dimanche 27 septembre 2020

قراءة لقصيدة "زليخا" للشاعرة الجزائرية سيليا بن مالك //أحمد البحيري // مصر


القصيدة:
من أفتى لك بجواز حب زليخا
إن لم تكن يوسفيا
وأن قد قميصك من كل النساء
أكبرتك
أعددت لك متكأ في روحي
يطوف عليه النبض تبركا وتحصنا
ملح العين أن تساقط شوقا
هذبته بانعكاسك على بلورة
لؤلؤ ومرجان
أيقظت أصابعك لتعاقر الشعر في حاناتي
تدخنني قصيدة تحرق أنفاسك المشتعلات
ليس لي عزيز غيرك أشكيك إليه
فاحكم حكم العادل
وأسجن روحك الروحي في دواخلي
صفدها لتنهار انصهار
كيف أكذب رؤيا القلب وقد
تجلى فيك الطهر غض ممرد
يدعو الحواس السجود في محراب جنونك الزاهد
زليخة العهد والهوى
أمشط العمر لحظات وجد
بهوسك تطايرت شظاياه
لتحرق حكمة العقل المتأهب
خلف متاريس الصمت الرجيم
تعال متمردا تفقأ عين المستحيل
تنخر الوجع اللذيذ
ممتطيا صهوة الضوء
تعال فأنا علي بعد لؤلؤتين وشهقة
نجمة لا يخبو بريقها
تجدد العهد كل مساء
*****
في العنوان إحالة للموروث الديني حيث التنزيل وأحسن القصص. وقد بدا المفتتح كموال لموشح أندلسي.( من أفتى لك بجواز حب زليخا إن لم تكن يوسفيا، وأن قد قميصك من كل النساء). بعد هذا المفتتح القصير الدال والموجه تظهر الذات الشاعرة بإكبار الحبيب وإعداد متكأ له في الروح يطوف عليه النبض. وهنا تبدو مخالفة التراث في الطرح. أي أننا خرجنا من الموروث ولم نفارقه. فقصة الحب هنا هي قصة الذات الشاعرة التي تعد عصرية لا تراثية. وتبدو الحكمة في الطرح من قبل ظهور ضمير ال(هو). فتقول الشاعرة:(ملح العين أن تساقط شوقا، هذبته بانعكاسك علي بلورة لؤلؤ ومرجان). ومن الموروث إلى العصري تتبدل وتتغير حالات الفتون. هناك تقطع النسوة أيديهن حيث كانت زليخا صاحبة تمكين وتنجو من ذلك. وهنا تطلب زليخا الإنصاف من الحبيب لا النسوة أو المجتمع. فتقول لحبيبها اليوسفي بضمير الغائب:(أيقظت أصابعك لتعاقر الشعر في حاناتي. تدخنني قصيدة تحترق بأنفاسك المشتعلات، ليس لي عزيز غيرك أشكيك إليه، فاحكم حكم العادل). إن تفكيك القصيدة يؤكد علي نهج الموشح، وإن شئت قلت القصة القصيدة. حيث الاستهلال أو المفتتح والعقدة والحل. فجمال الحبيب يظهر في معاقرة الشعر وتدخين القصيدة. وهذه صور سوريالية جديدة علي قصيدة النثر التي اشتهرت بها الشاعرة. تلك الصور التي ظهرت مع نتالي ساروت ومشيل بيتور وجماعة الكتابة الجديدة في فرنسا الستينيات وعبرت لقصيدة النثر العربية بواسطة شوقي أبي شقرا والماغوط وأنسي الحاج. مما يجعلنا نحتفي باللغة عند الشاعرة سيليا بن مالك.
هي لغة متوثبة ذات إيقاع يغني عن الوزن. الجملة فيها دائما ما تقطع مع ما قبلها للتكثيف والتشويق والإبهار. وأغلب الفعل فيها في زمن المضارع مما يوحي بالاستمرارية والتوالي. هذا على الرغم من أن قصة الحب المكتوبة تحتاج لزمن وأحداث. وهذا أيضا يحسب للشاعرة. ألم يقل إبن قتيبة قديما الشعر هو ما أشعر؟. الشعر من الشعور والقصيدة هنا دفقة شعورية واحدة. تلوذ الذات الشاعرة التي تنشد العدل في أغلب ما كتبت وليس هنا فقط إلي الحبيب. تلوذ به منه. وتفتح له باب المصالحة فتقول:( وأسجن روحك الروحي في دواخلي، صفدها لتنهار انصهار، كيف أكذب رؤيا القلب وقد تجلى فيك الطهر غض ممرد).
وهذا المقطع هو بيت القصيد. وروح الحبيب الروحي هو قلبه. حيث أن له روح آخر هو الروح العقلي. وفي الحب والغرام يغيب العقل قليلا مفسحا للقلب المجال. زليخا إذن رؤيا قلب. جمعت الشاعرة بحبيبها في كون غير هذا الكون. لذلك كان القطع اللغوي في كل مقطع. وكان الجو العام الذي لا يفارق الموروث الديني. وكان هذا التقسيم الذكي لإستهلال وعقدة وحل علي طريقة القصة القصيدة. الجزء الثالث في القصيدة يتخلي عن الرمز والغموض. فبعد الوصول إلي ندبة الجرح تتجرد الشاعرة وتتحرر. ( زليخة العهد والهوى). هذه الجملة هي مفتاح القصيدة. وعن طريقها نستطيع ربط الدال بالمدلول وفتح باب الخيال للإحالة. فالحبيب يوسف وغيره في واقع رؤيوي. أليست رؤيا قلب؟. وقديما قال ابن عربي: حدثني قلبي عن ربي. والحبيبة زليخا والذات الشاعرة. زليخا العهد والهوى تمشط العمر لحظات وجد. من هنا قلنا قصة الحب هي قصة العمر. واللغة المتوثبة الطيعة تقوم بالقطع والوصل معا. وتحرق حكمة العقل الذي يتأهب لمغادرة الحكاية. وتطلب من الحبيب التمرد ليفقأ عين المستحيل. تمنيه بنخر وجعها ممتطيا صهوة الضوء. وفي الأخير تحدد موقعها في هذا الفلك المترامي. ( تعال فأنا على بعد لؤلؤتين وشهقة، نجمة لا يخلو بريقها، تجدد العهد كل مساء). زليخا قصيدة تحوز علي نصيب وافر من الشعرية العربية. فقد شغلت هذه الشعرية ابن قدامة والآمدي وابن المعتز والأقدمين. كم في شعر فلان من الشعرية؟. والجواب هنا أن سيليا بن مالك حازت قصب السبق وبلغت القمة. هذا الحكم من خلال متابعتها ثلاث سنوات. هي كذلك في الرومانسي والتأملي والوطني والفلسفي. تحية لها بقدر ما تسعدنا بحرفها وبالتوفيق في القادم.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.