lundi 10 août 2020

قراءة في رواية "نخلة خوص سعفها كثيف " للروائي العراقي داود سلمان الشويلي // بوزيان موساوي // المغرب

                               عن أدب الحرب و الثورات العربي الراهن

نص قراءتي النقدية التطبيقية في رواية "نخلة خوص سعفها كثيف" للروائي العراقي صديقي داود سلمان الشويلي
تحت عنوان: سؤال كتابة الرواية العربية هنا/ الآن بين بلاغة تشخيص واقع، و شعرية استشراف غد آخر.

صدرت رواية "نخلة خوص سعفها كثيف" للأديب العراقي الصديق داود سلمان الشويلي عن دار فنون للطباعة و النشر و التوزيع (جمهورية مصر العربية)؛ الطبعة الأولى سنة 2020. الكتاب من الحجم المتوسط: 175 صفحة. هذه الرواية هي ثالث عمل إبداعي أقاربه نقديا خلال السنتين الأخيرتين لداود سلمان الشويلي بعد روايتيه "أوراق المجهول"، و"التشابيه" (2019). أعفانا الكاتب من الغوص في متاهات المقاربة السيميولوجية لقراءة دلالات عنوان الرواية "نخلة خوص سعفها كثيف". لقد ذكر هذه النخلة في بدايات الجزء الأول حيث نقرأ: "كان هو حبها الأول و الأخير، و كانت هي كذلك بالنسبة له، فنزل على رأسها خبر الافتراق كالصاعقة، بل أشد وقعا (...) أغمضت عينيها ثم فتحتهما و هما يقفان تحت ظل نخلة قصيرة خوص سعفها كثيف تقع في الأرض السبخة الفاصلة بين بستان والدها و بستان والده." (ص. 17). هي فقرة قد توجِّه آفاق انتظارالقارئ العادي (الذي يقفز في قراءته على الأوراق الخارجية للنص السردي الدرامي التي تحتويها جل أعمال الشويلي) إلى اعتبار الرواية حكاية حب رومانسية. لكن، سرعان ما تتبدد هذه الفرضية لو عاد القارئ للورقة الخارجية الأولى حيث يقرأ تحت العنوان الرئيس (ص. 3): "رواية تتحدث عن ثورة تشرين الشبابية في العراق"؛ تليها ورقة الإهداء التي خصصها الكاتب لشهدائها(ص. 5).
لن أفتح القوس هنا ـ حتى لا يتشعب موضوع الخطاب ـ حول تسمية أحداث تشرين ب "الثورة"، أو ب "احتجاجات شعبية"، أو ب "المؤامرة الخارجية"، أو ب "الحرب بالوكالة"، إلخ.. كما يحلو لبعض المحللين السياسيين (كل من من موقع ولاءاته)، و ذلك لأنني أتعامل هنا الآن مع رواية، أي مع عمل أدبي إبداعي فني بامتياز تحتاج قراءته لخطاب يلائمه. و ذلك أيضا، و هنا مربط الفرس، لأن الكاتب داود سلمان الشويلي (و هو المتخصص في تحليل فن الخطاب) ضمّن هذا العمل المتميز "نخلة خوص سعفها كثيف" ما سماه "بيان الرواية" (من صفحة 7 إلى صفحة 11). أي رؤيته الخاصة كروائي و كناقد و كمُنظِّر للكتابة الابداعية عامة و لكتابة القصة و الرواية خاصة؛ مساهمةً منه للتأسيس ل "مدرسة" إبداعية أدبية و نقدية للأدب العربي الراهن.
و رغم الاستعمالات العديدة حسب السياقات لمصطلح "بيان" (معناه كفرع من علوم البلاغة؛ و توظيفه في اللغة العسكرية كما البيان الحربي؛ و حزبيا و إيديووجيا كما بيان الحزب الشيوعي لكارل ماركس)، فتوظيفه من طرف داود سلمان الشويلي يندرج ضمن الأنساق النظرية النقدية الأدبية الحديثة كما بيان السريالية لآندري بروتون، و بيان الشعر لمحمد بنيس. لكن القارئ لبيان الشويلي قد يجد له أكثر من وجه شبه من حيث المرامي و الدلالات مع "بيان الرواية الشعبوية" (Manifeste du roman populiste) لليون ليمونيي (Léon Lemonnier) الذي تزعم تيارا ما بين الحربين العالميتين نبذ من خلاله توجهات "السريالية"، و "الوجودية" و تيار "الرواية الجديدة/ موت الرواية" (مع روب غريي) في مجالات الإبداع الأدبي و الفني، بالدعوة ل "تسخير" الكتابة الروائية لخدمة قضايا الفئات المقهورة من الشعب و التعبير عن همومها و أوضاعها و طموحاتها: رواية من الشعب، و عن الشعب، و للشعب. و ربما وجدنا صدى لهذه الأطروحة في أهم "بنود" بيان الرواية لداود سلمان الشويلي حيث كتب: "سمعت في ثمانينات القرن الماضي أنّ روائيا عراقيا معروفا سُئِل يوما عن سبب عدم كتابته عن الحرب العراقية الإيرانية، فأجاب: بأنه سيكتب عنها بعد أن تسكت مدافعها و يهدأ الصخب و الضجيج (...) و أنا بالعكس منه، سأكتب عن الثورة التشرينية و هي قائمة، حارة، طازجة" (ص. 7). قد يلقى هذا الرأي دون شك أصواتا مؤيدة و أخرى معارِضة؛ كثرٌ هم الذين يتبنّون فكرة "المسافة" بين زمن الكتابة، و زمن الحكاية كما المؤرخين و الأدباء. مسافة تجرِّد (أو تقلل) من الانفعالات و الانفلاتات و ردود الأفعال العاطفية الآنية للكاتب لدى وصفه و سرده للأحداث المأساوية إثر حدوثها فعلا، و ذلك ابتغاء إمّا للموضوعية، أو لهامش الخيال الذي يكوّن أحد الميزات الرئيسة للعمل الأدبي السردي الدرامي.
يتعلق الأمر إذن في بيان الرواية لداود سلمان الشويلي هنا بإشكاليتين قديمتين جديدتين، و متنافرتين مترابطتين: مقولة المسافة من وجهة نظر نظريات الزمن الروائي، و جدلية الواقع و الخيال في الفضاء الروائي. و لنقترب أكثر من رؤية الشويلي لكلا الإشكاليتين، سنحاول و لو بعجالة (لأن حيز المقال لا يسمح) بتسليط الضوء فقط على عنصرين لا يقوم العمل الروائي بدونها: الزمكان، و الشخصيات.
أ ـ الزمكان:
ـ وحدة الزمن: من بين دعامات بيان الرواية عند الشويلي أنْ لا مسافة بين زمن الكتابة، و زمن الحكاية. نقرأ في آخر سطر من الرواية: "تمّتْ 08/12/2019"؛ هي إشارة دالة على أن الكاتب عاش و عايش الأحداث مباشرة و عن قرب منذ اندلاع شراراتها الأولى شهر تشرين (أكتوبر) حتى نهاية الرواية بداية شهر كانون الأول (دجنبر) 2019. و السؤال: هل دوّن الكاتب كلّ شيء؟ هل كان حاضرا لحظة بلحظة؟ كيف وصلت إلى آذانه كل الحوارات التي دارت بين شخصيات الرواية حتى في خلوتها، و سفرها، و عودتها، و معاناتها و نضالاتها و حياتها و موتها؟ العنصر الحقيقي الوحيد رغم نسبيته لحدود هذه النقطة من تضاعيف قراءتنا هو مطابقة زمن الكتابة لزمن الأحداث، الأمر الذي يصرح به الكاتب نفسه في بيانه: "كل ما ورد في هذا السرد هو واقع حقيقي و لكنه دخل في أتون "المخيال" (ص. 9) . و هو الشيء نفسه الذي ينطبق على توظيف المكان كما التاريخ و الجغرافيا.
ـ المكان: تتسع رقعة المكان في الرواية فيظهر بصيغة الجمع (الأمكنة)، و يُفضّل بعض النقاد تسميته ب "الفضاء الروائي". و كلما تعددت الأمكنة تعددت الشخصيات و الأحداث، و تعقدت حبكة الرواية. يلجأ بعض الروائيين المحسوبين على "الواقعية" إلى توظيف أسماء أمكنة حقيقية معروفة (أسماء المدن، و و الدول، و الجبال، و البحار، و الأودية و الصحاري، و المنتزهات، و غيرها...) بُغية إقناع القارئ بموضوعية و مصداقية "واقعية" عملهم الإبداعي. و في رواية "نخلة خوص سعفها كثيف" للأديب العراقي الصديق داود سلمان الشويلي يجد القارئ نفسه في فضاء روائي داخل أماكن معروفة إن لم نقل مألوفة (العراق، و بغداد، و الناصرية، و شارع الحبوبي، و ساحة التحرير، و المطعم التركي إلخ...). لكن، الأديب المتمرّس يعرف كما القارئ اليقظ بأن الأمكنة لا قيمة لها تُذكر كامتدادات أو كأشكال هندسية فارغة أو مؤثثة دون رابط عاطفي و وجودي و مصيري مع من يسكنها، أو يرتادها، أو مع من هجرها و يحن إليها؛ فللأمكنة رائحة كما كتبت القاصة العراقية ليلى المراني. اسم بغداد وحده قديما و حديثا و مستقبلا يعني أكثر من حلم و أسطورة و خيال و واقع؛ لذا سريعا ما تتبدد الصورة الفوتوغرافية اللصيقة بالمكان، لتعطي للخيال (خيال الكاتب) فسحة ابتكار خطاب سلاحه البلاغة لتدِبّ الحياة في شرايين الأمكنة تارة، و لتدميرها تارة أخرى، الشيء الذي يضمن جمالية العمل الأدبي كيفما بلغت درجة مأساوية أحداثه. هي الأمكنة إذن في هذه الرواية كما يراها الكاتب من زاوية وجهة نظره الخاصة محددة في الزمان و المكان و الشخص بعيون شخصيات روايته.
ب ـ الشخصيات: تمَ صقل بورتريهات شخصيات رواية "نخلة خوص سعفها كثيف" وهم في غالبيتهم شباب من خريجي الجامعات في مختلف التخصصات (حمدية، و كريم، و حسن، و ساجد، و حميد، و أحمد، و شراد، و رافد...)، لتتجاوز أسماؤها، و انتماءاتها القبلية و الجغرافية و الإثنية، و العقائدية الدينية و الإيديووجية و السياسية. شباب يؤمنون بأن الوطن هويتهم و سر وجودهم و آفاق مستقبلهم: " لم يكن "حامد" و "ساجد" و "رافد" ممن يقودون التظاهرات، أو من تنسيقياتها. فالمظاهرات بلا قيادة تذكر، و هذا ما أراده الشباب الثائر في كل المحافظات" (ص. 61). و السؤال: هل كانت مظاهرات الشباب في ثورة تشرين العراقية بلا قيادة فعلا؟ و هل وصل شبابنا العربي داخل العراق و خارجه إلى غاية هذه الدرجة من الوعي المسؤول حتى لا يحتاج لتوجيهات و لتعليمات من أخطبوطات السياسة و الفتن، الأصدقاء منه و الأعداء؟ أسئلة تخرجنا من عالم الواقع لتزج بنا في عالم الخيال الروائي كما أبدعه صاحبه. و داود سلمان الشويلي يكرّس و عن وعي و اختيار فكرة تحمل الكاتب لمسؤولية اختيار الشخصيات و ما يصدر عنها من آراء، لأنها في آخر المطاف شخصيات روائية (من ورق) تعبر عن وجهات نظر الكاتب؛ يقول في بيانه: "(الرواية) تعبير عن أفكار و أحاسيس و مشاعر و مواقف بعض الشخصيات المخلوقة من قِبَل الكاتب، و التي هي ممرّ لأفكار و أحاسيس و مشاعر و مواقف الكاتب نفسه" (ص. 7)، مع إشراك القارئ طبعا باستثمار خياله: "ان الذي تبقى لعمل "الخيال" هو ما أضافه، مضافا لما يضيفه خيال القارئ من أمور" (ص. 11).
مع تحيات نافذة النقد و الأستاذ بوزيان موساوي.






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.