dimanche 25 novembre 2018

قراءة في نص "رفات البحر" للشاعرعزالدين الصغير// أسيف أسيف // المغرب

رفات البحر
******
تكشّفتَ البحر عند الغسق بدون رفات ولا كفن...
والبحر إرب وأشلاء من حلم نسر أصلع وهدهد...
البحر أزيز طحال دم حَرقتْه شدّة لزاجة الشّمس...
والزّبد أوراق سهد وكتب تؤرّبه أوتار البوم وغربان الجنّة...
جرجرة الكبريت غسق أزرق يرقص على شفرة خنجر مشحوذ بخيوط حائط المبكى...
مدجر الدّم قد تجمّد في شرايين قيثارة 'قيصري' تُذكّر بجنازة دريوس يقودها اسكندر المقدوني...
كيف يصلك بكاء قيثارة بابل وأنت منفيٌ، مقطّع الأوصال كسمك سليمان بين أنياب دبّ أبيض...؟
زرقة الدّم منسوفة في الأوردة، لها عمق زرقة الأزرق الفاسيّ المغمور بثلوج القدس...
كيف تمزيق خلايا أوردة الحبر والأرواح مشرّدة تشاهد تقطيع قلمك الشّهيد...؟
عراجين دمع الحبيبة ثكلى تتدلّى في هيكل زنبقة مشنوقة في قضبان حقد وحشيّ...
تلبّستْك أيّها العربيّ الشّهم روح نورس... لعلّك تدجّن البحر بخفقان أجنحة صقور القصور...
والبحر لم يعد سوى خيط أزرق يشدّ بشباكه سراب عظام عبقر...
الأسد المجنّح صار مخبر صهر أعراق في ضباب الهدسن المنخور بخوار برج عجل الذّهب...
وفنّ الصّهر والتّذويب أبجديّة إبداع كيمياء هجينة وليدة عبقريّة أرواح ملكية...
انقراضك يا سيّدي يشابه إلى حدّ كبير مدافن الزّنوج والهنود الحمر حيث رُفعت أسس "وول ستريت- Wall Street" لتهجير الأرواح الحيّة إلى البرزخ...
تدمير حبرك وقلمك وجثمانك يضاجع بقايا أسُود جبال الأطلس المعروضة بمتحف لندن تظلّلها زقزقة غربان الآلهة...
تربطك بطروس البحر أيّها الإنسان الحالم نسج ألياف زنابق الإيغوريّات التي تغذّي في الفيافي صدى قيثارة هاجر الظّمأى...
لعلّ إحياء فنّ تحنيط الفراعنة سيساعدنا على تعزيز العرق العربيّ المنقرض حيّا في المتاحف الغربية...
  15/10/2018
عزالدين الصغير



يبدأ النص بمواجهة مباشرة (تكشّفتَ البحر عند الغسق بدون رفات ولا كفن) ..(والبحر إرب وأشلاء من حلم نسر أصلع وهدهد)
النتيجة : الانكسار والاحساس بالضعف..
أما قراءة النص بشكل عام فتعلن عن بيئة سردية تحكمها حركية الانكسار والنهوض ، رغم أن النص تغلب عليه الجمل الإسمية التي تٌضعِف من سيرورة الحركية . و طبيعة السرد، طرح عدة تساؤلات أثناء سيرورة القراءة ، حيث تبدأ هذه التساؤلات من جمالية العنوان وبعده السيميائي الدلالي '" رفات البحر" حيث اعتمد الكاتب على ثنائية الموت و الحياة : الرفات / البحر ..فالرفات دليل موت .. والبحر دليل حياة ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )
الحدث في النص يمكن التماسه في تصدع الذات العربية وفي غرابة الانسان في فواصل متدرجة زمانا ومكانا ..فهناك استعادات ماضوية (اسكندر المقدوني)
وهناك (مدافن الزّنوج والهنود الحمر حيث رُفعت أسس "وول ستريت- Wall Street") حيث اندحار القيم وازدواجيتها ، في منطوق وفي سياق رمزي غير مباشر ، لأن المحيط المادي للنص لا يتطرق لكل صغيرة و كبيرة ..بل ينقل لنا شذرات متلاحمة المضمون والدلالات .
لغة النص ، قدمت أحيانا أفكارها للمتلقي ، بوظيفة استكشافية استفهامية : (كيف يصلك بكاء قيثارة بابل وأنت منفيٌ، مقطّع الأوصال كسمك سليمان بين أنياب دبّ أبيض...؟)( كيف تمزيق خلايا أوردة الحبر والأرواح مشرّدة تشاهد تقطيع قلمك الشّهيد...؟)
بمعنى أن الكاتب يسأل نفسه و من خلاله المتلقي ، عن الجوانب المبهمة في بيئة النص ويستكمل النقص عن هذه البيئة ، بلغة تمثل رموزا تشير إلى الموجودات في العالم الخارجي .
في نهاية النص هناك ما يمكن تسميته ب " الإحتفاء بالحياة " (لعلّ إحياء فنّ تحنيط الفراعنة سيساعدنا على تعزيز العرق العربيّ المنقرض حيّا في المتاحف الغربية...)
وهنا يمكن القول أن الكاتب جعلنا نحتفي بالصور المعنوية و الحسية من خلال تمثيلها في الذهن على نحوٍ مبني على مجاز واستلهام خيال ..إنه الإحتفاء بالرجاء (استعمال "لعل" و بجمال الحياة ولو في المتاحف الكبرى ..
" رفات البحر " .. قراءة ثانية للنص. أتمنى أن أكون فيها متفوقا .
تحيتي
******

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.