{ النص المانع للنص / مفتاحية بنية الاسلوب }
دراسة تحليلية عن نص ( مرآتي ) للشاعر السوري
ـ فيصل سليمان ـ
*****
(النص : ( مرآتي
ما قلت للمرآة حرفا ًواحداً
فعجبت كيف تنبهت مرآتي1
مابحت للمرآة الا بغصة
حملت حنين الطفل للحلمات2
إن جئت اسألها تبدل هيئتي
نستخرج المرأة ما في ذاتي3
او شاهدت حرث السنين بوجنتي
فانا رأيت بوجهها مأساتي
ما شانها حتى تشنف سمعها
ما شأنها فيما يخص حياتي
لو اْنها سألت لكنتُ اْجبتها
واْرحتُها من لعبة الغمزات
ماكان ضائرها رفيقة دربنا
لو انها سكتت عن الهفوات
مابحت للمرآة باسمك قاصداً
لكنها استمعت الى صلواتي
****
:قبل البدء
اجبرني هذا النص ، على البحث عن وسيلة تحليلية مبتكرة ، لدراسته بموضوعية
بعد ان اوصد معناه الظاهر/ الفوقاني ـ ابواب تأويله، كونه من نصوص (اللعبة الشعرية) و ( حِيَلِهِا) الأسلوبية التعبيرية ، التي يمارسها الناص / الكاتب ، ترفاً او
حباً في الظهور معتمداً الغرائبية الصورية (عبثيتها كما تصورتُ بدايةَ ) ، والكيفية السريالية ، في تركيبة بنيتها السيميائية ، بمألوفية شكلية ماقبلية المرجعية ( القصيدة العمودية )، ناهيك عن استهلاكية ( المرآة ) كاشارة تعددت دلالتها ، بتعدد من وظفها في منتجه الابداعي ، في التراثين الادبي العربي والانساني ،عبر التاريخين القديم والمعاصر.
ومرد ذلك الإجبار ، ورود تلكما الاشارتين ؛ ( رفيقة دربنا ) ، (إسمكِ)، في سياق النص، فهما ( مفخختان ) فجّرا في وعيي عدة تداعيات ذاكراتية ، جعلتني اعيد قراءة النص اكثر من مرة، فاكتشفت انه ( يمنع ) نصاً اخر يقبع في احشائه / تحت سطحه ، من الافصاح عن نفسه ، والمنع لغة ً يعنى
الحماية : نقول منع فلانٌ وطنَه ، أي حماه ، ويعني كذلك التحريم والحظر
نقول منعه الكلام، اومنعه من / عن الكلام ، أي حرَمَهُ اياه ، او حرمه منه ، وحظره عليه
والنص الظاهر/ المكتوب ( المتعاطى معه قرائياً ) ، مانعٌ لنص آخر، هو الذي ( يَعنيه)
الكاتب، وما سبب المنع أهو لحمايته من المصادرة من قبل ( آخر ) رافض له ، ام
لغاية اخرى، وأحد هذين المعنَيَين ، ستؤكده الدراسة ايضاً ، معززاً بحجج وشواهد موضوعية ، مرجعيتهما النص ذاته بعد إخضاعه للتفكيك وإعادة تركيب دلالاته ثانية
:الدراسة
اسلوب النص ، مرآة ناطقة تعكس وتترجم الذات الشاعرة ، بأدق قسمات خلجات اغوارها ، ومجهرية شعيرات اسرار ماهيتها ( النفس فكرية / الموقفية الوجودية ) ، بعِدّة بُنىً تعبيرية ؛ :بنية نحوية ، تركيبية ، دلالية ( آنية / تطورية ) ، صورية و صوتية وهو يخفي من قصديته اكثر مما يعلن ، ولايعترف لنا بمكنون معناه النهائي الا
بتفكيك بناه تلك .
وسابدا بالعنوان / مراتي
مرآة : دالة صرفية البنية / اسم آلة ، مشتق من الفعل / رأى، على وزن مِفعال
مقاربة مدلوله معنويا : آلة تعكس صورة من يتمرأى فيها ولاخصوصية دلالية لهذا الدالة ، حتى اذا اضيفت الى الضمائر / ياء المتكلم هنا ( مرآتي )
، فهذا الضمير يخصص ملكيتها وعائديتها فقط ، ولايفقدها عموميتها الوظيفية ، وهي بهذا لاتخرج عن معناها اللغوي المعجمي ، لذا يجب معرفة دلالتها السياقية ، لكي تفتح لنا بعض مغاليق النص باعتبارها عتبته ، وهذه مما سنحصل عليه من دلالات ، بعد ان اقوم لاحقاً بتفكيك بنى الاسلوب ذات الصلة بدراستي .
وهنا سأقوم بمقاربة قرائية لدلالات الاشارات السطحية في البنية اللغوية للنص :
يفاجئونا اسلوب النفي الصريح ( الظاهري ) بإشارته الدلالية ( ما ) في البيت
الاول ( ماقلتُ ..! )
وخلت انها مصادفة او محض استهلالية مضمونية ، الا ان تكرار النفي بداية البيت
الثاني ( مابحتُ ) الذي تكرر بدوره بدابة البيت الاخير / تكررت ( ما ) 3 مرات
مع وجود النفي الضمني ( غير الصريح ):
لو انها سالت لكنت اجبتها ( شرط متضمن معنى النفي / امتناع لامتناع ) ،
جعلني متيقناً من وجود ( قصدية ) ما لهذ النفي ، وهذا ماعززته ، الحضورية
المتواترة لتلك الاشارة ( ما ) في عموم السطح النصي ، وان بدلالات اخرى فهي
موصولة / مرتان : مافي ذاتي + فيما
استفهامية / 3مرات :ماشأنها / مرتان +ما كان
عدد مرات تكرارها هنا / 5
المقاربة القرائية
حضورية الاشارة ( ما ) ببنيتها الصورية ،في سياق نص شعري ، بتكرارية مساوية
لعدد ابياته ( مجموع تكرارها و عدد الابيات / 8 ) ، يدل على قوة حضوريتها في السياق النفسي ( الانفعالي ) للشاعر، وبحكم ان ( ما ) النافية بدلالتيها
المعنوية / الصورية
، قد أُختزنها الشاعر ذاكراتيا كإشارة انكارية دفاعية، مقابلة لمثير خارجي للقلق والتوتر (اخر) ،فقد هيمنت على بنيته ( اللاشعورية ) وراح يسقط ( صورتها / رسمها )
على باقي الدلالات النحوية المذكورة
وبتأويل ما سكتت عنه هذه المقاربة
ان تكرارية اسلوب النفي في السياق النصي دلالة على كثرة ممارسة الشاعر فعل الانكار ( وهو معنى النفي ) ،حتى تحولت تلك الممارسة الى ( عادة قهرية ) ملازمة
لبنية ذاته الاجتماعية اللاواعية / تحوّل ذلك الآخر الى ( هاجس ) توتري
وغائية الانكار هي ( نقض افكار خاطئة او افعال مرفوضة ) مقاربتهما المعنوية/ تُّهم او شكوك ، موجهة / مرسلَة من متَّهِم ( آخر ) ، الى متَّهَم بهما ( الشاعر )
وهذه المرسلة اشارة مثيرة للقلق والتوتر في روع الثاني ، فدلالتها توحي بعقاب سيوقعه الاول عليه / الحاق الاذى به
ولابد ان يكون هذا المتهِم الاخروي قوياً نافذ القول والفعل ( سلطوياً )، مهيمناً متحكماً بالواقع الحياتي للشاعر / مستلب لكيانه المجتمعي ، مما يعجز معه الشاعر ، عن مواجهته فعليا ، فيضطر للدفاع عن نفسه كلامياً بالانكار، و مع تصاعد شعوره باقتراب خطر (الاخر ) منه ، يقرر الابتعاد واعتزال الحياة الجمعية ( الانسحاب الانغلاقي على الذات ) كوسيلة احتجاجية دفاعية نفسية ( احتجاجية على ذلك الواقع المستلب كما يعتقد ، ودفاعية تجنبه مخاطر التعرض للأذاه العقابي المتوقع ) ، مما يفقده توازنه النفسي ( وفق احدى معانى هذا التوازن التي حددها علم النفس والتي تذهب الى انه ذاك التوازن بين البنية الداخلية للانسان / ذاته الحقيقية ، و البيئة الخارجية في الحياة / ذاته الاجتماعية ) ، فيقع في دوامة قلق وتوتر تصدع استقراره النفسي ، وهنا يُثار سؤال مهم
لماذا كانت التهم والشكوك توجَّه للشاعر وتحاصره ؟
والاجابة عنه : ان الشاعر لابد ان يكون قد تقاطع مع ذلك ( الاخر ) ، وتمرد على واقعه المستلب ، الذي وجده غير صالح لتحقيق ماحمله من فكراو تطلعات حياتية ، وبهذا غدا مستحقا للاتهامات بالعصيان ورفض الانصياع لإرادة الآخر السلطوية ، وصار كل مايقوله او يفعله مثار شك ورصد من قبل اعوان وعيون تلك السلطة .
ان الانغلاق على الذات ،وفقدان التوازن الداخلي ( نفسياً ـ عقلياً )، ومايجلبانه من توتر و قلق مستمرَين ، دفع الشاعر للبحث عن آلية ( تنفيسية* واستردادية** ) يفرغ من خلالها شحنات انفعالاته المقلقة ويستعيد شيئاً من سلامه الداخلي ، فلم يجد سوى ذاته المثالية***، كتعويض نفسي لاشعوري داخلي ،عن افتقاده من يشاركه همه في
واقعه الشعوري ، أو من يبثه بطمأنينةٍ ، مشاعرَه الممنوع عن التصريح بها خارج حدود سريرته ، فقد تحاشوا التقرب منه ، مخافةَ أن يُؤخذوا بجريرته ، وتسري عليهم
ذات التهم والشكوك ، ولما كانت تلك الذات مستوع رغباته ،رؤاه ، وافكاره التطلعية لما يرومه ويتمناه في الواقع ، والانقطاع اليها بالشكوى يشعره بالأمان التام ، ويخفف من قلقه ووطأة توتره الداخلي ، فقد شيَّأها له لاشعوره كائناً حياً يتفاعل مع خفايا هواجسه الملونة بالاحباط واليأس ، ويعكس أدقَّ قسمات ما يضمره في لاشعوره ، من
نوازع البحث عن خلاص ، وتوحده مع حلمه الوجودي ، وهو كائن صادق ، لايخادع
ولايوارب ، ولو اعدنا تجميع كل هذه المركبات المعنوية التي حصلنا عليها من تفكيكنا
اعلاه نحصل على دالة ( المرآة ) معلومة المدلول ، وكما يلي
مُرسّل اليها تتفاعل مع مرسِلِ صوري + تعكس اليه ماتستلمه من مرسَلاته بحيادية = مرآة
ولما كان هذا الكائن قد تشيّأ جراء إحلال الشاعر ذاته المثالية محل من يمثلون بالنسبة اليه آليةَ تنفيس واسترداد ، اذاً فان فمقاربتها الدلالية هي
ذات الشاعر المثالية = مرآة اعماقه ( النفس ـ فكرية ) = هويته الوجودية
وباضافتها لياء المتكلم تكون : مرآتي / هويتي الوجودية
وهذا هوالمعنى المخفي / التحتاني لعنوان النص
وبما ان هذه المرآة الذاتية حية عاقلة ، تحاوره وتستمع اليه ، وتتماهى مع همه وتنفعل به وله ، فقد أسقط الشاعر ، كل هذه الصفات الحية على المرآة / أنسنها
فهي تستشعر مالا يقوله
( فعجبت كيف تنبهت مرآتي)
وهي مطلعة على مافي دواخله وتظهره له
( تستخرج المرآة مافي ذاتي )
الاشارة الحدثية الدلالة ( تستخرج ) : تعني الكشف عن شئ مخبوء / مدفون
واظهاره للعلن جليا / المكافئ المعنوي لها : انها تكشف له عن ارائه وافكاره الدفينة
في اعماقه / التي طمرها في اعماق وعيه مخافة رصدها من ذلك الرفيب
وهي تستمع لدعواته :
(لكنها استمعت الى صلواتي )
الصلاة لغةً هي الدعاء
ومتلازمة (الدعاء / الاستماع اليه )،تمثل منتهى مايبعث على الامان النفسي فلا رقيباً ، يمنع الشاعر عن التصريح بما يرجوه ( يدعو للحصول عليه )
بل انها تشنف مسامعها به
( ... حتى تشنف سمعها )
واستمتاع المسامع ( معنى شنّف لغةً ) بهذه الدعوات يعني انها سارة مفرحة تثير البهجة ، ولكي تكون كذلك فلابد ان تكون (هذه الدعوات ) مؤرضنة قابلة للتلبية ( أي ذات مطالب واقعية مؤنسنة / متقاطعة مع تلك السماوية الغيبة الرجاء والمؤجلة التحقق وهذا ما تبعثه تلك الصلوات من تشنيف للمسامع ، وامتاع النفوس
وبلغ من استئناسها بما يبثه الشاعر اياها من مكنون نفسه ، انها ( تغمز ) اليه مستزيدةً
( واْرحتُها من لعبة الغمزات )
وتقرأ مايرتسم على وجنته من اثار الشيخوخة
( او شاهدت حرث السنين بوجنتي )
وترسم احزانه على محياها
( فانا رأيت بوجهها مأساتي )
نلاحظ ان البنية الاسلوبية لتحاور الشاعر مع مرآته الذاتوية يشوبها التوتر
كإنعكاس لتوتره الداخلي ( النفس ـ فكري) ، الذي ذكرناه سابقاً ، وهذا يتمثل في هاتين البنيتين الاسلوبيتين :
1ـ البنية النحوية
النفي الظاهر ، يقابله مثبت ظاهر :
ماقلتُ / تنبهتْ
مابحتُ / استمعتْ
اما النفي الضمني فقد سبق لي ان ذكرتُ مايقابله في السياق الذي ورد فيه في مطلع الدراسه اعلاه
2ـ البنية الصوتية :
نلمس بوضوح كبير هذه العلاقة المتوترة بين الحركة والسكون التي تحكم معظم
حروف النص المتجاورة وكمايلي :
( سأنتقي عينة محددة ، وبامكان القارئ التعميم )
صدر البيت الاول / ما قلت للمرآة حرفا ًواحداً
ما :الميم مفتوح / الالف ساكن( مقطع صوتي قصير مغلق)
قلتُ : القاف مضموم / اللام ساكن ( مقطع صوتي قصير مغلق ) ، التاء
متحركة ( مقطع صوتي قصير مفتوح)
مغلق / مفتوح = توتر
للمرآة : اللام الاول مكسور / الثاني ساكن ( م ص ق مغلق) ، الميم مكسور / الراء
ساكنة ( م. ص. ق. مغلق ) ،التاء المربوطة متحركة ( م ص ق مفتوح )
مغلق / مغلق / مفتوح = توتر
حرفاً : الحاء مفتوح / الراء ساكنة ( م ص ق مغلق )، الفاء مفتوحة / تنوين النصب : نون ساكنة ( مغلق )
مغلق / مغلق = كتم صوتي ، مكافئ للخوف = قلق توتري
عجز البيت الخامس :
ما شأنها فيما يخص حياتي
ما : كما مر بنا انفا ( مغلق)
شأنها : مفتوح / ساكنة ( مغلق ) ، النون مضمومة ( مفتوح ) ، الهاء مفتوحة / الالف
ساكن ( مغلق)
مغلق / مفتوح = توتر
مغلق = كتم / قلق توتري
فيما : مكسور/ ساكن ( مغلق) ، مفتوح/ ساكن ( مغلق)
مغلق / مغلق = كتم / قلق توتري
يخصّ ُ :الياء مفتوحة ( مقطع مفتوح) / الخاء مرفوعة / الصاد الاولى ساكنة (مقطع مغلق ) / الصاد الثانية مصمومة ( مفتوح)
مفتوح / مغلق = توتر / الصاد الثانية مضمومة متعلقة ب(حَيا) في ( حياتي ) اترك امر مقطعيتها الصوتية ومابعدها للقارئ
نجد مما مر ان السكون يقمع الحركة التي قبله ، ويسلبها انطلاق / امتداد، صوت
حرفها ( حتى ان توالت حركتان ) للتدليل على ذلك التأزم / التوتر ، النفسي ،
( لم اتطرق للبحر العروضي ، وآثرت التركيز على اصوات الحروف الداخلية للمفردة
باعتبارها اكثر تناغما والتصاقاً صوتياً مع اصداء التوتر النفسي الداخلي للشاعر )
واذا ما اردنا معرفة أي الحروف طغياناً على بنية المفردات النصية لوجدنا انه حرف التاء، حيث تكرر ( 39) مرة ( اسقطت حرف الالف المفردة / غير المهموزة ، الذي تكرر بنفس القدر كونه صامت )، وصوت ( التاء ) مهموس انفجاري متوقف ، لايوحي بأية مشاعرانسانية ( ماحوليات النص / معجم معاني الحروف )،و اختياره هنا كان مناسبا من قبل الشاعر لعكس اصداء ما يعتمل في روعه من مشاعر مصطرعه كلما حاول ان يهمس بها:
( مابحت للمرآة الا بغصة )
انفجرت حممها في دواخله :
( فانا رأيت بوجهها مأساتي)
لكن كل هذا الهمس والانفجاريوقفه / يخفيه الشاعر ويواريه ،حرصاً على عدم لفت انتباه
الرقيب الذي بات هاجسه مقيماً في اعماقه ( رهاب الرقيب )، واخفاؤهما يحققه صوت
الحرف ذاته فهو ( لايعبر عن اية مشاعر انسانية كما مر بنا )، مع انه يوحي للرقيب
الرهابي بتنكره واستغرابه من تطفل مرآته على خصوصيته الحياتية :
(ما شانها حتى تشنف سمعها / ما شأنها فيما يخص حياتي )
حيث يستشف من هذا الاستفهام ، انكاره وتكذيبه لما جاءت به المرآة من تطفلها على حياته وتشنيف سمعها بتاوهاته
كما انها ( اعني التاء ) هي روي القصيدة الممتدة بصوتٍ ينحدر نحو التوقف / يتلاشى ، من خلال اضافتها الى حرف هابط الامتداد صوتياً ( ياء المتكلم )، او جرِّها بالكسرة ذات الصوت المحكوم بالخمود / الانطفاء ، والاشاراتان الصوتيتان هنا تدلان على قمع النفَس وكتمه بما يقارب معنوياً ( وأد / طمر) الشاعر مرارةَ شكواه واحتجاجه ، في قرارة دواخله ، لذات السبب السابق ( عدم اثارة انتباه الرقيب او عيونه ) ، كما ان لحرفَي الميم / 21 مرة و النون / 16 مرة ، ،صوتين يحملان دلالة توجُّعية ، تعمقان الايحاء الحسي بتلك المرارة ، وهذه الحروف الثلاثة تشتت مايبعثه الحرفان المهموسان السين والصاد / 12 مرة ، من احساس مخالف
والسؤال المحوري الذي يفرض نفسه هنا : ماهو ذلك المكنون ( النفس ـ فكري) الذي طمره الشاعر في اعماق اعماقه ، ولم يبح به الا لمرآته الذاتوية تلك ..؟ ، مكنون تُعَدُّ مجرد الاشارة اليه تهمةً في عُرف الآخر السلطوي الذي يمثل الضديد الفكري لما يؤمن به الشاعر
لنبحث عن مركبات الجواب المعنوية ، من بعض الدلالات المتوفرة من هذه الاشتغالات
تفكيكية :
نبدأ بـ ( رفيقة دربنا ) الواردة في البيت :
( ماكان ضائرها رفيقة دربنا
......... لو انها سكتت عن الهفوات )
فضمير المتصل ( نا ) و بدلالة كاف المخاطبة في البيت :
( مابحت للمرآة باسمك قاصداً)
يدل على ( جماعة) هم :
الشاعر + مرآته الذاتوية + المخاطبَة بتلك الكاف
هذا الضمير المضاف لـ ( درب / دربنا )، هو اشارة لمقابل الاخر السلطوي
فمن هي صاحبة هذه ( الكاف).التي تردف الصلوات اسمها :
(لكنها استمعت الى صلواتي )
التحليل الدلالي :
صلاة : دال ،مدلوله اللغوي / طقس / فعل مقدس
اسمك :
اسم : دال مجهول المدلول ، خص بالتانيث باضافته لتلك / كاف
تركيب الدلالات:
اسمك = صلاة = فعل مقدس
بازاحة دالة المدلولين المشتركة :
اسمك = فعل مقدس ( هذا مركب معنوي اول للجواب )
وهنا يتشعب السؤال :
من هي التي كتب الشاعر لها نصاً عميقاً منعه النص الظاهر( المكتوب ) من الخروج للعلن ؟
لا توجد في النص اية اشارة لأمرأة بأية صفة ؛ حبيبة ، صديقة .. الخ ، ولا حتى على
سبيل الازاحة الدلالية ، انما هو دال حرفي ( ضمير ) لمدلولٍ لانعرف عنه
سوى انه اسم مؤنث ( بدلالة اضافة الكاف الى الاسم المجرور / بإسمكِ )
لذا ساقوم بتحليل بعض مركبات البنية السطحية للنص ، ذات الصلة بدراستي هذه وتفكيك بنيتها الدلالية، بقصدية اعادة تركيبها لتوليد مقاربة معنوية موضوعية لذلك المدلول الذي قد يمثل مفتاح ذلك النص العميق / الممنوع ،
والتفكيك سيشتغل على بعض مركبات البنى الاسلوبية بتداخلية بينها
تتطلبها الدراسة :
ـ بنية الاسلوب النحوية / اساليب النفي ( تم التطرق اليها في مطلع دراستي) ودلالاته
* اسلوب النفي الظاهر
له دلالتان معنويتان متضادتان :
1 ـ دلالة فوقانية انكارية
قصديتها : تضليل ، خداع الرقيب ( الهواجسيِّ الحلول ) في اعماق
الشاعر ( يُنظر ذات المطلع ) .
2ـ دلالة تحتانية اثباتية / نفي النفي
قصديته :عدم انكار/ تثبيت الاقرار، بوجود ذلك الفِكر المُحرَّم و ( المُجرَّم )
في اعماق الذات المثالية المرآتية
وهذا التضاد المعنوي ( الفوقاني / التحتاني ) يتمثل بالتقابلات الاتية :
ماقلتُ / قلتُ
مابحتُ / بحتُ
* النفي الضمني ( غير الصريح ) في :
( الشرط غير الجازم ) :
( لو انها سالت لكنت اجبتها ) / ( امتناع لامتناع )
ذات التضاد المعنوي والتقابل الدلالي :
لو أنها سألتْ ( معنى فوقاني ) / انها سألتْ ( تحتاني )
لكنتُ اجبتُها ( فوقاني ) / اجبتُها ( تحتاني )
* النفي المؤوَّل :
نستشعره في :
( حرث السنين بوجنتي )
الحرْث لغةً : الزرع والغرس ، وباضافتها للظرف الزماني / السنين ، ازيحت
دلالتها الى معنين
احدهما : الوهن والشيخوخة ( المعنى الفوقاني المضلل )
والآخر : التراكمية التجرباتية / المعرفية الانسانية ( المعنى التحتاني المقصود )
فاذا كان المعنى الاول يشير الى افول حياة الشاعر / نفي نضارة الشباب ،
فان المعنى الثاني يتضاد معه باشارته الى تكامل وعيه الجمعي / اثبات عنفوان حياته الفِكرية
ـ البنية الدلالية :
( مابحت للمرآة الا بغصة
حملت حنين الطفل للحلماتِ )
نتعرف هنا على افكار الشاعر، فهي حيةً التفاعل مع معاناة المحرومين ، واقعيةً الوعي
بتوقهم لإشباع حاجاتهم الانسانية التي مُنعوا عنها ، وهذا ما يكشفه معنى البيت التحتاني بعد تفكيك واعادة تركيب دلالات اشاراته :
( غصة ) : اشارة لها اكثر من دلالة لغوية ، اكثرمعانيها انسجاما مع السياق هو :
الحزن ، الالم و الهم الشديد المتواصل
وهي دلالة مقصورة بـ ( ما .. الا ) للتأكيد على ما اظهره وكشفه ( معنى باح ) الشاعر لمرآته وصفة هذه الدلالة سيكشفها تفكيك عجز البيت اعلاه ، وكما يلي :
( حملَتْ ) : اشارة فعلية ماضوية مؤكدة الحدوث ، ودلالتها مقرونة بإرادة فاعله لتمثلَ :
ـ موقفاً مسؤولاً من المحمول ادناه ( حنين ) / تحمل وزر حمله
ـ موقفاً متحدياً اعتراضياً ضد مسببه
فالدلالة المعنوية لهذا المحمول ( حنين ) موِّلدة للدلالة :
فدلالة ( الحنين ) : الاشتياق الناجم عن فقد او حرمان
تولِّد دلالة المسبب لها: المنع او القمع
المقاربة الدلالية الاولى : موقف مسؤول من الفقد والحرمان مقابل المنع والقمع
(الطفل ) : اشارة متعددة الدلالات : منها انها ظرفية زمانية معلومة ( عمر محدد السنين )
و منها ذات ازاحات دلالية متعددة، اذكر منها مايوافق قصدي التحليلي :
ـ طفولة الوعي : مزاحة عن دلالة الجهل
ـ طفولة الارادة الجمعية / الشعب : مزاحة عن السلطوية الشمولية
ـ طفولة الحرية : مزاحة عن الظلم
وبتركيب هذه الدلالات نحصل على :
طفولة الوعي + طفولة الارادة الجمعية / الشعب + طفولة الحرية = فقد و حرمان الجمعي
المقاربة الدلالية له : الهم الجمعي
فتكون المقاربة الدلالية الثانية لذاك الموقف المسؤول : موقف مسؤول من الهم الجمعي
( الحَلَمات ) : دال جمعي مفرده (حلَمة ) ، له مدلولان :
رأس الثدي ، نوع من نباتات المراعي
ويتولد من تركيب هذين المدلولين دالٌ جديد :
المدلول الاول +الثاني = الدال ( مورد / منهل )
دلالته اللغوية : مصدر اشباعي لحاجات حياتية متجددة
وتتعدد معاني هذه الدلالة ( المصدرالاشباعي ) بتعدد المعاني الازاحية للاشارة ( طفل ) اعلاه
وكما يلي :
المصدر الاشباعي لطفولة الوعي : المعرفة / مقابل الجهل
المصدر الاشباعي لطفولة الارادة الجمعية : سلطة الشعب / الشمولية
المصدر الاشباعي لطفولة الحرية : العدالة الانسانية / مقابل الظلم
تركيب دلالات المقابل :
الجهل + سلطة شمولية + الظلم = الآخر السلطوي
وباعادة تركيب ما حصلنا عليه من دلالات :
فعل ارادي + موقف واقعي مسؤول + هم جمعي + تقاطع مع الاخر السلطوي = فكر حر
وهو فكر ازاحي للفكر الشمولي
وبتأويلية مكثفة :
الفكر الحر انقلابي على نقيضه
ومن قراءة ما ركبناه من عجز البيت من دلالات تكون صفة ( غصة ) :
حزن الشديد متواصل متماهي مع الهم الجمعي
وهنا نكون قد تعرفنا التهمة التي يوجهها الاخر السلطوي للشاعر ، فهو يحمل فكراً حراً انقلابياً ازاحياً للفكر الشمولي ، وذا تاثيرية في عقول ابناء مجتمعه ، مما جعل منه خطراً حقيقياً يحيق بشمولية هيمنة الاخر السلطوي، على الوعي الجمعي ،
و يهدد فعلياً تفرده بالتحكم بواقعه الوجودي ،والشاعر يؤكد هذا الفكر و( ينفي نفيه )
في اعماق مرآته الذاتوية ، وهذا ما ساعرضه في تفكيك ثاني مركبات البنية النحوية :
ـ اساليب التوكيد ودلالته
مفهوم التوكيد لغةَ ( أسلوبٌ تُستعملُ فيه ألفاظٌ مخصوصةٌ من أَجلِ تثبيتِ معنىَ معينٍ في نفس السامع أو القارئ ، وإزالةِ ما يساورهُ من شكوكٍ حَولهُ )
وقد اكتظت البنية النحوية بشتى انواعه اهمها :
1 ـ التوكيد اللفظي ( تكرار الكلمة ) :
* تكرار الاسم ( مرآة ) / 6 مرات
* تكرار ضميرها المتصل ( ها / كما في وجهها مثلاً ) / 11 مرة
* تكرار ضميرها المستتر ( هي / فاعل مستتر للفعل تشنّف مثلا ) / 6 مرات
مجموع التكرارات = 23 مرة
2ـ التوكيد بالتقديم الجائز لما حقه التأخير :
*تقديم الفَضْلة على المفعول به / 3 مرات :
ماقلتُ للمرآة حرفاً / رأيتُ بوجهها مأساتي / مابحت للمرآة بإسمك
* التوكيد بالقصر / مرة واحدة :
مابحت للمراة الا بغصة
* التوكيد بالحروف المؤكدة ( أنَّ ) / مرتان :
لو اْنها سألتْ / لو أنّها سكتت
المجموع الكلي = 29 مرة تم تأكيد المرآة ( الذاتوية ) فيها
، وبمقارنة هذا العدد مع عدد ابيات القصيدة / 8 أبيات ، يمكننا التوصل الى هذه المعادلة الفهمية : :
التأكيد المتواصل على شئ ما / اشارة 1 = رسوخ حضوره في وعي المؤكِّد عليه/ اشارة 2
وبتعويض الاشارتين / ا و2 بما يكافئوهما من رُكنَي التوكيد في الجمل اعلاه :
ثبات حضورية المرآة الذاتوية / مستودع الفكر المضاد للاخر كما مر بنا ) في وعي الشاعر
وبمقاربة معنوية مكثفة لهذه العبارة :
للشاعر فكر حر مؤكد الرسوخ في وعيه
وبالعودة الى صاحبة (الكاف) في :
(ما بحت للمراة بأسمك قاصدا )
فقد مر بنا دلالة الجواب الاول عن السؤال المحوري في بدايات الدراسة وكما يلي :
اسمك = فعل مقدس
وبالعودة الى التاويلية المكثفة لدلالة الفكر الحر ( المذكورة اعلاه)
الفكر الحر = فكر ازاحي ومنقلب على ضديده الشمولي ، وبتفكيك معناه المؤول :
الفكر الازاحي لضديده = غاية تغييرية ايجابية + توفير المصادر الاشباعية = ثورة فكرية
ولما كانت الثورة فعلاً مُبعِد ، مُنحّي ومقصٍ.( معاني الفعل ازاح لغةً ) لنقيضه الشمولي المسبب للهم الجمعي ، فهو فعل مقدس ، لدى اصحاب هذا الهم لانه فعل خلاصي بالنسبة لهم
والمقدس لغة يعني : المعظم والمبارك المنزَّه
وبتكثيف الدلالة :
الثورة الفكرية = فعل مقدس
وبتركيب دلالة الجواب الاول اعلاه مع هذه المكثفة :
اسمكِ = فعل مقدس = الثورة الفكرية
وبحذف المعنى المشترك :
اسمك = الثورة الفكرية
وهذا هو الجواب النهائي للسؤال المحوري اعلاه
فالنص ( الممنوع ) مكتوب لهذه ( الثورة الفكرية) المحرّم عليها الافصاح عن حقيقتها في ظل وجود ( آخر سلطوي ) شمولي ، فهو يعتبرها ( تهمة ) خطيرة تلحق من يؤمن او يبشر بها وسبب منع النص الظاهر لهذا (الممنوع ) من الاعلان عن نفسه، هو من اجل حمايته من المصادرة
من قبل ذلك الآخر
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش توضيحي :
* آلية التنفيس كمايعرفه علم النفس:
هي آلية نفسية نجري من خلالها
عملية تفريغ لشحنات الانفعالات السلبية
كالغضب والقلق والحزن والخوف ، من
خلال الحديث مع أشخاص نحبهم ونثق فيهم
** الآلية الاستردادية :فهي قدرة الإنسان على
استعادة حالته الطبيعية بعد مواجهة أحداث
صعبة أو مؤلمة
*** الذات (المثالية): هي ذات تطلعية يؤمل منها أن تكون - أي تمثل - ما يطمح الفرد أن يكون أو يصبح عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــ/ باسم الفضلي ـ العراق
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.