تراءى لي شبحه من بعيد يخرج من عتمة الزمان..خطواته تشبه وجه الحلم القديم...بيده يمسك قنديلا ينير وسط الطريق وجنبات المكان ...أنواره الخافتة تمحو رمادية الصورة التي أمام عيني..تقدم نحوي بهدوء بالغ دون أن ينطق ببنت شفة لكن الكلمات تساقطت منه اتباعا وشردت من صمته كغزال تائه ...فلاحقتها أنا بأقصى قوتي حتى أناخت ركابها على عتبات حسي العميق ..
حينها سألتها :ما الذي أخرجك من حنايا ليلك البارد ..بلهثة من عدو السنين قالت خرجت من جوف صقيع حزنه أبحث عن مثيلاتي .. التي ضاعت في متاهات الهجر القاتل وانتست في فراغات العمر البالي ...وعند أشعة اصيلك الذهبية وهي تلامس خد البحر ارتاح خاطري وقلت هنا أجد أخواتي النائمات في حضن غروبك لأنتشلهن من خلف أسوار الرقود الطويل ومن داخل مملكة الصمت العتيدة...
في ابتسامة ساخرة نطقت الحروف بالرغم مني لتجيب تلك الكلمات التائهة المتمردة وقلت لها :
أما تعلمين أن وراء هذا الأصيل البراق المغري بجماله الأخاذ يختبئ أفق قاتل يطفئ شعاعي البرتقالي البهي فيخلفه ظلام قاتم يقبل في ثوبه الأسود كأنه في حالة حداد دائم ..يشبه ذلك الليل الدامس الذي خرجت منه باحثة عن مثيلاتك...
فقط لا تتفاءلي كثيرا فلن يخرج من أجاويف هذا الأصيل وهو يغرق في لجة الظلمة الا أشباح تتراقص خوفا أن يصدمها واقع أكثر سوادا...
أيتها الكلمات البريئة عودي إلى سمائك الرمادية المثقلة بالأحزان فالتي تبحثين عنها في دياري أشد منك رمادية.. أثخن كاهلها حزن سنين ولت وعشعش في كيانها فلا تخرج من محابري إلا وهي دامعة أو تنزف أسى ووجعا...
عودي إلى حصونك قبل أن يذوي ما تبقى من رحيقك كمدا على نظرة شاحبة تشرق من انتفاضة واحدة لكلماتي المسجاة في ثوب السكون الأبدي....
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.