قراءتي في ديوان "متى يعود النورس؟" للشاعر المغربي عبد الحق حسيني
تحت عنوان: تشكيل شعري بلغة الألوان
ذ.بوزيان موساوي ـ وجدة ـ المغرب
صدر عن مطبعة نجمة الشرق ـ بركان المغرب (2018) ديوان شعري بعنوان : "متى يعود النورس؟" للشاعر عبد الحق حسيني. (الطبعة الأولى
الكتاب من الحجم المتوسط (61 صفحة) يحتوي على 10 نصوص شعرية.. كتب التقديم: د. محمد دخيسي أبو أسامة تحت عنوان: "في انتظار عودة النوارس.. محاكاة مصيرية.."، و كان للأساتذة الأجلاء كل من الدكتور محمد دخيسي أبو أسامة و الدكتور عبد الواحد العرجوني و الدكتور عيسى الداودي مشكورين مساهمة معنوية نيرة ليلبس الديوان حلته الأخيرة و يصل إلى عموم القراء
و لأن الأدب المغربي الحديث، لا يدور على أسماء مبدعين معينين دون غيرهم، فلقد اختار عبد الحق حسيني أن يخوض غمار تجربة "النورس" غير آبه بكل ذلك الحضور الذي سجله و يسجله النورس في الأدب العالمي و المحلي
و لأن الشيء بالشيء يذكر، لا بد من الاشارة إلى أن النّورس قد احتّل مكانة عند الأدباء والشّعراء، فكان يرمز عندهم للتّرحال، والشوق، والوحدة... و من روائع النماذج، مسرحية "طائر النورس" للأديب العالمي الروسي أنطوان تشيكوف، لتشابه رمزية النورس في الكتابين( ديوان عبد الحق حسيني و مسرحية تشيكوف... .) ولقد كان من ضخامة ذلك النجاح (يقول ذ. إبراهيم الرعس )، أن مسرح الفن في موسكو جعل من صورة النورس شعاراً له، لا يزال قائماً حتى اليوم .. مع اختلاف جوهري في المصير: عند تشيكوف ينتهي النورس دائماً ضحية لرصاصة صياد يوقع به، ليريه - مواربة - ان الحرية كلها قد لا تساوي اكثر من ثمن رصاصة حقيرة. ومن الواضح ان استخدام تشيكوف لرمز النورس هنا لم يكن صدفة: كان يريد ان يقول لمن يحب ان يسمعه ان الحياة نفسها بتطلعات اصحابها، ليست أكثر من حلم سيأتي الواقع ليحطمه.. و عند عبد الحق حسيني، عودة النورس ممكنة
"لا تلمني إن خفت شرودك
بين قوافل الطيور النازحة
فاليوم قرت عيني برؤيتك
تطرق بابي مع العائدين." (من نص "عودة". ص59 )
و النورس عند عبد الحق حسيني كناية يرمز لانسان حقيقي قريب من شاعرنا الذي كتب أن العمل "منبثق عن تجربة شخصية"، و أهداه أيضا "لكل من يعيش تجربة هجرة أحد اقاربه أو شخص عزيز عليه (إهداء و شك. ص. 60 )
و لقد اخترنا مقاربة الديوان ـ هنا ـ بالنظر إليه على أنه تشكيل شعري بلغة الألوان
:1 ـ التشكيل باللغة الشعرية
:قراءة لرمزية النورس كعنوان للتحليق بعيدا لأجل الانعتاق و الحرية، يجعلنا نتساءل
ـ هل اللغة الشعرية في الديوان أداة تحرر من قيود التخلف و الفقر و العقد؟
ـ هل تحررنا اللغة بصيغة الجمع في مجتمعنا؟ أم، لم تعد وسائل تعبيرنا تحررنا من ذواتنا؟
:نقرأ
"أرسم بعدك الاشتياق
أرسم
أمحو، ثم أرسم (...)
كل هذا أرسمه بأصابعي
فوق حبات رمل
تنسفها أول موجة من غضب." (من نص "اشتياق" ص. 41)
تحت عنوان: تشكيل شعري بلغة الألوان
ذ.بوزيان موساوي ـ وجدة ـ المغرب
صدر عن مطبعة نجمة الشرق ـ بركان المغرب (2018) ديوان شعري بعنوان : "متى يعود النورس؟" للشاعر عبد الحق حسيني. (الطبعة الأولى
الكتاب من الحجم المتوسط (61 صفحة) يحتوي على 10 نصوص شعرية.. كتب التقديم: د. محمد دخيسي أبو أسامة تحت عنوان: "في انتظار عودة النوارس.. محاكاة مصيرية.."، و كان للأساتذة الأجلاء كل من الدكتور محمد دخيسي أبو أسامة و الدكتور عبد الواحد العرجوني و الدكتور عيسى الداودي مشكورين مساهمة معنوية نيرة ليلبس الديوان حلته الأخيرة و يصل إلى عموم القراء
و لأن الأدب المغربي الحديث، لا يدور على أسماء مبدعين معينين دون غيرهم، فلقد اختار عبد الحق حسيني أن يخوض غمار تجربة "النورس" غير آبه بكل ذلك الحضور الذي سجله و يسجله النورس في الأدب العالمي و المحلي
و لأن الشيء بالشيء يذكر، لا بد من الاشارة إلى أن النّورس قد احتّل مكانة عند الأدباء والشّعراء، فكان يرمز عندهم للتّرحال، والشوق، والوحدة... و من روائع النماذج، مسرحية "طائر النورس" للأديب العالمي الروسي أنطوان تشيكوف، لتشابه رمزية النورس في الكتابين( ديوان عبد الحق حسيني و مسرحية تشيكوف... .) ولقد كان من ضخامة ذلك النجاح (يقول ذ. إبراهيم الرعس )، أن مسرح الفن في موسكو جعل من صورة النورس شعاراً له، لا يزال قائماً حتى اليوم .. مع اختلاف جوهري في المصير: عند تشيكوف ينتهي النورس دائماً ضحية لرصاصة صياد يوقع به، ليريه - مواربة - ان الحرية كلها قد لا تساوي اكثر من ثمن رصاصة حقيرة. ومن الواضح ان استخدام تشيكوف لرمز النورس هنا لم يكن صدفة: كان يريد ان يقول لمن يحب ان يسمعه ان الحياة نفسها بتطلعات اصحابها، ليست أكثر من حلم سيأتي الواقع ليحطمه.. و عند عبد الحق حسيني، عودة النورس ممكنة
"لا تلمني إن خفت شرودك
بين قوافل الطيور النازحة
فاليوم قرت عيني برؤيتك
تطرق بابي مع العائدين." (من نص "عودة". ص59 )
و النورس عند عبد الحق حسيني كناية يرمز لانسان حقيقي قريب من شاعرنا الذي كتب أن العمل "منبثق عن تجربة شخصية"، و أهداه أيضا "لكل من يعيش تجربة هجرة أحد اقاربه أو شخص عزيز عليه (إهداء و شك. ص. 60 )
و لقد اخترنا مقاربة الديوان ـ هنا ـ بالنظر إليه على أنه تشكيل شعري بلغة الألوان
:1 ـ التشكيل باللغة الشعرية
:قراءة لرمزية النورس كعنوان للتحليق بعيدا لأجل الانعتاق و الحرية، يجعلنا نتساءل
ـ هل اللغة الشعرية في الديوان أداة تحرر من قيود التخلف و الفقر و العقد؟
ـ هل تحررنا اللغة بصيغة الجمع في مجتمعنا؟ أم، لم تعد وسائل تعبيرنا تحررنا من ذواتنا؟
:نقرأ
"أرسم بعدك الاشتياق
أرسم
أمحو، ثم أرسم (...)
كل هذا أرسمه بأصابعي
فوق حبات رمل
تنسفها أول موجة من غضب." (من نص "اشتياق" ص. 41)
عبد الحق حسيني طرح سؤالا: "متى يعود النورس؟"... و السؤال الذي نطرحه معه: و هل يعود من رحل؟ و ما هو تعريف أن يعود المغترب ليعيش هنا؟
:عن الرحيل، كتب
" لما غنيت "موطني"
لم أنتبه إلى أنك تبحث عن وطن
غير الذي رسمت لك في صباك
غير وطني
الذي ودعك
كيف لي أن أقنعك
أن الوطن رحب رحابة الكون
أن تحب من خذلك." (من نص "جراح". ص. 24)
:و نقرأ
" كل قرر مصيره عند الذهاب
لم يرسموا طريق الإياب
راحوا و في قلوبهم غريرة
غصة و حرقة". (من نص "رحيل"
العودة ممكنة عند عبد الحق حسيني، لكن ما هو تعريف أن نعيش هنا بعد العودة؟
ما الذي تغير هنا لنعود؟... الإجابة قد تطول، و مخرجها قد يحفز الرحيل من جديد
:2 ـ التشكيل تاثيث لفضاء الغياب
هندسة الديوان على شكل قصة بعناوين لنصوص في سيرورة كرونولوجية ("أحلام"، "ميلاد"، "أرق"، "جراح"، "رحيل"، "وطن"، "اشتياق"، "غربة"، "حدود"، "عودة")، هي عملية تأثيث لفضاء الغياب... فعند العارفين، تقوم "الهندسة" على ملء الفراغ بأشكال تتمثلها العين، و ترمها اليد... و لأن الفراغ الذي يسببه الغياب يتحول إلى موطن للمعاناة، فهو يتفاعل مع "الكيمياء".. و الكيمياء (معرفة) (l’alchimie) ، و ليس "كيمياء" (la chimie)، هي سحر يحول أبخس المعادن إلى ذهب.. و التشكيل (الرسم بالكلمات عند عبد الحق حسيني) غير الرسم العادي، لأنه يجمع بين "الهندسة" (كونها تؤثث الفضاء/ الفراغ)، و "الكيمياء" (كونها تخطف الأنظار بسحرها: علم و سحر يقاربان واقعا هو عينه الرداءة في فضاء مؤثث من مآس و معاناةـ لتحويله إلى جمال... كما التماثلية الرمزية التي عبر عنها الشاعر الفرنسي أرتور رامبو (Arthur Rimmbaud) في قصيدته الرائعة "كميائية الفعل" (L’alchimie du verbe)، من مجموعته "فصل في الجحيم" (Saison en enfer)
و التشكيل الشعري عند عبد الحق حسيني كتابة و إحساسا (الواقعي منه و التجريدي) مستوحى من ألوان النورس و البحر
النورس طائر مائي، يفضل شواطئ البحر... أمّا ريشه فيختلف لونه تبعاً لعمره، وللفصل من السّنة... يتلون بالوان البحر... و هل للبحر ألوان؟
البحر من ماء، و الماء لا شكل له و لا لون... تتحكم في نوعية ألوانه الفصول و الشمس و القمر و الرياح و السكينة... كما تتحكم في الوانه نظرة من يركبه، أو يناجيه أو يستمتع به... هو فضاء خارجي مرئي... و فضاء داخلي نفسي و شاعري...
و أحيانا تكون شطآنه ملهمة لذكرى عزيز أو حبيب، كما في أسطورة "بينيلوبي" في إلياذة عوليس...
:نقرأ:
"من يبعث حب النورس؟
من ذكرني من جديد؟
كي ارسم الطير البعيد
الراحل أيام العيد،" (...)
أرسم بريشته المرتعشة
كل الماضي و كل أوهامي"
(من نص "أحلام" ص.9 و 10)
:و النورس تشخيص للعزيز الراحل المغترب أحيانا
"آه نورسي، لم أنتبه
أن ريشك قد اكتمل
...أن كل شيء فيك تبدل
أن كل شيء فيك تحول.." (من نص "جراح" ص. ص. 23
:وأحيانا يكون هو الشاعر نفسه
:نقرأ
"اليوم بالذات
اليوم أخبر الحكيم أنه نسي
أن يخبرني بكل التفاصيل عما أصاب الطائر
لما شاخ وهرم
و استسلم للقدر" (من نص "وطن" ص. 35
نكتفي بهذا القدر، قراءة ممتعة أتمناها لقراء الديوان و كل إبداعات الصديق الشاعر عبد الحق حسيني
و لنا عودة
ذ. بوزيان موساوي ـ وجدة ـ المغرب
:عن الرحيل، كتب
" لما غنيت "موطني"
لم أنتبه إلى أنك تبحث عن وطن
غير الذي رسمت لك في صباك
غير وطني
الذي ودعك
كيف لي أن أقنعك
أن الوطن رحب رحابة الكون
أن تحب من خذلك." (من نص "جراح". ص. 24)
:و نقرأ
" كل قرر مصيره عند الذهاب
لم يرسموا طريق الإياب
راحوا و في قلوبهم غريرة
غصة و حرقة". (من نص "رحيل"
العودة ممكنة عند عبد الحق حسيني، لكن ما هو تعريف أن نعيش هنا بعد العودة؟
ما الذي تغير هنا لنعود؟... الإجابة قد تطول، و مخرجها قد يحفز الرحيل من جديد
:2 ـ التشكيل تاثيث لفضاء الغياب
هندسة الديوان على شكل قصة بعناوين لنصوص في سيرورة كرونولوجية ("أحلام"، "ميلاد"، "أرق"، "جراح"، "رحيل"، "وطن"، "اشتياق"، "غربة"، "حدود"، "عودة")، هي عملية تأثيث لفضاء الغياب... فعند العارفين، تقوم "الهندسة" على ملء الفراغ بأشكال تتمثلها العين، و ترمها اليد... و لأن الفراغ الذي يسببه الغياب يتحول إلى موطن للمعاناة، فهو يتفاعل مع "الكيمياء".. و الكيمياء (معرفة) (l’alchimie) ، و ليس "كيمياء" (la chimie)، هي سحر يحول أبخس المعادن إلى ذهب.. و التشكيل (الرسم بالكلمات عند عبد الحق حسيني) غير الرسم العادي، لأنه يجمع بين "الهندسة" (كونها تؤثث الفضاء/ الفراغ)، و "الكيمياء" (كونها تخطف الأنظار بسحرها: علم و سحر يقاربان واقعا هو عينه الرداءة في فضاء مؤثث من مآس و معاناةـ لتحويله إلى جمال... كما التماثلية الرمزية التي عبر عنها الشاعر الفرنسي أرتور رامبو (Arthur Rimmbaud) في قصيدته الرائعة "كميائية الفعل" (L’alchimie du verbe)، من مجموعته "فصل في الجحيم" (Saison en enfer)
و التشكيل الشعري عند عبد الحق حسيني كتابة و إحساسا (الواقعي منه و التجريدي) مستوحى من ألوان النورس و البحر
النورس طائر مائي، يفضل شواطئ البحر... أمّا ريشه فيختلف لونه تبعاً لعمره، وللفصل من السّنة... يتلون بالوان البحر... و هل للبحر ألوان؟
البحر من ماء، و الماء لا شكل له و لا لون... تتحكم في نوعية ألوانه الفصول و الشمس و القمر و الرياح و السكينة... كما تتحكم في الوانه نظرة من يركبه، أو يناجيه أو يستمتع به... هو فضاء خارجي مرئي... و فضاء داخلي نفسي و شاعري...
و أحيانا تكون شطآنه ملهمة لذكرى عزيز أو حبيب، كما في أسطورة "بينيلوبي" في إلياذة عوليس...
:نقرأ:
"من يبعث حب النورس؟
من ذكرني من جديد؟
كي ارسم الطير البعيد
الراحل أيام العيد،" (...)
أرسم بريشته المرتعشة
كل الماضي و كل أوهامي"
(من نص "أحلام" ص.9 و 10)
:و النورس تشخيص للعزيز الراحل المغترب أحيانا
"آه نورسي، لم أنتبه
أن ريشك قد اكتمل
...أن كل شيء فيك تبدل
أن كل شيء فيك تحول.." (من نص "جراح" ص. ص. 23
:وأحيانا يكون هو الشاعر نفسه
:نقرأ
"اليوم بالذات
اليوم أخبر الحكيم أنه نسي
أن يخبرني بكل التفاصيل عما أصاب الطائر
لما شاخ وهرم
و استسلم للقدر" (من نص "وطن" ص. 35
نكتفي بهذا القدر، قراءة ممتعة أتمناها لقراء الديوان و كل إبداعات الصديق الشاعر عبد الحق حسيني
و لنا عودة
ذ. بوزيان موساوي ـ وجدة ـ المغرب
*******
جزيل الشكر للأحرار الأدبية و للستاذة المبدعة أمينة نزار... لكم التوفيق و التميز... تحايا عطرة و من القلب
RépondreSupprimerكل الشكر والتقدير لكم الأديب والناقد بوزيان موساوي ...بالمزيد من العطاء والتألق
RépondreSupprimer