samedi 26 janvier 2019

المغرب // assif assif // قراءة في قصيدة تحت دثار الأرق " لأمينة نزار



  تحت دثار الأرق
*****
ألتحف العتمة
وأتدثر بالأرق
أستأنس بالوحدة
أغوص في الكلمات
وأهيم في عالمك..
أسامر الليل
بين ابتهاج حينا
وبين ضجر.
أرقب أديم السماء
تبتسم لي النجوم
أنيقة..
رشيقة..
نشوى..
مستبشرة
بزفاف القمر.
يغازلني الفجر
بعد طلاق الظلمة
يشقشق
بومضة نور
وتغريدة
عصافير الصباح
تتراقص
على الشجر.
تداعبني الشمس
بأول خيط
يولد من رحم الحلكة
فتلمع قطرات الندى
لآلئ على شفاه
الورد والزهر.
ينبعث نوره
شحنات،ذبذبات
تسري إليك
وقت السحر.
تستفزك
تلهمك
تنقذك من براثين
السهر .
فيامثلي...
أيها الملتحف بالعتمة
المدثر بالأرق...
هات الألم نتقاسمه
والحلم نتشاركه..
هات الشوق
نشربه نخبا
نتبادله كؤوسا ..
والحنين
نذوبه هسيسا..
والانتظار
نحرقه شموعا..
تنير ماتبقى
من عمر الليالي
أبد الدهر. 
فتشرق
شمس منتصف الليل
تتألق العتمة ضياء
ويتفتح الأرق
يزهربوحا
عذبا سلسبيلا
برحيق النبض
وروح الشعر.
******
أمينة نزار 



لا  شك أن إنتاج المعنى في النص الأدبي يتم عبر طرفين : القارىء و النص . و القراءات المتعددة للنص الواحد قابلة أن يختلف بعضها  عن بعض .. فليس في النص الأدبي معنى واحدا، وهو الذي يقصده الكاتب .. وليس في ذهن القارىء معنى واحدا ، هو الذي يسقطه على النص .
النص الأدبي يحث القراء على طلب المعاني من خلال أماراتٍ تدل عليها .. والنص الجميل دوما هو الذي يعج بالإشارات و العلامات والغموض و الامتناع عن الجهر المباشر بالمعاني .
لم هذه المقدمة ؟
إنها بكل بساطة تقديم  لتسليط الضوء  على نص الشاعرة  أمينة نزار " تحت دثار  الأرق" ...
هوعنوان عديم الاستقلال بالمعنى ، وهذا ليس نقصا أو تقزيما للعنوان بقدر ما هو إبداع في اختياره .. فالجملة ظرفية .. و الجملة الظرفية تبقى في حاجة إلى ارتباط بالموضوع لنعرف معناها الرئيس .. فالظرف دوما يؤدي وظيفة الكناية عن المكان أو الزمان  وهو يحتاج إلى حد  يخول له الإتيان  بالمعنى  الذي يظل مبهما ..أي أن الجملة الظرفية غير مستقلة.. فالظرف كالحرف من ناحية عدم استقلاله  بالمعنى و افتقاره إلى الغير  في تحديد معناه
لن أطيل  في مناقشة العنوان الذي يعتبر في النص الأدبي مهما من حيث  إعداده القارئ  لمتابعة النص و التحمس لقراءته ..فهو بمثابة "  إشهار "  بالمعنى التجاري للكلمة .
سأمر في قراءة أولية للنص وأول ملاحظة تستوقفني هو كثافة الجمل الفعلية ، فقد عددت 30 فعلا ، أغلبها إن لم أقل كلها أفعال مضارعة  وغابت فيها الأفعال الماضية و النواسخ الفعلية .
والفعل المضارع  فعل التجدد..هذه الخاصية  لا توجد في الماضي و لا في الاسم ..لذلك فغالبا ما يختار الشعراء صيغة المضارع  المثبت  في كتابة قصائدهم لما في ذلك من استمرارية التجدد..فالفعل يقتضي مزاولة تجدد  الصفة ، أما الاسم فيقتضي ثبوتها  من غير أن يكون هناك تزجية فعل .
والزمن في النص  الذي بين أيدينا  طور حال يتشكل من حيث التذكر  الذي وراءه الأرق والهموم و الخيال و الرغبة في ارتقاب الخلاص من خلال مناجاة الآخر في النصف الثاني للنص ..هذا الآخر  الذي يعيش تكرار نفسية  الشاعرة  فهي تقول :
فيامثلي... 
أيها الملتحف بالعتمة
المدثر بالأرق
:بعد أن قالت في بداية القصيدة
ألتحف العتمة
وأتدثر بالأرق
أستأنس بالوحدة

هذين المقطعين  يجرانني إلى التطرق إلى بعض آليات إنتاج هذا النص  وهي معايير معروفة في الأدب و لا يخلو نص منها  لكن تبقى طريقة توظيفها هي التي تعطي  الإبداع والتميز  لهذا النص وتمنعه عن ذلك ..فنص شاعرتنا " امينة نزار " تام  السبك و الحبك ..والسبك معيار  يختص باستمرارية رصد ظاهر النص ، أما الحبك فيختص بالاستمرارية  المتحققة في عالم النص ..أي دلالة النص التي تتجلى في منظومة المفاهيم و العلاقات الرابطة بين هذه المفاهيم ..وهذان المعياران  يختصان بالنص ذاته ..أما ما يتصل بمستعمل النص سواء أكان كاتبا أو متلقيا فهناك معايير أخرى أهمها " القصد و القبول " و لن أتطرق  لهذا المعطى  لان لكل  كاتب قصد و لكل  قارئ طريقة قبوله للنص أو رفضه له .
ومن وسائل السبك في النص الأدبي ، الاعتماد على النحو في شبكة علاقات الجمل ..وهذا ما يؤدي إلى مستويات صوتية وصرفية و تركيبية ومعجمية دلالية  يستلذ بها القارئ النص الأدبي.
كما يعتمد على التكرار الكلي و الجزئي وكمثال (( ففي النص تكرار جزئي جميل جدا وهو الذي سأشير إليه في :
فيامثلي ...
أيها الملتحف بالعتمة
المدثر بالأرق

*****
ألتحف العتمة
وأتدثر بالأرق
أستأنس بالوحدة))

كما أن السبك يعتمد على التوازي وقد  رصدت  في النص نموذجين : عتمة /  ضياء . ابتهاج / ضجر
أما على المستوى الصوتي  فهناك مستوى صوتي متقارب ( ألتحف / أتدثر / أستانس / أغوص / أهيم / أسامر / أرقب . أنيقة / رشيقة / نشوى / مستبشرة ... إلى غير ذلك  من العبارة التي  تفننت الشاعرة في اختيارها .
وعلى مستوى الموسيقى الشعرية فالشاعرة لم تخرج عن إطارها العام   في الكتابة و الذي يتلخص  في قصر الجمل  إلى حد  كلمة واحدة في السطر .. هذه الطريقة التي تميزها وتتميز بها جعلت النص ثابت الإيقاع وتتتابع فيه التشكيلات و الصور النغمية فيما يشبه  الموسيقى التصويرية  حيث ينتهي آخر سطر  بصورة حية :
 ويتفتح الأرق
يزهربوحا
عذبا سلسبيلا
برحيق النبض
.وروح الشعر

******

وكخلاصة  عن هذا  التحليل البسيط  أريد أن أقول أن التقاء المعنى بالأسلوب  في الكتابة  لون من العلاقات الفاضلة  التي ترتقي بالأدب  ليصبح عطاءَ  نفس  وحكمة روح  ومن يستطيع  أن يؤثث النص الأدبي  بهذه الميزة  فقد أوتي خيرا  وأنتج إبداعا . وأمنية نزار في كتاباتها التي  تعودنا عليها  تتميز  بهذا كما تتميز بالتعمق و الأناقة و اللباقة و الرفاهة و الذوق الشاعري  وما يتصل به من دقة وسعة الأفق والرحابة وطول النفس  بلا عسر ولا تكلف .
.أتمنى أن تقبل مني هذه الشهادة  التي لا أجاملها بها




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.