لم تكن جلستها على كرسيها الهزاز أمام
المدفأة أمراً طبيعياً، فالقميص الأبيض الشفاف يكشف أجزاء من جسدها المُتحرق لهفة
له، ويكشف حُمرةً ما ظنّت يوماً أنها ستحدث، هامت في جلستها أمام المدفأة الخامدة
إلا من نار مشاعرها، رجعت إلى خوالى السنين، حين كانا معاً يوم زفافهما أمام نفس
المدفأة وناره تُشعل حطبها رغم برودة الشتاء المتسربة لفؤادها الثلجي، كانت أنفاسه
تمزق شرايينها عبثاً محاولاً إيقاظ إحساسها
اهتز الكرسي إلى الأمام، فملأت كأسها ورأسها
يتدلى مع نهد وحيد أكلت التجاعيد معالمه، طالما أراد وضع رأسه بينهما دون جدوى،
قبّل جبهتها مُنتزعاً طرحة الزفاف، فعادت برأسها عنه إلى الوراء لترى كف بصيرتها
حين باتت ليلها بجواره على سرير أسود ظنه سيكون بستانه الأبيض وهو فارسها، لكن
فارسها ما زال في أحلامها وقد أخذ عروسه وطار، ورأت شفتيه المُكتنزين وهما
ملتهبتان عشقاً تناديان شفتيها في هيامٍ عذري يخجل أمام تمنّعها، والآن جفّت
شفتاها من حسرة الوقت المُنصرم، تزلزلت أحشاؤها في هذه الاهتزازة الأخيرة حين دقّ
برأسها ناقوس ذلك اليوم الذي علمت فيه بإصابتها بهذا الوحش اللعين في ذلك النهد
المرمري، وفارسها الأمير المُتوج وحصانه الأبيض قد تلاشت صورتهما ولم تعد أمامها،
بل ذلك العبد الذي طالما أحنت رأسه وأذلت كبرياء رجولته إلا أنه أبى إلا أن يترك
غرام حياته كبنت يم غارقة في أحزان الموت وظل يجابه معها سكرات الحياة المميتة حتى
انتصر لها وانتصرت به. اغرورقت عيناها حين شعرت بذراعيه القويتين تحملانها من
الكرسي الهزاز وهو يشتم مسك شعرها قائلاً لها: عيد ميلادك عيد حياتي فكل عامٍ أنتِ
حبيبتي.
********
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.