لم يكن يتذكر بالضبط أين رأى هذا الوجه الذي غزته التجاعيد حين أوقفه صاحبه وسأله قائلا بصوت مبحوح "ألا تذكرني يا صديقي ...؟"
وقف يتأمل الوجه ،يغوص بنظراته باحثا عن ملمح يحرك ذاكرته ويساعده على فك اللغز ...
نظر إلى الوجه أكثر من مرة من وراء نظارتيه ،وهو يتساءل "من هو هذا الشيخ الذي تذكرني ولم أتذكره ..." وحين طال انتظار صاحب الوجه وضع كفيه على كتف صاحبه الحائر ليساعده على التذكر وقال
-أنا صديقك ...ابن فلان ...الذي كان منزلهم مجاورا لمنزل فلانة ...بالقرب من ....
هنا انتفض وأعاد النظر في الوجه لتمسح ذاكرته تلك التجاعيد ولتعيد ترتيب صورة شاب وسيم تعود الى أكثر من ثلاثين سنة ...
-أهلا يا سعيد ...تغيرت كثيرا ....
كان الإحساس بالإحباط كبيرا حين رد عليه صاحب الوجه الأجعد
-لا ...لا يا صديقي العزيز ...أنا لست سعيدا ...أنا علي ...
كان الوقت صباحا والرجل لم يكن لديه من الوقت ما يضيعه في تذكر كل الذين مروا في حياته ليتعرف على صاحب الوجه ...فقال له معتذرا
-أستسمحك ...لم أتذكر ...
رد صاحب الوجه الذي كسته التجاعيد
-أنا فريد الذي أقرضتك ذات يوم مئة درهم ولم تردها إلي ...ولم اعثر لك على أثر منذ رحلتم من الحي...
أحس الرجل بالدم يغلي في عروقه ،وأصبح يشك في سلامة عقل الذي يخاطبه ،فقال له
-هل تعرفني يقينا ...أظن أن هناك تشابه ...
قال صاحب الوجه جازما
-أعرفك ...أنت فلان
تنفس الرجل الصعداء وقال لصاحب الوجه
-أنا لست ذلك الشخص إطلاقا ...أنا فلان ...
بحركة سريعة لف صاحب الوجه عنق الرجل بكلتا يديه وهو يصيح
-بل أنت ذلك الشخص ...هيا رد لي المئة درهم ...وإلا ازهقت روحك ...
توقف بعض المارة ليعلموا سبب تعارك هذين الشيخين ،الأول يتهم صاحبه بالتملص من أداء ما عليه من دين ،والآخر ينفي معرفته بالآخر ،تطوع أحدهم وأخرج ورقة من فئة مئة درهم ووضعها في يد صاحب الوجه الأجعد قائلا ...
-كنت سترتكب جريمة من أجل مئة درهم ...أنت فعلا مجنون ...
أخذ صاحب الوجه المئة درهم ثم هرول مسرعا أمام ذهول المجتمعين ...
حينها تذكر الرجل أنه كان مدينا لصاحب الوجه ،تذكر ذلك حين كانت رقبته بين يدي صاحب الوجه ...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.