مع انبلاج الفجر أشار دليل الركب لكهف الأسرار. كهف صخري عند ذؤابة جبل لا يتناهى. وصل إليه الإنسان قديما قبل ظهور التاريخ. لما كان يقلد أصوات الريح ويخشى الحيوان ولا يتكلم. في ذاك الوقت الضارب في الزمن، كانت أسطورته تحل محل التاريخ. والوعي بذاك الزمن كان جنينا لم يولد بعد. أما التفكير هناك فكان بأيدي الإنسان وليس بالعقل. كان يخاف على نفسه من صوت الريح وكتلات الصخر المتهاوية وغدر الحيوان. وإذا برقت واقتربت قطرات المطر من عينيه
اعتدل ونام. وقف الركب على حافة درب شاق غير معبد. لولا دليلا الجبل لضلوا بوادي الراحة والاستجمام.
ثمة أعراب يمشون إلى ساكن هذا الكهف رغما عنهم. سخرهم رب الكون لإمداده بالزاد. تين برشومي مجفف،وزبيب عنب، وبصل وخبز وتمر. كما يؤمنون له المياه. وإذا رأى روماني الجمع قد تأهب, قال: نستطيع الآن أن نصعد. كانوا يظنون أن الكهف ليس ببعيد. فقط يصعدون حافة الجبل هذه حتى يجدوه. ولما صعدوا وجدوا الجبل يمتد ويمتد كأن لا آخر له. كان الجميع يلتزم الصمت. ران عليهم شيء من صمت الخشية. حتى كأن الواحد منهم يخشي ظهور ما يدور بنفسه للآخرين.
دفقات الضوء التي تبثها السماء تنير الآفاق. كأن الكون حادث ومخلوق في التو. هذا أول ليل تطلع عليه الشمس . مشى الجميع خلف الدليل، وكل عجزه يكفيه. لا تظن أن الإنسان داس بقدمه كل الكوكب؟. ثمة أرض لم تطأها قدم الإنسان. وكيف عرف السيد هذا الكهف؟. لا تسأل، بل إياك أن تسأل. فكلام الصمت يجوي ويكوي. والأجدى مرافقة وقف التفكير للصمت. كل الأشياء قائمة بقيمته. هو الذي يحملك ويحركك. ولا صوت غير الحصى تحت الأقدام. صوت يرن كأصوات المعادن. الدرب يضيق ويتسع ولا وجود للرمال. وكتل الأحجار المتفاوتة تتثائب وتتمطى، وتنظر بعجب لزوار الفجر هؤلاء. ما الذي حملهم على المجيئ؟. لا أحد يعرف، حتى من جاء بهم، وإذا عرف؛ فبدرب من إجمال. بعد نحو ثلث ساعة سأل روماني: كم يتبقى من الوقت؟. رد عشر دقائق. وإذا وصلوا وجدوا السيد وحده يؤذن الفجر. بعد الصلاة انزوى الحاج علي مع الرجل الذي طوى من أجله الصحراء. كان يجلس في حضرته كالميت بين يدي المغسل. لقد استعد جيدا للقاء. لازال وتد خور الجوزاء في باله. حين يكون على موعد مع متحقق ، يحمل معه أسئلته كلها. هذا أحد العارفين ولديه جواب لكل معضلة. وفي نهاية الأمر، وبينما يعود أدراجه، تتورم رأسه من دوار الأسئلة. دوما ما يأخذه هؤلاء الناس من مراد نفسه. إذا سأل عن الصيف وجد لسان الحال عن الشتاء. وإذا اختص حال بالسؤال بغية إدراكه، وجد الكلام عن مقام عزيز التصور. لقد هزه كل متحقق هزة عنيفة. وفي كل مرة النتيجة واحدة. يشعر أنه في ملكوت الله لا يساوي قشة. وحده وتد خور الجوزاء كان عليه حنونا. ضيفه وقتا أطول حتى فهم كيف يكون التقدير.؟ واليوم التزم الصمت وما أخبر حاله. جلس يتلقى من السيد كلماته، كتلقي آدم من ربه الكلمات. ليكون قدوة لولده في التوبة والأعمال الصالحات. نظر الحاج علي للرجل الذي رآه قبل أن يراه. رجل سبعيني نحيل وطويل تكسوه حمرة. يرتدي جلبابا أبيض ولحيته البيضاء كثة وطويلة. بدأ يخط علي الأرض أمامه وهو يتكلم. رسم مثلث فيه تدريجات السادة. قاعدته تقتصر على ثلاثمائة ولي. أعلاها ثمانون من الأوتاد؛ فسبعون من الأنجاب. ثم أربعون من الأبدال؛ فالأقطاب الأربعة. وفي آخره إمامان والقطب الغوث الفرد الجامع. هذا الذي تتنزل عليه الرحمات لأهل الأرض والسماء. وقد كان ساكن حميثره في زمنه، وهو كذلك الآن في البرزخ. رؤيتك للسادة تتوقف على جدارة روحك. ومن تراه تأخذ من علمه وبركته. مصر كلها دائرة واحدة. والجن والشيطان بها دائرة واحدة. وأنت في دائرة النور ترى الدائرة الأخرى عرضا. أنت حرقت الشيطان بحزب الدائرة الميمون. تأثيره على الجن أقوى من الإنس. كنت بصحراء الفيوم بليلة جمعة. لاحظ أن الأنوار تفيض عليك كثيرا في تلك الليلة. أخبرنا بدل الصحراء الغربية بصنيعك حين وقوعه. وإذا أصبحت تهادي عليك من الرحمات حجاب. ما عادت أرواح الشر تراك. خدمتك في الطب الشرعي الروحاني. وعطاؤك سوف تراه وتعقله في وقت غير بعيد. اخرج دوما مما تعرف حتى تعرف ما لا تعرف. وابق به في الحركة والسكنة والوحدة والزحام. اعرف أوقاتك، قررها ولا تتهاون. وإذا جزت بساط العلم فلا عين تراك. وأشاح بيمناه وقال: في تلك الأنحاء خبايا وأسرار. من فر إلى سيده تدب إليه جميع المخلوقات. لا تحسب أن الأحجار جامدة؟. أو أن الملائكة تتصرف من تلقاء نفسها؟. أو أنك وحدك وأنت وحدك. الأسماء التي التقيتها بالدرب علامات. باركتك نعم، لكنها لا تنفع ولا تضر. والأسماء والأذكار كثيرة. المهم أن تكون أنت معني ومجلي الأسماء. العالم يشعل نارا ويعالج المعادن في الكهوف وفي البرابي. يعمل بقواه الروحية طالما لا يراه أحد. إن كنت اخترت طريقا آخر للعلم فلا ضير. أيا كان الحقل فوجه للإصلاح. وبحكم الخدمة، أعداء الإنس عليك كثيرة. منذ أتيت الصحراء وأروقة تتمدد. ماذا يفعل هذا الرجل على وجه الدقة؟. والمرأة التي ترافقه من أي جهة؟. هيئتك، ملابسك، علبة تبغك، حركتك في ال ( كافيتريا) وعلى الشاطئ، لأكثر من عام، لا توحي أبدا أنك شيخ. لكن السمت بهيئتك ثابت لا يتغير. شعر الحاج علي برغبة في الضحك سرعان ما وأدها. كان يجلس في حالة من الرهبة، وقد بدى له حادي الأفراح مثل ضميره. وخيوط الضوء تبدد تلك الظلمة. تنسحب عليها وتتكور حتى تخفيها. وطيور ضخمة تشرح صدر الإنسان. شمت رائحته حول الكهف؛ فدارت في الأفق لري العطشان. من حوم حول خبايا القوم ليتمكن من درك الأسرار. أنوار السيد وصلت باطنه من دون عناء. هزمت ظلمته كخيط الضوء إذا سطع على سطح الماء. ولسان الحال يعود إلى الأعداء. من خطر بباله أن يؤذيه على مر العام. محفوظ أنت ولست بمعصوم. وقرينك عاني كثيرا من صلفك. لما تعدى الخط المخطوط له ليردك عن شظفك. عانيت كثيرا في ترتيب الباطن وحياة الفطرة. نظفت طريقك للملكوت ومازلت تعاني في أمر التأويل. ورد الوارد عندك ينقصه التقدير. تعرف معنى الإسم من الأحرف والأرقام. لكن تجليات الرحمن إذا لاحت في خاطرك ؛ فذات لثام. خذ وقتك برحاب وظيفتك حتى تحفظها كحفظك للقرآن. هي صيغة من صيغ الوصل الروحي مع أشرف إنسان. ممزوجة بين إمام الدرب وأستاذه. مكتوبة بالإذن من الله لمن عشق جنابه. أما خواطرك لتكتب مثل السادة؛ فالأمر منوط بتجليات الحق. في الظاهر في الباطن، تأخذ حظك من تلك الكلمات. لو أدركت تجلي التنزيل بوقت السحر مثلا، لسمعت من الأملاك الكلمات. وإذا كان تجلي السموات رأيت الأسماء على الأفلاك. فسماء الله بما فيها أعظم من خلق الإنسان. ولماذا العجلة أصلا والأمر منوط بالإذن؟. أم أنك تتأرجح لازلت بين ظهور وخفاء؟. أنت عبيد الله إذا شاء أظهرك وإذا شاء أخفاك. لم ينبس من فر إلى مولاه ببنت شفة. يتململ أحيانا في جلسته ويتكئ على أرنبة الأنف لسحب شهيق كاف. لا يرغب للحادي أن يتوقف. يرغب أن يتخفى حتى عليه يتلطف. والعقل يسجل ما يتلقاه وما يثبت معناه. الجمع الذي لم يصدر حركة لأكثر من ساعة. خيوط الضباب التي تبهت كلما اقترب قرص الشمس من الشروق. الفضاء الصخري الذي يردد تنويعات الطيور الضخمة في دورانها حول الكهف. وحادي الأفراح البادي أحن عليه من وتد خور الجوزاء. ثمة إحساس داخله بمحو بقايا الأكدار. كأنه كلما ارتقي في ذاك المثلث وجد أناسا ما وصل إليهم بالتفكير بتاتا. مثل السلطة والسلطان بهذا العالم ، يرتاح كثيرا بجوار الرتب الشماء. يشعر أن العصفور يصيت أمام الشلال.. يهمس ويقول لعلك تعرف أو لا تعرف، موسى كان نبيا وتمادى ليظلم نفسه. وخز المصري لينصر نفرا من شيعته؛ فقتله. تسلك مسلكه وتأخذ من بركته من نور نبيك. شرف التابع من شرف المتبوع. وبداية خلق الله لهذا الكون كرحيق مختوم. شمسك طلعت توا في الداخل والخارج. تبدأ ما تأمله إذا عدت من الجبل إلى البحر. لا تقلق أو تتردد حين تعود بعد ثلاث. في وقت ضيافتك سوف تشاهد شيئا من تلك الأشياء. تعقلها وتشعر بهجتها حتى تصير بخاطرك كمراة. طلعت شمس اليوم بهية ورقيقة. وأشعتها رغم شهر أغسطس محتملة ورهيفة. ترفق بالملأ الملتئم من الفرقاء بغير إرادة. وتدعهم يتلقون الوقت طريا؛ فيزيد زيادة. إن نهض الواحد منهم، أو نظر بجهة ما، عثر على إفادة. لغز حيره بوقت ولى وزهد الفكرة فيه. أجله أو أجهضه، وجاء اليوم ليفقهه ويعرف كنه معانيه. أنوار الحادي مثل أشعة شمس اليوم رقيقة وتفيض. بركته تشغل دائرة يستشعرها الكل. من يدرك منتها ولطائفها، أو يسكن تحت قلادتها ولفائفها، يقف بوقت الأسحار ينادي: يا مالك ناصيتي، أنقذ مطلقك الكامن في الإنسان. انقذني مني، واطفئ شري، ونورني من نور المشكاة. ترتفع الشمس ويأوي الجمع لظل خلف الكهف. سقيفة خشبية مكسية بصفيح مذهون باللون الاسود. فيها برميل للماء مع بعض متاع. يجلس حادي الأفراح بآخرها، فوق وسادة مشغولة من صوف الأغنام. ينتظر لبعض الأوقات من يأتي ويأتي. وله جمع لو ما حملوه إليه، يسعي إليهم سعيا بالأقدام. يشهد من يعرفه بقدرته العالية بتدبير الأجسام. ودليلا الدرب وفارس والسائق نشطوا في تجهيز الزاد. داروا كدوار الشمس بكل مكان في هذا الدرك المسحور. و أعدوا مما كان بحوزتهم بعض لقيمات فطور. أين يكون المرء فللجسد غذاؤه. قد يحدث أن يتعثر أو يهوي ملاذه. فيعوض هذا النقص بأوراق الأشجار. والرجل القادم للدرس مع شريكته جلسا قرب الباب. ينظر في ملامحها الهادئة ونظرتها الثابتة على السيد. ويخمن في باله ما عساها الآن تقول؟. لم تنطق كلمة، وامتثلت لكلام الصمت الرنان. ظلت تستوعب ما لا تفهمه حتى جلست حيث أشار. تنظره بكليتها ولا تدري كيف تفيق وتتفلت من سحره. تبغي رجوعا للذات ولا تدري كيف؟. تعلم أن الجلد هو آخرحد الجسم. ومع ذلك تتحد بكل المخلوقات بهذا الأفق المفتوح. وبعد صلاة الظهر تمدد سيد قفط إلى العصر. وطيور الجبل تغيب وتتبدل في كل أوان. كانت في الفجرية ضخمة وثقيلة. مثل البجع أو الحجل إذا صفقت بالأجنحة صنعت ضجة كبيرة. وإذا قرص الشمس تعامد في الأفق توارت تلك الأطيار. تركت هذا الساح المترامي لأسراب عصافير. جاءت من بطن الوادي بحبات زبيب للسيد. حتي إذا نهض وطابت قيلولته وجد الزاد بسلته جوار البرميل. ومع العصر تحل طيور العصفور الوردي. عرفه الأبيض يشبه تاجا من زمن غابر . وإذا حل الليل عرفت الحال بأصوات الحيوان. إن مر الملك بهذا الدرك سمعت الوروار وأنثى الصقر. وإذا الجن اقترب تميزه بضباح الثعلب ونعيق البوم. وإذا اقترب الشيطان تعالى صرير مكتوم. يا ساكن هذا الكهف تعلمنا الأدب وكيف يكون؟ وعرفنا كيف نرد القلق بنوبات سكون. حضرتك يخشع فيها القاصي والداني. إن عز الصمت وطال انكشفت عين السر. وإذا انفلتت للقول حبالا وترامت للمعنى أدركناه بصحو أو حلم. لم نشعر بعلامات الوقت وكل في أحشائه غارق. يمسك بالنفس بكل خلاياه ويقتص الهالك. والمارد لو عاث بليل الجبل ارمده شواظ حارق. بعض سويعات ذقنا فيها الوجد إلى الإنسان الأول. وتذوقنا رواق الوجدان كما كان على الطور الأيمن. وعبرنا بحار الحكمة في درب الموج إلى النور الساري بالأكوان. من منه انفلقت أنوار المخلوقات على مر الأزمان. ولمسنا القسم على قدر حواء الفهم لأشرف إنسان. مرت ساعات والحاصل فيها بتلك الأجساد رماها إلى الأجداث. صار فناء نزل بذرات منها لصفائح صخرية في جوف الأرض. يبحث كل منا بهذا التيه عن معنى الدنيا؛ فيبلغ يوم العرض. ورأينا السيد يخلد للنوم
إذا قام لآخر فرض. وإذا انتصف الليل يعاود خدمته بحمية شاب. يومان وما شفنا بهذا الدرك الواعر إنسان.
تأتي الأطيار وتمضي، ونسمع بغريق الليل عزيفا للجان.
يأتي بخلاف حل ليستوضح معناه من السيد. خصمان
وكل يشهر حجته لإنسان ميت. نشعر بالنار إذا ابتعد بوقت الأسحار ونسمع أصواتا لا نتبينها. وإذا حكم ورجع إلينا، تكأكأنا عليه بصورة لم نفهمها. مثل النور الساطع يخلب كل المخلوقات. يجلس معنا وروحه تحت العرش بأقبية السموات. وإذا هلت شمس اليوم الثالث حضر الإنسان. وفد من تلك الأعراب يصيحون بزخات أناشيد. فرحتهم ببلوغ الكهف تعادل فرحتهم بالعيد. وقف الرجل على باب سقيفته وأصابع يمناه تشير إلى بعيد. كان مع الوفد عجوزا يحمله ولده كالأطفال. دخل وأنزله بعيدا، وأراح الرأس علي وسادة صوف الأغنام. غطاه وخرج إلى حيث اجتمع الوفد مع الركب. واستبقى السيد معه من طلب لقاءه. نظر إليه بود أشعله؛ ففهم مراده. وكذلك تنتقل الأسرار من البحر إلى النهر. نظر المشتاق لإحياء النفس إلى الرجل النائم في أرض الطهر. كاد يظن بموته لولا النفس الداخل خيشومه. والسيد قد أرقده على ظهره وتولي أموره. يقترب ويبتعد من الوجه كمن يلتقط خيوط أساريره.
ويهبط بالكف على القلب، ويسمع للنبض وينتظر حضوره. يضرب سبابة يمناه بين العينين الغافيتين بدون كلام. لحيته البيضاء تمر على كل الوجه فيسمع تلك الأنغام. أصوات غطيط تصدر من أنف الرجل وتتعالى. يتداخل فيها السيد بغطيط محسوب. وتصور سالك درب النور كأن الرجلين نيام. بضع دقائق ولت حتى اكتمل الحال. بات السيد يسري في نبض الجسد المتهالك. يتأوه فيقلده، ويسأل عن أشياء خطرت في باله. ينظر للتلميذ ويبسم دون كلام. ويعود يهش براحة يمناه علي الوجه؛ فيهوي الكد عن الجفنين. تظهر عينا الرجل تدور كليلة. ينظر للسيد ويقلد ما يصنعه لتكتمل الحيلة. يبذل جهدا يتعبه لتحريك الأطراف. يستنشق نسمات العافية كحبات الماس. تتعرق جبهته ويخرج صوتا من شفتيه كرنين الأجراس . وإذا صلب الطول ووقف على قدميه، مجد ربه وتهادي إلى دنيا الناس.
انصرف الأعراب ولم يضبط أحد من أفراد الركب فوضى حواسه. كل يسرح في باله والنكبات بداخله تزيد. شافوا الرجل الداخل محمولا كالطفل يعود علي قدميه ويمشي لبعيد. يتساءل كل منهم في داخله بأسئلة حيرى. هل يقدر صاحب هذا الكهف على تغذية الروح بكلمات لا يعرفها الناس؟. والجسد إذا تلف وما عاد يلم فيوض الروح فأي قياس؟. حتي إذا ركب فيه تقاسيم الوجدان مع الإحساس. هل يقدر أن يصنع ذلك مهما كان؟. أم أن الأمر منوط بجدارته و حالات الإنسان؟ هو واحد من أرباب الروح وليس بنبي. يقطن هذا الدرك الموغل في العدم ويحيا كولي. هل يمكن للإنسان بلوغ القدر العالي هذا مهما كان؟. أم أن الرحمن اختص قليلا من أهل الدنيا بهذا العرفان؟. خلصهم من أوحال الدنيا وقطع الواحد منهم لجنابه. ورعاهم لما فروا إليه ليقفوا ببابه. يطلب واحدهم بغيته فيعطيه مراده. السائق ودليلا الركب وفارس كانوا أقل فضولا ودخولا في التفكير. فطرتهم وحياة الصحراء أبانت في داخلهم ألف دليل. ونقوش الأجداد التمعت في أعينهم، والذهن المشغول يفتش في قدس الأقداس. أما الحاضر قداس أثير الروح فقد وقف مع شريكته يسمع لا يتكلم. يومئ بالرأس وينظر للشمس ويمشي إلى الخلف ويتسمع. ما كنت لأعرف قبل اليوم بأن وجود السيد هذا في الإمكان. ولكم كنت تحدثني وأسمعك بتلك الأشياء ولا أفهم. الكاهن لا يمكنه مداواة المرء إذا العافية تولت. جل صنيعه أن يوهمه بأشياء في الخارج إن مرض وعافيته عنه تخلت. كان رجائي أن أحضر معك لأنظر هذا القداس. أن ألمس ما تحكيه عن التدريج لقومك حتى أفهم تلك الناس. لو أخبرت فلورانس أو أحمد كبرا بما كان فكيف يكون التصديق؟. لكن الأيام القادمة إذا عدنا وصبرنا سوف تجود بما يرضيك. أحسبك قطعت الأميال لتحضر هذا القداس. وفزعت كفزعي إذا وقفت سيارتك رغما عنك بقدس الأقداس. هل تملك تفسيرا يقنع مثلي ويضبط في جسدي ما يضنيه بعطب في حواس؟. دار علي عقبيه وأومأ بالرأس دليلا للنفي. لو قال كلام البشر جميعا ما فهمته؛ فهجع إلى الصمت. يشعر في داخله بشيء مما تقول. لو نطق بفيه لشعرت أن الإنسان ظلوم. يتوتر أو يقلق إن جهل وإن علم؛ فيظهر ذلك ويكون. وإذا طلب من المولى وأعطاه يخاف ويحتار. يفزع في المنع كما المنح ويبقى دوما في سقف الأفكار. ما يحشده بعقله في أيامه ويغذيه بكل مكان. و إذا شاهد ما لم يعقله يفزع فزعه من رؤية شيطان. وإذا غابت شمس اليوم الثالث أدرك كل منهم ما يملكه وتغافل عما صار. لم يرغب في رجوع الركب، وما سأل عن الوقت، وغابت منه جميع الأسقام. يعرف أن حياته قبل صعوده للكهف ليست مثل هبوطه. وأولاد العبادي دون الركب يعترفون بذلك ووضوحه. لو صنع الواحد منهم شيئا فوق العادة يرد الأمر إلى السيد. لو أفلت من عجلات ال(لودر), أو خرج معافى من تهيل الصخر، أو يخطئه القناص بوقت الصيد، نذر النذر وزار العتبات. وإذا حل أوان عمار الحاكم بوادي حميثره، نحروا بهائمهم قربانا للسلطان. ظل الجمع بحال شتات لا يجمعه معين. ولما صلى نزيل الكهف المغرب بسقيفته، خرجوا جميعا واستبقى من استدعاه لأمر يقين. عرفه بروح التأييد، ولو فتش عنها أين تكون؟. جمع شتات الأمر وحرره وردده بالتلقين. رفع بيارق للتأويل وحذر من أهل التعطيل، وذكر ملائكة السموات. أعطاه التقويم لرزنامة وادي الأرواح ومدن الأفراح. وخرائط للعلماء بأودية الصحراء. عرفه أن المرء بمولاه يمد يداه ويأخذ من عين المنة. ولما رأى انعكاس وصاياه تلمع في المرآة، ودعهم وأذن لهم بالرحيل.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.