dimanche 3 janvier 2021

نسائم القرية -5-// محمد بوعمران // المغرب


كانت للطفل علاقة وطيدة بالبادية بحكم أصول أبويه ،فكانت زياراته لها سلوكا روتينيا يتكرر مرة أو مرتين في السنة ،بل كانت نسائم البادية تهب بين الفينة والأخرى عليه وهو في منزلهم المركون في عمق المدينة العتيقة ،زيارة أحد أقاربه تحيي في ذاكرته الذكريات ،وتوقظ في نفسه الحنين لمناظرها الخلابة ...
كان يشعر بالفرق بين القروي والحضري وتستهويه هذه المقارنة ،يرى في القروي البساطة والتلقائية والكرم ،ويرى في الحضري الهندام والجرأة والدهاء ،فكان يرتاح للقروي ويحس بقربه بالأمن والاطمئنان ،صورة رسخها في ذهنه تلك الحفاوة في الاستقبال حين يزور
القرية،وذلك الكرم الذي يبديه القرويون اتجاه الضيف ...
البيت الذي كان يزوره في القرية يعرف حركة غير عادية خصوصا في فصل الصيف،رجال ونساء وأطفال من مختلف الأعمار يملؤون أرجاءه ، ويقضون مع بعضهم البعض أكثر من أسبوع ،جو يسوده الأنس والحب والشعور بدفء العلاقات الانسانية ...
غرفة خصصت للأطفال يزاولون فيها شغبهم ،ومجلس مخصص للرجال للحديث في شتى المواضيع ،وغرفة أخرى للنساء ليأخذن راحتهن في أحاديثهن الخاصة ...
يستمر السمر مساء على كؤوس الشاي ،ويستيقظ الكل صباحا لتناول وجبة فطور غنية ،حليب الأبقار والزبدة وزيت الزيتون والبيض البلدي والفطائر ...
بعد الفطور يغادر الرجال والاطفال البيت في اتجاه الضيعات ، وتبقى النساء في البيت لاعداد وجبة الغداء واعادة ترتيب الغرف وتنظيفها ...
من أجمل اللحظات التي ظلت راسخة في ذهن الطفل حين يقرر الجميع القيام بنزهة في الضيعة وقضاء يوم كامل هناك وتناول وجبة الغذاء تحت ظل أشجار التين الوارفة ...
واليوم وهو يسترجع شريط الذكرى يتساءل "هل مازال هناك لهؤلاء القرويين اليوم القدرة والاستعداد لضيافة كل هذا التجمع من البشر لمدة يوم واحد ...؟" بل "أين هم هؤلاء القرويون أصلا ...؟



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.