jeudi 20 mai 2021

ترقب وصول (رواية): الفصل الرابع // أحمد البحيري // مصر


مر عام أو يزيد، والسابح في الملكوت لا يرى أي شاطئ. منذ ودع الحظ والاشتهاء، وحقوق النفس عليه تتوالى. وكلما فكر في قوننة أحواله ليبني عليها، ظل شيئا ناقصا. وعامه المنصرم بين تلك الصخور والحصى والرمال أخبره حجمه بالتمام. فلا لغو ولا فسوق ولا جدال. ولا ملل ولا عجلة ولا سؤال.. حتى الإحساس بالمكان ما عاد يخطر له على بال. وشذرات من حاضره تستحضر ماضيه. يتذكر مرورها من قبل مع بعض الأسئلة. وقتها لم يكن الجواب قاطعا. أما الآن فقد اهتدى للجواب حين صار لا ينشده. مثل الحكمة بأثر رجعي. لما تعلم الشيء بعد فوات الأوان. وتقول لو كنت قد علمته قبلا لتغير الحال. فقط هؤلاء الذين يرى صورهم في المنام، أو يرسلوا إليه بالرسائل، أو يتعرف عليهم كلما استطاع، هم من صار شغله الشاغل. ثم هؤلاء الذين يعيش بينهم أغلب الوقت. كأن لحياته عالمين اثنين، واحد محسوس، والآخر ملموس. ولما قال اليوم رأى في نومه الحاكم. سيده الذي لا يقف بقبره شقي. وإذا أفاق ظل في فرشته حتى يسترجع ما دار. كانت الرؤيا على هيئة حوار. لقد ضاق الرجل بأفضال سيمون. فيقول سيده:
_ الرجل من نصر بعدوه.
_ وهل هي عدوة؟
_ كانت وتحولت. لقد كانت ملحدة.
_ وهل يمكنني رفض ما تصنعه لأجلي؟
_ ولم تحرمها الأجر؟. إنها تصنع لمحو ما كان منها
وإذا ثبت برأسه ما رأى يخبره فارس أنها بالباب. اندهش الرجل كدأبه أمام عين يقينه. رغم أنه يعي أن أمره غريبا عن أكثر الناس لازل يعجب ويندهش. حتى أنه إذا سأل مولاه ولباه وقع في تلك الأفاعيل. أي كانت درجة يقينه يبقى في الجماعة الإنسانية، ويتصف بما تتصف به من نقص ورعونة. دخلت المرأة الغرفة المفضية ل ( البالكونة) ولم تفتح الشيش. الشمس لازالت قوية والرطوبة عالية. وبنايات الشاطئ لم تستطل بظلها إلى البحر بعد. . ولما صلى الرجل بفتاه طلب منه القهوة ودخل إليها. نظر إليها نظرة الإعجاب التي تربكها وهو يسلم عليها، ثم فتح الشيش وخرج أمامها. عيناه علي الحافة الصخرية التي يتأملها كلما رآها. مثل حبة الفول وقد صارت شطرين. قيل أن نيزكا هوى من السماء وسقط بهذا المكان. اطمئن على عملها وعلى فلورانس، ولما سمت الشقة التي باتت بها الأجهزة بالمعمل صار يضحك ويقول: لقد صار لك معملين، واحد للحيوان وآخر للبشر. دعك من ذلك الآن وأخبريني: كيف أثمر الشك معك في أمر وجود الله؟
_ قلت لك
_ قلت مرات عدة دون أن أفهم
_ كنت كلما تفكرت في المعنى وجدت أن نتيجة ما أقوم به لا علاقة له بالمعطيات أو المقدمات. أعود وأغير طريقة تفكيري فأصل لنفس النتيجة. خلصت إلى أن العبث يستشري في الذات والكون. لأن تغير النظرة للأشياء يغير الأشياء ذاتها.
_ أولى بك أن تضعي المقدمة في كفة والنتيجة في أخرى، وتبحثين عن رابط أو علاقة.
_لو فكرت في مسألة بطريقتين مختلفتين وما وصلت لحق كيف تدفع الشك؟.
_ الشك نشاط عقلي لا بأس به، وهو أولى مراتب اليقين. لقد شككت كثيرا في بداية أمري. وكلما حدث أعدت قولبة المسألة حتى اهتديت. تشابهنا في البداية، وهذه القولبة هي التي دفعت الشك.
_ أنت تفكر في الإله من خلال أفعاله وصفاته، بينما أفكر فيه من خلال ذاتي.
_ أيا كان الأمر، فالعقل، والحس يدلان عليه.
_ ليتك دللتني على فكرتك عنه باختصار.
_ هما فكرتان واحدة نفسية أي حسية والأخري كونية أي عقلية. الأولى استغراق في النفس والأخرى في العالم. الأولى تراقب تطور النفس مع مرور العمر وترقيها. والثانية تتفكر في الليل والنهار والشمس والقمر وكل ما يقع تحت البصر.
_ ربما ساعدك منشأك ودفعك للإيمان كما ساعدني منشئي للوصول إلى النقيض. حتي الميكروبيولجي والكائنات الدقيقة، يمكن أن تدفعك للإيمان والإلحاد بنفس الدرجة. يتوقف ذلك على الفشل والنجاح في النظرة الأولى. تلك التي فزت بها وهويت أنا.
_ قد تعرفين حشرة دبور الزمرد ودورة حياتها. قبل أن تموت الأم تترك ليرقاتها بعض الحشرات مخدرة، فيأكلونها ثم يأكلون الأم قبل الاعتماد على النفس. فمن الذي ألهم تلك الحشرة صنع ذلك؟
_ لقد علمت ذلك مؤخرا. لكن الحكم عليه يظل مختلفا. من هوى في أول الأمر حكم بقانون التطور والطبيعة. ومن فاز حكم أنه الإله. وإلا كيف تفسر شيوع الإلحاد في العالم؟.
_ العالم لا يعنيني، وإنما أنت.
_ الحقيقة أني أصدقك. ما صنعته بالنجع، وما تقول به ويحدث. الكلاب التي تبتعد عنك في المعمل حين تشير لها. كأنها لا ترغب في فقدان وضوئك. حتى الكلاب لا تلعب معك بأي وقت. أشياء كثيرة جعلتني أسلم لك قيادي. لا يهمني ما يصير غدا مادمت الآن سعيدة.
لقد استطال الظل وعبر طريق الكورنيش إلى الماء. وأخذت الحركة تدب هناك على الشاطئ. ومشت سيمون إلي كرسيها البلاستيك الأبيض وتبعها الحاج علي. ولحق بهما فارس بكوبين من الليمون ثم غاب عن الشقة. انصرف إلى بعض شؤونه بإيماءة من الحاج. لقد اعتادت سيمون على شراب العصائر دون ( شليمو). ولما شعرت بالارتواء سألت وهي باسمة: لكن لماذا لا تذكر حياتك الأولى؟
_ لأني نسيتها حقا.
_ بل لأنك تريد أن تنساها لما تحفل به من حماقة وأخطاء.
_ ربما كانت كذلك.
_ لماذا لا تفكر في الزواج مثلا؟
_ لقد جربت مرتين واكتفيت. أحسب أنه لن يدوم لي زواج.. كأن الله يريدني له. ولماذا لم تتزوجي أنت ولو مرة؟
_ بسبب والدي. كان سكيرا داعرا، يتزوج ويعشق كثيرا. ولما صرت صبية وفكرت فيما تفكر فيه الصبايا ترك أمي وتزوج طليقة أخي.
_ وهل يجوز ذلك؟
_ يجوز أو لا يجوز، المهم أنه فعل. وقتها كرهته وكرهت جسدي. ربما عفت وكرهت أنت أيضا ولم تنتبه.
_. كنت أعيش كما يعيش الناس، وكل يوم أزداد تعلقا بالسماء، حتى أخذتني من نفسي. بعدها أغلقت كل أبواب الحظ في وجهي.. حتى أني لو حاولت لوجدت الباب مغلقا. ولما ماتت زوجتي الثانية حاولت الزواج مرارا دون جدوى. واليوم ولت من الرأس الفكرة. الأشياء تبدأ في الفكر ثم يترجمها الحس والجوارح.
_ صحيح أن عينيك دوما ساكنتين، لكن الرغبة فيهما كامنة.
قال وهو ينظر في عينيها اللوزيتين مباشرة ويضحك: هذا إسقاط
_ كيف؟
_ يبدو أن أنوثتك تستيقظ بين وقت وآخر.
_ ربما لنظرتك إياها. حين تتسلقني بعينيك من الرأس لأخمص القدمين. أفكر أنك ترغبني
_ هذه النظرة أبعد من الرغبة والاشتهاء. حين أراك تتملصين من هرطقاتك العقلية وتفارقينها. أو تقطعين خطوة جديدة في طريق الصفاء. حين أراك تلميذة نجيبة تتجاوز في الفهم المعدل.
_ أخبرني: كيف يمكن مطابقة التاريخ الديني والتاريخ العام؟
_ التاريخ العام تفسير للتاريخ الديني. الكلمة الإلهية كانت أولا. ومهما تعددت الشروح، لايستوي المتن والهامش.
_ لكن أغلب ما جاء بكتب السماء وتكرر فيها كان موجودا قبلها.
_ كيف؟
_ خذ مثلا، سفر القسامة في التوراة هو قصة البقرة في القران. الوصايا العشر لموسى هي الكبائر التى ذكرها محمد. ولكلا المثالين وجود في أساطير بابل وسومر ومصر القديمة.
_ تكرار ذكر الحدث في الكتب السماوية يؤكد وحدة الدين. وما اليهودية والمسيحية والإسلام سوي نسخ منه تواكب تطور العقل البشري. أما الأساطير والديانات البدائية القديمة واحتواؤها على بعض ما جاءت به الكتب المنزلة فهذا دليل إعجاز للنص الالهي. حيث صير الله الأسطورة حقيقة. وهذا معنى الإعجاز. إذ الأسطورة تأصل للخرافة، و الخرافة تجعل الوسيلة غاية. وعودي لأساطير إيزيس وجلجامش والإلياذة . وفي القصص المصري القديم أن ابنة الملك خوفو كانت تتنزه في النيل وسقط خاتمها. فجمع الملك الكهنة الذين قاموا بتجميد الماء وشق البحر حتي عثروا على الخاتم. حادثة شق البحر هذه حدثت لموسى في القرآن من باب الإعجاز. أي صارت حقيقة بعدما كانت أسطورة،
_ من أين يأتيك كل هذا اليقين فيما تقول، حتى لكأنك على ما يبدو تخاف أن تبحث فيما يخالفه؟
_ القضية أكبر من اختصارها ولا خوف. لقد قرأت وبحثت حتى تعبت. كنت أقرأ في المسألة كل آراء الفرقاء حتى وصلني الله بنبع لا شك فيه. أصله من الملأ الأعلى.. بعدها استغنيت عن الدرس.
_ وهل يمكنني الوصول لذلك؟
ضحك وهو يقول: ربما حين يشتغل معملك الجديد المعني بالإنسان يتعالج باطنك
_ ومتي يشتغل المعمل؟
_ أنتظر زيارة نجيب قفط بوادي الحمامات، واحد من سبعين يزخر بهم كل زمن. ربما بعدها.
_ يا إلهي!! كم أعشق هذا الوادي.
_ أوتعرفينه؟
_ نعم زرته مرارا ولا أمله.، لقد غابت الشمس فهيا نخرج.
_ هيا
بعد أسبوع تيسر أمر الزيارة. جاء العم محمود ومعه دليل جديد يصغره بعقدين على الأقل بالإضافة للسائق. كانوا يشغلون كرسي السيارة الأمامي، وبالخلف فارس والحاج علي. ولما تهيأت سيمون في سيارتها، ودعتهم فلورانس وتحرك الركب. نزل السائق مع الطريق حتى المسلة ودار يسارا وسلك طريق الكورنيش. نحو ساعة أو يقل ودار يسارا مرة أخرى ليسلك طريقا حديثا ، يميل أسفلته للحمرة. وأعمدة الإنارة المنتظمة وبدر السماء، جعل الأفق كصباح وليد. قال الدليل الجديد الذي يجلس بجوار الشباك واسمه روماني. هذا أقدم طريق في العالم. اسمه طريق الأمواج. شقه الفراعنة خصوصا لربط النيل بالبحر الأحمر. وترجع أهميته في نقل منتجات طيبة إلي آسيا عبر طريق الحرير. طوله190 كيلو مترا، وقد كان منفى لمرتكبي الذنوب والخارجين على القانون لتشغيلهم في استخراج الأحجار التي ترسل لبناء المعابد. البريشا والجرانيت والشست والإردواز. وقد سمي الوادي بالحمامات لأن الملوك كانوا يستحمون هنا. نظر الحاج علي من شباك السيارة وهو يقول: هنا أين؟. قال روماني: ليس هنا بالضبط وإنما بعد نحو 70 كيلو مترا. ثمة نقوش للحمامات على الصخور ترجع لإنسان ما قبل التاريخ الذي عاش هنا. قال الحاج علي: هنا أم في المثلث الحدودي المصري الليبي السوداني؟. قال العم محمود: هنا وهناك. هذه المنطقة من أقدم الأماكن المسكونة، ولها مدقات ومسارب غرب النيل تؤدي للمثلث الذي تقصده.. قال روماني: ولهذا المكان ظهرت أول خريطة بالعالم. هذه الخريطة لازالت موجودة بمتحف تورينو بإيطاليا، وترجع للعام 1318 قبل الميلاد، بعصر رمسيس الثاني. قال الحاج علي: كيف كان هؤلاء الناس؟. ما الذي كان فيهم ولم نرثه منهم؟. قال روماني: وتبين الخريطة أن ثمة مسافة تبلغ 9 كيلو مترا، هي قاعدة مثلث به 25 منجما للذهب. كما تصف الطريق ل130 منجما آخر. سأل الحاج علي: وأين هذه المنطقة؟.قال روماني بعد صور ونقوش الحمامات علي الصخر. سوف أدلك حين نصل إليها، لتري بعينيك. قال الحاج علي متعجبا: طريق الأمواج وحمامات بهذا الخواء المميت!! من أين لهم بالماء؟. قال روماني: الملك رمسيس الثاني دق الأرض هنا وأخرج ماءها. سأل الحاج علي: ماء جوفي؟. قال روماني نعم. سأل الحاج علي: وأين هذا الماء الآن؟. رد روماني: لا أدري. ضوء البدر جعل الفضاء مكشوفا بكل ما فيه. الطريق المرتب والأعمدة، والحصى والأحجار متفاوتة الأحجام على الجانبين. وفارس يقول للشيخ علي: يبدو أن زيارة الملوك لهذا الوادي كانت للراحة. يستحمون ويمارسون طقوسهم دون أن يراهم أحد. رد العم محمود: لا، بل كانوا يأتون إلي هنا وقت سفرهم لأفريقيا. يستحمون ويستجمون ويصلون. سأله فارس: هل كانوا يصلون، وكيف كانت صلاتهم؟. رد روماني هذه أمور يعرفها المتخصصون. ثم لاحظ الحاج علي أن الطريق بات منحوتا في الصخر بشكل كامل. وقبل أن يسأل، قال روماني: هذه بداية التسعة كيلو مترات، وهي القصة كلها. هنا نقوش ورسوم الحمامات، والمنحوتات الصخرية التي تخزن الماء. لقد ظل الملوك يستحمون هنا حتي البطالمة وكليوباترا. حث فارس الحاج على النزول؛ فوجده يقول: ليس الآن، لقد انتصف الليل وربما تأخرنا عن موعدنا، هناك من ينتظرنا. وبعد نحو خمسة كيلومترات تعطلت السيارة. تحشرج صوتها وشعر السائق أن الموتور يحترق. لزم يمين الطريق مسرعا وهو يطلب منهم النزول. ولما لحقت بهم سيمون ونزلت من سيارتها، كانت تعض جانب شفتها السفلي، وقت بهتت وهي تقول: يا إلهي!!. كيف تعطلت السيارة بهذا المكان بالذات؟. أمسك الحاج علي بيدها المتوترة وهو يقول: اهدئي، ماذا هنالك. وظل يمشي بها حتى أقعدها على صخرة على حافة الطريق. ثم تحرك بضع خطوات جهة السيارة التي اجتمع عليها الرجال الأربعة ونادى روماني. سأله: أين نحن بالضبط؟. قال وهو يشير لدرب معبد بالحصى وحوله نثار صخور: هذا طريق قدس الأقداس. شعر الحاج علي بهبوط خفيف؛ فجلس على الأرض. والدوار الذي عصف برأسه أفقده النطق. كان يعاني ربما أكثر من سيمون، ويجاهد حتى لا يشعر به أحد. فقط يحتاج لعدم بذل أي مجهود. فقط سمع قدس الأقداس وخفق قلبه. يرى روماني وسيمون يتكلمان ولا يتبين ما يقولان. ويفرك أنفه حتى يشتم أكبر كمية هواء. ثم يخلع الكاب عن رأسه الأجلح. لقد غطاه العرق. يجفف رأسه وشعر صدره، ويضم ساقيه المفرودين على الأرض. يهزهما برفق أولا، ثم بقوة. ولما نهض واعتدل واقفا سأل روماني: وماذا كان يحدث هنا؟. قال: الملوك يستحمون ويستجمون إذا أرادوا زيارة أفريقيا، ثم يمشون هذا الطريق ومعهم كبير الكهنة، قبل الخروج من مصر مباشرة. سأل الحاج علي: هذا الطريق الذي هو قاعدة مثلث الذهب؟. قال روماني: نعم. قال الحاج وهو يضحك: بسم الله، ما شاء الله، وطلب منه أن يلحق برفقته. نظر لسيمون التي جلست صامتة ومتحفزة. كمن يقاوم رغبة أحرقت جوفه. تضع أصابع يسراها مفرودة على فمها، وفي تقوس عدوها الطول إيحاء المقاومة. تبدو كمن استل السهم من الجعبة وعلى وشك إطلاقه. ولما سألها عن دهشتها فور تعطل السيارة قالت: لما تحدثنا عن الموجود في الكتب المقدسة والديانات البدائية قبل نحو أسبوع. خطر ببالي قدس الأقداس، ومع ذلك تلاهيت عن ذكره. لا شك أن ملوك الفراعنة كانوا يصلون في هذا الطريق، أيا كانت صلاتهم. وهذا معنى هذا المصطلح في المسيحية. لقد ظهر هذا المصطلح قبل المسيح. في زمن زكريا ومريم. وكانت بالمعبد حجرة مستطيلة ذات ستائر كثيفة لا يدخلها سوى رئيس المعبد زكريا. وكانت تسمى قدس الأقداس. بينما كانت مريم التي هي ابنة أخت زوجته تتعبد في المحراب. وهي حجرة صغيرة أكثر تقشفا. وكلما دخل عليها، وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف. ولما أدرك قربها وأنسها بالله تعشقها، وسأل الله الولد. ثم اقتربت منه وتساءلت: ترى ما العلاقة؟. حاول أن يتجاهل ما قالت وينشغل بالسيارة المعطلة، فقفزت مثل هرة ووقفت أمامه. تقهقر وجلس على الصخرة التي أجلسها عليها وهو يقول: ماذا تريدين؟. قالت أن أعرف ما دهاك؟. لا تظن أني لم انتبه. دعك من الصمت الآن. هيا تحدث. قال: تذكرت أول رؤيا تخص الطريق. قالت: وماذا رأيت؟. قال: كنا يوم جمعة. وبعد الصلاة تناولت الغداء مع الأسرة. كنت دون العشرين بقليل. وبعد الغداء دخلت لأقيل. كنت طلبت من أمي قبل دخولي أن توقظني إذا سمعت آذان العصر. كان ثمة هاجس داخلي يقول: سوف تستغرق في النوم وتفوتك الصلاة في الجماعة. قاومت الهاجس بالذكر ودعوت الله أن يوقظني. وبعد وقت، سمعت في نومي من يقول: حان الآن موعد آذان العصر، وسيدي سلامه الراضي سوف يحضر الصلاة في قدس الأقداس. استيقظت مسرورا؛ فإذا على العصر عشر دقائق متبقية. صليت في الجماعة وخرجت من المسجد إلى دار الشيخ. ولما قصصت عليه الرؤيا، ربت على كتفي باشا وهو يقول: ما شاء الله، ما شاء الله. إذا كان الأمر كذلك فسوف ترى كثيرا. ضع قلما وورقة تحت الوسادة. وفور يقظتك، اكتب ما رأيت قبل أن تنساه. اقتربت منه سيمون وهي تقول: ومن سيدي سلامه الراضي؟. قال: مؤسس طريقنا. وبابنا على ساكن حميثره. قالت: وما دلالة ذلك؟. قال: لا أدري، صدقا لا أدري. لكن وقع الذكرى كان ثقيلا. ثم مشى أمامها وهو يقول: يبدو أن الرجال قد أفلحوا في إصلاح السيارة. هيا فقد تأخرنا.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.