mercredi 6 juillet 2022

مسيو أماس (6) // أحمد البحيري // مصر


الذين يخططون للمدينة لا تراهم السابلة. ربما يظنون معرفتهم، وأغلب ما يعرفونه كسحب عابرة. وهم فى العادة أربعة صنوف. أكثرهم صيتا أهل السلطة الذين يلوحون بالكفوف. يعقبهم الذين يعارضونهم ، حيث يلزم الطبل الدفوف. أما الصنف الثالث؛ فالخفاء لديهم أولى من الظهور. أغلبهم بالجامعة ويظهرون بوقت معروف. هم أهل الاختصاص والخبرة، وبيانهم من رائحته تعرفه الأنوف. بقى الصنف الرابع؛ وهم أهل الاستخبارات. إذ لا حق لديهم فى الكلام بل السكات. ترى الدهماء صنيعهم وتدركه دون نفور أو امتعاض. ويعد ( مسيو أماس فييه) من أشهر رجالات الصنف الثالث. برزت أهميته مع بدء الألف الثالث. لا وقت لديه للتفكير بأودية الحاضر والماضي، ويعد السابلة لقاطرة المستقبل. لمع بتسعينات القرن الماضى بمشروع لازال يهيل ويتخبط. يبغى حصول العلمانين على كرسي علوم النفس وكرسى الأخلاق. هو أشبه (ببرنالد ليفى) يعتمد اللذة ويبررها فى كل سياق. لا يرضى لكلمات اللاهوت ظهورا في أروقة الجامعة، ويقبل دوما بالأضداد. ويعد كبيرا من أنصار المثليين ورمزا معروفا فى سكك اللإلحاد. عيناه الزرقاوان الفاتحتان أنا راح تبصان على جند لأجندته الزرقاء. حين يغيب اللاهوت عن النفس وعلم الأخلاق، يمكن إيهام السابلة بوهج اللذة. فالنفس بحكم الطبع تفر من العقل إلى سحب الوهم الملتفة. تجعل للرغبات جناحا يحملها إلى بعيد. وتفتش في جوارحها وتدفعها إلى مزيد. أنت بهذا الكون لتبلغ ما تبغيه من المتع؛ فلا تعب ولا قضية. ثمة طرقا غائبة لا تعرفها؛ فصدق أن المستقبل فى حريتك الشخصية. والحرية الشخصية فى عرفه لا تعنى سوى الحرية الجنسية. لكن الإشكال الأول فى نظرته يأتى من الإعصار. ثمرة تلك اللذة تأتى حتما بالأطفال. والرجل القابع في المستقبل لا يقبل فى مدينته بالأطفال. عمل على تخريب الأسرة دهرا حتى باتت للسابلة كالمهجورة. وابتكر علاقات شائنة بين الجنسين لتبقى الأسرة مقبورة. أما الإشكال الثانى لنظرته العاجزة؛ فدعوته لتخنيث الإنسان. لو عاش المرء اللذة بطبيعتها؛ فقد خسر أسانيد البرهان. والتختيث دواء حتى تبقى الأسرة فى طى النسيان. والعلم الطارد للأخلاق تخيل طرقا معقولة فى النفس الفاجرة الممسوسة. ابتكر قضايا منحرفة عبر تواريخ الأمم المعتدلة ما كانت موجودة. ثمرة ليل الكفر بأرض الأنوار انتشرت وفشت في مدن الغرب. بدأ بتخنيث الغرب وزحف على الأطراف لتطويق الشرق. يعرف أن الشرق ملاذ الأخلاق وأرض الأديان. والأبواق لديه تنامت حتى تهوى السابلة ألاعيب الشيطان. خلطت بين الحب وبين اللذة حتى ظهرت آيات العدوان. واجتهد فريقه كى تتسلط تلك الأنفس بالليل النشوان. وحصاد العقدين المنصرمين لديه ربح بأجساد النسوان. صار (السليكون والبوتكس) بتلك الأجساد دليل رهان. يمكن للأثداء المتدنية نموا بمزيد الدوران. والأرداف اليابسة تزيد وتربو على الجسد الولهان. وكذلك لو عشق الرجل التخنيث وقص رجولته يلتزم أقانيم النيران. يبقى بالمستشفى لبضع سويعات كى ينصهر الجسد بما وضعوه من الأوحال. ليصير الإنسان بليل الكفر كيانا مشغولا لا يشبه أبدا للإنسان. فيه من الأوصاف كثيرا، لكن الهوس بشخصيته يشبه فوهة البركان. والأجساد اختلفت فى هيئتها؛ فما عدت تفرق بين الرجل وسيدة القلب الحيران. تمشي تتسكع فى مشيتها بألوان فتون، حتى تخال الإنسان انسلخ من الإنسان. وإذا جلت بعتمات الليل بأرض الأنوار، رأيت الفتنة تسكن أعوان الدجال. جسد يهتز من الإلية والأرداف يموج غراما لا تفهمه ويرغب في استقبال. تهتز الأثداء على إيقاع كعوب الأحذية العالية، ولا تدري أن مريد المتعة رجل ينهار. أى خراب حل من الصنف الثالث من أجهزة الحكم بتلك الأعوام؟ وما الهدف لديهم في دعم وتكبير الجنس الثالث؟ كم صاروا يلتمسون المليار الأحمر بوصايا الشمطاء العانس؟ ولماذا تصير البؤر الداجنة مكانا لجديد الموضا والتكنولوجيا ورؤوس الأموال؟. سرق عتاة الشر البشرية ويجورون على الإنسان. والرجل القابع في المستقبل يسقط من أهل الكوكب أكثر من ثلث السكان. يبذل كل الجهد مع بطانته، ويهابون الأخلاق وينتشرون بكل مكان. ويمدون المنح المغرضة لبعض العلماء وبعض الأدباء.وبعض الحكام. وإذا وجدوا امرأة مؤمنة فى أى طريق ودوا لو يشروها وإلا فاللعنات. بهتان الزيف كماء الشلال غريق ملقاه وتكسوه العثرات. شرك للمؤمنة وتشجيع المثليين، ومن فرط الأحزان تجف العبرات. شبكتهم محكمة الأوصال تراها أنا رحت بأعلى الآفاق. وإذا وجدوا من يمكن أن يخدمهم ما تركوه ولو وصل الأمر إلى القتل أو التشريد أو الإلحاد. لكن الناس أمام حريق الشر اختلفوا بدفع الضر وتذليل العقبات. للكفر جهابذة وعتاة لا يشغلهم غير الأفكار وأهل الإيمان. كيف لحق أن يخرج فى ثوب الباطل، أو كيف تدس السم وتخترق الأركان؟. فى كل مكان تنشط فيه الأفكار خفايا لآلآف الأحوال. عين زرقاء تبص على الرواد لتستقطب منهم جندا للولهان. وإذا بلعوا الطعم وذاقوا من الشهوات، انصاعوا طواعية لطريق الخسران. بضع شهور وتراهم كالشهب تشع ضياء بسماء الارسال. تحتفل الناس بما فعلوه بعلم أو فن أو سر يلزمه الكتمان. هم علماء العصر وفنانوه وحكماؤه، وهداياهم أكثر من أن تحويها الأرقام. بوصلتهم دعم الرجل القابع في المستقبل بنهايات سانحة فى الإمكان. بدأت بالتاريخ وثنت بالتأليف وختمت بنهاياته العالم وفناء الإنسان . موسى اجتاز المرحلة الأولى وردته علامات يقين فى عقل الأنوار. انبجست عين بصيرته وصارت رؤياه تدل على سحب الجيش الجرار. أعوان الشر تراقبه فى الأقبال وفى الإدبار وفى الهمسات وفى الشطحات. كان كمن وضع القدم الأولى على سلمه ولم تصل الثانية إلى سقف العلات. فهم أن السيد أماس لم يعرفه صدفة، بل جاء إلى المكتبة ليقابله بالذات. كان يراه على الشاشة فى مكان واحد لم يتركه نحو ثمانية شهور. يجمع ذات الكتب ويفتشها ويكتب ما يهواه ولا ينشغل بأى أمور. خرج إليه من بين الأرفف بكتاب يعرفه حتى يدفعه إلى درب فضول. جلس قبالته وحياه وفى سيماه بعض حبور. بضع دقائق ويجيء أمين المكتبة يعرف كل منهما الآخر بكلام عذب معسول. وبعد دوام المكتبة وفى المقهى يرمى الطعم ويمضي كملاك مستور. لم يترك موسى حتى حدس صلاحيته لأكثر من دور. علمه كيف ينظم أحواله، ويسجل للجامعة دراسة عما أنجزه بالوقت المغمور. حيث يسير على آداب الشيخ ليفهمه ويصل إلى المعنى المشهور. حتى اللغة تساهل فيها ونصح بالترجمة لبحثه من غير بيان وظهور.. أفهمه أن الدرجة سلمه كي يندمج ويرقى بهذا المجتمع ولا ينتظر عراقيل البور. بضع شهور أخرى ويلملم موسى ما جمعته يداه لذاته دون وسائط. نذر من أسرار الشيخ الأكبر محى الدين وعاها بعقل فائض. جرب منها كثيرا، وإذا فعل اندهش وسبح لله. (مسيو أماس) لم يتفاجأ لما قرأ البحث وعرف تقاه. سقف طموحه بلغ الذروة من هذا المكار وشاغله بأحلام مناه. يؤمن فى الجوهر وتفاصيل المخبر يطمسها برماد يعرفه ويتوخاه. قال يحاوره دراستك قوية، لكن أين حظوظي مما يعجبك وتهواه؟ رد بأدب جم: لا أفهمك وأنت تجيد المعنى وترغب فى أن ينحرف القصد عن الهدف الناتج أدناه. قال وعيناه الخضراوان تضيقان قليلا: تربح بشهادتك ما يرفعك ويدفعك إلى سقف ترجوه وتتمناه. فماذا يعود على وأنت الخصم وغدرك لا يمكن أن أنساه؟. لو تتحفنى ببحث محدود عن أسفار الشيخ الأكبر وعلاقاته، صرت جديرا حقا لبلوغ الاستحقاق. أما إذا ضعت وتهت عن العين؛ فلا لوم ولا دفع لتلك الأجناد. مشيك عكس التيار يوجه كل الطرق بخطوتك إلى درب هلاك.. غابت شمس الحق، وجادت سحب الشك بآلاف الخيبات. يأتى الليل ويجلب معه، قصصا متشائمة فى درب العثرات. أسوار الماسونية عالية، وبداخلها بشر يبغى حرق المرضى بشتى صنوف الغازات. تسمع فى الأخبار بموت المرضى، ومن ينجو منهم يبقى أسيرا للبحث وللخطرات. مثل الفأر بحقل تجاربهم، وإذا خلصوا إلى ما يبغون، انتظرت جثته فوق المشرحة حتى مات. وهناك بمقهى المقصلة ألاعيب برعت فى تنشيط اللذة بمزاج منحرف دون حياء. تشرب ما تطلبه، ولما تمد النادل بالبقشيش، تراه يدل على باب الرغبات. تحت المقهى سجن بائد من أزمنة تخفى على أهل الألباب. فيه سراديب ضيقة تعجب من يدخلها بخليلته ويرتع في تلك الأجواء. وعلى طول السرداب نوافذ من أسلاك صدئة، لتمنحهم نفسا من أنفاس الإلحاد. فيها جماجم بشر، وهياكل عظمية، ورميم وتراب. شيء أقوى من السحر أو الإدمان أو الدوران بكل الطرقات. يفترس الداخل للسرداب خليلته ولا يتردد في ذلك أو يرتاب. قنع الرجل القابع فى المستقبل برزايا الكون وتقريب مسافات الأضداد. أن يضفى على الدين من علمانيته قليلا، حتى ينشأ بين الطرفين أى خطاب. ويعطى للعلمانية من تقديس الدين قليلا، لتصير بديلا ودليلا موجودا في كل كتاب. وإذا عاد إلى بيته في حى القديس الميت بعد دوام للترحال، جن وخرج عن الإطناب. فتح التقرير المنتظر بمكتبه وقرأ مليا، أخذ يفتش فيه بنذر وعذاب. يبغى عقاب المختفين عن العين، وكيف انفلتوا من الاستقطاب؟ وأعد لموسى شركا كى يجذبه إلى نادى الإخوة دون مزيد عقاب. لا يبغى أن يشتد عليه كى لا يدفعه إلى أذيته بما يعقله من أسرار الأقطاب. ويخاف إذا تفاداه إلى بطانته حتى يلحق ضررا بالأهل أو الأتراب. ولذلك أوحى لمن كفل رقابته أن يخنقه ولا يقتله؛ فقد ينفعه بيوم تغفر فيه الزلات. ندوته كانت تلتزم الدين بتلبيس مفضوح في النص وفى سبل الإدراك. هذا الوجه لدين الإسلام نريده، ونحابى من يثبته بتذليل العقبات. نجعله إمام دعاة مدينتنا ونكفل لفضيلته التمكين بآلاف الأحباب. وبيوم السبت بحسب العرف المشهور بنادى الإخوة حضر مع موسى أكثر شيعته لمعاينة الكذاب. زوجته وأرتور مع والدته، وسوغولين مع الخادمة وبعض معارفه الأنجاب. سمعوا مليا لكلام الرجل القابع في المستقبل وهو يهرطق بالأفكار ويخلط فى الأنساب. ود لو يزرع في الاسلام بذور الإلحاد، لتنمو مع الأيام وتحبل بالأرباب. لا يرغب فى الحشمة للمسلمة، ولا يرضى أن تظهر في الساحات بأغطية نقاب وحجاب. ويحرم أن يقترن الرجل بأخرى، ويسمح للشركاء الجنسيين بحدس المرتاب. ويزيل من الألواح الأسلمة بطول وعرض مدينته، ليقص من الأنفس كل صراع وجهاد. وإذا فرغ من الإلقاء أزاح الأورق ونظارته أمامه، وشرع إلى التفسير لأسئلة الرواد. نهض موسى يرد إلى الأستاذ بضاعته، ويفندها بإصرار وعتاد. راح يدافع عن ملته وهويته، حتى نهض من الصالة رجل يترجل بثبات. أخذ ال ( مايك) من بين يد الطاغوت وقال: كيف يكون الحق مع الأموات؟ هل تقتلنا اليوم لتحيينا في المستقبل، والمستقبل بطريقتك كم تحويه من الآفات؟ هذا الشاب يقول بما نعرفه، ونراه بمتن الإنجيل أو التوراة. يبدو أنك لا تذكرنى، وأنا أعمل فى حقل النفس وعلم الأخلاق. بيتى موجود بين بنايات مدينتك، أما العمل ؛ فجامعتي المتباعدة قليلا لا تحكم فيما تحكم بسراب. مكتبتى يعرفها هذا الشاب وشاهدها، لما زار الشقة حين شكوت بلا أسباب. كنت أطمئنه من تهديد سيادتك، وكان يزيح عن الكتب ما يفسدها من وسخ وتراب. فى هذا الوقت تذكر موسى ما كان بتلك الأيام السالفة؛ فصفق للأستاذ. شيعته فعلت ما يفعله وسط الدهشة من أستاذ الجامعة وما يحمله من كرم الأخلاق. وجدوا أن الحق مهما احتجب؛ فلابد بيوم أن يظهر فوق رؤوس الأشهاد. وإذا عاد إلى مجلسه فى الخلف بعيدا، قبله موسى لحسن قرائته، وانشرح لما عبر بوجه الطاغية من سحب الإرباك. ثم أشارت سوغولين حتى تسأله، عن الفرق بين التاريخ الدينى وما كانت تدرسه نداج؟ دخلت فى استهلال طال قليلا، حتى تظهر ما تقصده دون حجاب. واستأذن أرتور اليافع كى يدلى بقرائته، ويعدد ما يعقله من أفعال الله. ذكر الناسوت كما يذكره الراعى الصالح فى كنيسته، ولعن الكفار وما تجلبه من آفات. وإذا سأل وجلس نظر لأمه قلقا، حتى تفهم سيرته بما هو آت. فالولد اليافع يؤمن بالله، ويعرف ما فى التوراة وما فى الإنجيل وما فى القرآن. لم تعجبه مداخلة الرجل الجالس فى المستقبل، وخصوصا ما ذكر بشأن الإسلام. لم يخبره أحد أن الجالس فى صدر مدرجه سرق البشرية بمذاق استبداد. وضع غبارا فوق أزاهير الفطرة حتى يعطبها، ووقف لكل فضيلة بالمرصاد. وإذا ابتعد بموسى الخطو عن الشرك، شعر بأن الضوء يغيب عن النجمات. لا يعرف ماذا يصنع كى يستقطبه؟, ولماذا يصر عليه بهذا الإيحاء؟ عرض عليه العمل مع الشرطة فى أول أمره، حتى يدل الأغراب على الأحباب. يحضر جلسات التحقيق مع المنتمين لجنسيته، وإذا راحوا ذكر الصادق منهم والكذاب. رفض وغاب عن العين وصار يلاحقه، حتى ظهر مع شيعته الأوغاد. هو يعلم أن الشاب اليافع يؤمن فى داخله بإله واحد خلاق؟ يتفكر راعى الكفر الرسمى وينظر فى الرزنامة، يقرأ في الأوراق. شطب على الترتيب لعمل الشرطة، وقصد إلى التدريب على الدعوة والإرشاد. يبغى لو أوقف هذا الشاب الناهض، والجيل الصاعد أبناء الأحرار. يخشى أبناء الجيل الثالث للأسر المترابطة المنتمية للإسلام. ويخاف إذا ظهرت للدين بأرض الأنوار علامة، تقدح بالكفر وتمتدح الإحسان. لم يعجب موسى هذا العرض الهزلي، فنزع شريحة هاتفه المحمول وغاب عن الأنظار. بعد بلوغ العام الأول من حكم الاشتراكين، أخذت أحداث صنيع الجيل الثالث تبرز في الإعلام. خسر من يتوهم بوجود فوارق بالغة بين سلوك يمين الدولة و الأحزاب المتشدقة بحقوق الإنسان. ورث أهل الثانى الأول منذ شهور، وارتفعت أسماء من كشف رجالات الحكم، وحجبتها الأسوار. لكن فريق الرجل القابع في المستقبل، لم تسلب سلطته ولم يبعد عن صخب الإعلام. وإذا عادت تلك الصور الممقوتة تظهر بدعاوى التعبير وحريته، باتت ثلمة فى ثوب الإسلام. كيف يطال التجريح نبى الدين وسيرته؟، بل كيف تظل اللحمة فى المجتمع دون استئصال؟ فى هذا الوقت ازداد الجيل الصاعد حنقا، والرجل القابع في المستقبل صب الزيت على النار. دعم الأحزاب الناهضة على أنقاض الدين، واستأجر فرقا تطعن في الاسلام. لكن الجيل الثالث لم يصغ لإرشادات الحكم وما فعلوه هز الاستقرار. نسف بأغلب مدن الجمهورية عشرين كنيسا، يوم السبت صباحا وانصرفوا بعد خراب ودمار. فصلوا كاميرات التصوير بجنح الليل، ولما ظهر الفجر ألقوا بالألغام. ومع صبح السبت وصل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وبعض الوزراء لمعاينة الأحداث وتطمين الشعب المختار. نقل التلفزيون الرسمي الكارثة على أغلب قنواته، وأنحى باللوم على كتف الأطفال. والشرطة راحت تستدعيهم لتأدبهم، لكن المنتمين بحكم المولد للجمهورية ملوا الاستصغار. هم أبناء التزويج المختلط، وهويتهم تنشطر بين عروق لم يبلغها عوار. ظلوا يلتئمون بليل الحانات ويجتمعون بلا هدف كالقطعان. وإذا وقفت سيارة شرطة كى تمنعهم من أعمال الشغب، انهالوا على من فيها ضربا كالأبطال. لم تمنعهم تلك الأسلحة الموجودة معهم، و اللكمات الموجعة تناثر منها الدم بين نساء ورجال. لم تستسلم تلك الفتية لدهاقين الحكم وعمت أعمال الشغب وشاعت في صفحات الأخبار. والإرهاب الموروث من العهد البائد، عاد يلوح على أيدى العلمانين ويظهر فوق علامات النار. قالوا هذا الغول الساكن في سقف مدينتنا، هذا ما نجنيه لوجود الإسلام. لم يفصل
بين الكاتدرائية والمعبد، فالكل لديه ديار للشرك ومرتع للأوثان. جعلوا السابلة تضل ضلالا، حتى تنسخ صورا للإسلام كمعبد شيطان. والفاتورة رغم قساوتها يدفعها رجل الإسلام المعتدل الحيران. لا يفهم كيف تكر العجلة فى أولها؟, والضوء يغيب كثيرا عن عين الوسنان. فهناك الأنظار من السابلة تبص عليه، في المترو وفى السوق وفى ردهات الدكان. حين يلملم ما يلزمه من أمتعة، ويسير مع الطابور لدفع الأموال. وإذا جلس فى المتنزه أكثر من ساعة، لمح بعيدا من يرقبه بالمنظار. والتفتيش الدائم يضنيه ويزعجه، حتى يضيق ويبغى لو كفت تلك الأرض عن الدوران. كيف يعيش كمنبوذ قسري، ويرد النبذ بخلات وئام؟ تبا لأراجيف الزيف الطافحة، تبا لظلام بلاد الأنوار. تأتى الأشياء من القاع إلى السطح وتنضح بالأسرار. يلزمها الوقت لتنضج حتى يدركها العقل ويروى السائل والمحتار. والساكن حى القديس الميت، يزداد ظهورا كل صباح على موجات الإعلام. نشط مع ( برنالد ليفى)، رمز الغطرسة ودليل الاستكبار. وأخذ الأمر أكثر مما يجب حتى تظهر فيه اللحمة والبنيان. منطقهم ميثاق الجمهورية العلمانية، وتدخلهم لا يخلو من القسوة فى تطبيق القانون وتنفيذ الأحكام. تلك الوقفة خطر فادح، ينذر بمزيد من صيحات الدين ببلد علمانى المشرب والبنيان. فيه الكاثوليكي والمسلم والبوذى، وفيه جماعات تسجد للشيطان. لو ترك للغرباء المؤتلفين الحبل على الغارب فى تلك الوقفات المغرضة، لاخترب العمران. الكل أمام القانون سواسية، لا عرق ولا دين ينقص من قدر الإنسان. فالحرية الشخصية فى هذا البلد فوق التحليل أو التحريم من الأديان. لا سقف لطور العقل سوى العقل، ولا حد لحق الإنسان أو الحيوان. ثم اجتمع مرارا فى الإعلام مع أهل الإيمان وأهل الإلحاد ليخرج ببيان. جاء بنفر لا يعرفهم من مسلم، لاتدرى إن كانوا ذكورا أم أشباه النسوان. جمعوا من الدين كلاما مجتزئا، والمكتوب يبين من العنوان. نامت فى قاع الأعماق شجون، ما خرجت للسطح، بعد هجوم اللوم وتسطيح الإعلام. والأشكال انفتح وما اتصفت تلك الوقفة بالانصاف من الفرقاء المؤتلفين بحزب أو تيار . مرت فوق السطح وفى القاع الفطر النامى يعجب ذاك القابع في المستقبل بدليل الشيطان. جمع من كل تراث القدماء طلاسم للسحر، ويعرف كيف يثبط همة أغلب من يعرفهم من أهل الإيمان. يظهر في الإعلام على الرغم من الحجج المتهافتة ، رمز محبة ورسول سلام. ينقل أطواق الأمن حول مثير الشغب أنا شاء، وفى أعماق الليل تحلو ألاعيب السحر على بشر أقوى من الجان. يعتمد التأثير على القرناء بما فى خاتمه من وفق سحري لا تدركه الأبصار. بالارقام المتحابة ولوغاريتمات الجن يمكن للأوفاق السحرية أن تصبح كالقربان. خرق للناموس يراه العقل ولا تدركه نهايات الألباب. وإذا وصل إلى قرناء مثيرى الشغب بين شباب الجيل الثالث، ضل وأضل باوسمة خراب. مسيو أماس يعرف أهل الحق ولا يقوى فى حضرتهم أن يتكبد روح الاستكبار. مثل السحرة وعصا موسى، قصص يتلى بالقرآن بكل أوان. فرق شاسع بين صنيع البشر، وما فى كلمات الله من السلطان. يرتاح قليلا يأخذ نفسا، ثم يعاوده موسى ويعن على البال. تعب من هذا المخلوق ولا يحضره حتى تسوء الأحوال. بلغ حصاره من أطواق الأمن التاسع، ولم يرهب أو ينكص أو يحتار. ما بقي إلا أن يقتله، ومع ذلك يحيا بعيدا وسعيدا يجمع هالات الأنوار. رغم التضييق ومأساة فتاه، لم يهتز ولم يقبل عملا من هذا الفتان. لا يطلب من أحد شيئا، و يعرض ما يأتيه على عين بصيرته، وكم من فرق بين الشاهد والمعيان. وهناك انحاز إلى الرفض الدائم، وابتعد وضاع بدرب غياب جبار. والأحداث تناسبه وتفرزه مع السعداء البسطاء وأرباب الأحوال. قد يجد لديه حلا يجهله، تزداد به اللحمة و تقص الخيبة من قاع الأعماق. وتمر الأزمة حقا دون كراهية، فى الليل تصول وتنمو بخفاء. فالجيل الناهض هذا لا يمكن اقصاؤه، ومن يفعل ذلك ذاق كثيرا من لعنات. بعد شهور من تلك الأحداث انتشر كتاب ظهرت فيه الخيبة والخسران. خرج من الجامعة بتكليف من رأس الدولة، حتى يفهم ما يمكن أن يفعله لتحسين الأحوال. يتوقع من كل المعطيات الموجودة إضعاف الدولة، إذ دخلت من عقدين بمن فيها إلى تيه غدار. يتوقع بعد سقوط الأسرة وشيوع الجنس المنحرف، أن تظهر في الأيام علامات الخسران لا يمكن للمجتمع بأى مكان بالمسكونة أن يحيا حياة طيبة في غياب الأخلاق. ألسنة الموت تزيد عليه من الأمراض النفسية والجسدية، وترديه يجيء من عدم الإنجاب. خطر ديموغرافى تسبب فيه الرجل القابع في المستقبل وبطانته، لا يمكن أن تدفعه الأسلحة أو الدبابات. والآخر أخلاقي لبعد الفطرة عن مسكنها، نظرا لغياب الحب وآفات اللذات. لم يلتزم الخطر الداهم أرض الأنوار بمفردها، بل مدن الغرب جميعا تنتظر الويلات. رفع لرأس الدولة تقريرا مستوفيا، يطلب منه الحكمة لو عزم على تبديل الإجراءات. جعل من ثلثى الناس بأرض الأنوار عجائز، وشبيبتهم صاروا مثلين يرومون الشهوات. يسأل لو نشبت حرب والحال كذلك، من يمكن أن يقف بوجه الأعداء؟ من يمكن أن يحرس ( قوس النصر)، ويطلق للبارجة بعرض البحر رسالات استنكار؟ مهما كنا نملك من أجهزة الحرب المتقدمة، أين الجندي الصنديد المغوار؟ وإذا كانت حرب عصابات ندخلها، من يقوى على دحر المرتزقة في وجود السكان؟ القوات الخاصة لا تجد رجالا تخدمها وتؤدى عنها بأريحية تلك الأدوار. منذ أرسينا التقليد الشائن فى القارة، بتولى امرأة تسيير الجنرالات. بل منذ جعلنا المرأة وجهتنا وتمركزنا حول الأنثى، ورجولتنا تشكو الإصلاحات. عاد الرجل إلى الخلف بعيدا، حتى صار وراء المرأة والحيوان. للكلب حقوق فاقت ما للرجل كثيرا، بالغرب عموما وبخاصة بلاد الأنوار. وإذا شئنا العود إلى ما كنا عليه، لا يمكن أن نتعامى ونترك تلك الأخطار. قرأ رأس الدولة التوصية؛ فأدرك عمق المشكلة وشعر بالإحراج. كان يفكر لو مرت فترة حكمه فى أرض وسطى، بين فريق الإيمان وأهل الإلحاد. يغضب هذا وينصاع لهذا، ويمر الوقت طريا دون حجاج أو أدنى عثرات. لم يتمالك حتى اجتمع مع كل صنوف الحكم الأربعة، وفى تلك الأثناء اجتمع الوزراء. وضع أساسا لحوار مجتمعي واع، يضع كل الفرقاء على تراث القدماء. ذكر الثورة ومبادئها أمام جميع المجتمعين، وأسند ما طلب إلى بعض الوجهاء. وأعاد صياغة صف الحكم الثالث للسلطة، ليغيب السيد ( ليفى) والسيد ( أماس). فرح لذلك أبناء الجيل الثالث، سخروا منه طويلا بعد مشاهدة الأخبار. سقط وقد وضع بطريق العقل قيودا، حتى تقبل ما جاء بنظريات الاستشراق. ثم انقلب السحر على الساحر، واليوم تحول دون هلاك الشرق وأخذ يؤلف فى علم الاستغراب. وصفوه برجل الحقد الأعمى منذ توليه السلطة، وانتظروا من يخلفه على جمر النار.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.