختار طريقا مخالفا تماما لما تمليه الأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية النبيلة بهدف تحقيق مصالح مادية صرفة ، وهذا لاأمل فيه فالحاضر ليس دائما قادرا على تدارك أخطاء الماضي وتصحيحها " ليس هناك موطئ رجل بعوضة لنور الشمس / لاجدوى من التطهر "...
-          " نصف البحر تحول إلى تراب ونصفه الآخر إلى بخار " والبحر هنا يرمز  إلى المجتمع الذي انقسم نصفين : نصف مادي تحركه وتحكمه الإغراءات والمصالح المادية ونصف آخر عدمي ألغى وجوده بمواقفه السلبية ..
 " نحن موجودون وغير موجودين " ، وهذه الفئة إذا وجدت جسدا فهي غائبة فعلا وممارسة ، تدور داخل حلقة مفرغة " اختلطت فيها البداية بالنهاية "  ، لاهي قادرة على تقبل الوضع الجديد والاندماج داخل منظومة القيم  التي فرضتها متغيرات كثيرة اقتصادية ، سياسية ، فكرية ... وانعكست على المجتمعات بقوة ، ولاهي قادرة على إعلان رفضها وتمردها على هذا الواقع الجديد والارتقاء به من موقف إلى فعل .
ثم يخرج الشاعر من " التعويم " ليعلن عن موقف شخصي من هذا الواقع " إذ فضل التواري وترك " الفئران " ويعني بهم ناهبي خيرات البلد " ليقرضوا  " ويستمروا في نهب هذه الثروات التي يمكن أن تكون رأسمالا ماديا أحيانا أو لاماديا أحايين أخرى  ، مادمنا لانمتلك الشجاعة على مواجهتهم والوقوف في وجه ممارساتهم ووضع حد لها  " مادام ليس بيننا قط أجود " وبذلك نستحق مايحدث لنا .

نص  تأملي عميق ، قوي ، غني بالرموز والإيحاءات التي تتطلب الوقوف والتوقف عندها طويلا ،  نقد لاذع  حد القدح أحيانا ، لأوضاع مجتمع غلب عليه الاستغلال و استشرى فيه الفساد  لدرجة التطبيع معه ، صيغ باحترافية عالية ليست عزيزة على مبدع وناقد قدير ، لكن  نبرة التشاؤم  والتسليم بأمر واقع دون الدعوة إلى محاولة تغييره أرخت بظلالها على النص.
تحيتي وتقديري.
**********

أمينة نزار

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.