vendredi 18 septembre 2020

قراءة في ديوان " أفول المواجع " للشاعرة المغربية خديجة بوعلي // خالد بوزيان موساوي // المغرب


نص قراءتي في ديوان "أفول المواجع" للشاعرة المغربية خديجة بوعلي
تحت عنوان: وجدانيات تجنح باتجاه التجديد في الشعر المغربي الراهن بنون النسوة
ورقة تعريف: "أفول المواجع" مجموعة شعرية للأديبة المغربية شاعرة الأطلس الأستاذة خديجة بوعلي. صدرت المجموعة عن دار النشر "الموجة الثقافية" مدينة خنيفرة/ المغرب 2019. الكتاب من الحجم المتوسط (104 صفحة)، يضم 30 نصا شعريا في موقع متردد بين الشعر الحر، و القصيدة النثرية...
تمهيد: منذ كان الشعر، و كيفما كتبناه و قرأناه اليوم فهو ترجمة لمحطات قلق دفين، و حرمان أرَّخَت له عقود و سنين، و كَمْ من حلم لعين، و كَمْ رغبة تطفو بعد كبْتٍ إلى السطح على شكل صراخ و زفرات و أنين... الشعر لغة الوجدان و البلاغة. و الشعر الوجداني كما تعرفه القواميس المتداولة الأكثر انتشارا هو أدبيا "إبداع قائم على الحس الشخصي و التصوير النفسي الصادق الذي يُدرَكُ بالقوى الباطنة"؛ و فلسفيا كونه "الحدس بالحقائق الأخلاقية عن طريق القلب و العاطفة".
لذا اخترنا لمقاربة هذه المجموعة الشعرية "أفول المواجع" للشاعرة المغربية خديجة بوعلي، كما جاء في عنوان هذه القراءة، وصف مضامين الكتاب ب "الوجدانيات". و بما أن هذا النوع من الشعر بمختلف مواضيعه و أغراضه قديم قِدَمَ الشعر نفسه، و حتى لا تلبس نصوص هذا الديوان "جلباب المحاكاة" لِمَا هي قوالب و كليشيهات تراثية جاهزة و نمطية و مُستهلكَة، قمنا في نفس سياقات تضاعيف هذه القراءة بمساءلة بعض علامات نصوص هذه المجموعة، حول قيمتها الأدبية أي ما يجعل منها عملا أدبيا قائما بذاته يحمل بصمة تجديد تُحسبُ للشاعرة خديجة بوعلي.
نص المقاربة:
قراءة انطباعية أولية لعنواين نصوص المجموعة من وجهة نظر لسانية قد ترشدنا إلى أربعة حقول معجمية و دلالية (champs lexicaux et sémantiqures):
ـ الحقل الأول تحت عنوان "محطة الوصف التشخيصي لنفسية متأزمة" في نصوص مثل: "أنت أسطورة"، و "عندما تشيخ الأماني"، و "غباء أحلام"، و "زحف أوهام"، و "غيمة حنين"، و "على قارعة ضياع"...
نقرأ من نص "غيمة حنين":
"خيوط عنكبوت
نسجت شرنقاتها
على المرايا و المزهريات،
عبثا تقاوم الأوراق الذابلة
رياح خريف طال كل الفصول،
و دوّى في كل الأزمنة و الفصول"
مقطع كفيل باختزال وضعية ما قبل الوعي بضرور التجاوز، رمزت لها الشاعرة بعلامتين؛ العنكبوت باعتباره في الثقافة الشعبية رمزا للرتابة و التكرار و الملل و الغثيان. و الخريف لكونه يحيل على النهايات و الموت.
ـ الحقل الثاني تحت عنوان " محطة تأجيج الصراع داخل الثنائية المانوية الأزلية بين الضوء و العتمة" في نصوص مثل: "بين الدجى و النور"، و "بطش الليل"، و "من السحاب"، و "في محراب البدر"....
نقرأ من نص "في محراب البدر":
"سأرسو بين مقلتي البدر ذات قرار،
أركن أوهامي في مرآب الطيف حتى النهار.
أشحن من وهج نورك الوضاء،
بطاريات علاها صدأ العتمة،
و صقيع الدهر
أذوب كاللجين في عذب الظن
أسند خيالاتي إلى صدر ظلال
تتهادى أمام العين".
هو صراع أزلي كما قرأنا في هذا المقطع ، كان "الطباق" (من المحسنات البديعية الذي وظفتها الشاعرة بامتياز) علامة فارقة بين عتمة و نور، و بين أزمة و انفراج، و بين صقيع و ظلال تتهادى أمام العين. الملاذ "محراب بدر" و كأننا في طقوس صلاة لشاعرة متصوفة تصبو إلى السمو نحو عوالم النور المطلق بعيدا عن الجحيم اليومي المظلم الرتيب و المبتذل...
ـ الحقل الثالث تحت عنوان "محطة السؤال الفلسفي الوجودي و الابستمولوجي" في نصوص مثل: "صدى الوجع"، و "للغياب رنين"، و "زفرات ذكرى"، و "لسان الحال"، و "حديث الساعة"، و "حوار"، و "تساؤلات"...
من نص "تساؤلات"، نقرأ:
"أتساءل للمرة الألف:
متى أنفض غبار الوحشة
عن ذاكرة مكتظة بالغياب؟ !
متي أغير أعمدة نور
أخمدتها غزارة الدمع
و أضاع توهجها
لهيب الاشتياق
بأخرى تتلألأ
فتنير المدى الملوث
بالحنين و الآه؟
متى تتفتح الأماني
و يملأ عبقها
أرجاء روح
مؤثثة بالضياع ؟ !"
و في هذا المقطع الشبيه بالمناجاة، و المترجم لعمق لوحة سوداء يتبلل فيها الوجدان ب "غزارة دمع" ليروي نار حنين و اشتياق، يركب السؤال الوجودي المحوري معالم النص بأداة الاستفهام "متى"؛ يتساءل عن زمن "تفتح الأماني" (بتشبيه و تشخيص بلاغيين أريد بهم استعارة) و كأنّ على الأماني أن تتفتح كما الورد، إيذانا ببعث جديد ("يملأ عبقها أرجاء روح مؤثثة بالضياع")... و السؤال (سؤال القارئ): ـ كيف يمكن للشاعرة أن تتجاوز مرارة الفقد و حالة الركود و الرتابة و الضياع و الموت / العدم، لتنعم بوجود مفعم بالحياة و التفاؤل و الابتسامة الدائمة؟ لمْ تترك لنا الشاعرة خديجة بوعلي فرصة الاجتهاد و التأويل؛ يبدو أنها انخرطت كليا في فلسفة ب "كوجيطو" خاص بها: "أنا أكتب شعرا، إذن أنا موجودة !". و هذا ما لمسناه بشبه تصريح لها في ورقة خارجية تحت عنوان "إهداء" حيث نقرأ مما كتبت فيه:
"لأرواح تربت أيامي في الغياب، لأشخاص أخذني منهم الحرف؛ فصفقوا بنكران ذات في العلن و في الخفاء..."
ـ الحقل الرابع تحت عنوان " إدراك الذات بالحواس و فراسة الشاعرة للخروج من بوتقة التشاؤم، و فتح نافذة الأمل و التفاؤل" في نصوص مثل: "ذات يقظة"، و "كي لا أنكسر"، و " نكاية بالوجع"، "جدائل الصبح"، و " أفول المواجع"...
نقرأ من نص "كي لا أنكسر":
"مُدّني بومضة وهم أيها القمر،
تتبرج بها بقايا العمر
فأعانق جديلة شمس
ملقاةً على عاتق جُدَد
بيض و حمر
ممشوقة... تتراقص
على نسمات الفجر"
يشبه هذا المقطع ما يطلق عليه "التطور المفاجئ على خشبة المسرح" بلغة الدراما (Rebondissement théâtral) يعبر عن تحول مذهل و غير منتظر في موقف الشاعرة؛ ف "أفول المواجع"، و ال"نكاية بالوجع"، و "اليقظة" ("ذات يقظة") كلها عناوين لردود أفعال وجدانية من صميم الخيال، يغذيها الوهم بدل الحلم أو المبادرة الفعلية في الواقع ("مُدّني بومضة وهم أيها القمر"). و هذا ما يعطي لأسلوب الشاعرة خديجة بوعلي تفرّدا: إذ تقنع القارئ في أكثر من نص بأنها استطاعت كذات شاعرة تخطي الألم و الوجع و حياة الرتابة و الملل و الضياع و العدم بيقظة ينتصر فيها نور القمر على العتمة، و إذا بنا نعود إلى نقطة الصفر / الانطلاق حيث لا أمل؛ في السياق ذاته، نقرأ هذه المفارقة التي غيرت مجرى انتظارات القارئ الذي غاص في وجدانيات النصوص كما في هذا المقطع من نص "حوار":
"تسألها المرآة:
ما بك اليوم؟ !
أين غابت فرحة عينيك؟
أين لمسة العشق التي
تزخرف ضفاف لوحاتك؟
أين آمال تنطّ برشاقة
فوق نبرات صوتك؟
أين الزمرد المتلألئ
على قارعة جفنيك؟
أين لمحات الأمان المنتصبة
على ناصية دربك؟
أجابت البحيرة بكل جرأة
مداعبة خصلات الشرخ
على الوجنتين:
كل شيء كان
سكن زمنا كان
ما من مكان لها الآن".
هذا المقطع يلغي الضمير المتكلم لذات الشاعرة (بطلة مواجع الديوان) التي ما عادت سوى "شرخ على الوجنتين" لِتُعوضها الشاعرة خديجة بوعلي بكائنات غير عاقلة (المرآة، و البحيرة) متنافرة و متناقضة وجه الشبه بينها أنها عاكسة لوجود بلا ماهية، يشبه العدم ("ما من مكان لها الآن").
وجدانيات الشاعرة خديجة بوعلي تخضع لسلطة اللغة و البلاغة دلاليا و إيقاعيا في قالب سردي شعري قريب من أساليب الدرامية للتراجيديا في جنسي المسرح و الرواية؛ بها جمالية و فلسفة خاصة قريبة من طقوس التصوف حاملة لأكثر من رسالة.
و حتى يتجدد لقاؤنا أعزائي القراء مع قراءة أخرى لأعمال الشاعرة المغربية المبدعة
خديجة بوعلي، لكم تحيات نافذة النقد و الأستاذ بوزيان موساوي. وجدة. المغرب.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.