mercredi 13 juin 2018

القفة // خديجة أجانا // المغرب


المولد على الأبواب، ستكون هذه القفة سببا في فرح صغاري، سأعد لهم حلوى العيد، سأعجن لهم خبزا طريا ينسيهم مذاق تلك الكسرات اليابسة ... لكن، هل أخبره؟ لا، سيفتي علي ببيعها ليصرف ثمنها على ربطة كيف و قنينة ماء الحياة و... لا، لن أفعل." كانت سعدية تهرول عائدة إلى بيتها، قبيل
أذان العشاء، بعد يوم شاق من العمل في مطعم شعبي حيث تطبخ، تغسل الأواني، و تنظف الأرضية بأجر يومي زهيد، و ما فضل من طعام... تجد أفواه الصغار الجائعين مفتوحة لتقاسمه لقيمات لا تقيم صلبهم. أماالأجر فيجد جيب زوجها العاطل في انتظاره، و حزامه الجلدي مستنفرا ليرسم خرائط ملونة على تضاريس جسدها في حال امتنعت عن تسليمه إياه
هناك، التقطت أذنها من أفواه الزبائن، أن فلانا سيوزع يوم غد في السوق الأسبوعي " قفة معونة "؛ كيس دقيق، سكرا، زيتا، و شايا .
عقدت العزم على أن تبكر للحصول على حصتها 
نامت و ابتسامات أطفالها يوم العيد، و هم يتناولون خبزا طريا و حلوى من صنع يديها، تملأ عينيها و تدغدغ روحها... صلت الفجر، و دعت الله أن يعينها، و ييسر أمرها قبل حلول وقت العمل... أعدت إبريق شاي، وضعته على طاولة إلى جانب قطع خبز. أيقظت ابنتها ذات السبع سنوات، و همست لها: " الشاي جاهز، اهتمي بأخويك، و حذار أن تزعجوا أباكم النائم
كانت خطواتها الحثيثة تسابق الزمن لتصل إلى السوق... فاجأتها جموع غفيرة. فغرت فاها، و صارت تنازع أفكارها: " كأنهن بتن هنا! و ظننت أني سبقت الجميع ... قد لا يصلني الدور قبل موعد العمل... قد يطردني دون أن يرف له جفن... لا لن أفوت فرصة إفراح فلذات كبدي..." كانت الأعداد تتزايد و ساحة السوق تضيق، و الأصوات ترتفع كما التأفف من الازدحام و تأخر وصول موكب المعونة، و قد جاوز النهار منتصفه بساعتين... وتصل سيارة محملة... يترجل المتبرع، يضحك سنه في وجه عدسات الكاميرات، و يوزع أول قفة و ... تطاولت الأعناق، زاغت الأبصار، تزاحمت المناكب، تلاصقت الأجساد و تعرقت، اختلطت رائحة العرق بروائح الأفواه و الأقدام، دارت الرؤوس تحت أشعة شمس خريفية لاسعة، و سعدية تحاول النفاذ بجلدها، بعدما أحست بدوار شديد و بارتعاش أطرافها، فلا تجد منفذا
نفد صبر النسوة مع ازدياد خوفهن من نفاد المعونة فتدافعن كالسيل الجارف... عم الهرج، و علا الصراخ و النحيب و الولولة و... سقطت العشرات، و صارت الأجساد مطايا للوصول إلى قفة هزيلة المحتوى، مشبوهة النوايا...
جرى الدم، و امتزج بالدقيق و السكر و... فاحت رائحة الموت و انتشرت، و تحولت ساحة السوق إلى خندق للموت 
كان يقضي بياض النهار في تقعير السرير، لا يغادره إلا لتقريع الصغار كلما ضج مسمعه من صراخهم، أو لتعديل مزاجه، في انتظار سواد الليل و عودة سعدية ليسارع إلى الخمارة
انتظرها طويلا و قد تأخرت على غير عادتها، و كان طنين رأسه الخاوي يوسوس له: " باغتها في المطعم، و انتزع منها حاجتك
خرج و صفق الباب وراءه. ظل الصغار، و قد مضهم الجوع، متحلقين حول طاولة فارغة ينتظرون عودتها

******

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.