dimanche 17 juin 2018

قراءة في قصيدة "قال اهبطوا مصرا.." للشاعر وليد حسين//محمود الهاشمي// العراق



عندما تكون الدعوة لـ{التمرد } إيماءً
قراءة في قصيدة {قالَ اهْبِطُوا مِصْرا ..} للشاعر وليد حسين 
                            
      القصيدة 
{قالَ اهْبِطُوا مِصْرا ..}

لا تُلقِها مَهْلاً لِتَلْقفَ سِحْرَهُم
ولأفْكِهِم أفْعَى تَخرُّ سُجُودا

فالنَفْثُ فيها لن يَدُسَّ بشارةً
والسَمُّ سالَ وما رأيتَ حُشُوْدا

لو قلتَ بِسْم الله دون شِكَايةٍ
لمّا بَدَتْ تلك العِصِيُّ جُنُودا

لارتَدَّ طَرْفُكَ حَاسراً لايبتغي
إلّا التجرّدَ حَسْبُك التَهْوِيدا

ضَربٌ من الطَوْرِ الأثيمِ يَسُوْمَنا
وَقَدِ انْتَهَيتُ اليكَ دوْنَك طُوْدا

ولإنْ رَجَعتَ أصُوغُ من شطْحاتِهِ
حُلْما تَلاشى في يديك شُرُودا  

ياصاحِ أمضِ الوقتَ دون مَطِيّةٍ
أني رقيتُ بما انْتَشَيتَ حَسُودا

حتى كأنّ الله مَحْضُ أرادةٍ
مُتفرّداً لا لن يضيقَ حُدُودا

إيهٍ عصاك ألستَ أوّلَ ساحرٍ
ولقد فَلَحْتَ بما وَضَعتَ بنودا

 ماكان تحريمُ المراضعِ جُنحَةً
أنّى حَللْتَ أصابَ منك سُعُودا

يَنْسابُ ذاك الصوتُ بين مَسَامعٍ
صماءَ قد سَاقتَ اليك شُهُودا

ولأمِّ موسى .. زوجِ فرعونَ التي
فاضتْ بها الرؤيا تشدُّ وليدا

حَدْسٌ  تولّى الغيبَ دون إنابةٍ
وكما أزاحَ القيدُ عنك سُدُودا

ماغابَ موسى عن فؤادِك رَاغِباً
حتّى رَبَطْنا .. لن يكونَ بَعِيدا

ولئن كَبِرتَ بكِنْفِ أكرمِ دوحةٍ
عفراءَ شادَتْ قد شَممْتَ صَعِيدا

وَخَرجتَ منها خائفاً مُتَرقّباً
يغويك فظٌّ مُذ عَدَوتَ طَرِيدا

أرْضٌ  .. أذا سُدّتْ عليك منافذٌ
قال اهْبِطُوا مِصْراً ..  حَرَزْتَ مَزِيدا

وأنا كِنانيٌّ ألوذُ بهامةٍ  
خَصْراءَ أمْطرتِ البوارقَ جُودا

أيُّ انبعاثٍ سَادَ مُنذ ولادةٍ
أوْدَعتُ في تلك الضفافِ جُدُودا

وبها خزائنُ لو دُعِيتَ لمثلِها
تالله .. ما أبقتْ عليك حَصِيدا

بيضاءُ ما يَبُستْ لِتُخْرجَ أهلَها
قد كان وعداً .. كي تَفيضَ وجودا

مهما عَفَونا عن نَسِيبٍ طَالَنا
وَنَكالُنَا أمرٌ ..  يَهزُّ  قُعُودا

إنّا بَذَلْنا الزادَ حتّى أُتْخِمتْ
تلك الجياعُ وما عَدتْك شَهِيدا

وَخِصالُهم يوم اللقاءِ قدِ اِصْطَلتْ
فإلى المآثِرِ خلّفتْك عَمِيدا

تمتاز قصيدة وليد حسين عن سواه من شعراء جيله،انه لايستطرد كثيرا ،في ملاحقة المعاني حدّ الاستهلاك ،يقطف من حدائقها باقة،تغنيك عن سلال من الورد .
والمطالع لقصائده سرعان مايكتشف ذلك وهويرى ان اغلبها لاتتجاوز الأربعين بيتاً ،فيما أوفت حاجتها والهدف الذي من أجله 
كتبت.
كما يسجل لصالح وليد حسين انه لا يميل الى تقليد تجربة بعينها بل هو جزء من مشروع جيل التسعينيات الذي ينشغل بالصورة
الشعرية وكأنها هدف بعينهومما لاشك فيه انالصورة الشعرية"هي قوام البنية العميقة لأي عمل أدبي ولا سيما الشعر منه، 
فمجملأجناس الخطاب الأدبي تشترك في مبدأ "التصويرية ، ولكنها تختلف فيما بينها في استعمال الصورة كما وكيفا" .
 لذا حين نحيل أية قصيدة له للنقد يجب ان نضعه في هذا التصنيف .
القصيدة التي بين يدينا (قال اهبطوا مصرا) 
توفرت بها بعض شروط قصيدة شعراء التسعينيات حيث لاحق الصورة الشعرية منذ البداية (لا تلقها مهلا لتلقفَ سحرهم
         ولافكهم أفعى تخرّ سجودا) وحتى آخر بيت 
حيث رسم مشهد نبي الله موسى ع وهو في لحظة إلقاء عصاه امام سحرة فرعون ،وكيف ستلقف إفكهم الأفعى ،وبدلا من ان يخر
السحرة ساجدين لهول ما شاهدوه خرت الأفعى ساجدة لأمر مولاها موسى ع 
هذا الإبدال أخرج المشهد القراني من نصه العام ليدخله مشهده الخاص دون أن يخدش جمال الصورة وهيبة الموقف
تستمر القصيدة حتى آخر بيت فيها في عوالم قرآنية وكلمات لاتخرج عن قصة موسى وفرعون وهو يسمع نداء ربه(القّ عصاك ياموسى انه لايخاف لديّ المرسلون) فهذه اللحظة التي تم فيها ابتلاع أفك السحرة انعكاس للواقع النفسي الذي يعيشه الشاعر وهو
 يرىبلده تتناهبه السراق ويصنّف الثاني عالميا من حيث الفساد الاداري والمالي ، فالانزياح الى التاريخ واستحضار الموروث 
الديني يمثلموقفا من الحياة ،وليس تمثلا لنبي أو رسول فقط .
قال المتنبي (انا في أمة تداركها الله 
غريب كصالح في ثمود )
(مامقامي بأرض نخلة إلا
كمقام المسيح بين اليهود)
وقال السياب (وانا المسيح يجر للمنفى صليبه)
ان عصا موسى عليه السلام بالنسبة للشاعر الثورة التي سوف تنطلق ثم تلقف أفك الفاسدين الذين اعتقدوا أنهم امتلكوا سحر
 المال وسطوة الملك .
واستخدام الإيماء في القصيدة – رغم توفر فسحة الحرية في التعبيرلاتعد خللا , فالإيماء بالصورة الشعرية من أبرز خصائص الشعر المعاصر بوصفها فعالية 
لغوية تخرج اللغة من بعدها الإنشائي إلى بعد مجازي تصوري أو رمزي ، كونها علاقة لغوية متولدة والشعر الذي يعتمد الصور
 هو فعل نفاذ وفعل إضاءة بجوهر الوجود والصور بهذا المعنى رؤية فكرية وعاطفية في لحظة من الزمنولعل هذا ما يرشحها
 لتكون من أخطر أدوات الشاعر بلا منازع
الجميل في هذه القصيدة انها كتبت تحت مناخ شعري واحد ولم تغادر أجواءها حتى النهاية ،فالبيت الاول يشبه تماما البيت الأخير 
لغة ومعنى .
ماأغنى القصيدة هوثراء النصوص القرانية بدأ من العنوان (قال اهبطوا مصرا)ثم ليس هنالك من بيت إلاّ وقرينته أية قرآنية  من 
لحظة وقوف نبي الله موسى وسط حشد السحرة وهم يعرضون أشكال سحرهم  إلى  إلقاء أم موسى ولدها في البحر الخ , وهذا 
التناص لم يأت عند وليد بهيأة نص كامل , سوى العنوان فقط أما بقية الابيات فانه اكتفى بالكلمة القرانية دون النص وهي مهارة عالية , ففي  البيت الاول استخدم سبع  كلمات قرانية 
ومن قصة موسى عليه السلام فقط دون أن يعتمد نصا كاملا { لا تُلقِها مَهْلاً لِتَلْقفَ سِحْرَهُم -ولأفْكِهِم أفْعَى تَخرُّ سُجُودافكلمات {تلقف-سحر-افكهم – أفعىتخر سجوداوأغلبها مستوحى من هذه الايات { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ  مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ  قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَمِنَ الصَّادِقِينَ  فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ  وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ   بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ ۖ فَمَاذَاتَأْمُرُونَ  قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ  وَ أَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ  يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ  وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ  قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ    لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ  قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ   وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَاهِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ  فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ  وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ }
في ذات الوقت فان الشاعر حافظ على تداعي الأبيات متسلسلة مع روح القصة حتى النهاية قابضا على التفاصيل وجوهر الاختصار أيضا .
وبالقدر الذي استطاع فيه الشاعر أن يوظف الآيات والقصص لصالح قصيدته فانه خلق أجواءً من التداخل بين المرحلة الفرعونية وبين دخول العرب من (كنانة) الى مصربعد تحريرها (ارض اذا سدت عليك منافذ 
-قال اهبطوا مصرا حررت مزيدا)
{وانا كناني ألوذ بهامة -
خضراء أمطرت البواري جودا )
وهذا التداخل والإيحاء محاولة لتوضيف التاريخ والتحول الذي يحدث في تأريخ الشعوب , فمصر بدأت من حيث حضارة الفراعنة وسمت رفعة في دخول الاسلام ,والفضل فيها لكنانة  التي  تكلفت بهذه المهمة , ومازال النيل  حاضرا في الأمة وأمجادها .
مايؤخذ على جيل التسعينيات الشعري هو تمترسهم في عوالمهم الخاصة ولايأذنون لناقد حصيف ان يدخل تجربتهم الشعرية , فهم يكتبون ويقرؤون وينقدون ويهتفون لبعضهم , وكأنهم اكتفوا بذلك وانتهى , وهذا الامر غير صحيح فافضل التجارب الشعرية هي
 التي يلد نقادها معها , يقومونها ويهذبونها , ويكتشفون مناطق الابداع فيها ,فهم { جيل التسعينياتيعتقدون أن القصيدة   
مجموعة صور شعرية تفصح عن قيمتها الشعرية بقدر تحقيق ذلك الهدف , والحق هذا ماجعلهم يرصدون للمعنى الواحد أبياتا  عديدة , فتنتهي من قصائدهم وأنت  خال الوفاض الاّ بالقليل من المعاني , فالقصيدة لديهم صورة فنية ومعنى بسيط والقاء 
مسرحي متميز.
ورغم أن وليد حسين يحاول أن يفلت من دوائرهم هذه الاّ انه لايستطيع أن يحلق كثيرا , بسبب سيطرة هذا النوع من الشعر على
 المرحلة , وخضوع أكثر المؤسسات الثقافية المعنية بالشعر لادارة الشعراء المؤمنين بهذه التجربة .  فالقصيدة ليست مجرد    صورة شعرية , بل هي رسالة تحمل أهدافا متنوعة والصورة الشعرية تأتي لتخدمالمعاني المكتنزة في داخلها , فمثلا عندما يورد المتنبي البيتين الآتيين:
 { وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ
    تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ
لم يوردها الاّ حين احتاج اليها النص في الإيضاح والتصوير ,  وبعد أن سبقها أكثر من عشرين بيتا , ولم يبق في حدود هذه 
الصورة بل انتقل الى مشهد آخر لإكمال {قصةالقصيدة } أو ماتسمى البنية الشعرية للقصيدة .
وأظن أن واحدة من أسباب تبنيهم هذا الضرب من الشعر هو أنهم عاشوا تجربة حربين قاسيتين , وحصار ظالم وحكومات قاسية 
جعلتهم يفرون بقصائدهم  عن الواقعالمرير الى دنيا الصورة الشعرية المعمدة بالخيال

                          محمود الهاشمي 
--------------------------------------------------------
...

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.