لم نهدأ يوماً..
****
هنالك..
أفقٌ
أعلى
حيث
الملائكةُ متبتلاتٌ
يلتمسْنَ الفضلَ
.. بينهنَّ
يتّبعهنَّ الحذرُ
عند حاجزِ
الخوفِ.. والحيطةِ
في أيصالِ
الرسائلِ
بهاجسِ نزولٍ
طوعيٍّ
دون مكبراتِ
صوتٍ
وهنالك أيضاً..
حورٌ عينٌ..
ينتظرْنَ
بلهفةِ الشبق
والمضاجعةِ
لاجسادِ دواعش..
متطايرة
من قوةِ العصف
لا يرتديْن
الحجابَ الاسلامي
ولا يتورطن
بأبداء الرغبةِ
للخاطباتِ
اللواتي يقمْن
بعرض الصور
على الذكور
لا يشغلهنَّ سوى
انتظارٍ محمومٍ
للفاجعةِ
وهنا
نساءٌ يترمّلْن
واعمارُهنَّ
كعمر عبير الوردِ
لهنّ أقدارٌ..
مرّت
بين اصابعهنّ
كاضغاث احلامٍ
واستقرت فوق
روؤسهنّ.. الكارثةُ
وهنا أيضاً
امرأةّ من طرازٍ
نادرٍ
تضعُ الله على
مقربةٍ
من دكةٍ
ليلهمها الصبرَ
على المصيبةِ
ما شطت بالقول
ووحيدها بيدها
تقلّبهُ.. تعمّده
بماء الطهرِ
ترسلهُ الى رقدته
الاخيرة
الشهداءُ ابناءُ
الالهةِ
لايغتسلون
لكنها تخشى عليه
الدود
والدودُ لايقترب
ابداً
من جثة محفوفةٍ..
باسم الله
لم نهدأ بوماً
وزرافات من لحوم
بشريةٍ
تتطايرُ
في سماءَ بغدادَ
ومدنٍ أخرى
لها احلامٌ كقوس
قزحٍ
ما يقلقني حقاً
ذلك العصفور
الواقفُ
بين يدي اللهِ
في معرض رده
قام كطودٍ يسأله
ياربُّ
لِمَ قتلني الانسانُ؟
وانا ضعيفٌ
اقتات على حشائش
الارض
بينما يمارسُ
طقوسَ اشتهائهِ
الغجري
*****
أبدأ قراءتي المتواضعة وكالعادة من العنوان " لم
نهدأ يوما .." وهي جملة تقريرية بصيغة الجزم والجمع أيضا ، يريد الشاعر من خلالها أن يبلغنا أن ذلك الهدوء المنشود لم يتحقق يوما ، والأمر
لايقتصر عليه بل يشمل الجماعة التي تحيط به ، ينتمي إليها أو يتعايش معها ... دون
أن يحدد طبيعة الصلة التي تربطه بها ..إذ يمكن أن تكون محدودة العدد ، أسرة ، قرية
، مدينة ... ويمكن أن تتوسع لتشمل شعبا أو أمة بأكملها .
وقداتخذ "اليوم" قياسا لينفي به الصفة عن زمن غير محدد ،امتد
في الماضي ولم يتحقق فيه ذلك الهدوء
المفترض ، ويختم بنقط مسترسلة تعبر عن أشياء مضمرة لم يبح بها الشاعر، لكنها تفتح
المجال للتساؤل ومحاولة فهم الأسباب التي حالت دون تحقيق هذا الهدوء المنشود ..
ثم ينتقل الشاعر إلى العرض واختار المكان لتفسير ما
حصل في الزمان ، إذ ينتقل بسلاسة ليجيب عن التساؤلات العالقة والتي حالت دون تحقيق
الهدوء المفترض..
وقد صنف
الشاعر المكان إلى صنفين :هنالك وهنا في تقابل مقصود ومتعمد ..
- هنالك
: تمثل العالم العلوي بقدسيته وجماليته ، الجنة الموعودة ، عالم تحقيق
الأحلام والمتمنيات...وتنقسم بدورها إلى
قسمين :
. هنالك / أفق علوي /ملائكة متبتلات /
هاجسهن التفاضل بينهن ، يؤدين المهام المنوطة بهن و يبلغن الرسائل إلى العالم
السفلي ...
. هنالك أيضا : في نفس العالم توجد " حور عين ، ينتظرن بلهفة الشبق
والمضاجعة لأجساد دواعش متطايرة من قوة العصف..."
وهنا نلاحظ أن الصورة معكوسة فعوض أن يكون الدواعش هم
الذين يتلهفون للقاء الحور العين يحدث العكس ، وقلب الصورة هنا جاء خدمة للمعنى ،
إذ نستشف نوعا من التهكم و السخرية السوداء من حملة فكر متطرف رجعي ، يشحنون ضحاياهم من الأميين وضعاف النفوس بهذه الأفكار المغلوطة ليسهل استقطابهم بأعداد
كبيرة وبالتالي السيطرة عليهم والتحكم فيهم ، فيصبحون جاهزين لتفجير أنفسهم ، وتفجير المئات من الأبرياء تفريغا لعقدهم
النفسية و إرضاء لرغباتهم المريضة في الفوز بأعداد مضاعفة من الحور العين اللواتي
لاشغل لهن إلا انتظار الكارثة لاستقبال منفذيها من الانتحاريين وإشباع رغباتهم
وتفريغ كبتهم .
ثم ينتقل
الشاعر من وصف حالة الانتظار إلى وسائل الإغراء اللاتي يمارسنها على هؤلاء ،
فهن لايرتدين حجابا إسلاميا يراه البعض
فرضا فقط على نساء العالم السفلي ومايتيح ذلك من فتنة وجمال ، لايحتجن معهما إلى عرض صورهن على " خاطبات
" أو من يقمن بدور الوسيطات ، لأن الطلب عليهن كبير والتهافت أكبر .
وبذلك يختزل العالم العلوي في مكونين أساسيين :
ملائكة وحور عين وكلاهما بصيغة المؤنث .
-
هنا
: وتمثل العالم السفلي الدنيوي ، بكل انحطاطه وترديه ، بمشاكله وتناقضاته ومظاهر
الصراع فيه ، هنا :
. أرامل دمر القدر أحلامهن ولامعين لهن في محنتهن إلا الله .
. ثكالى يستجدين الصبر وهن يوارين الشهداء الصغارالثرى
، براعم في عمر الورد ، وهاجس الخوف على مصيرالأجساد الصغيرة – حتى بعد الموت -
يلازمهن .
ويسترسل الشاعر في التفسير والجواب على السؤال الضمني الذي تبادر إلى
الأذهان عند بداية النص ... لم نهدأ يوما لأن :
-
زرافات
من لحوم بشرية في بغداد ومدن أخرى ... ونلاحظ أن الشاعر كان هنا أكثر دقة ووضوحا
في تحديد المكان الذي هو بغداد ومدن أخرى من بلده العراق .
-
الكوارث
لم تقتصر على بني البشر لكنها شملت
الكائنا ت الأخرى ، ويتساءل الشاعر على
لسان عصفور ضعيف :
ياربُّ
لِمَ قتلني الانسانُ؟
وانا ضعيفٌ
اقتات على حشائش
الارض
بينما يمارسُ
طقوسَ اشتهائهِ
الغجري .
وبذلك يكون التطرف أعمى ، لم يميز
بين بشر ولاحيوان ، بين حجر أو شجر ، دمر كل شئ ، وقضى على كل شئ ، قتل وشرد وسبى
واغتصب ... خرب آثار حضارات من الثرات الإنساني
تعود إلى آلاف السنين ، والأخطر أنه دمر نفسيات ومعنويات وعقولا تتطلب عقودا طويلة لإعادة
بنائها .
نص قوي بلغته ، عميق في معانيه ، حاول
كسر الصمت عن جزء من مأساة العراق والتي امتدت إلى دول عربية مجاورة ، فاستنسخت المآسي وصارت النكبة
نكبات والقضية انتقلت من المفرد إلى الجمع ، ولاأحد يعرف متى ستنتهي الكارثة أو
يتوقف النزيف ...والغرب الأمبريالي الصهيوني ماض في تنفيذ مخططات التقسيم والتجزئة
وخلق كيانات دخيلة لتسهيل تغلغله وسيطرته على ثروات العالم العربي وخيراته.
تحيتي وتقديري للأستاذ وليد حسين ولكل القراء الكرام.
****
أمينة نزار/ المغرب
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.