الحصار(2) و(3) // محمد بوعمران // المغرب

الحصار/2/

لم يعد علي يهتم بأمر الوباء وخطورته وفتكه بالأرواح ،ولم تعد الأنباء التي تتناقلها وسائل الإعلام ترعبه بل أصبح تفكيره كله موجها نحو الوضع الذي أصبح عليه ...

نزل خبر الحجر الصحي على علي كالصاعقة ،حجر جعل دخله ينكمش ويصل إلى مستوى قريب من العطالة والفقر ،جرة قلم أحبطت كل أحلامه وجعلته يرى أن العالم كله متآمر عليه وعلى أسرته ويعتقد أن هناك اسبابا أخرى لهذا الحجر غير الأسباب المعلنة ...

أقسم لزوجته ذات صباح وهو يشاركها وجبة الفطور قائلا :

-والله يا رقية لو كان هذا الكوفيد اللعين شخصا لقتلته بيدي هاتين وأرحت أمثالي من الكادحين منه ...

ردت عليه رقية وهي تحاول تهدئته :

-اتق الله في نفسك يا علي ...نحن كسائر الناس ...وإذا عمت هانت ...ستفرج قريبا يإذن الله ...

نظر علي مليا في محيا زوجته الذي علته مسحة من الحزن وقال:

-الأمر يا رقية صعب ...تصوري أن مدخولنا تقلص كثيرا وما ادخرناه من مال لمدة سنوات أوشك على النفاذ ولم يعد لنا منفذ سوى هذه الإعانات التي تأتي على جزء كبيرمنها فواتير الماء والكهرباء ...

لم يكن أمام رقية وهي تستمع إلى أنين زوجها إلا أن تنزع من يديها دماليجها ،وتزيح من أذنيها الحلقات وتضعها فوق الطاولة أمام زوجها وتقول:

-اسمع يا علي ...بع هذه الحلي واستعن بها إلى حين ...

المفاجأة جعلت علي يتردد ،لكن إلحاح زوجته جعله يرضخ للأمر الواقع ...

وهو متجه إلى سوق الحلي تذكر ذلك اليوم الذي اقتناها فيه كهدايا زواج لزوجته رقية ،يومها كان دخله محترما وحقيبة نقوده منتفخة ،أحس بالإحباط وأصبح متيقنا أن الوباء لم يتسلل إلى بدنه بل قوض حياته وخرب جيبه...

******

الحصار /3

باع علي حلي زوجته رقية ،وضع المبلغ في ظرف بريدي دسه في جيبه ،وطفق عائدا إلى البيت .

كان الشعور بالحزن جاثما على صدره ،لم يكن يتصور أنه سيحتاج يوما الى بيع ما اقتناه لأسرته من أجل سد عجزه المادي ،لكن للظروف أحكامها ،وللعيش متطلباته ...

كان دخله من عمله كمحاسب في أحد الفنادق المصنفة محترما يمكنه من تغطية كل احتياجات أسرته ، لكن الحجر تخطى الحدود ،وجعل الناس يركنون إلى منازلهم ،ويغلقون أبوابها ، والدول أغلقت حدودها ،والطائرات توقفت عن التحليق وسجنت على أرضية المطارات ،كل شيء توقف إلى حين ،وكشر الوباء على أنيابه ليفتك بالبشر ،فكيف سيسلم علي وأمثاله من تداعيات كل هذه الأوضاع ...

أفكار علي تغيرت ،أصبح يعي بعمق أن مقولة "العالم قرية صغيرة" ،وأن عيشه مرتبط بالآخر ارتباطا وثيقا ، وأن ما حل بالعالم هو فعلا كارثة حقيقية ،وأصبح أمله الوحيد أن تنكشف الغمة وتعود الحياة إلى سابق عهدها قبل أن يستهلك المبلغ الذي جناه من بيع حلي زوجته رقية...

/يتبع/