mardi 26 février 2019

شعرية بنية اللغة السردية // باسم الفضلي العراقي // العراق



دراسة تحليلية في لغة القصة القصيرة " قلوب باردة "للاديبة السورية " جوليا علي 

القصة
*****
{ هذيان الرياح، هذا النهار ، هدَّ هدوء الاشجار، فهمهمت أوراقها متهاوية ، عن أغصانها المتهالكة ،على جدران حديقة دار، تنطق قسمات ردهاته، بوجوم وجوه المسنين ، كانت كعادتها في مثل هذا اليوم ، مع أزوف جديد موعد نسيانها ، تقودها قدماها المرتعشتان ، لتتكوَّم لاهثةً ، في ظل صنوبرة عجوز،على مصطبة خشبية ، رحل عنها طلاؤها ، فصارت تذكِّرها ببعيد زمن لاتذكره ، هجرتها فيه جميع الفصول ، سوى حضن مهجعها ، ظلت اليأس يرتديها ، ويخلعها الحنين لاتملُّ عزلتها ، وقتها نفت عنها كل اللغات ، ولم تعد تتحدث إلا بعينين ذابلتين ، تذرفان حروفا حبلى بأسرار انطفائها ، لكم تاقت ان يتمخضنَ مَرَّة ، فيلدنَ مفردات من جمر، يصرخنَ لهيباً، بما في دواخلها ، كان اليأس يرتديها ، ويخلعها الحنين ، وعيناها مشدودتان بلهفة مُرَّة ، صوب مدخل الزوار، لطالما تمنّت أن يأتيها أحد ما؛ أيا كان، لكن ...،.غير أنها ، لمحت طيفا ، سرعان ما منعتها دمعة حائرة، ترقرقت في مآقيها، من أن تتبينه، ما كادت تستحضر من بين خرائب ذاكرتها صورته ، تنطق اسمه حتى سبقها الصمت، ببناء الحجر الأخير، من جداره على فمها
----------
الدراسة 
**** 
يمكن عدُّ هذا الخطاب الادبي ، مما يندرج في خانة النصوص المتداخلة الاجناس
( اي التي تتداخل في بنية لغتها التعبيرية ،عناصر فنية للغة جنس ادبي اخر او اكثر )
،فنسيج لغته السردية ، موسوم بجماليات وتقنيات اشتعالية شعرية حداثوية ( كالتكثيف ، الترميز،الصورة الشعرية ، الانزياح ، الايحاء ، الإيقاع ..إلخ ،) ، كما ستبينه الدراسة لاحقاً ،كمركبات لبُناه الأسلوبية ، في سياق لغوي ـ عاطفي ، و يتمظهر هذا التعالق في المستوى الدلالي ،الصوتي ، والازاحي ، مما مكّن الكاتبة من خلق فضاء تعبيري رحب الثراء ، خصب التوليد للدلالات ، وهذا ما فتح النص على تعددية قرائية ومن ثم تأويلية  وفق هذه المقاربة
نص منتج للدلالات = طبقات المعنى + طبقات القراءة
وهذا ماستشتغل عليه دراستى ، وابدأها بتفكيك بُنى العتبة العنوانية ( قلوبٌ باردةٌ ) ،التي يبدو الانطباع الاولي عن معناها الظاهر انه مباشر مستهلك المعاني مما يباعد بينه وبين اللغة الشعرية ، وقصدية التفكيك الحصول على آلية ( مفتاح ) تأويلية لدلالات اشارات لغة متن النص ، ومقاربة مقاصدها، فالعنوان يمثل النواة الدلالية المولدة للدلالات الفرعية الأخرى المبثوثة في المتن ، ويرتبط معه بعلاقة تكاملية ،ترابطية وحتى جدلية فهو يسأل / يعلن ، و المتن يجيب / يشرح او يفسّر ، والأهم العثور على خصائص لغة شعرية في معناها التحتانيى 
:* بنيتها الدلالية 
العبارة بتمامها ذات سياق احالي مقامي / خارجي ، لتحديد معناها العميق / التحتاني فدلالتها السياقية اللغوية ، لاتتعدى مجالها المعياري كما يلي 
المدلول المعجمي لكلا الاشارتين الدالتين ( قلوب ، باردة ) 
ـ قلوب : جمع قلب ، من اعضاء جهاز الدوران 
ـ باردة : فاقدة الحرارة ، مقابل ساخنة او حارة 
.وهي دلالة غير متسقة في سياق اللغة الادبية 
:اما احالتها المقامية / سياق الموروث والثقافي الشعبي تعني 
المشاعر المتبلدة ، عديمة التعاطف مع الاخرين ، فالقلب في الموروث الثقافي الشعبي 
ارتبط في اللاوعي الجمعي بالمشاعر حتى صارمتعالقاً معها ، باعتباره وعاءها ومصدرها ، واتصافها بالبرودة ( قلوب باردة ) ، دلالة على عجزها عن التفاعل الحسي العاطفي ،فبرودة الاجسام تعني فقدانها الحرا رة ، التي ارتبطت
:حياتياً بالحركة كعلًةٍ لها، وكما في المقاربات المعنوية التالية 
ـ الاشارة قلوب = مصدر الشعور 
الشعور = اثر حسي حي يتولَّد عن اشتغالات ( نشاط حركي ) الجهاز العصبي ، فهي اذن متصفة بالحرارة
:بتجميع هذه الدلالات 
قلوب = مصدر المشاعر الحارة الحية 
باردة = فاقدة الحرارة
فاقدة الحرارة = غير متحركة / خامدة ، ميتة 
:وبتكثيف دلالة باردة  
باردة = خامدة ، ميتة
:ثم بتجميع دلالات الاشارتين
قلوب باردة = قلوب ميتة الشعور ، قاسية ومن مرادفاتها ( عديمة الرحمة ، فاقدة لإنسانية التعاطف 
والدلالة هنا مزاحة عن معناها اللغوي / دلالة تحويلية
بذا يكون المعنى التحتاني للعتبة مولداً لدلالتها الفوقانية / الظاهرة على السطح
: البنية الصرفية *
،ـ قلوب / ج. قلب : اسم آلة جامد  
ـ باردة : اسم فاعل من الفعل الثلاثي / برد ، وهو فعل لازم ( يلزم فاعله لايتعداه 
المقاربة المعنوية لدلالة ( اللزوم ) ، بإحالتها مقامياً / سلوك اجتماعي ، هي :
الانانية ، المنع ، الإثْرة ، عدم التواصل مع الغير 
وهذه المقاربة تكافئ دلالة الفعل اللازم في سياقه النحوي فهو اناني يؤْثر
الإكتفاء بفاعله حسب ، و لايؤثِّر فيما بعده اعرابياً ( بما يكافئ دلالةً / عدم التواصل معه ) ، وبمقاربة دلالتها المقامية
قلوب ميتة الشعور = انانية لاتتواصل عاطفيا مع الاخرين
بذا عمّقت بنية الاشارة ( باردة ) الصرفية ، معنى بنيتها الدلالية اعلاه 
: البنية النحوية *
:تفكيك الجملة العنوانية يخلص الى ان المُسند محذوف ، كما يلي 
ـ قلوبٌ : مبتدأ مخصص بالصفة ( باردةٌ ) ، التي جعلته احدى النكرات التي يجوز
الابتداء بها ، وفق قاعدة (المسوغات ) النحوية ، و الخبر محذوف جوازاً ، يُقدّر 
سياقياً ( السياق النحوي ) بضمير الغياب ، اما تقديره في سياق الدلالة العميقة
. التحتانية للعتبة ، فمؤجل حتى اتمام تفكيك كامل النص/ 
:البنية التركيبية*
جملة العتبة ، جملة اسمية تفيد الثبات والاستقرار، وهذا يكافئ دلالياً ديمومة قسوة 
تلك القلوب ، و انزياحها التركيبي ، بحذف خبرها / المسند ، يؤدي وظيفتين دلاليتين
:داخلية وخارجية 
 الداخلية ( نصية ) : تبئير المسند اليه ( المبتدأ ) ،اي الايحاء بأنَّ دلالته التحتانية- 
، السابق ذكرها اعلاه ، ستكون بؤرة المعاني التي تدور حولها فكرة القصة الرئيسة 
 الخارجية ( خطابية ) : شدّ انتباه وفضول القارئ ( مفهوم الاستدراج )، فالحذف-
يعني ان هناك مسكوتاً عنه يثير سؤالاً مقاربته هنا : قلوب من ؟ ،وهو يحيل الى
النص ، فالبحث عن اجابة عنه ، يدفع ذاك القارئ للدخول الى عالم القصة ( فهم النص 
ولنعرض بإيجاز سمات ما افضى اليها اشتغالنا التفكيكي من دلالات ومقاربات 
:معنوية لبنية العتبة اللغوية وكما يلي 
،( تعدد دلالاتها الاشاراتية / سطحية وعميقة، مما يجعلها ( شيفرة دلالية مكثفة - 
: الإنزياح التركيبي فيها / الحذف له هذه الدلالات  - 
أ - افرز المحذوف توتراً انفعالياً ، بقصد اشراك القارئ في انتاج معنى العام للقصة
من خلال دفعه الى تقدير دلالته والبحث في عالم النص الداخلي عما يقارب تقديره معنىً
(ب - اثارة سؤال يحيل الى النص ، يعني وجود ترابط دلالي جدلي بينها ( اي العتبة 
.وبين متن القصة الذي يقوم بالإجابة / التوضيح والتفسير 
ج ـ بؤروية المسند اليه ، رسم ملامج اولية لفضاء النص الدلالي 
( تعدد سياقاتها النصية ( لغوية ، مقامية -
وهذه السمات هي ذاتها سمات العتبة العنوانية للنص الشعري ، وهذا هو التقارب .التعبيري الاول بين سيميائية اللغتين الشعرية والسردية 
وبالإتكاء على هذه المخرجات التفكيكية ، ساقوم بدراسة تحليلية لبنى اسلوب المتن للوقوف على مدى شاعريتها هي ايضاً وستأتي استشهاداتي النصية مقتضبة ، دفعا للاطالة وكذلك لصحة تعميم مايتحقق من نتائج على بقية.شواهد كل بنية
بدايةً : اللغة الشعرية الحداثوية لغة انفعالية ،اشاراتية ، وسبق لي ذكر عناصرها الفنية و تقنيتها التعبيرية في مقدمة هذه الدراسة ، شتى انواع الانزياحات ؛التركيبة و الدلالية ، كذلك الصور الإيحائية و المجازية .التكثيف ، التخيّل ،وايقاعات تنغيمية حرفية ( فونيمات ) ، نبرية او ( سجعية ) وغيرها ، تشدها الى بعض روابط نسقية في سياق فني متين الحبكة ، وتشتغل صيرورة كل هذه العناصر حدثياً ، في فضاء ( نفسي / مكزماني ) مشحون بالاحباط ومشاعر التصدع الذاتي لبطلة القصة ، وتنعالق تقنيات اللغة الشعزية التي وظفتها الكاتبة ، مع تعبيرية السرد القصي للمتن ، على اكثر من مستوى
:ــ المستوى الصوتي 
نجد ان اصوات الاحرف ذات الايحاءات الحسية السلبية الاكثر تكراراً قد هيمنت على الفضاء النفسي للمتن وكما يلي
الهاء : تكررت 52 مرة / دلالته الحسية : اليأس ،الحزن ، الألم والوهن 
التاء 64 مرة / الحزن ، الاعياء
الميم 44 مرة / الم وحزن وهن 
النون 61مرة / كدلالة الميم 
الحاء 14 مرة / الحنين ، الاشتياق
الفاء 18 / الضعف والوهن
مجموعها = 253 مرة في نص بلغت عدد مفرداته / 148 مفردة 
المقاربة المعنوية للفضاء النفسي الذي رسمت ملامحه الاحاسيس التي تثيرها اصوات الاحرف اعلاه يمكن تركيبها بإستحضار بعض مرادفاتها المحددة المعنى كما يلي
( اليأس ) ؛ الاستسلام ، الاخلاص + ( الحزن ، الالم ، الوهن ) ؛ لاسلام داخلي + (الحنين ،الاشتياق) ؛ الحرمان ، الفقد = الغربة المكانفسية ، النفي الوجودي/ حضور غياب الزمن
كما ان صوتَي الهاء الاولى في اولى مفردات المتن ( هذيان ) ، والاخيرة في اخر مفرداته ( فمها ) / صوت حرف الالف بعدها يطلق صوت الهاء متلاشيًا فيه كونه حرف مد ، مثّلا مطلع وخاتمة توليفة نغمية حزينة شكلها سمعيا تناوب تلك الاصوات ، حيث بدأ هامساً ( الهاء من الحروف المهموسة ) وانتهى متصاعدا كأنه يطلق وجعا استوطن دواخل بطلتنا تلك ، باتّساقية مع تصاعدية الحدث النصي
واتبعت الكاتبة ( آلية النغيم ) لخلق بنية ايقاعية تتناغم مع الفضاء التعبيري وتعمق ايحاءاته النفسية ، واعتمدت هنا ايقاعين 
:الاول : الايقاع النبري-
( هدّ هدوء ) ، (فهمهمت ) ، ( اوراقها متهاوية )، ( اغصانها المتهالكة ) ، ( قسمات ردهاته) ، ( وجوم وجوه) 
الثاني :الايفاع السجعي -
،( النهار / الاشجار ) ، ( متهاوية / متهالكة ) ، ( كعادتها / نسيانها ) 
ويتضح لاتكلفية الكاتبة هنا ، في جعل العبارات هي من تختار ايقاعها ، فلا لزوم لما لايلزم 
:ـ المستوى الازاحي وانواعها 
 :الازاحة الدلالية كما في *
هذيان الرياح ) ، (فهمهمت اوراقها) ، ( رحل عنها طلاؤها ) ، ( اليأس يرتديها )، (ويخلعها الحنين ) / هنا تكثيف دلالي
: الازاحة التركيبية *
ـ1 التقديم والتأخير : (تنطق بوجوم وجوه المسنين قسماتُ ردهاتُه ) ، ( لاتملُّ عزلتَها مواسمُه )، (عيناها بلهفة مُرَّة مشدودتان ) 
2ـ 2 الحذف : ( لكن ... ) ، ( لمحت طيفا ...) ، ( ولكن ...) / توتز ايحائي 
* الازاحة الاحلالية : ( هدَّ هدوء الاشجار) ، ( تنطق قسمات ردهاته، بوجوم وجوه المسنين ) 
ـ مستوى الصور الفنية : صور متعددة الدلالات ، غرائبية ، لاواقعية ، تثير الدهشة واشتغالات الخيال لدى القارئ 
(حديقة دار، تنطق بوجوم وجوه المسنين قسماتُ ردهاته ) ، ( هجرتها فيه جميع الفصول ، سوى حضن مهجعها ) ،( تذرفان حروفا حبلى بأسرار انطفائها ) ،(ببناء الحجر الأخير، من جداره على فمها.)
ـ مستوى السبك والانسجام / الحبك 
*التكرار ( الإحالة الداخلية إلي ما هو سابق ) كما في ( حديقة دار، تنطق بوجوم وجوه المسنين قسماتُ ردهاته ) حيث يعود الضمير الهاء على متقدم عليها ( دار ) / كذلك في (على مصطبة خشبية ، رحل عنها طلاؤها )
*التضاد ، التقابل : ( تنطق / وجوم ) / ( تذكِّر / لاتتذكر ) / ( يرتديها / يخلعها )
* العطف : بحروف عطف ظاهرة ( الفاء / فهمهمت ، الواو/ ولم تعد ، ولكن ) الخ *علاقات الربط: (بالوصل والفصل، والأضافة، ).وهي واضحة في النص 
بذا تتحققت شاعرية لغة المتن السردية كما تحققت قبلاً في العتبة العنوانية واستطاعت الكاتبة تذويب الحدود الاجناسية التي تفصل بين الاتواع الادبية بنجاح 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.