lundi 14 mai 2018

قراءة في ديوان "صيرورة الماء " للشاعر العراقي وليد حسين // محمد يونس

الاستهلال الحديث في الشعري محمد يونس

المدخل النص

صيرورة الماء لوليد حسين

شكّلت عتبة ديوان وليد حسين – صيرورة الماء – مثالا نوعياً للتفوق على التعالق بينها كنصٍّ مواز وبين المتن الشعري لكيانات النصوص إجمالا، وتلك السمة في التفوق هي تحال الى إمكان الشعر أنْ يكون أبعد من البعد العام المعهود في العتبة النصيّة، وافتراض بعد أدبي يتطور مضمون العنوان الى حدٍّ أوسع .

شكّل الاستهلال في قصائد – صيرورة الماء - تفوقاً في البناء التسلسلي الفاعل فنياً وجمالياً،ورساخة المعنى العام في كيان القصيدة، ونجد الاستهلال أكثر إقناعاً في الشعر الحديث, حيث التسلسل واضح ومتناغم ومتضامن، رغم أنّه منفصلٌ عن النص ومتصل به, وذلك المثال يفرض علينا ميزة مهمة قلّما خلت منها قصيدة وهذه الميزة تتمثل بالاستهلال الشعري حيث أنّ أغلبَ القصائد كانت فيها كثافة منحازة للبناء الأميز لشكل القصيدة والذي يدعم وضوح الاستهلال، وكان البناء لا يشتّت وضوح أو مركزة قيمة الاستهلال الشعري في قصائد وليد حسين، وكان تعدد أنواع البناء يجعل الاستهلال متماسكا ومتمثلاً بصور شعرية متوالية ومتراتبة وضامنا للصفات الثلاث للشعر إنْ تتصل مثله أو تنفصل، وتلك الميزة الفنية ليست ذات تأثير سلبي على كيان النص، بل هي تكسبه قيمة وانفتاحا على الموضوعة الشعرية، ففي قصيدة – صيرورة الماء – والتي مثلت العنوان العام للقصائد يقدم الشاعر استهلالاً يبدأ من صورة حسيّة وينتقل الى عكس واقع معناها .

صيرورةُ الماءِ

سَالتْ فوق عِشْبتِهِ

فأنْبتَ القمحُ

هناك مستوى جمالي غير تقليدي ويختلف عن المستوى الأستاطيقي العام، في استهلال قصائد – صيرورة الماء - ، والذي قد كان يتميّز ببعد نحوي اسميا أو فعليا ، أو يكون على اعتبار إنّه مفتتح نص شعري، وكما أنْ رنينه أول ما يقرع السمع، وبها سوف تعرف ميزته، والمستوى الجمالي في استهلال قصيدة النثر داخلي من خلال وظيفة المعنى في الجملة الشعرية والبعد الدلالي وبثّه الأستاطيقي، وخارجي من خلال اقتراح شكل فنيّ له أحيانا تبثّ فيه رمزيّة تنمو حتى تبلغ أكساء مظهره بها ، والشاعر هنا كان في السياق النثري أكثر حرية ولايمنعه الوزن أو القافية من التمدّد أفقياً حتى بلوغ حدود مساحة أوسع، ومن ثم يقلّص ذلك الشكل فجاة في حدود مفرة شعرية ، وهنا نرجح الأمر إلى تميّز اللغة الشعرية في السياق الشعري عضويا وحسّيّا، ففي قصيدة – لكي تبحر مع نجمة – كان الأستهلال فاعلاً حسّيّا, وحيويّاً في التعبير عن مضمون سرعان ما يتّسع.

كنجمةٍ داعَبها المساءُ

فأنسلتْ

بلا وداعٍ

يزيح وليد حسين عن مستهلّه الشعري ما يوضح لنا مساحة من مضمون النص, والتي تجعل أهم ما في القصيدة مدركاً, وإنْ كان ذلك نسبيا, لكن ذلك يجعل التلقي أيضا ينشغل بالاستهلال ويكتفي به, لذا تقنيا قد أنهم الشاعر بما يهم ويجدي, وكان مثالاً متميّزاً في سياق يبلغ به استهلاله ناصية الجمالي, وكما يبلغ به سياقات ما بعد الحداثة, والتي ترى بإن المستهلّ نص قد يمكن فصله ككيان بذاته في الأطار الشعري، بالرغم من وجوده كجزء من النص العام, ويحيلنا وليد حسين الى قصيدته – لولاك يا جدب هذي الارض – والتي تلوّح من العتبة الى استخدام لوزن شعريّ معين لنظم القصيدة .

مهما دنوتُ ..

لكي أرثيك كالطللِ

تقهقرَ النطقُ

بَانَ العجزُ في الجُملِ

هذا المقطع الاستهلالي هو نص بيان أوليّ كجزء من النص الأكبر، أو هو نص نهائي قائم بحدّ ذاته، وقد يجد المتلقي أن هذا النص ببلاغة مكتملة، وقد تتغير نسبا في تدرج النص الشعري نحو الاكتمال، لكن لايمنع تطور تلك البلاغة، ما دام هناك هدف أولي لدى وليد حسين لتطويرها .

في قصائد – صيرورة الماء - كان الاستهلال لافتاً عبر الصورة والايقاع وأنّه غالباً ما يستهلّ بأساليب الإنشاء التسلسلي والمنطقي والوضوح , والصورة قد تمركز حولها النص الشعري، ومنذ أولى القصائد اتّضح المستوى الفني للبناء والقيمة الجمالية لصورة شعرية، وفاعلية الاستهلال ثابتة برغم تنوّع إيقاع النمط الشعري فيقول الشاعر في قصيدته - والتي هي بمستهل فيه حساسية شعريّة عالية .

لم يعشق النايَ

مهما أيقظ المُدنا

حسبُ المواويلِ .. عينٌ

تذرفُ الشَجنا

إنّ تراتب المعنى بالاستهلال الشعري في قصائد – صيرورة الماء - يتوضح في مستويات ثلاث متناغمة إيقاعيا ومشتركة ايقونيا وهي ( الصيغة النحويّة- الصيغة الفنية – الصيغة الشكليّة ) ،حيث هنا تمكّن الشاعر من استغلال تلك الصيغ كصورة فنية قد تمكنه من الابتكار، ولا تنفرد قصيدة بنمط معين, فهي جميعا قد أمكنها أن توظّف الصيغ الثلاث بشكل منفرد وآخر بنيوي ، وهذا طبعا أشارة لمهارة ودقة وابتكار في بناء القصيدة, وأنا هنا لا أعلل ذلك كمنطق شعري واضح وجليّ تتحسّسه الذات الواعية للشاعر, والهادفة الى بناء متفوق, يكون المستهل وجه علاماتي سيميائي له, وفي قصيدة – يركل بقدميه الحصى – يقدم لنا الاستهلال صورة شخصية أفترضها الشاعر ليس كقناع, وانما كحقيقة مفترضة.

كلّما ..

أمعنتُ النظرَ

أصابني الذهولُ

كأن السرابَ يلفعُ وجهاً

تستقرّ الخيباتُ في صحائفِ

أعمالهِ

الشاعر وليد حسين امكنه أن يجعل من الاستهلال نصاً أوليّا هو داخل نص كلّي ، وهناك قصائد كثيرة في هذا المجال الذي تسميه جوليا كريستيفا ( البنصوصية ) أي إنّ هناك وجود نصوص متراكبة داخل النص الأساس ويمكن أنْ يقوم كلٌّ بوظيفته بانفراد وكذلك ممكن إن تكون وظيفته متصلة بباقي الوظائف , وكما هناك علاقة بين النص الأولي الذي هو استهلال وبين النص الإجمالي في السياق الشعري بتنوع أنماطه، التي يمكنها جميعا امتلاك تلك الميزة، مضافا لها ميزة الإزاحة التي مكنت الشاعر في قصائده من الابقاء على الاستهلال كنص شعري تام، حيث هو يجب أن تكون صوره الشعرية بمنطق التمام، ولا يبطل قصر ذلك النص صفته الأجناسية واحالته إلى ما يثبت تحسينه نسبيا في السياقات الفنية المتبعة في القصائد، فقصيدة – لَسْنا سوى أمّةٍ – ذات الإحالة الى وزن معين, هو بدوره يؤكد أن النص الشعري موزون أيضا.

أدري ..

بأنّك نزفٌ

سالَ مضطربا

يا سيّدَ الجُرحِ

من عينيك قد سَكبا

تنوّع إيقاع قصائد – صيرورة الماء – مثلّت بُعداً حيويّاً في الشعر وعلى الأخصّ في جانب الاستهلال الذي يتأكد فيه اتصال بين سياق اللغة والسيمياء، وإنّ المبدأ الذي يربط بينهما هو العلامة اللغوية، التي ترسم عبر ايقونات مركبة المعنى يستخدمها الشاعر في السياقات المتبعة شعريّا، وتلك العلامة في الاستهلال لها بعد أيقوني في أطار اللغة العام وآخر يشكّل حسّاً يتدرّج حتى بلوغ تمام المعنى الذي تقدّمه اللغة الشعرية على نحو مستقل . وايضا جعلها الشاعر أن نقف عند حدود الاستهلال الشعري والذي قديما كان يهتمّ به الى حدِّ كبيرٍ ويسمى باهتمام كبير( حسن الافتتاح )، وقد أهتمّ به وليد حسين بعدة توصيفات, وبسبلِ بناءٍ متعدّدةٍ، ومقومات تسعى لبلوغ ناصية السمة الجمالية في كياناتها، وفي مستهل قصيدة – محاولات في فن الهايكو – والذي هو فن اختصار النص الشعري عبر إشارة سيميائية تفترضها فلسفة ذلك الفن, والذي تحتّم فلسفته الإشارة الى الطبيعة واحد الفصول الأربعة حتميات سيميائية في كيان النص الشعري، وقد أكدّ ذلك وليد حسين في مستهلّه .

لمّا هبَّ النسيمُ

فتحَ نافذةً

يستقبلُ زفيرَ الشجرِ

أخيراً قاد وليد حسين تجربة حيويّة في مجموعة – صيرورة الماء – بتنويع إيقاعي واهتمام لصالح قيمةِ النصّ الإبداعيّة, واستغل لصالحه التطورات الحيويّة التي مرَّ بها المستهلّ الشعريّ، وخاض تجربةً ناجحةً في ذلك السياق 

*******

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.