vendredi 8 décembre 2023

الحقيبة // محمد الكروي // المغرب

 

في منتصف ليل صيفي حار ، و مضخة الضوء طيلة بضع ساعات ، مجهدة تنفث آخر أنفاسها ، و قد ساد الظلام الدامس هدوء الأزقة و الدروب، على سطح مرشوش أول غروب الشمس، استلقت أم و صغارها ، استجداء نسمة لطيفة تجود غفوة مريحة ،كدرت صفوها نغنغة رضيعة ، تكالب عليها الحر و الجوع، فتحركت تطلب ثدي أمها المستجيبة همسا حانيا ، أتى على ما تبقى من وهن الكرى ، في عيني ابنها سعيد ، الغض الأسمر ،ذي الستة ربيعا ، النحيف و القصير القامة ... استغل يقظة الأم فزحف يسعى شربة تطفئ ظمأ الليل ، و إلى جوار ممتصة قلب أمها جلس و عيناه تتأملان سكون الليل و جناحه المخيف ، في زهو يلف كل أوجه الحياة ... لتهربا و تحتميا بفنانيس السماء ...
قبل معانقة الوسادة الرخوة ، لفت نظره تواجد غريب، يطل كقط عبر ثقب الممر المنحدر ، في محاولة الولوج إلى الغرفتين المتداخلتين ... من بين شفتين رقيقتين، مازالتا تحتفظان ببعض البلل، في دهشة و خوف مرتعدين استنجد سعيد بأمه المتعبة الغافية، و حيث لا جواب كانت المحاولة الثانية تقض المضجع إطلالة رجل ، يمد رأسه ثم يسحبه موحيا بشطحات الخيال و الوهم ... مذعورة ، و من ثنايا نوم ثقيل صدرت همهمة الأم و قواها خرقة متلاشية ، إلا من لسان يغالب جفاف الحلق ، و هو يردد البسملة تهدئة لها و لطفلها سعيد و ألا شيء هناك ... لكن سعيدا قطع دابر الكلام ، و مؤكدا :
- انه لا يحلم ، و انه رأى رجلا طويل القامة يتحين اختلاس العبور إلى الداخل .
بصعوبة ، و مشقة ، و بعد مدة غير قصيرة ، تحركت الأم و قد أصحت بكرها، شبه الميت ، نظير شغبه و لعبه طيلة النهار الممتد الأطراف ، حتى إذا ما غربت الشمس ، رحل في سبات عميق بمعدة تود لقمة العشاء .
كدجاجة ، تقوت الأم بفراخها ، فجابوا الغرفتين على دموع شمعتين ذاب نصفاهما ، فتبينوا متاعهما القليل البسيط ،فكل شيء في مكانه ، فلا بعثرة أو نبشا ، و أن حقيبة الجارة عائشة ، كنف صفيحة لماعة مصونة محفوظة ،لم يطرأ عليها أي طارئ ، على ذراعين من نصف كيس دقيق ، و تحت حبل بمثابة خزانة لملابس بالية .
استرجعت الأم بعض الهدوء ، المحفز على إتيان بقية البيت ، جولة متفحصة ، فالباب الخشبي ، دفة واحدة ، سهلة الاختراق و الانكسار مغلق ... في حيرة و اضطراب، و صمت، سال وابل من الأسئلة، فك عقالها في قلق ضجر نفذ صبره:
- و من أين دخل ...؟
حول صينية الفطور النحاسية المشعة شمسا مشرقة ، يتربع براد متوسط الحجم ، و أربعة كؤوس مدفون ، في سند من زليفتي خشب تساعدان على تبريد الحريرة ، لذة و شهية غائبتين .
أثير حادث الأمس الممثل من طرف سعيد ، تمثيلا بارعا ، على موطئ قدمي اللص الذي كان يروم استغفال العينين الحذرتين الثاقبتين ،في استجابة لإغراء النوم .
بعد أن تبينت الأم القامة الطويلة ، و استجابة لرغبة العيون الصغيرة، في المزيد من الكلام ، أردفت تقول ،بعد ربط حلقة الحدث بما قبله :
- زارتني ضحى البارحة ، الجارة فلانة ، و أنا اقطع قدح العجين و ألولبه، فكلمة منها ، و أخرى مني :عن الأحوال و الأحباب و الأهل ، التفتت في صمت جاب الغرفة نظرة شاملة، و متسائلة في استغراب شديد:
- أليست هذه حقيبة ...؟ و ما سبب الخوف عليها؟
بكل عفوية ردت صاحبة العجين، و هي تستودع الأمان غير محله:
- فيها أغراضهم و أوراقهم و رزقهم .
على وقع رزقهم هبت المرأة الشابة الرقيقة المحبة للهزل واقفة ، و قد أدارت الفكرة في رأسها سهوا خاطفا استظل رموشها و بحر عيونها العسليتين سبح منتشيا ، متدرعة : انه وقت الشغل و لا داعي لكأس الشاي رغم إلحاح صاحبتها .
خلصت دردشة الفطور إلى أن زائرة الأمس الكثيرة القيل و القال مع السؤال ، و الحديثة العهد بالزواج بعلا مسرفا ،سجارة و لعب أوراق و سهر يستنزف دريهمات الجيب ، هي من أسرت لزوجها أمر الحقيبة ، و مكان تواجدها ، و السبيل إليها ،عساها تفرج .
تسلق باب الرحى ثم نط على جدار متوسط الارتفاع و بعد ثلاثة أمتار أوقفه سعيد قبل البابين المشرعين ... تنفيسا لهمها و غمها استرسلت الأم تقول : كان سيدخل و يتسوق على مهل و لا أحد يشعر به لولا لطف الله و حق الجورة، كشفه الله و ما بيننا من ملح و نار و دخان و انه لا يقبل على سرقتك إلا من يعرفك ، و يعرف حاجته و مكانها و اللحظة المناسبة لذلك .






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.