jeudi 2 novembre 2017

بيان الحداثة في الشعر العربي المعاصرمن خلال ديوان"لون الماء" ... "الجزء الأول // بوزيان موساوي // المغرب

"بيان الحداثة في الشعر العربي المعاصر" من خلال ديوان "لون الماء"، آخر إصدارات الأديب / الشاعر و الناقد عبد الكريم بدرخان
بقلم: ذ. بوزيان موساوي المغرب
الجزء الأول

******
مقدمة:
المثقف لا يستحق لقبه إلا إذا ساهم في بلورة مشروع مجتمعي برؤية بعيدة الأمد.. و الفنان المبدع يموت لما يكرر نفسه.. و المواطن العادي يتوه لما لا يجد من يأخذ بيده.. لذا قام مفكرون و فلاسفة و مبدعون عبر التاريخ بوضع أنساق رؤى طلائعية كخرائط طريق لتجاوز الموجود و استشراف الأفضل و الأجمل..
مطلع هذه المقدمة هو من إملاءات خصوصية هذا الديوان الذي نحن بصدده: "لون الماء" للمبدع السوري عبد الكريم بدرخان.
و عليه، ف "مسح طوبوغرافي" لمعمار الديوان انطلاقا من : "أقول كلاما"، مرورا ب " عن الغريب "، و ب "عن الغجرية"، وصولا إلى "غرباء في حياة الغريب" أكد لنا فرضية قراءة مفادها أن الشاعر يحلق بنا بين ثلاثة أنواع من الخطاب:
ـ النص، باعتباره ظاهرة لغويّة، يزيد فيها المعنى على اللفظ، تجمع بين الجملة والكلام والقول والتبليغ والخطاب والنظم... منها الجلي، و منها المسكوت عنه..
ـ التناص، كمرجعية فكرية للنصوص، منبعها مخزون قراءات الشاعر.. منها ما يلهمه، و منها ما يغيضه... و وظيفية استعماله..
ـ الميتا ـ نص، أو سؤال الكتابة... بمثابة ميثاق بين القارئ و الكاتب حول "نمطية الكتابة بين الثابت فيها و المتحول". و مضامينها.
و كأننا في حضرة "بيان تيار شعري عربي حداثي جديد" من توقيع الشاعر و الباحث و الناقد الأستاذ عبد الكريم بدرخان.
1ـ "البيان الحداثي " لعبد الكريم بدر خان:
لا نقصد بالبيان هنا معناه اللغوي و الاصطلاحي... بل كما استعمله فلاسفة و فنانون و أدباء... بمثابة إعلان بميلاد نظرية، أو خارطة طريق لمذهب إيديولوجي فلسفي ك "بيان الحزب الشيوعي" سنة 1848 من تأليف كارل ماركس و فريديريك انجلز، و بيان "الفن الحديث" لماريتيني Maritini، و "بيان السريالية" لأندري بروطون A. Breton... و غيرهم.
و رغم أن كتاب عبد الكريم بدر خان ليس أطروحة تقارب إشكالات و مواضيع بالتحليل و إبداء الرأي و الحسم في المسائل العالقة يشكل مباشر، و نثرا، لأنه ديوان شعر بالأساس، إلا أننا ـ و من وراء جمالية قل نظيرها عبر النصوص ـ ، نستشف بالملموس تارة، و عبر المسكوت تارة أخرى "عقيدة"/ نظرية الكتابة الشعرية عند عبد الكريم بدر خان.. و نضمنها تضاعيف هذا المقال تدريجيا، و لو بشكل موجز لضيق المجال .
1 ـ 1 ـ "الكتابة في درجة الصفر":
نقرأ:
"أكتب في درجة الصفر
(....)
درجة الصفر زرقاء
و الحبر.. زرقة دم"

هي مراوغة جميلة للقارئ المتخصص، لأن المقولة "درجة الصفر" Degé zéroتحيل على نظرية "التبئير" focalisationعند الباحث و الناقد البنيوي جيرار جونيه Gerard Genette في كتابه المرجعي الأوجه 3 Figures III، المتعلق بنظرية التلفظ و يقصد به الذات الساردة الغير منحازة و المغيبة "الهو" التي لا علاقة مباشرة لها مع الحدث.. و تتبخر نظرية التلفظ هذه بمفارقات أخرى لما نقرأ:
"أقول كلاما غريبا كوجهي
و أبحث في المفردات
عن وجود فتات
أخبئه بين جفني حلما"
الضمير المتكلم ليس "هو" كما " في "درجة الصفر" عند البنيويين، بل أنا، ليصبح "التبئير داخليا" Focalisation interne، يصف فعل الكتابة.. و المكتوب "كلام" (أقول كلاما).. و القول هنا خارج عن المألوف في الشعر، لأن الشعر "يوحي" و لا "يقول" خلاف النثر.. لكن سرعان ما تتبخر هذه الملاحظة لما نقرأ:
"أقول كلاما على شكل شعر
و جوهره وجع في الحياة"
أي شعر يعني؟
1 ـ 2 ـ شعر خارج القيود:
لعبد الكريم بدر خان غيرة كبيرة على اللغة العربية و قواعدها، و كثيرا ما قرأنا انتقاداته اللاذعة لشعراء صنعوا نشازا في ما يشبه القصيدة العمودية... لكنه ورغم حنينه حتى في هذا الديوان للقافية و الميزان:
"كنا نعربد أحلاما بلا أفق
ثم ارتضينا بقير موحش الغرق"
XXXX
"و الآن من دمنا ... الطوفان ينسكب
أين السفينة يا رباه...؟ و الكتب؟"
فهو قد اختار بمحض إرادته أن يكون شعره حرا، و يلوي بظهره لما ذكره الخليل بن أحمد الفراهيدي عن بحور الشعر الستة عشر..
نقرأ:
" و لأكتب قصيدة واحدة
قصيدة تشبهني
يلعنها القراء و النقاد
و يدوسها الجند في استعراض عسكري"
و بأسلوبه الساخر المتفرد يذكرنا عبد الكريم بدرخان بمعركة "هيرناني" (HERNANI ) لفيكتور هوغو Victor Hugo لما شنها حربا ضد الكلاسيكيين الذين حاربوا الحداثة في عهده، و اعتبروا كلما كتب خارج نهجهم ركاكة و بدعة و انحطاط.. نقرأ في الديوان:
"تحتاج أن تنسى حبيبتك البعيدة
فهي تزداد اشتعالا
و الرسائل خلف مشيتها تبعثر مثل أوراق
الخريف
كأنها جاءت لتختبر البراعة في قصيدتك
الحديثة
أو لتقتل ما تبقى فيك من أمل
كأن جمالها
يكفي لتعتزل الكتابة"
اختار أن يكون شاعرا طلائعيا لا يرى ضالته في محاكاة سلفه، و لا في تحويل كتاباته لمجرد بكائيات عن سعير الحاضر... اختار أن يكتب عن و للمستقبل:
نقرأ:
"أقول كلاما لما سوف يأتي
فلا حاضري يستحق الكلام
و لا الذكريات
سوف تبعث عمرا موات"
و لنا لقاء مع تتمة المقال فور الانتهاء منه.
*****
مع تحيات بوزيان موساوي كاتب من المغرب

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.