samedi 4 mai 2024

خبز (قصة قصيرة) // أحمد البحيري // مصر


 قرص الشمس لم يشرق بعد لكن الرؤية واضحة، والفرن يزدحم بزبائنه كالعادة في أول الشهر، وطابور النسوة الذى لا يخلو من زعيق ولغط به ضعفا طابور الرجال. فى هذا الوقت ظهر عم مشالى يتحسس طريقه. فى يمناه عصاه التى يضربها في الأرض يمنة ويسرة أمامه، وتحت إبطه مخلة من الخيش مطوية عدة طيات، وخطوتة الوئيدة تتناغم مع صفحة وجهه المشرعة للأمام. اقترب الرجل الذى قارب الستين بجلبابه الباهت معتمدا على سمعه، تجاوز طابور الرجال وكلهم ينظر إليه، ولما تعالت الأصوات باسمه، طرح عصاه أمامه فى الهواء وصار يحركها بعنف ويقول بحدة: ( أنا أرد على مين ولا مين ؟) وضع شاب يده على كتفه وهو يقول: هذا طابور الرجال، تعالى معى للشباك مباشرة، أنت قبل الكل. لم يترك عم مشالى الشاب يتم جملته وشال يده متأففا وهو يسأل: من أنت ؟ دعك عني، ابتعد عنه الشاب وهو يضحك، لكنه لم يرفع عينيه عنه. فى هذه الأثناء اقتربت امرأة كهلة ريانة الجسد وطويلة، على رأسها شراعة فوقها الخبز الطازج برائحته الطيبة وراحت تقول للشاب وهى تضحك: لا تتعب نفسك معه، إنه يعرف ما يريد ويعرف كيف يتعامل مع الناس أفضل منك، لا تغتر بعماه ولا تراقبه حتى لا تكرهه. رد الشاب فزعا: أكرهه ! ماذا تقولين، أكره أعمى ؟ سحبت الكهلة ضحكتها ونظرت فوق رأسها وهى تقول بنبرة جد: لا تترك مكانك، خمس دقائق وأعود إليك. أغلق الشاب هاتفه ودسه فى طيات ملابسه، وظل واقفا فى آخر الصف يتقدمه من جاء بعده، ويتصفح كل ما يجود به الصباح. وكان قرص الشمس قد ارتفع قدر نخلتين وأخذت الشابورة العالقة تتلاشى، كما صارت أطيار الصبح وعصافيره تضن بأصواتها قبل رحيلها، وحده صوت السير الذى يخرج بالخبز من نيران الفرن المتوهجة يملأ المكان.

 عادت الكهلة لحمل شراعة أخرى بأرغفة جديدة بعدما تركت بطاقات التموين لعامل الفرن، وانشغلت بالشاب حتى ينادى عليها الفران. كانت من تلك النسوة اللواتي يحصلن على الخبز للغير مقابل أجر، وكانت أم سامى المسؤولة عن قطع الكوبونات للزبائن تسحب عم مشالى من يده من بين  النسوة وتجلسة بعيدا وهي تضحك وتقول: انتظرهنا .بضع دقائق فقط حتى يأتيك خبزك .قالت الكهلة للشاب: لقد أخذ غرضه سألها الشاب: وما غرضه. قالت وهى تنظر للشاب من رأسه لأخمص قدميه: النسوة، يود الاحتكاك بأجسادهن وشم رائحتها وسماع الغنج والدلال، إنه يعيش بمفرده بعدما تركه ولده المتزوج ويأتى هنا كل ثلاثة أيام من أجل ذلك لا من أجل الخبز. راح الشاب ينظر للرجل الذي يجلس القرفصاء بعدما وضع عصاه واقفة على الأرض وسندها على كتفه الأيسر وقد أخذ يسحب الدخان من سيجارته ويمجه بأريحية مفرطة دون أن يصدق ما سمع. ولما وضعوا الخبز للعم مشالى فى مخلته الخيش وهم بالانصراف، استدار الشاب فى عصبية وسبقه في ترك المكان







Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.