بعد زيارة وادي الحمامات تغيرت الأوصاف على الموعود بحسن تمام الدرب. لو غابت سبل الأنوار السبعة؛ في الباطن يتجرع مر الصبر. يعرج بالروح بأعلى الآفاق ويبدو كمن يتعارك. مطلبه لا يتنازل عنه؛ فيقوى ولا يتمارض. ويروم وصولا للمكتوب على درج الغيب. يسحبه كالمأخوذ، ويتأمله حتى يراه بعين القلب. وهواتف لم يتعودها في كل الأوقات تصيح: ارجع وتحقق من فعل الأسماء وتنويعات الريح. يسمعها دوما في الصحو وفي النوم. لو كان وحيدا أو بين الناس يحس بثقل في البدن ودمدمة في الأسماع. يجلس كالمهموم ويتربع، ويميل برأسه في حجره حتى يصيخ السمع ويضبط إيقاع الأنفاس. عيناه المغمضتان تشاهد خلقا لا يعرفهم هذا العالم. ترتفع الأصوات الخافتة حتى يميز تكات الأقلام. وجدال لا يتوقف، يسمعه ويشارك فيه. لا ينظر صاحبه ويفهم أن المقصود
بداخل فيه. يلجمه بكلابات الصمت القاسية كي لا يظهر. ويحس بأن المخلوقات الماثلة أمامه كتل حياة. وقوالبها تأخذ أشكالا لا تبقى جامدة؛ بل تتغير. مثل عجينة تقبل أن تصنع منها جميع الأشكال. تتمدد أحيانا نحوه؛ فيجد الدرب يضيق. وإذا احتدم الجدل ولم يتوان، غطت دربه إلا موضع قدمه. مثل نذير عقاب كي يتراجع. يشعر في تلك اللحظات أن الدرب امتلأ بحيات متفاوتة الأحجام وما تركت للمسكين سوي دعسة قدمه. لو زلت خطوته قليلا، داس الحية وانكفأ على وجهه. ومع ذلك لا تمنعه تلك المخلوقات السير إذا طلبت منه أن يتوقف. يزداد العتب بعد بلوغ السمع صرير الأقلام. ومناظر تظهر في الأفق تحذره لو يتجاوز. أولها المستشفى، مما يعني أن الحية تتربصه. أما السجن فحقا يرهبه. لن يبقى بقيد الأحياء إذا أودعه وسدوا عليه الباب. يتسع الأفق وتهدأ في السمع الأصوات. والدمع يسيل من العينين المغمضتين مع همسات عتاب. نهض الجالس من جلسته وسد الباب. وأشار لفارس قبل صنيعه أن يمنع من يأتيه ولا أسباب. قصد فراشه وتمدد رغما عنه مثل المصروع. يشعر ألسنة الموت تزيد عليه؛ فيستسلم في خضوع. غابت نفسه؛ فحل النور الأزلي وعبر بحلقات العمر جميعا دون وقوف. ينظر ظل المخلوقات يمر بأرض النفس ويتوحد. كل الأشياء تراءت في كل الأشياء. والسمع يعود إليه؛ فيفهم ما يسمعه ولا تظهره الكلمات. غابت نفسه وانطفأت شمسه، وصار المطلع عين شهادة. فإذا ابتهل فتاه لمولاه ولباه رآه وزوده بقلادة. ذكر يرفعه وينفعه ،حتى إذا دخل رواق الحيرة، نال مراده. وإذا أخبره بما كان من الأمر عقل المسألة وزاد عبادة. فني و ورد عليه ملايين الذرات من الاستنيار. انقطع الحس، وصار كأهل الكهف، ولاح المدد بتغذية الأنوار. وتراءت في هذا اللجج الخانق كل حياته. ما كان وما سوف يكون حتي مماته. وجنود الواحد تأتي من كل سبيل. يعرفها ويشاهدها، ويشكو من ضعف يضنيه. عجز يمنعه مهما كان الأمر من المتعة بحياته. يبرد بالحر، ويسخن بالبرد ويحيا ما يحيا لمماته. قدر يحشره بسجن الدنيا ويمنع عنه الزينة. وإذا حاول أن ينقذ من سكن سويداء فؤاده رغم صلاحه، لم تنفعه وسيلة. يشكو الغائب لما شاهد أجناد الحق تناديه. تسأله ويسألها، حتى يعيش الآن ويخرج من ماضيه. يذكر ما عانى بدنياه ويسأل عن سبب الفقد وكيف يكون طريقا لتساميه؟
يهرب من كل الناس؛ فيشهدهم وقت تدانيه. والأصوات الزاعقة عليه تعالت من جنبات الكوكب. تصنع معرفة يجهلها؛ فيكررها حتى يتعب. ثم انتظمت وتبدت في النبض كصوت حمام. يعقل في مرته الأولى أن تجليه بدون لثام. تحاوره الأصوات فيخرج ما فيه ولا يتردد. كيف تطالبه برجوع لا يرضيه، وتفتح دربا يدنيه من المستشفى أو السجن؟. وإذا جاز وأطفأ لهب النار تحاوره بحنان المرأة للخدن. ما تلك سوى الأستار تريد ذهابا لحجابه. تدخل مهجته لتنقيها من صدمات غيابه. قبل مصالحة الرب وقبل منادمة الأسحار. هي أصوات صفات تسبق أنفاس الرحمن. يشتد الصوت ويرعد بالقرب من الأذن؛ فيبكي. يتذكر طرفا مما كان عليه قبل الصلح ويبني. يلتزم الأدب ويكسو الصوت بنبرات عتاب. يدعو ربه حتى يهبه من خير جميع الأبواب. ويعدد ما يضنيه منذ تجلي القلب الأول. لما كانت دنياه كشمس تعلو على رأس الأشهاد. وامرأته تنصحه أن يتريث بعض الشيء بحرب الأوغاد. تلفته أن الأرض بتلك الأصقاع عرين الأعداء. وإذا ضجروا منه؛ فيمكنهم أن يرموه بأفران الغاز. والأموال المودعة لديهم في مصارفهم يسطون عليها. عاش لعقد أو أكثر يجمعها وولت بصراع الأضداد. والمرأة غابت ومعها طفل لم يتكلم بعد. عاد إلى البيت بديجور الليل فما وجد غير رسالة. لا تبحث عنا فقد صرنا في غير مدينة. وصل الأعداء إلى أسرته لكسر إرادته، ورده عن دائرة القيمة. يتذكر ما كان وما قاسته النفس بتلك الحقب الأولى. قبل مصالحة دامت واعتلت فيها الأحوال من النظرة الأولى.حتى رماه القدر بطرفة عين لجحيم الصحراء. يسأل عن أسباب الفقد؛ فيقوي الصوت بظل المخلوقات. يا جاحد، لا تذكر ما ضاع من المتع الفانية بتلك الأرض. ما معنى الشوق إلى امرأة أو ولد يمنعك عن الحب؟. أتظن بأن الدنيا كل الأمر؟. أين كنت وأعطاف الرب تصاحبك قبل وصولك للدنيا؟. بل كيف فهمت بأن المرأة والولد من الزينة؟. وقناطير الأموال أو الخيل المسروجة في نظرة حب مهما تكون قليلة. أوتذكر دعوتك قبل الصلح لتهجر دنيا الناس؟. لما الأعداء اشتدوا بمراقبتك وحبست الأنفاس؟. قلت وكان هلاكك؛ يا مولاه أغثني. لو عدت إلى أهلي على قدمي، فلسوف أفر إلى ربي. ولقد عدت وعشت لعقدين معافى، فماذا تريد؟. قال أريد يقينا يجبر عجزي بتلك الدنيا. ونعيما يستر ضعفي ويرفعني إلى الجنة حالا ومآلا. أبغي بعد هلاك الأسباب مباعدة الخوف من الرزق أو الخلق. والوصل الدائم بالنور الساري بهذا الكون وكل الأكوان. أن ترفع عن جسدي الإحساس بكل لهيب الصحراء. وتيسر أمر الماء البارد والنوم الهادئ وتخلصني من الأوحال. فقليل الصبر إذا بلغ الآفاق وعاد؛ فلن يخرج من طور الإنسان. إلا أن تحمل عني تبعاتي. وتمنحني من الإسم القهار رقيقة، إن حلت فزعات الموت. قال يا بطال: ما عساك تريد والكل خلقي؟. هو تدبيرك وقلة تقديرك. لما تقترب من المعنى، وتزعم ظفرك بمرادي. تنطبق عليك الدنيا وتترك فيك أنين مودع. يأتلف الصوت ويتناغم وتميل ظلال المخلوقات. . لا يشبه هذا الحال الطرح من أي طريق. فالروح يراها الشمس تجود بجذوتها، والجسد المتهالك صحبتها خير رفيق. لم تخرج منه عبر الحبل السري وتحاوره كمنقار الطير. أو تسرح في الملكوت وترجع بنباتات الخير. هو في الدنيا وخارجها. موجود في كل الصور وفي الأنغام. جزء من كل إن نطق عيت الأفهام. يتسمع للنغم الساري بهذا الكون. هارموني متداخل هو نبع الصوت.يعلو تارة، يخفت تارة، فيلاحقه دون عناء. وشواطئ أنهار تكسوها الأشجار المثمرة على رأس حقول الحنطة. يحيا كيف شاء بكون يعطيه هواه. تدفعه ريح رخاء حتى ضفاف النهر. يجلس تحت صفصافة عتيقة يشهد سريان التيار لكل المخلوقات.يمكنه الحركة أنا شاء بكون الله الواسع. وإذا قيل له ارجع، قال إلى أين وأنت الأين؟. إلا أن تلهمني رشدي بفزعات الموت. قال يا ظالم لا تأخذ قدرك من عقلك. ترتيبك في الأسباب يوافقك وماعندي لا يمكن أن يستوعبه العقل. هي نوبات فناء الأسباب. قد تجزع ساعتها، لكن ثمرتها تغنيك عن الزاد. ثم ارتد الإحساس إلى الجسد؛ فخرج من الحضرة. عادت نفسه من غيبتها؛ فعاد بريق الفطرة. ترمش عيناه وتتفقد أستار الحجرة، تنتظم الأبعاد؛ فيستشعر قسطا من عافية جمع شتاته. عاد بغائبه من الأصقاع المتناثرة وسكن فؤاده. نوبة راحة لم تسكنه أبدا كل حياته. وإذا قوي علي الحركة، عاد إلى دنيا المخلوقات. اكتملت دائرة العمل مع مرور الأيام ولم يتبد أي خواء. راح المترصد للوصل يدور على الأودية لأعمال ينجزها. يسلك دربا شاقا في الصحراء ويبحث عن بادرة يغرسها. عامان انصرما ومرا بغمضة عين. يبغي لو كان بمدرسة لينال شهادة. لقب يكسبه ويدفعه إلى الصبر ليبلغ كل الدرب. لكن السعي جميعه لا يعرف أية ألقاب. إما يخلص لجناب الحق بمنته أو يحصد طيف هباء. ويغيب كثيرا في مطالعة كلام السادة. شيخ الطائفة يعاتب رهطا من عرفائه لما يجد بذور الشك. يسأل نفسه: كيف وصلوا ومعهم شك؟. يتدبر ويقول بأن الشك لديهم ما كان بمعتقد، بل في الزعم بحد الدرب. زعموا بلوغه ومازال لديهم قدرا حتى بلوغ الحد. يشهد أن المذهب واحد، حتى ورثنا من الطبقات الأولى القهوة والدخان. ونتائج معمله تشد الناس إليه من أنحاء القطر. صار الصرح دليلا يكفي على حسن السير بوسط الدرب. لا تفريط ليخفت ظل المخلوقات، ولا إفراط يمج الفطرة. كالملتمس العون من الجن ويترك رب القدرة. وشريكته صارت معروفة أكثر من كل رجال الأعمال. تتحدث بلسانه دوما لما تظهر في الإعلام. وإذا سألت عن سر خفائه قالت: لا وقت لديه وكل حياته في طي الكتمان. والأعراب حواليه صاروا صلب حياته. شيخ النجع بوادي العلاقي يبني ساحة كبيرة ويدعوه بكل رفاقه. فيها المسجد والمجلس وصنوف الزاد جميعا والقهوة والدخان. وأسرة خشبية بدوية، جاءت من أقصى مكان. أطول أودية الصحراء الشرقية وتكثر فيه الأشجار. وادي الذئيب الموازي لواديه. أكثر أودية الصحراء وجودا للخضرة فوق روابيه. وإذا نزل المدينة لأي الأسباب ذهب إليه لأخذ البركة. وعبابدة المدينة، يلتمسون السبل لدعوته إليهم. في الأفراح يكون مع المأذون بوقت العقد. وبشقته بعض أمانات من ذهب أو أموال أو حجج الأرض. إن أوصى الواحد منهم بوصية لذويه كان أمامه. ولو إمرأة ضاقت بالعرف وبطش ذويها لجأت لمقامه. وإذا مات الواحد منهم، يجمع فارس بعضا من أحبابه لختم القرآن. ثم إذا ختموا نهضوا إلى الحضرة ومنادمة الديان. كم تاق كثير من غير الأعراب لتلك الحضرة. بشر غربيون قريبون من جمعية الرفق بالحيوان. يأتون مع فلورانس وسيمون وغيرهما ببعض الأحيان. تسمع منهم بعد مصافحة الأحباب كلاما يرسخ بالبال. هي تفريغ نفسي من الشيخ لأحبابه. تدخله عليلا بالأسقام وتخرج منه بلا تعريج. تأثير روحي يدك بشريتك فيخمدها. مثل الأرض إذا حرثت وتساوت لا شيء يعاندها. حتى تجد كثيرا منهم يتحرون مكان الحضرات. أما رجال الحكم الرسميون؛ فيهرب منهم للخلوات. لم يأمن لو شاهد أي منهم بالمسجد أوقات الصلوات. وفي الأسبوع الفائت جلس رغما عنه مع كبير الاستخبارات. كان مع بعض الأحباب بعرس البنت الصغرى للعم محمود، دليل وادي العلاقي. وصوان الفرح بوسط السوق أمام المبنى المعروف لكل عبابدة الحي. وبعد الرقص وبعد الطرب، تراءى عميد المبنى بحاشيته بين رجال العبادي. جاء يجامل خير دليل في الصحراء. من أنقذه ذات سواد قاتم، من بشر زرعوا فتيل النار لسيارته وما انتظر حساب. ولذلك قبله وقدره أمام قبيلته ومدح أصول الأعراب. في تلك الليلة جلس مصادفة علي طاولة الحاج علي. سار مع من يهتم بأمره حتى أجلسه على تلك الطاولة بالذات. وبعد فراغه من قهوته، ومراقبته راحة صحبته، سأل الحاج عن الخلوات. أخبره بجمل جد قصيرة عن عاميه بتلك الصحراء. أين يروح وكيف يروح، وماذا يدير بأروقة الأموات؟. لم يجد الحاج بقوله شيئا من غمز أو لمز أو غطرسة السلطة. نظر بسيماه؛ فوجد الصدق ووجد الحرقة. يحرس بجنوده كنزا للأجيال ويحزن لو طالته السرقة. ويمد يديه لكل شريف يحفظ تلك البلد ويمنعها الفرقة. وإذا سأل الحاج الفاتحة حال وصوله لمقام الحاكم، ارتاح وراح مع النغمات الزاعقة إلى الفرجة. في تلك الليلة أطعم حالا لم يتذوقه البتة. لما رحل عميد الاستخبارات، تمادى وأمعن في الفرجة. كانت سيمون وفلورانس، وسبع نساء من جلدتهم، من عشاق الحضرة، بين نساء العبادي. في صدر صوان الفرح مع النسوة أمام (الكوشة). وغناء بدوي مع نغمات زاعقة يتبينه بصعوبة. وإذا الذهن يفكر في أسماء السبع نساء، تنطق شفتاه بأسماء أخرى. يسأل نفسه: ما هذا العبث وما هذا التخليط؟. أثبت يا عبد الله فما هذا بجديد. يذكر أسماء نساء يعرفها ولا يعرفها. أرواح تسعى إليه إذا نام ويدركها من المعنى. تأتيه تسري عنه إذا أحسن صنعا في أمر ما. لا يستجلبها، وتأتي طواعية من غير دعاء. يقف على آخرهم مبروكة الهواري. من يسأل عنها إذا وجد اللقب بأي الأسماء أمامه. يغمض عينيه عن الفرجة وينتبه إلى الوقت. يتفقد أحبابه حوله ليعودوا
إلى الجد. وإذا دقت نغمات الزقة بزعيق فوق الحد.
نهضوا وفي الأرواح مذاق الفرح. لكنه رأى الليلة الفائتة نفس الإسم أمام الصرح. شاف وشعر ببدنه، فزعة من فزغات الموت. ومع ذلك لم يقنط أو ييأس أو ترهقه سحابات الفوت. وتدبر بعد استيقاظه، كيف يصير الأمر؟. كان بعمر وظيفته إذا ابتعد عن قريته بحكم العمل، رأى في النوم أناسا من أحبابه. ولما يعود، خصوصا لو طالت غيبته، رآهم في واقعه لأية أسباب. في ذاك الوقت، كان يلم الظاهر والباطن، ويخمن ما يجري له من أقدار. يقنع في داخله أن الموت يداهمه وقد اختبأ حيث وقوف الأسباب.. يتفق أن يربط أشياء لا يحكمها رابط. شذرات من حاضره وغائبه تصدقه أحيانا، وبأحيان أخرى تتركه يكابد. يفزع إن فكر فيها، ويشعر في داخله بخفقان يزداد. وكأن الباطن فارغ، والريح تثير رماله بأصوات عواء. والموت كجبل صلد يتهاوي عليه. مهما يبذل من جهد، يتمدد فيه ليصل إلى أنفه. لكن الكهف وساكنه حملا عنه تلك الفزعات. ولى اليأس الآن وعمل بحكمة ما فات. ويفكر في معنى تكرار الإسم البارحة لسيدة من أهل الفضل. ولم كانت تكشف عن ساقيها حين رآها أمام الصرح؟. صرح تحت الماء ولا يعرف أين. يهجس في نفسه: في أي من أودية الصحراء يكون. ويخمن أن شاف قرينتها. فأميرات الجن بتلك الصحراء تفتش عن بغيتها. وجدت سيدة تركت دنياها وعشقت مولاها؛ فقعدت تحرسها. ويعاود صورتها وبهجتها أمام الصرح. ومداورة الكلمات تطيل تأمل من رسخت في الفكر. إمرأة لا يعرفها ويعرف مسلكها. يهمس لا تتعجل، والعجلة من طبع الإنسان. لو صبر قليلا, أدرك ما أزعجه في دائرة الحسبان. ويغيب يغيب ثم يعود إلى الإسم. مبروكة الهواري؛ فمن يأخذني إلى درب سليمان كي يراها لعدة مرات حتى تنطبع بصفحة باله. لكن رؤياها البارحة فقد كانت بمقامه. عرف السيدة على قدم نبي الله سليمان، نالته من النور الذاتي الساري في كل الأكوان. و كرامتها، مع الإنس والجن والطير وتسخير الشيطان. يتنهد وهو يقول: سبحانك يارحمن. وينادي على فارس بعد غيابه بضعة أيام. لم يسمح فيها بملاقاة الخلق، وما نطق فيها بأي كلام. يأتيه فتاه سريعا، وعلى مهل يخبره بما فات وكان. من سأل عليه، ومن جاء إلى البيت لمعرفة الأخبار. وكذلك ما صار بمعمله، ذاك الصرح الشافي من الأسقام. لقد اتسع وبات كبيرا كالمستشفى. وتطوع به نسوة تمريض وطبيبين. جاؤوا من أسر أناس مرت وتداوت من غير جراحة أو تخدير. وقد اشتهر على ألسنة السابلة بمستشفى الشيخ. بشر الرجل وقنع بمسماه لما فيه من البشر. هو آخر ألقابه في الدنيا ودليل سرور. فقد إمتلأ بباطنه بعد عناء مضن وتدابير حبور. امتلأ الباطن، والجبهة والوجه جميعه يلمع فيه النور. ولما استشعر بالأنس أراد زيارة سيده إن جن الليل وغاب الضوء المنظور. أوعز لفتاه بأن لا يعلم ذلك غيره. يحمله بالسيارة وقت صفار الشمس حتى يجود هناك بآخر فرض في اليوم. ويعود بساعات الليل المتأخرة، ولا تنظره العين. نظر فتاه بساعته واستأذن منه ليدبر أمر السيارة. نزل سريعا واتصل بروماني، وانتظر قليلا حتى أتاه. وقبل المغرب بقرابة نصف الساعة، أغلق شقته وراح يدندن بهواه. دارت سيارته وصعدت حتى بان طريق عرضي يصل إلى النيل. عشرون دقيقة ولاح رأس طريق ينزل للوادي.صلى المغرب عنده، وشرب القهوة ب (الكافتيريا)، وراح يخش على الجزء الباقي. 110 كيلو متر، هي طول طريق مخصوص للسيد. والسيارة أخذت سرعتها علي درب دوار ضيق. وإذا اقتربت من منتصف الدرب، استوقفها جماعة من الأعراب. ربطوا فارس بحبال كانت معهم، وعلى فمه لزقوا قماشة بغراء. ثم اختطفوا الشيخ ودخلوا إلى جوف الصحراء.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.