رُزق سعيد بطفلين من مريم،ولد وبنت يحملان اسمه ،أصبحا كل همه ،طفلان متقاربان في السن،مرتبطان به أكثر من ارتباطهما بأمهما هي التي تغادر البيت صباحا ولا تعود إلا مع غروب الشمس وأحيانا تتأخر لوقت متقدم من الليل
لم يكن دخل سعيد ذا أهمية ،وكان يتوقف عن العمل فترات طويلة تفصله بين فرصة شغل وأخرى ،لتقترح عليه مريم التفرغ للاعتناء بالطفلين الصغيرين فلم يجد أمامه خيارا آخر سوى القبول ...
لم يعد سعيد يعطي أهمية لتصرفات مريم التي كثرت احتفالاتها ،وارتفعت وثيرة تأخرها في العودة إلى البيت، كان يهضم التصرفات ،ويقبل عن مضض الأعذار ،ويكتم في قلبه حزنه ويجد العزاء في طفليه البريئين ،يرى فيهما المستقبل ...
كانت مريم تعتذر من دون أن يسائلها ، تبرر فيسمع ،ورغم أن المبررات يشم فيها رائحة الكذب كان يقابل ذلك بالصمت ولا يعقب ...
أصبح صمت سعيد مصدر خوف وقلق لمريم ،صار سعيد لغزا محيرا لفكرها ،بروده اتجاهها واعتناؤه الزائد بالطفلين وإهماله لنفسه ،يشكل بالنسبة لها بركانا خامدا قد ينفجر في وجهها في ية لحظة ...
**************حرقة الانتظار/6/************
-" يا سعيد ...لم أعد أتحمل صمتك وحزنك ...تكلم ...ما الأمر ...مابك...."
قالت له مريم ذلك في محاولة لإخراجه من صمته ،فقد أصبح كلامه معها قليلا ،وإجاباته عن أسئلتها مقتضبة ،شيء حول حياتهما الزوجية إلى مجرد عشرة شخصين غريبين عن بعضهما...
سعيد لم ينس بعد تلك الليلة التي تأخرت فيها مريم وقضت الليلة عند احدى صديقاتها احتفالا بعيد ميلادها ،ما زالت الشكوك تنخره خصوصا لما لاحظ أن سلوك التأخر تكرر مرات عديدة بعد ذلك تحت مبررات كثيرة ...
نظر سعيد إلى زوجته مريم نظرات فيها الكثيرمن اللوم والعتاب ،وبادلته مريم نظرات تعبر عن ضجرها العميق من صمته ، جو من القلق والحزن يخيم على البيت ،حتى طفليهما كانا يلعبان بعيدا عنهما بهدوء وبدون غثارة ذلك الضجيج الذي يغمر البيت الذي يوجد به أطفال،سكون مطبق ،لكن النفوس تغلي من الداخل ...
فجأة انفجر سعيد في وجه مريم قائلا
-تتكلمين وكأنك لاتعلمين شعور رجل تتأخر زوجته في الدخول الى بيتها ليلا ،وبشكل يتكرر مرتين أو أكثر في الأسبوع ، وتعودين وأنت منهكة وكأنك كنت في ورش بناء،...وما يجعلني صابرا على تصرفاتك هما هذين الطفلين البريئين ...لم أعد أستطيع تحمل تصرفاتك وعدم مبالاتك ....
كانت مريم تتابع كلام سعيد مندهشة ،وفضلت عدم مقاطعته ،حين أتم كلامه وضعت رأسها على كفيها وأجهشت بالبكاء ...
رفعت رأسها ونظرت إلى سعيد بعينين دامعتين وقالت
-لم لم تصارحني بذلك ...لماذا اخترت الصمت كل هذه المدة ...لماذا...؟كنت أظنك من النوع الذي يتفهم ...لكن مع الأسف خاب ظني...كل التأخرات كانت بسبب العمل يا سعيد...كنت أعمل لساعات إضافية لأرفع من دخلنا ...أتشك في يا سعيد ...كل الأيام التي تأخرت فيها مسجلة في سجل إدارة المعمل وفي بطاقة عملي ...أتريد الاطلاع عليها ...لم أكن أعلم أن قلقك وحزنك كان بسببي ...
قالت ذلك ثم انصرفت وغادرت المكان، في حين خرج سعيد مغادرا البيت ...
*************حرقة الانتظار /7/*********
خرج سعيد من البيت ،كان يعبر الشارع وجواب مريم يتردد صداه في ذهنه المشتت ،يقلب في ثنايا كلماتها عن ثغرة تمكنه من رد يرد له الاعتبار ،ويعزز به موقفه من تصرفاتها ،فلم يجد لذلك سبيلا،لا شيء يخرجه من شكوكه ،تماسك تبريرات مريم جعلته يحس بضعف موقفه من تصرفاتها ...
كان يسير بخطى متثاقلة ،ساقته قدماه إلى منزل أبويه ،ربما سيجد هناك من يواسيه ويرشده...
وجد أمه منهمكة في أشغال البيت ،حين اِنتبهت إلى وجوده قبل رأسها ،عانقته ،تفحصت مظهره ،أحست بإن حالته ليست على ما يرام ،عيناه تحملان شكوى وحزنا عميقا ،سألته بحنان الأم
-ما بك يا سعيد...أراك وكأنك تحمل هموم الدنيا كلها ...
طأطأ راسه ليخفي حزنه وقال:
-لا شيء ...أنا بخير ...فقط أريد الاطمئنان عنكم ...كيف أحوالكم ....
حدس الأم لا يخطئ ...أحست بأن اِبنها ليس بخير كما يزعم ...فقالت له.
-اِسمع يا ولدي ...كنت أتوقع أن زواجك من مريم ستعقبه مشاكل بينكما ،كنت متلهفا على هذا الزواج ...متسرعا ...أعجبك شكل الفتاة ...ولم تكن مستعدا بما يكفي ...والواقع أني سألت عنها فلم أسمع عنها ما يسيئ ،....ما الأمر
أجاب سعيد بانفعال شديد
-إنها تتأخر في العودة إلى البيت ...ولا تهتم كثيرا بأطفالها وأنوب عنها في أشغال البيت في أحيان كثيرة ...
ابتسمت الأم وهدأت من روع ابنها قائلة
-تتأخر ...كل النساء المشتغلات يتأخرن أحيانا ...العمل يابني ...العمل...لو كنت مكانها لتأخرت أنت كذلك ...
-لكن أنا رجل يا أمي ...رجل ...
ضحكت الام من رد ابنها كثيرا
-انتم هؤلاء المتعلمون تريدون أن تكون المرأة مثل الرجل ...وتشتكون من تصرفات زوجاتكم ...غريب ...أنت تنهشك الغيرة والشك يا عزيزي ...لا تظلمها حتى تتيقن ...
لم يستطع سعيد التعقيب على جواب أمه ،أخذ ينظر اليها ويفكر في ما قالته ...
ودع سعيد أمه ،أحس بشيء ما تغير في ذهنه ،شعر بخفة خطواته وهو يقصد بيت الزوجية ،لكن بين الفينة والأخرى تنط إلى فكره أسئلة الشك والحيرة فيحاول إبعادها قبل مقابلة مريم .../يتبع/
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.