samedi 2 mars 2019

غريب الأطوار // عبد الله اللمتوني // المغرب



الانسان ذلك الكائن الغريب الاطوار ، العصي على التعريف المعقد التركيب المتعدد الابعاد ، يولد وهو دون مستوى الحيوان ؛ لا غريزة تسعفه على التكيف في الآن ذاته ولا تكوين بيولوجي يمكنه من مقاومة أنواء الطبيعة ، ولا تفكير يدبر به شؤون حياته ، ولكنه في الآن ذاته يفوق مستوى الحيوان بما يكتنز من استعدادات ، يأتي عليها زمن فتأخذ في التعبير عن نفسها : يدرك ، يميز ، يفكر ، يعي ، يتذكر ، يتخيل ، يتأمل ، يلاحظ ،...لكن ذلك لن يتأتى إلا برعاية من والديه أو مربيه ، بتهييئ المناخ الملائم وتهييئ الظروف المناسبة : رضاعة ونظافة وحماية وأكلا وشرابا وتوجيها وعناية خاصة ، وكيفما كانت تربيته تبقى دائما نسبية ، تتوقف على المستوى الثقافي والمعرفي للمربي نفسه ، ومن تم تبقى أية تربية نسبية مادامت المعايير العلمية الصارمة غير متفق عليها ، وما دام المربون غير متشابهين . ولو انه وضع هذا الإنسان في مكان ما منعزلا عن أفراد أسرته وأبناء مجتمعه في غياب هذه التربية وهذه العناية ، واكتفينا فقط باطعامه وإشرابه ، فكيف ستكون حاله بعد سنوات؟ تخيلوا جيدا ، سوف يتردى إلى مستوى دون مستوى الحيوان ، (لأن للحيوان غريزة تحميه ) ، وسخ ، يتحرك في أي اتجاه بحركات غير مضبوطة ، يصيح ، معرض للأخطار ، مادامت جل استعداداته معطلة عن الاستجابة ؟ فكيف له أن يشق طريقه للتكيف وهو أعزل من الخبرة والمعرفة والثقافة ؟ أليس الطفل في بدايات حياته كيانا رخوا يمكن عجنه وتشكيله وفق الصورة التي أعددناها له ؟ فهل قدرنا معاناة الامهات والآباء في تربية أبنائهم ؟ أليس المربي نفسه أمام هذه المهمة الصعبة في حاجة إلى أن يربى ؟ ماقيمة وسائل الإعلام والتواصل المسموعة والمكتوبة والمرئية إن لم تخصص في برامجها يوميا أو على الأقل أسبوعيا حيزا لتوعية الأمهات والآباء بما جد في مجال التربية ما دامت نهضة الأمم تتوقف على مدى تكوين الأفراد وما تستثمره في ثقافة وتنشئة ابنائها تنشئة تستجيب لمتطلبات العصر في مختلف شؤون الحياة ؟ أليس التهافت على الاستهلاك الزائد على الحاجة والاقتناء الفاحش من أجل التباهي والانغماس في وسائل التواصل على المواقع الاليكترونية والانسياق خلف الأنانية الزائفة وحب التملك وسيلان لعابه خلف الحملات الإشهارية التي ينجرف معها لاقتناء المزيد من الماركات العالمية هي الأسباب الرئيسية في إهماله القيام بواجبه ؟ ألم يضيع من حياته يوميا لحظات وساعات يتنكر فيها لواجبه ؟ أين القيم الإنسانية وهي أغلى ما فيه وبها يتميز عن سائر المخلوقات ؟ أليس بالعلم نرقى ؟ فكم من جاهل صفق لتفاهاته أذنابه ، وكم من عالم بدرره مهان ، وكم من حكيم جمع بين الرأي السديد والتفكير السليم والحدس الثاقب وهو بين قومه وضيع ! تلك هي الأسباب الرئيسية في تفريخ أجيال لا تعرف للمسؤولية قدرا ولا لتصرفاتها رادعا ولا لمستقبلها قيمة ؟ لكن ذلك ليس قدر هذه الأجيال في زمن اختلت فيه الموازين وساءت فيه المعايير ، ونذر فيه نكران الذات وتفشى فيه تضخمها ، وبات فاقد السيطرة على وعيه ؛ يعرف قيمة الكرامة ويرضخ للمهانة ، يروم إلى التعالي وهو يحمل في كيانه جراثيم انحداره ، يشتري بالرياء سمعة سرعان ما تنطفي بانطفاء حضور الشاهد ، وهو يدري في قرارة نفسه أنه خالي الوفاض ، يتظاهر بالتقوى وفي السر كفر وبلوى ، ذاك هو الإنسان في أغلب الأحيان ؛ غريب الأطوار ،في رأيه قليل الاستقرار ، يعيش على المتناقضات ويروم جاهدا إبداء المحسنات ، إن الإنسان كما يقال : *ابن بيئته * والدين الإسلامي يحمل مسؤولية التربية لوالديه ، والفلسفة والعلوم الإنسانية تعول على التربية ، وفي هذا الصدد يقول جون جاك روسو : " الإنسان خير بطبعه والمجتمع أب الشرور " . نولد متشابهين باستثناء فروقات بيولوجية ولكن بالتربية قد ينشأ أبناء فقراء عمالقة وقد ينشأ أبناء أغنياء مجرمون أو بلداء ، ولك في الرسل والأنبياء والائمة وعباقرة التاريخ خير مثال على ذلك ؛ من ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، والإمام الشافعي وأبراهام لينكولن وأديسون ونيوتن وأينشتاين واللائحة طويلة ، كلهم انحدروا من بيئات فقيرة وشهرتهم ملأت الدنيا وظلت منارات في تاريخ البشرية ، ماكان الفقر عيبا ولا جهلا، وماكانت العبقرية حكرا على الميسورين ، لكنها التربية والتنشئة الاجتماعية على القيم المثلى هي أساس نهضة الأمم ورفاهيتها ، وجهلها وتجاهلها هو سبب سيادة الفوضى لتعيش النخبة ، ورفع الشعارات الرنانة لإخفاء المعاول الهدامة .




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.