samedi 16 juin 2018

ضياع ..// مصطفى تاج الدين الموسى // سوريا


"عندما كنتُ صغيراً، أخذتني أمي إلى سوق المدينة لشراء بعض الأشياء
في ازدحام السوق تركتْ يدي فستانها فضعتُ عنها لساعة أو أكثر قليلاً
بعدها عثرتْ عليّ مع أناس آخرين لا يعرفوننا أسرعوا لنجدتها
 خلال ضياعي عنها لم أخف أوأبك كما يفعل طفل يضيع عن أمه ، إنما تجولتُ ببلاهة في السوق، راقبتُ الناس، شاهدتُ في ساعة الضياع تلك عن أمي كل شيء، شاهدتُ حياتي التي سوف أعيشها مستقبلاً، شاهدتُ الذين سوف أحبهم والذين لن أحبهم، شاهدتُ كلّ مراحل حياتي التي سوف أعيشها مستقبلاً بين أرصفة الحوانيت وصراخ الباعة
وما إن عثرتْ عليّ أمي أتمشى في الازدحام مع بلاهتي حتى نسيتُ ما شاهدتُ ، لتمر بعدها السنوات والعقود، وكلما حدث شيء في حياتي لا أتفاجأ، أتذكر أنني شاهدته في ساعة ضياع في طفولتي
منذ قليل قالت لي جارتنا: أضعتُ طفلي هذا المساء في سوق المدينة
..كلامها أيقظ في صدري خوفاً قديماً
(أردفتْ لي: لكنني عثرتُ على هذا الحقير المشاغب بعد ساعة (وتنفست الصعداء
انحنيتُ على طفلها، وأنا أرتب ياقته همستُ له: لن تكون سعيداً، لقد عرفت بداية حياتك في ساعة ضياع واحدة عن أمك، كل حياتك التي سوف تعيشها، لن تكون سعيداً في حياتك
لا أعرف إن كان أحدكم قد أضاع أمه في طفولته لساعة تقريباً في سوق المدينة، إن حدث هذا مع أحدكم، لن يتفاجأ بشيء، حتى ولو مضى عليه قرن
بعد أن رتبتُ ياقته همستُ له: كان عليك أن لا تترك فستان أمك، لقد شاهدت حياتك التي سوف تعيشها مستقبلاً
قلائل أولئك الذين ضاعوا عن أمهاتهم في طفولتهم، وكأن ضياع أحدهم عن أمه هو كلّ الحقيقة
."وكأن الأم هي كل الوهم في هذه الحياة، وكأن الحقيقة هي ساعة ضياع عنها وعن قماش فستانها الرخيص
*******

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.