jeudi 7 janvier 2021

قراءة نقدية في رواية "عازف القنبوس" للروائية السعودية صباح فارسي// بوزيان موساوي// المغرب


نص قراءتي النقدية في رواية "عازف القنبوس" للروائية السعودية صباح فارسي
تحت عنوان: للحب تجليات أخرى... وحده البحر يحاكيها.
1 ـ وصف المتن:
العنوان: "عازف القنبوس". الكاتبة: صباح فارسي/ جدة/ المملكة العربية السعودية. جنس العمل الأدبي: رواية. الطبعة الأولى 2019. الكتاب من الحجم المتوسط (245 صفحة). تضم الرواية ثمانية و عشرون عنوانا فرعيا بتبويب سمّته الكاتبة "شذرة" بدل "باب" أو "فصل" أو "جزء". و في كل شذرة حكاية، و في كل حكاية عقدة، و مجموع العقد صنعت الحبكة الجوهرية لقضايا الرواية. و على رأس كل "شذرة" قول مأثور كُتِب بين مزدوجتين لا نعرف إن كان للكاتبة نفسها، أو من صميم قراءاتها. أقوال على شكل فقرات قصيرة تسبق عنوان كل شذرة تُقدِّم للأحداث الموالية بأسلوب فلسفي تحليلي تأملي يكشف عن رؤى نسقية عميقة تخضع لمنطقي الوجدان و العقل و التجربة معا حول مواضيع مرتبطة عضويا بالإنسان في علاقته بالطبيعة و المجتمع و المحيط سيكولوجيا، و اجتماعيا، و أنتروبولوجيا، و عقائديا؛ إنسان باعتباره كائنا "إبيستيميا" موضوع سؤال فلسفي كبير. و سنتعرض دون شك لبعض النماذج من هذه الفقرات في تضاعيف هذه القراءة.
2 ـ حكاية:و مواقف.
سقف الحكاية في حد ذاته قد لا يشكل جديدا في نظر القراء؛ قراءة انطباعية أولية قد تحيلنا على نمطية القصص الرومانسية حيث الحب أمل و منتهى. و لعل العنوان الرئيس للرواية "عازف القنبوس" عتبة آفاق انتظارها يشبه حكايات العشق عند "التروبادور" الذين كانوا يستعملون هذه الآلة الموسيقية من بين أخرى.
يمكن وضع حكاية هذه الرواية تحت عنوان عريض اسمه "الفقد"؛ نقرأ في فقرة تقدم للشذرة الأولى تحت عنوان: "الحقيقة الأوحد": "لم أكن أعرف أن الفقد كناية عن الجحيم، و أننا سنقذف في نيرانه، و لا مناص." (ص.11). "صبرة" البطلة الرئيسة للرواية تفقد أمها و هي تنجب أخاها و هي لا تزال طفلة؛ نقرأ: "ففي سنواتها البكر و هي تحبو في معارج الحياة لتفهم الطفولة، انتزع منها الحبل السري للمرة الثانية، ففي المرة الأولى انتزع الشريان الذي يصلها بجسد أمها، أما هذه المرة فقد قُطِع الارتباط بنبع الحنان لتلهث ما بقى لها من العمر تبحث عن بئر تعتصر منها وقود الحياة، فهل تجدها." (ص. 17). و تفقد "صبرة" أعز ما تملك الطفلة: براءتها، و حريتها، و بكارتها و هي بعد لم تبلغ 14 سنة لما باعها أبوها تحت اسم يافطة الزواج تحت إكراه الفقر و استبداد التقاليد ؛ نقرأ: "تُربّى الفتاة على الاستعباد، و يُنشئ الذكر على امتهان كرامة المرأة في قرية الهجير و في بؤر كثيرة من العالم، حيث يتعملق رجال ممسكين بتقاليد ابتدعوها لحماية المرأة من شرورهم، هناك ترعرعت صبرة." (ص. 46)؛ و نقرأ: "هناك تجار مهووسون باقتناء نفائس البشر، فسرقة سنوات من عمر الفتيات الصغيرات ليست إلا إحدى تلك المتع التي يتمرس عليها التجار في كل الأزمنة مهما اختلفت الأمكنة." (ص. 57). كذلك كان قدر "صبرة" و هي تتزوج رجلا اسمه "حزم" كبير السن، خبيث الخلق و بخيل؛ نقرأ: "كان الزفاف أشبه بمسرحية كلها أكاذيب، مهرجون، ممثلون، مسرحية لها نهاية محتومة هي موت البطلة و هي على قيد الحياة." (ص. 60 ـ 61). فتعلق الكاتبة صباح فارسي تقول: "أولئك الذين يعاملون البشر كجزء من ممتلكاتهم يخلعون إنسانيتهم، تعشى أعينهم، تصم آذانهم، يلقنوننا كيف نكره البشر، يصبون الرصاص على مشاعرنا، نجبر على شحذ مخالبنا لِلذود عن حريتنا، لنجعلهم يسمعون أصواتنا رغما عن أنف الصمم." (ص. 72)
و تفقد "صبرة" أباها العجوز بعدما فقدت أمها، و أرغمت زوجها على الطلاق؛ نقرأ: "كانت تلك الدموع آخر ما شهدته صبرة من والدها الذي لم يسعفها الحظ أن تراه مرة أخرى طيلة حياتها، فقد انتزعه الموت بعد عودته من رحلته تلك" (ص. 84)؛ و عن هذا الفقد علقت الكاتبة صباح فارسي تقول: "ثمة مفترق طرق لا نعود من بعدها كما كنا، تتبدل أحلامنا، نتشكك في ماضينا، نعبّد مسارات لنهبط على مدارجها. ثمة خسارات لا نرتجي بعدها سوى التنفس و العودة من الكابوس، و لكننا أبدا لا نعود !" (ص 84).
"حكاية فقد" هذه الرواية، لكن أبعادها الفلسفية تتجاوز مجرد مأساة امرأة خذلها قدرها أو حظها في الانتماء الطبقي و الاجتماعي كما أحبط كل احلامها في الحب. يبدو أن قدر "صبرة" و من يشبهها صنيع جغرافية؛ أي من إملاءات مكان و زمن.
3 ـ الفضاء الروائي:
قيل كثيرا أن بعض الأقدار مرتبطة بطبيعة المكان الذي نعيش فيه. و قد اختارت الكاتبة صباح فارسي تأثيث فضاء هذه الرواية بمكانين متباعدين و متوازيين (قرية الهجير جنوب الجزيرة العربية، و مدينة فالينسيا في قلب الأندلس بإسبانيا). مع همزة وصل بينهما جسر واحد: البحر.
ـ"الهجير" قرية بطلة الرواية "صبرة" تكاد تنتمي لزمن "الجاهلية الأولى": "الهجير قرية لها قلب من ضفتين، ضفة تفتح ذراعيها ليتنفس نسيم البحر، و ضفة أخرى تتكوم على غابات السدر و أشجار السرو و مجاهيل تخفي بينها بيوت أهل الهجير، و تحصن قلاعهم (...) الكل هنا محدودو الطموح، فارغون من الغد، حلمهم حصيرة من قش و أن لا يجوعوا." (ص. 5)؛ "الهجير تنكر الغرباء، تخشى بقاءهم على تربتها، الغرباء لا مكان لهم على أرضها (...) وحده المطر يأتي غريبا و رحل غريبا، و لا يستقبله سوى الفلاحين هنا، لا رقص تحت المطر، لا مظلات يتشارك فيها حبيبان تحت المطر، هنا المطر يمر خائفا، سريعا، و لا يخدش أحدا." (ص. 7)
ـ "فالنسيا" الأندلسية مدينة البطل "مار" حبيب "صبرة" تعيش إيقاعات مناقضة كليا لقرية "الهجير"؛ نقرأ:"تتعالى أصوات الضجيج المفعم بالحياة في شوارع مدينة فالنسيا، مدينة الارتواء، موسيقى تصدر من خرير نوافير لا تهدأ، من صهيل المارين في الأزقة، من دقات أحذية راقصي الفلامينكو (...) هناك كانت الأرض تفوح برائحة الحب (...) إنها أرض العشق إسبانيا." (ص. 37)
ـ البحر هو همزة وصل بين قرية "الهجير" و مدينة "فالنسيا". ف "للبحر (نقرأ) عشاقه المجانين السهارى على ضفافه، يستعبدرذاذه قلوبهم، يتسامرون على ضفافه، فيستغنون به عن العالم، و رغم خناجر البحر الغادرة و حصده للأرواح إلا أن عشق البحر فطرة البحارة." (ص. 51)...هذا البحر هو الذي أغرق سفينة أبحرت من المتوسط إلى البحر الأحمر حتى تخوم جنوب الجزيرة العربية. سفينة كان عليها "مار" العربي/ الأندلسي الذي نجا بأعجوبة من الغرق ليلفظه البحر على شط قرية "الهجير" فتنقذه "صبرة" فينجو من موت محقق... هو البحر الذي قال عنه "مار" حبيب "صبرة": "هذا البحر أحدثه كل ليلة عنك، فبرغم أنه أهلك أهلي، إلا أنه أحضرني إليك، أحبه لأجلك و أحقد عليه لأجلهم." (ص. 195). و هو ذاته البحر الذي فرق الحبيبين "مار" و "صبرة" في الحكاية/ الرواية؛ نقرأ: "على سطح السفينة وقف مار ينتظر تلويحة وداع، كلمة مارقة ترجعه لصدرها، وطنه الثاني، وقف للمرة الثانية على ظهر السفينة، في المرة الأولى فقد رفقاءه، أما اليوم فهو يفقد قلبه، يترك على الهجير روحه و يسافر لأهله جسدا فارغا." (ص. 239).
لماذا رفضت "صبرة" السفر مع زوجها/ حبيبها "مار"؟
4 ـ الرواية/ الموقف:
رغم ما كابدته "صبرة" في قرية "الهجير"، أبدا ما فكرت في الهجرة، في المنفى الاختياري، في الهروب. حتى لما تطلقت من زوجها الأول و طردتها عمتها من بيت أبيها، لم تفكر في الهجرة... حتى لما عشقت "مار" و قبلت الزواج به، لم تقبل بمرافقته إلى "فالنسيا"... البحر كان صلة وصل بأندلس، بفردوس مفقود جاءها على صورة حبيب عشقته حتى الجنون... هل هي مريضة ب "المازوخية" حتى أنها لا تؤمن بالسعادة، إذ قالت: "السعادة ! هجينة هذه الكلمة على مسمعي، لم أتصالح معها قط" (ص.239)؟ أم أنه موقف امرأة تعي ما تفعل؟
قالت "صبرة" تبرر قرارها بعدم الرحيل عن قريتها "الهجير": "لا أستطيع، هم أهلي و إن بخلوا علي، أولئك قومي و إن لفظوني، أنا ابنة الهجير، و الهجيريون لا حظ لهم من الحب، تبقى الهجير بعنفها الحنون، بظلمها المستبد، تبقى تراب الوطن الذي لو لطم الخد يسعف نخيله الجاف لأدرنا له خدنا الآخر و انتظرنا بيض تحنانه علينا، و لو ضربنا بأمواجه بسياط الفقر و الجوع و حُرِمنا القوت تحت سمائه يبقى ترابه عطرا نمرغ عليه وجوهنا، و حين تمطر، و قليل مطر الهجير و الهجيريون عطشى و لكنهم وقت المطر يظلون يدعون أن يبقوا تحت سمائه و يدفنوا في ترابه لتمتزج عظامهم بتربة أجداد الأجداد، هو الوطن." (ص. 228).
هو موقف "صبرة" التي رفضت زواج العبودية رغم الفقر المدقع، هددت أن تحرق نفسها إن لم تنل حريتها بالطلاق؛ هو موقف "صبرة" التي قررت أن تكسر أنياب الجهل بتعلم القراءة و الكتابة؛ هي "صبرة" التي تعلمت الطب التقليدي لمعالجة المرضى؛ هي "صبرة" التي رغم احتقار مجتمعها للمرأة عامة و للمرأة المُطلّقة خاصة استطاعت أن تكتري بيتا و تعيش فيه بمفردها... هي التي رفضت أن تبيع جسدها رغم الفقر المدقع... هي التي قالت لخطابها: "لا" عشقا للحرية... و هي التي قبلت ب "مار" زوجا لها رغم رفض أهلها و كل أهل بلدتها.. و هي "صبرة" أخيرا التي رفضت الرحيل إلى الأندلس (الفردوس الحلم) حتى لا تهجر وطنها.
هي تلكم قرائي الأعزاء كانت مقاربتي اليوم لرواية الكاتبة و الروائية السعودية المبدعة صباح فارسي
مع تحيات نافذة النقد و الأستاذ بوزيان موساوي. وجدة/ المغرب.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.