mercredi 13 mars 2019

شامتك ..// الحبيب القاضي // تونس


اجلسي قبالتي.. اخترتُ مكانا يسمح لكِ برؤية شاسعة.. في هذا الرّكن من الأرض.. لم يكن انتظارنا خارقا.. لم يكن استثنائيّا.. إنه مثل موسم المطر.. مثل تفتّح الحقول في آذار.. لا أنكر أنني انتظرتك.. لا تسأليني حين أحدّثك : "ماذا بعد..".. أكره أولئك العدميّين الانذال.. لقد كنت مطمورا في تفاصيل حياتي.. محاطا بغبار الأزمنة، أراقب حركة الأشياء.. كنت منتميا للنّسيان.. منتميا لذلك الوضع المريح.. حتى أني فكرت كثيرا فيما ستؤول إليه هذه الحياة.. كنت أوقد شموعا متعددة الألوان وأختار في بعض المساءات بخورا زكيّ الرّائحة حتى استسيغ عفن قدري.. أبتسم للاشيء.. و أضحك من تلك الفوانيس المعلقة التي تحرس خطى العابرين.. أضحك من نسوة كنّ ينزفن شبقهن على غربة روحي، لكني كنت احضنهن بحنان فائق الوصف.. و أستمرّ في نشازي و   سطحية رؤاي.. " خذي قليلا من هذا العصير.. أرجوك"
لا أذكر كيف مددتُ يدي إلى حقيبتها.. تحسّست أشياءها.. كتابان.. أقلام أو ما شابه.. قارورة عطرها هي التي مسكتْ أصابعي.. سحبتها و فاح عطرها.. احتوتني رائحتها.. رفعت بصري:
ما أجمل ابتسامتكِ و أنت تنظرين في تفاصيل تعبي المحفور على وجهي.. تتأمّلين تلك الفوضى التي اعترتني و ذاك الشّحوب الباهت الذي يحيطني..و أنت كراهبة غادرت للتوّ ديرها.. كنت تحاولين اللّحاق بالريح التي تفتِك بي.. قلت:
" لطالما فكرت فيك.. و لطالما حاولت تجاهلك و تناسيك.. أعرف أنه لا يمكن أن تكون أمرا مهما بالنسبة لي.. و لكنني جئتك.. جئتك أسأل عن أخبارك.. ثم أمضي.. أنا مرهقة من الطّواف.. من المسافات و من علامات الطريق.. مرهقة من وصايا الأولين و قبور الذين غادروني.. أنا مرهقة من الألم و الفرح الكاذب.. جئتك لتحضن ابتسامتي.. و أمرر دفء أناملي فيك.. لم يعد هذا الجسد يحتمل الروح.. خذه و هات روحك أسند عليها كلي.. خذ كل ما مضى مني و منك و احرقه الآن.. لنبدأ عراة كأشعة الشمس.. ودع رائحة البحر تفوح مني.. تذوق ملح جزري.. لوّن فضاءك بشفقي المحمرّ.. باللون الرصاصي اللامع من صخري.. و اكتب على مرمري.. "سيدة مرت صدفة فأصبحت معبدا."
و في لحظة سكوتها كانت يدي اليمنى تتحسس ضياءها و تمارس أناملي صلوات لقائنا على وجنتيها و مساحات الشفتين.. و كانت تمسك يدي اليسرى و تردد.." شامتك جعلتني آتيك بلا تردد.."

*******

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.