lundi 13 avril 2020

قراءة في المجموعة القصصية " رائحة الأمكنة " للأديبة العراقية ليلى المراني// خالد بوزيان موساوي // المغرب


،نص قراءتي في المجموعة القصصية "رائحة الأمكنة" للقاصة العراقية ليلى المراني
تحت عنوان: "سيمياء المكان في المجموعة القصصية "رائحة الأمكنة" بين ركام رُزمة التمثلات الموروثة، و جمالية التجاوز بالخيال السردي
: ـ مدخل
أ ـ بطاقة تعريف: "رائحة الأمكنة" هي المجموعة القصصية الثانية بعد مجموعة "وشم في ذاكرتيّ التي تناولتها بالقراءة على نافذة النقد (هنا) سنة 2017. تتكون مجموعة "رائحة الأمكنة" من 26 قصة قصيرة. الكتاب من الحجم المتوسط (108 صفحة) صدر عن دار فضاءات/ الأردن 2020
ب ـ كيف نقرأ مجموعة "رائحة الأمكنة"؟
لاعتبارات منهجية سنفصح عنها في وقتها، و اعتبارا كذلك لكون القاصة ليلى المراني عراقية، و اختارت لمجموعتها القصصية عنوان "رائحة الأمكنة"، فكرنا في اقتراح سؤال تمهيدي على مسامع مجموعة قراء مفترضين
ـ ماذا يعني لكم: العراق؟
و كما نتيجة "عصف ذهني"، ستتراكم الأجوبة عفوية، و متأنية، و فجائية، و سريعة، و مترددة، و عشوائية، و منتظمة، و مركزة، و متشعبة
ـ العراق: أرض... وطن... دولة... دولة عربية... بغداد... بابل... آشور... سومر..."عشتار"...علم... حضارة... فن... أدب... دجلة... الفرات... "حدائق معلقة"... "سندباد"... هارون الرشيد... علي بن أبي طالب... الحجاج بن يوسف الثقفي... الحسين بن علي... شيعة... سنة... أكراد... عرب... طائفية... بترول... دكتاتورية... احتلال... حزب البعث... صدام... عاصفة الصحراء... سجن أبو غريب... حرب أهلية... إلخ
أجوبة "العصف الذهني" لا تعتمد توثيقا من معاجم متخصصة؛ هي إفصاح عن تراكمات في الذاكرة، أو تمثلات للمكان من زوايا و وجهات نظر مختلفة موضوعية و ذاتية باعتباره مجموعة علامات Signes (بالمعنى السيميولوجي، كما تم ّتعريفها من طرف دو سوسير): المكان، علامة: "دال" و "مدلول"؛ هو
ـ جغرافيا، و تاريخ، و تراث، و أساطير، وحضارة، و عمران، و ذاكرة، و ماضي، و حاضر، و مستقبل
هو الوطن...هو انتماء، و هوية، و أهل، و حب، و كراهية، و قبول، و قدر، وفقر، و غنى، و أمل، و نفور، و استقرار، و احتلال، و حروب، و ثورات، و بناء، و تخريب، و رحيل، و عودة، و منفى، و حنين، و اغتراب (بمفهومه الوجودي السارتري)... هو مفارقة الوجود و العدم
هي قراءة للعلامات (أي مقاربة سيميائية)، و من هنا الشطر الأول من عنوان هذه القراءة النقدية التطبيقية للمجموعة القصصية "رائحة الأمكنة" للقاصة العراقية ليلى المراني: ـ سيمياء المكان في مجموعة "رائحة الأمكنة": ركام رُزمة التمثلات الموروثة "
و لأن المقام يفترض أننا نقرأ كتابا أدبيا ينتمي ل "جنس القصة القصيرة" بطلته الرئيسة "ذات ساردة" (بضمائر مختلفة)، أي "كائن ورقي" يُحاكي (و هو يَحكي بتقنية "المشابهة"، أو "المطابقة"، أو "التناظر"...) واقعا بين الكائن و الممكن، أو ما يجب أن يكون... و بين "موازنة الاحتمال" من وجهة نظر الساردة/ الكاتبة: يختلط فيها الواقع بالخيال، بالتمثلات، بالحقيقة، بالعبث، بالقبح، بالجمال... أي و كما كتب الدكتور عبد الجبار الآلوسي
" ليسَت "الحقيقةُ" التي تحيطُ بنا، هي ما نراهُ بأعينِنا من إنسانِ ِ وكائن حيّ وجماد، بل هي إلى جانبِ ذلك كلّ ما يضيفهُ الخطابُ اللغوي من قيمةِ ِ إخبارية عن هذه الكائنات والأشياء
من هنا الشطر الثاني من عنوان مقاربتنا لهذه المجموعة القصصية سيمياء المكان في "رائحة الأمكنة": جمالية التجاوز بالخيال السردي
1 ـ 1سيمياء المكان في المجموعة القصصية "رائحة الأمكنة" بين ركام رُزمة التمثلات الموروثة
و لأنّ الكتاب ليس برواية يُفترض قراءتها من أول سطر، و لأن لكلّ قصة من قصص المجموعة عنوانها، و بنيتها المستقلة و المغلقة و مضامينها و أساليبها، رغم انتمائها لمجموعة قصصية واحدة (كتاب واحد)، ارتأينا بداية قراءة المجموعة انطلاقا من القصة رقم 24 (قصة حول موضوع الهجرة السرية نحو أوروبا لأجل طلب اللجوء....) التي تحمل نفس عنوان العنوان الرئيس للمجموعة: "رائحة الأمكنة" علّنا نقترب من الدالّات المستهدفة من الاستعمال المجازي لمفردة "رائحة" في سياق "رائحة الأمكنة"؛ و من بين أهم ما استوقفنا، هذه الفقرة
"في يوم لم نكن نعرف تسلسله في الأسبوع أو الشهر، و في مكان ضاع في متاهات المسافات البعيدة التي قطعناها سابقا و نحن نحمل حلما بات هو الآخر مدفونا في غياهب ذاكرة معتمة، أنزلونا من الشاحنة التي تكدّسنا فيها، أكثر من ثلاثين شخصا بين امرأة و رجل و طفل..." (ص. 93)
هو مقطع قصير و مكثّف، لكن بحمولة فنية و وظيفية ذات دلالة مرتبطة عضويا بتقنية كتابة القصة القصيرة: يحتوي على عناصر الزمن ("في يوم...")، و المكان ("في مكان...")، و الشخصيات ("نحن...")، و الحدث ("أنزلونا من الشاحنة...)...
الزمن غير محدّد ("لم نكن نعرف تسلسله في الأسبوع أو الشهر")، و كأن (كما في منظور أنشتاين) " الأزمنة مصطلحاتٌ لأوضاعٍ مختلفة ٍفي المكان، "
و السياق ربما يؤكد ذلك، إذ حدث "تعتيم" على تحديد الزمن لأن المكان (الفضاء القصصي) هو الآخر بدون هوية ("في مكان ضاع في متاهات المسافات...")؛ و قد ينطبق نفس المنطق (منطق العبث هذه المرة) حتى على شخصيات القصة بسبب ارتباطها مصيريا بهذا المكان: فكما نجهل الزمن بسبب غموض ملامح المكان، تمّ تغييب، للسبب ذاته، هوية شخصيات القصة ("نحن"... بين امرأة و رجل و طفل...") لعدم ذكر و لا اسم واحد: شخصيات نكرة ضائعة كما "ضاع المكان في متاهات المسافات..."، و كأننا (كما الشأن مع عنصر الزمن) مع شخصيات على شكل "مصطلحات لأوضاع مختلفة في المكان"، أو مع تقنية اللاـ بطل" كما روج لها آلان روب غريي وناتالي ساروت في ما يطلق عليه "تيار الرواية الجديدة أو موت الرواية حيث استبدل البطل التقليدي بمقولة اللا ـ بطل"... و تتمظهر هذه الدالات من خلال كل قصص المجموعة، هذه نماذج منها
في قصة "ضياع"(رقم 2 ضمن المجموعة) ( و تحكي ملابسات سنوات الاعتقالات و السجن و الاختفاءات داخل قصة طفلة تحلم عبثا بلقاء أبيها المختفي) نقرأ ضياعا من نوع آخر في سياق "سيمياء المكان"
"في قاعة كبيرة باردة، يجلس رجال كثيرون إلى طاولات خشبية. مزيج من الإعياء و الترقب يرتسم أملا خجولا في عيونهم، برؤية أحباء لهم فارقوهم منذ أمد. حملقت الأم بلهفة في الوجوه، تبحث... و علا وجيب قلبها حتى كاد يُسمع، و في غفلة منها انطلقت الصغيرة على أقرب رجل رأته (...) ركضت إليه... "بابا"... "بابا،"، قبل أن تستيقظ الأم من ذهولها... "ليس أباك، ليس أباك، حبيبتي"، صاحت بصوت يختنق. فتح ذراعيه بلهفة، ارتمت على صدره تقبله... احتضنها بكل حرمانه و شوقه، بللت دموعه وجهها الصغير... و من بعيد يطالعه وجه ابنته الغائبة، مبتسما... اعتصرها على صدره... و بكى..." (ص. 16)
سيمياء المكان في هذه القصة، و من خلال هذه الفقرة، تخرج من عبر أبعاد دلالاتها الرمزية عن المعنى اللفظي للمكان: هو ليس المدينة، و لا البيت و لا حتى القاعة المخصصة لزيارات أهل المعتقلين في السجون ("في قاعة كبيرة باردة"). المكان في هذه القصة يرمز إلى ال"لا عودة " (لا تنتظر الطفلة عودة أبيها في بيتها، بل تذهب رفقة أمها للمعتقل بحثا عنه، و لا تجده...)، ليتحوّل إلى حضن افتراضي حتى و إن كان داخل معتقل، حتى لو كان في الخيال ("انطلقت الصغيرة على أقرب رجل رأته...")... هي ال "لا عودة" و لا "حرية" مرتقبة في أقرب الآجال (الرجل المعتقل الذي حضن الطفلة و هي ليست ابنته، حُرِمَ من الخروج، وحتى من لقاء ابنته الحقيقية، فوجده في الطفلة التي اقتربت منه حضنا يُذكّره بابنته ("و من بعيد يطالعه وجه ابنته الغائبة، مبتسما... اعتصرها على صدره... و بكى...")
 ـ 2سيمياء المكان في "رائحة الأمكنة": جمالية التجاوز بالخيال السردي.":
في قصة "صرخة قدم" (رقم 19) (التي تحكي قصة أمّ متسكّعة فرضت عليها ظروف القهر، و الفقر، و الحرمان، و العادات و التقاليد البالية أن تتخلى عن أمومتها...)، نقرأ هذه المقاطع
"مدينتنا الصغيرة ملقاة على أطراف الحضارة، نسيها التاريخ، و ابتلعتها السنون و هي لا تزال غافية، مستكينة، تتشابه أيامها و سنونها كبركة راكدة (...) تحركت مياه بركتنا الراكدة يوما، حين انشقت الأرض فجأة و قذفتها بيننا (...). جاءت من ذلك البستان الذي يسكنه الجن و العفاريت... (ص.75) (...) و في بستان مهجور، عافه الكبار و الصغار حين سرت شائعة أن الجن تسكنه، و تحت نخلة عجفاء، لم يبق منها غير جذعها الهرم؛ تكورت (قدم) تموء بألم كقطة جريحة، تصرخ ( ص. 77)، تدفع بكل ما تملك من قوة (...)، و بعد صرخة مزقت السكون، تردد بكاء طفل وليد، بِنْت بحجم القطة للتو وُلِدَتْ (...). خلسة، صباحا، تتسلل إلى المدينة (...) تشد صغيرتها إلى صدرها الخاوي، تطبع قبلة على جبينها و تضعها على عتبة دار الثريّ العاقر و تهرب (ص. 78) (...). أنينها ليلا لا تزال نخيل البستان تردّده بعمق مخيف، ينتشر في أزقة المدينة و فوق سطوحها ... (ص. 79)".
المكان "مدينة" تشبه "بركة راكدة"؛ هي الجمود بعينه: منتهى العدمية. أكيد رائحته متعفنة كما الروائح النتنة بسبب الأوساخ و القاذورات و الميكروبات التي تتجمع في المياه الراكدة... إذن لا وجود للمكان دون أحداث، و لا أحداث دون حركية كرونولوجية (زمنية) في المكان، و إلا توقّف السّرد و انتهت القصة قبل بدايتها... و من هنا نظرية "جمالية التجاوز بالخيال السردي" لذا كان لابد من حدث ليسترسل السرد
و لأن المكان مدينة شبه ميتة، فأي حدث كيفما كان عاديا أو سطحيا و تافها، يعتبره أهلها حدثا خارقا كما حدث يوم دخلت بطلة القصة (قدم) إلى المدينة: " تحركت مياه بركتنا الراكدة يوما، حين انشقت الأرض فجأة و قذفتها بيننا (...). جاءت (الشخصية قدم) من ذلك البستان الذي يسكنه الجن و العفاريت..."
يُستخلص من مفارقة العدم/ الوجود هذه كون المكان بمعناه الفلسفي لا وجود له إلا بارتباطه بأحداث من صنع الإنسان (أو الطبيعة)، او بأفكار و معتقدات و تمثلات يخترعها البشر من خيالهم لتصبح كما المسلمات؛ مثَلُ ذلك إضفاء صفة اللعنة على البستان الذي خرجت منه الشخصية (قدم) بوصفه ملاذ الجن و العفاريت ("جاءت من ذلك البستان الذي يسكنه الجن و العفاريت")... و إن لم يكن الحدث حقيقيا، فلابد للقاص (في سياقنا المبدعة العراقية ليلى المراني) ابتكاره من وحي خياله (ها)... و لو أحيانا بتدخل عناصر الطبيعة، إذ لا يمكن النظر إلى المكان بوصفه بعدا هندسيا يحيط بالقاص (ة) دون أن يتدخل فيه الخيال:
و لأن المكان موحش و مرعب و فارغ، فهو كما الصدى يردّد أي صوت يحتضنه، لذا ردّد أنين (قدم) لمّا لاذت إليه: " أنينها ليلا لا تزال نخيل البستان تردّده بعمق مخيف، ينتشر في أزقة المدينة و فوق سطوحها ...".
و حتى لمّا يغيب الحدث في مكان لاشيء يستدعي حدوثه، تلجأ القاصة ليلى المراني إلى منطق العبث (عبث سوريالي) لخلق الحدث من عدم، من وحي الخيال كما على خطى كافكا و ألبير كامي في سياق جمالية التجاوز بالخيال السردي؛ و من بين النماذج القصصية التي وظفت فيها ليلى المراني هذه التقنية، قصة "عفن" التي تذكرنا في أبعادها العبثية الوجودية بمسرحية "الذباب" (Les mouches) لجون بول سارتر؛ نقرأ في قصة "عفن":
"في مقهى شعبي على قارعة الطريق، يعجّ بالمتسكّعين و الهاربين من بيوت تطبق جدرانها على أنفاسهم، في شهر تموز المشتعل؛ يتخذ مجلسه إلى طاولة متآكلة (...) يهشّ بين الحين و الآخر أسراب ذباب أزرق تشنّ غاراتها على بقايا الطعام (...) تقع نظراته على فتاة صغيرة تتكوّر في إحدى الزوايا (...) تزحف نحوه حين أشار إليها، تضع لقمة في فمها و تجفل (...) تهبّ مذعورة، على وجهه تبصق الذباب و ما في فيها ما تبقى من طعام..." (ص. 23).
ملحوظة: اكتفينا ببعض النماذج القصصية من المجموعة حتى نغذي فضول القراء الأعزاء لاقتناء المجموعة و قراءتها، و لن يندموا على ذلك... قراءة ممتعة أتمناها لكم، و لقاؤنا يتجدد عما قريب مع قراءة نقدية أخرى
.مع تحيات نافذة النقد و الأستاذ بوزيان موساوي. وجدة. المغرب




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.