الوباء // محمد نشوان // المغرب

إن أردتم أن لا تتعذبوا، اعزلوا أنفسكم، اغلقوا قدر المستطاع ابواب ارواحكم عن رفقة الآخرين
فرناندو بيسوا
مواطن صالح، مطابق للمواصفات الدولية و لتوصيات منظمة الصحة العالمية، هذا ما يريدون، و هذا ما أنا عليه
..يقول الزعيم الزموا بيوتكم، فأقول سمعا و طاعة، و أتقوقع داخل قبري
يقول الزعيم، اغسلوا أيديكم بالماء و الصابون، فأقول سمعا و طاعة، و أفرك يدي بشكل مبالغ فيه، و أمارس شغبي . فتكون الكتابة هي ملاذي الذي ألوذ إليه كلما جن الليل و جن جنوني
أفاقت المدينة ذاك الصباح على أخبار متسارعة و مستعجلة، و مصطلحات لم نعهد سماعها من قبل، المطهرات، التعقيم، الكمامات، حالات التعافي، العزل الصحي، الكلوروكين و هلم جرا
الكل يهرول خوفا من عدو مجهول، لا لون و لا رائحة له. عدو مقيت مندس بيننا . قطع الارحام و وقف مانعا للعناق و القبلات و حتى السلام
في المساء، تطلع علينا وسائل الإعلام، بندوة صحفية لرجل مهيب الطلعة، و بخطاب حازم يعلن و بعبارات موجزة عن بداية الحجر الصحي حتى لا يحصل الأسوء، على حد تعبير مدير مديرية الاوبئة. فكان لزاما الالتزام بحالة الطوارئ الصحية، و ضبط الخروج المشروط بشهادة إدارية لقضاء الحاجات الضرورية
أصبحت مدننا معزولة و بيوتنا منغلقة على نفسها
بيتي هو الآخر لم يخرج عن القاعدة، فكان في حالة تأهب، مواد التنظيف في كل ركن من أركانه، أنواع من المطهرات ذات النكهات المختلفة، صابون بكل الاشكال و الالوان، مواد التعقيم، منشفات و كمامات لا عهد لنا بها
إنه الوباء اللعين، فرض سطوته على كل الناس، فكان لزاما الانضباط للأوامر
أغلقت المساجد أبوابها، فصلى الناس في بيوتهم، و استغاثوا و قرأوا اللطيف، و التجأ بعضهم للصوم رفعا للأذى . فكنت تسمع الناس تتوسل و ترفع أكفها للسماء بابتهالات و ترانيم بليغة، و تسمع أصواتا شجية آتية من بعيد
مولانا نسعاو رضاك
على بابك واقفين
لا من ارحمنا سواك
يا أرحم الراحمين...

قائد المنطقة الشمالية، يقف بكل حزم، و مكبر الصوت في يده، مطالبا الناس بالبقاء في بيوتهم، و كل من خالف الأوامر، يعرض نفسه لعقوبات زجرية صارمة مع المحافظة على مسافة الامان
و أبقى -انا المواطن الصالح المحافظ على توصيات المنظمات العالمية و لكلام الزعيم- قابعا في قبري المنسي، في انتظار هزم عدو شبح لا لون و لا رائحة له !